عناصر الخطبة
1/ قصة أبي مسلم الخولاني مع جاريته 2/ خطورة الغفلة عن فهم حقيقة الدنيا ونسيان الآخرة 3/ وصية نبوية عظيمة 4/ كيف يصل العبد إلى رضوان الله وجنته؟ 5/ المخرج من الغفلة 6/ وجوب الاعتصام والاستمساك بحبْل الله ورسوله.اقتباس
إن الغفلة عن الهدف من خلق الإنسان، وواجباته في حياته الدنيا، وحقيقة الموت وما بعده أورث في النفوس فساداً أهلك الحرث والنسل، فظهر التفريط والتقصير والغرور والكبر، والظلم والطغيان، وقامت بسبب ذلك الحروب والصراعات وسُفكت الدماء وساءت العلاقات بين البشر.. فأين الزاد الإيماني الذي يبلغنا رضوان الله وجنته؟ وأين العمل الصالح الذي ننال به خيرية الدنيا والآخرة؟.. إلى متى الغفلة ونحن نرى الدنيا ما دامت لأحد ولا تخلد فيه أحد.. ورحل الصغير والكبير، والغني والفقير، والحاكم والمحكوم ولم يحملوا معهم مالاً ولا عقاراً ولا نفعهم أهل ولا أتباع ولا بنون ولا منصب ولا جاه، وليس هناك طريق للنجاة إلا بأعمال صالحة وحسن ظن بالله ..
الخطبة الأولى:
الحمد لله غافر الذنب.. وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول.. لا إله إلا هو إليه المصير خالق الخلق على أحسن الصور، ورازقهم على قدر، ومميتهم على صغر وشباب وكبر.. أحمده حمداً يوافي إنعامه، ويكافئ مزيد كرمه الأوفر. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة من أناب وأبصر، وراقب ربه واستغفر، وأشهد أن سيدنا ومولانا محمدا عبدُه ورسوله، وحبيبه وخليله، الطاهر المطهّر، المختار من فهر ومضر.. صلى الله عليه، وعلى آله وأزواجه وصحبه، ما أقبل ليل وأدبر، وأضاء صبح وأسفر، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: عباد الله: ذكر ابن عساكر في تاريخ دمشق: أن أبا مسلم الخولاني: عاد يوماً إلى منزله فإذا جاريته تبكي فقال لها: يا بنيّة ما يبكيك؟, فقالت: ضربني سيدي ابنك, فدعا ابنه فقال: كيف ضربكِ؟ قالت: لطمني, قال لابنه: اجلس فجلس, فقال لها: الطميه كما لطمكِ, فقالت: لا ألطم سيدي، فقال لها: عفوت عنه؟, قالت: نعم، قال: لا تطلبينه في الدنيا ولا في الآخرة؟, قالت: نعم, قال: اذهبي حتى تشهدي على ما تقولين, فدعت رجالاً، فقال لهم أبو مسلم: إن ابني لطمها لطمة، فدعوتها لتقتصّ من ابني، فأبت أن تقتصّ، فزعمت أنها قد عفت عنه، لا تطلبه لا في الدنيا، ولا في الآخرة، فكذلك؟ قالت: نعم, قال: أشهدكم أنها حرة لوجه الله.
فأقبل عليه بعض القوم، فقال: أعتقتها من أجل أن لطمها ابنك، وليس لك خادم غيرها؟, قال: "دعونا منكم أيها القوم، ليتنا نفلت كفافاً، لا لنا ولا علينا" (تاريخ دمشق 12/ 62- 63)..
هكذا هو المسلم يعيش في هذه الدنيا ويمشي في مناكبها ويسعى لعمارتها ويستفيد من خيراتها ويقوم لله بالعبودية الحقة، ويخضع لحكمه ويعمل لرضاه، ويصبر على أقداره ويستعد للقائه سبحانه بعقيدة صحيحة وعمل صالح وخلق حسن..
لا تقصير في العبادات ولا ظلم ولا عداوات ولا تساهل في واجبات خوفاً من رب الأرض والسماوات وطمعاً بما عند الله من ثواب وجنات..
لكن الغفلة عن فهم حقيقة الدنيا ونسيان الآخرة في نفوس كثير من الناس والشعوب والمجتمعات أدى إلى الانحراف عن الدين، والخروج عن القيم العظيمة، والصراع من أجل الدنيا والتنافس على شهواتها وملذاتها الفانية قال تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ) [آل عمران: 14]..
ولقد كان -صلى الله عليه وسلم- يحذر من هذا الانحراف حتى لا تضعف القيم ويندثر الدين وتسوء الأخلاق وتزيد الهموم، ويقل العمل الصالح ويسعى الإنسان بكل جهده ليكتنز المال والمنصب والجاه والمتاع والأتباع؛ إلا أنه فقير إلى عمل صالح يقربه من الله والدار الآخرة، وهذا ما يعيشه كثير من الناس اليوم فعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: " يَا شَدَّادُ بْنَ أَوْسٍ ! إِذَا رَأَيْتَ النَّاسَ قَدِ اكْتَنَزُوا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، فَاكْنِزْ هَؤُلاءِ الْكَلِمَاتِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الأَمْرِ, وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَأَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ, وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ, وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ قَلْبًا سَلِيمًا, وَلِسَانًا صَادِقًا، وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ، إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ" (السلسلة الصحيحة: 3228) ..
والله عز وجل يقول: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ)[فاطر: 5].. إن الدنيا لا تدوم لأحد مهما بلغت منزلته، ولا بد من الرحيل عنها وصَّى بذلك جبريل -عليه السلام- خاتم الرسل وسيد الأنبياء محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- فقال: "يا محمَّدُ عشْ ما شئتَ فإنَّك ميِّتٌ، واعملْ ما شئتَ فإنَّك مَجزيٌّ به وأحبِبْ من شئتَ فإنَّك مفارقُه.." (حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة: 831) ..
ولا بد للرحيل من زاد من الأعمال الصالحة.. من عبادات وطاعات وسلوكيات وأخلاق ومعاملات، وبذل معروف وتقديم نفع وقول حق ونشر فضيلة وحفظ لسان وأمر بمعروف ونهي عن منكر، وكف الأذى وسلامة صدر وحسن ظن بالله ورجاء عفوه ورحمته ..
هذا هو الزاد الذي يبلغ به العبد رضوان الله وجنته ويتجاوز به فتنة القبر وفتنة الحساب وفتنة الصراط وفتنة النار .. يقول سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ )[البينة:7، 8].
أيها المؤمنون/ عباد الله: يروى أن ملكاً استدعى وزراؤه الثلاثة، وطلب منهم أمراً غريباً طلب من كل وزير أن يأخذ كيساً، ويذهب إلى بستان القصر، وأن يملأ هذا الكيس للملك من مختلف طيبات الثمار والزروع، كما طلب منهم ألا يستعينوا بأحد في هذه المهمة، وألا يسندوها إلى أحد آخر استغرب الوزراء من طلب الملك، وأخذ كل واحد منهم كيسه وانطلقوا إلى البستان..
فأمَّا الوزير الأول: فقد حرص على أن يرضي الملك، فجمع من كل الثمرات من أفضل وأجود المحصول، وكان يتخيَّر الطيَّب والجيد من الثمار حتى ملأ الكيس، أمَّا الوزير الثاني: فقد كان مقتنعاً بأن الملك لا يريد الثمار ولا يحتاجها لنفسه، وأنه لن يتفحص الثمار فقام بجمع الثمار بكسل وإهمال، فلم يتحرَ الطيب من الفاسد حتى ملأ الكيس بالثمار كيف ما اتفق..
أمَّا الوزير الثالث: فلم يعتقد أن الملك سوف يهتم بمحتوى الكيس أصلاً، فملأ الكيس بالحشائش والأعشاب وأوراق الأشجار، وفي اليوم التالي أمر الملك أن يؤتى بالوزراء الثلاثة مع الأكياس التي جمعوها، فلما اجتمع الوزراء بالملك أمر الملك الجنود بأن يأخذوا الوزراء الثلاثة ويسجنوهم كل واحدٍ على حدة مع الكيس الذي معه لمدة ثلاثة أشهر في سجن بعيد لا يصل إليهم فيه أحد، وأن يمنع عنهم الأكل والشراب..
فأما الوزير الأول فبقي يأكل من طيبات الثمار التي جمعها حتى انقضت الأشهر الثلاثة.. وأما الوزير الثاني فقد عاش الشهور الثلاثة في ضيق وقلة حيلة معتمداً على ما صلح فقط من الثمار التي جمعها.. أما الوزير الثالث فقد مات جوعًا قبل أن ينقضي الشهر الأول..
وهكذا اسأل نفسك!! من أيّ نوع أنت؟ فأنت الآن في بستان الدنيا لك كامل الحرية أن تجمع من الأعمال الطيبة، أو الأعمال الخبيثة، ولكن غداً عندما يأمر ملك الملوك -سبحانه وتعالى- أن تدفن في قبرك في ذلك المكان الضيق المظلم لوحدك ماذا تعتقد سوف ينفعك غير طيبات الأعمال التي جمعتها في حياتك الدنيا.... !!! وصدق الله إذ يقول: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة:281].
دخل الإمام علي -رضي الله عنه- المقبرة فقال: يا أهل القبور ما الخبر عندكم: إن الخبر عندنا أن أموالكم قد قُسمت، وأن بيوتكم قد سُكنت، وأن زوجاتكم قد زُوجت، ثم بكى ثم قال: والله لو استطاعوا أن يجيبوا لقالوا: إن خير الزاد التقوى....
إن الغفلة عن الهدف من خلق الإنسان، وواجباته في حياته الدنيا، وحقيقة الموت وما بعده أورث في النفوس فساداً أهلك الحرث والنسل، فظهر التفريط والتقصير والغرور والكبر، والظلم والطغيان، وقامت بسبب ذلك الحروب والصراعات وسُفكت الدماء وساءت العلاقات بين البشر.. قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُون * أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُون) [يونس: 7-8]..
فأين الزاد الإيماني الذي يبلغنا رضوان الله وجنته؟ وأين العمل الصالح الذي ننال به خيرية الدنيا والآخرة؟ أين تنافسنا على الحسنات التي تبيض وجوهنا عند الله والأعمال التي يتعدى نفعها للصغير والكبير والأرض والإنسان والمجتمع والوطن؟ إلى متى الغفلة ونحن نرى الدنيا ما دامت لأحد ولا تخلد فيه أحد.. ورحل الصغير والكبير، والغني والفقير، والحاكم والمحكوم ولم يحملوا معهم مالاً ولا عقاراً ولا نفعهم أهل ولا أتباع ولا بنون ولا منصب ولا جاه، وليس هناك طريق للنجاة إلا بأعمال صالحة وحسن ظن بالله ..
خرج هارون الرشيد يوماً في رحلة صيد فمرّ برجل يقال له بُهلول قد اعتزل الناس وعاش وحيداً.. فقال هارون: عظني يا بُهلول قال: يا أمير المؤمنين!! أين آباؤك وأجدادك؟ من لدن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى أبيك؟ قال هارون: ماتوا.. قال: فأين قصورهم؟ قال: تلك قصورهم.. قال: وأين قبورهم؟ قال: هذه قبورهم.. فقال بُهلول: تلك قصورهم.. وهذه قبورهم.. فما نفعتهم قصورهم في قبورهم؟
قال: صدقت.. زدني يا بهلول..
قال: أما قصورك في الدنيا فواسعة، فليت قبرك بعد الموت يتسع فبكى هارون، وقال: زدني فقال: يا أمير المؤمنين: قد ولاك الله فلا يرى منك تقصيرًا ولا تفريطًا.
فزاد بكاؤه وقال: زدني يا بهلول .. فقال: يا أمير المؤمنين:
هب أنك ملكت كنوز كسرى *** وعُمرت السنين فكان ماذا؟
أليس القبر غاية كل حيٍ *** وتُسأل بعده عن كل هذا؟
قال: بلى.. ثم رجع هارون ولم يكمل رحلة الصيد تلك.. وانطرح على فراشه مريضاً.. ولم تمضِ عليه أيام حتى نزل به الموت..
نسأل الله أن يستعملنا في طاعته وأن يجنبنا معصيته، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل.. قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطبة الثانية:
عباد الله: إنَّ المخرَج من هذه الغفلة التي حولت حياتنا إلى شقاء وإن طوقَ النجاة يكمن في الاعتصامُ والاستمساك بحبْل الله ورسوله، وتحقيق الوحْدة بالأُخوة الإيمانية؛ كما قال تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[الأنعام: 153].. وقال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)[آل عمران: 103]..
ومن ذلك المحافظة على الفرائض والإكثار من النوافل من العبادات والطاعات والأعمال الصالحات.. قال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) [الكهف: 110]..
ومن ذلك الاعتبار بمصير الأمم الشعوب وكيف كانت آثار الغفلة مدمرة لحياة أبنائها وكيف كانت سبباً للهلاك والعقوبة الإلهية، قال تعالى: (فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ) [الأعراف: 136]، وقال تعالى: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوا كُلَّ آيَةٍ لاَ يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوا سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ)[الأعراف: 146]..
عباد الله : إن من غَفِل عن نفسه وتزكيتها بطاعة الله، وبالأخلاق الحسنة والعمل الصالح واغتر بالدنيا، سيأتي عليه يوم يندم فيه ويتحسر على ما مضى من عمره؛ فلابد إذاً من وقفة صادقة مع النفس ومحاسبة جادة، ومساءلة دقيقة، وتوبة صادقة، قال تعالى: (وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ)[ق: 21- 22]..
فجددوا إيمانكم بالله وأحسنوا العمل ووحدوا صفكم وقووا أخوتكم وانتصروا على شهواتكم، وتواضعوا لبعضكم، وتسامحوا في ما بينكم، واحفظوا دمائكم وصونوا أعراضكم وتجاوزوا خلافاتكم واحذروا وساوس الشيطان ونزغاته وانشروا الأمن والأمان في بلادكم واستعدوا للقاء ربكم.. ومن أبى فلا يلومنَّ إلا نفسه قال تعالى: (فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ * يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ *وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ * سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ * لِيَجْزِي اللّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) [إبراهيم 47-51]..
اللهم يا من لا تراه في الدنيا العيون، ولا تُخالِطه الظنون، ولا يصِفه الواصفون! يا من قَدَّر الدهور، ودبَّر الأمور، وعلِم هواجس الصدور! يا من عزَّ فارتفع! وذلُّ كلُّ شيء له فخضع، وجهك أكرم الوجوه، وجاهُك أعظم الجاه، وعطيِّتك أعظم العطيِّة، تجيب المضطرَّ، وتكشف الضرَّ، وتغفر الذنب، وتقبل التوب، لا إله إلا أنت.. اختم بالصالحات أعمارنا وحقق آمالنا وأصلح أعمالنا وألف بين قلوبنا واحفظ بلادنا وسائر بلاد المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين..
وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين ... والحمد لله رب العالمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم