عناية الإسلام بالأسرة

الشيخ د صالح بن مقبل العصيمي

2024-10-04 - 1446/04/01 2024-10-14 - 1446/04/11
عناصر الخطبة
1/مكانة الأسرة في الإسلام 2/من مظاهر اهتمام الإسلام بالأسرة 3/التحذير من الطلاق وبيان أسبابه 4/وصايا وتوجيهات لحياة زوجية مستقرة

اقتباس

نَجِدُ التَّسَرُّعَ فِي اِتّـِخَاذِ قَرَارِ الطَّلَاقِ خَاصَّةً مِنَ الشَّبَابِ حَدِيثِي الزَّوَاجِ مَلْـحُوظًا؛ فَهُمْ لَمْ يَتَعَوَّدُوا عَلَى أَجْوَاءِ الزَّوْجِيَّةِ، وَمَا فِيهَا مِنْ قُيُودٍ وَتَحَمُّلٍ لِلمَسْؤُولِيَّةِ، بَعْدَ تَرْكِهِمْ لِحَيَاةِ الْعُزُوبِيَّةِ الَّتـِي فِيهَا التَّفَلُّتُ مِنَ المَسْؤُولِيَّةِ؛ فَيُرِيدُونَ الجَمْعَ بَيْنَ مَزَايَا الزَّوَاجِ وَمَزَايَا العزوبِيَّةِ...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

إنَّ الحمدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ، صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.

 

أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى، واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى، وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-، وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

     

عِبَادَ الله: إِنَّ الْأُسْرَةَ فِي الْإِسْلَامِ شَاهِدٌ مَلْمُوسٌ عَلَى عُلُوِّ شَأْنِ الْإِسْلَامِ تَعْجِزُ الْأَنْظِمَةُ الْبَشَرِيَّةُ -مَهْمَا بَلَغَتْ- أَنْ تَبْلُغَ مَبْلِغَهُ، وَأَفْلَسَتْ الْأَدْيَانُ الأرضية، وَالْحَضَارَاتُ الْمُعَاصِرَةُ أَنْ تَصِلَ لِمُسْتَوَاهُ، وَالْوَاقِعُ يَشْهَدُ بِتَفَكُّكِ الْأُسَرِ وَضَيَاعُ الْمُجْتَمَعَاتِ فِي مَشْرِقِ الأَرْضِ وَمَغْرِبِهَا حِينَ يَغِيبُ عَنْهَا الْإِسْلَامُ، أَوْ تَضِلُّ عَنْ تَوْجِيهَاتِ الْقُرْآنِ، وسُنة خير الأنام -صلى الله عليه وسلم-.

 

فالأسرةُ والعائلةُ والبيتُ الزوجيُّ أساسُ المُجتمع المُسلم ونواتُه، ومنه يخرجُ صلاحُ الفَرْدِ أو فسادهُ، وَالزواجَ فِطرةٌ وضرورةٌ وحاجةٌ إنسانيَّةٌ طبيعيَّةٌ، إِلَّا أَنَّهُ فِيْ الإِسْلَامِ شريعةٌ وَأَمْرٌ، وسنَّةٌ وطُهرٌ، وكِيانٌ تُسخَّرُ لِقِيَامِهِ وَتَمَامِهِ وَصَلَاحِهِ كلُّ الإِمْكَانَاتِ، وتُذادُ عنه المُعوِّقاتُ والمُنغِّصات.

 

والأُسْرَةُ اللبَنَةُ الأُوْلَى في حياة الفرد، وَهِيَ الْمَحْضَنُ الأَوَّلُ لِلْتَرْبِيَةِ على الصَلاحِ وَالإِيْمَانِ، وَمَدْرَسَةُ الأَجْيَالِ، وَسَبِيْلُ العِفَةِ وصونٌ لِلْشَّهْوَةِ، والطريقُ المشروعُ لإِيْجَادُ البَنِيْنَ وَالأَحْفَادِ، وانتشارُ الأَنْسَابِ وَالأَصْهَارِ.

 

فَبِالزَوَاجِ المَشْرُوْعِ تَنْشَأُ الأُسْرَةُ الكَرِيْمَةُ، وَتَنْشَأُ مَعَهَا المَوَدَةُ وَالرَّحْمَةُ، وَيَتَوَفَرُ السكنُ وَاللبَاسُ، والزواجُ آيةٌ مِنْ آيَاتِ الله يُذكرنا القرآن بِهَا، وَيَدْعُوْنَا لِلْتَّفَكُرِ فِيْ آثَارِهَا، وَمَا يَنْشَأُ عَنْهَا: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الروم: 21].

 

عِبَادَ اللهِ: عَلَى الْوَالِدَيْنِ مَسْؤُولِيَّةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى تَوْجِيهِ أَوْلَادِهِمْ قَبْلَ الزَّوَاجِ، وَبَيَانِ مَا عَلَيْهِمْ فِعْلُهُ قَبْلَ الزَّوَاجِ وَبَعْدَ الزَّوَاجِ، وَتَنْبِيْهِهِمْ عَلَى العَقَبَاتِ الَّتِي قَدْ تُوَاجِهُهُمْ؛ فَهْمْ سَوْفَ يَتْرُكُونَ حَيَاةَ أَلَّا مَسْؤُولِيَّةَ إِلَى المَسْؤُولِيَّةَ؛ كَذَلِكَ تَنْبِيهَ الْبُنَيَّاتِ إِلَى أَنَّهُنَّ يَنْتَقِلْنَ إِلَى حَيَاةٍ جَدِيدَةٍ، وَأُسْرَةٍ غَرِيبَةٍ عَلَيْهَا، فَعَلَيْهَا بِالصَّبْرِ وَالتَّحَمُّلِ حَتَّى تَألِفَ وَتَألُفَ.

 

لذا َأَرشَدَ الإِسْلاَمُ الزوج إِلَى أَهَمِّ مَا يَنْبَغِي أَلاَّ يَتَنازَلَ عَنْهُ عند اختِيارِ الزَّوجَةِ، قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: "تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِها، ولِحَسَبِها، وجَمَالِها، ولِدِينِها، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ"(رواه البخاري ومسلم).

 

فَالصَلَاحُ هُوَ أَهَمُّ عُنْصُرٍ يَضْمَنُ استِقَامَةَ الأُسْرَةِ ونَجَاحَها، كَمَا أَرشَدَ الفَتَاةَ وأَهلَهَا لأَنْ يَكُونَ أَهَمُّ مِعْيَارٍ فِي قَبُولِ الخَاطِبِ زَوْجاً لِلْفَتَاةِ هُوَ الصَّلاَحُ أَيْضاً، فَوَرَدَ عَنْهُ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ في الحديث الصحيح: "إِذَا جَاءَكُم مَنْ تَرضَوْنَ دِينَهُ وخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ؛ إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرضِ وفَسَادٌ كَبِيرٍ"، فَإِذَا كَانَ الصَّلاَحُ مَوجُوداً فِي الزَّوْجِ والزَّوْجَةِ تَمَّ تَحقِيقُ أَهَمِّ الشُّرُوطِ لِنَجَاحِ الأُسْرَةِ وتَكْوِينِها عَلَى قَاعِدَةٍ سَلِيمَةٍ.

 

وَإِعْدَادُ النَّسْلِ الْمُسْلِمِ وَتَرْبِيَتِهِ مِنْ أَوْلَى وَظَائِفِ الْأُسْرَةِ، بَلْ هِيَ الْمَدْرَسَةُ الْأُولَى الَّتِي يَتَلَقَّى الْوَلَدُ فِي جَنَبَاتِهَا أُصُول عَقِيدَتِهِ، وَمَبَادِئُ إِسْلَامِهِ، وَقِيَمِهِ وَتَعَالِيمُهُ، فَلَقَدْ حَرَصَ الإِسلاَمُ عَلَى صِيَاغَةِ أُسُسٍ تُجَنِّبُ الأُسْرَةَ مِنِ احتِمَالاَتِ الخَلَلِ فِي تَكْوِينِ أَفْرَادِها، فَوَضَعَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- الفَرْدَ الذِي يُقْدِمُ عَلَى تَكْوِينِ أُسْرَةٍ أَمَامَ مَسؤولِيَّتِهِ فِي هَذَا الأَمْرِ فَقَالَ: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وكُلُّكُمْ مَسؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهلِ بَيْتِهِ ومَسؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، والمَرأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِها ومَسؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِها، فَكُلُّكُم رَاعٍ وكُلُّكُم مَسؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ"(رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ)، وقَدَ بَدَأَ تَحِديدُ المَسؤولِيَّةِ مُنْذُ بِدَايَةِ التَّفْكِيرِ فِي تَشْكِيلِ الأُسْرَةِ.

 

فَعَلَى كُلِّ زَوْجِ أَنْ يَتَّقِيَ اللهَ رَبَّهُ فِي زَوْجَتِهِ الَّتِي جَعَلَهَا اللهُ تَحْتَ وِلَايَتِهِ وَفِي عِصْمَتِهِ، وَهَذَا يَقْتَضِي رِعَايَتَهَا وَحِفْظِهَا وَصِيَانَتَهَا؛ فَهُوَ الْقَائِمُ عَلَى مَصَالِحِهَا كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ)[النساء: 34]، وَهِيَ قِوَامَةُ إِصْلَاحٍ وَرِعَايَةٍ وَإِدَارَةٍ وَتَدْبِيرٍ، وَلَيْسَتْ قِوَامَةُ تَسَلُّطٍ وَبَغْيٍ، وَأَذِيَّةٍ وَتَنْفِيرٍ،كَمَا يَسْتَوْجِبُ مُعَامَلَتَهَا بِالْإِحْسَانِ وَالرَّحْمَةِ، وَالصَّفْحِ وَالْغُفْرَانِ، لِقَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً؛ إنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقاً رَضِيَ مِنْهَا آخَر"(رواه مسلم).

 

فَحَثَّ الإِسْلَامُ عَلَى المُعَاشَرَةِ الحَسَنَةِ، وَأَنْ يَتَحَمَّلَ الرَّجُلُ اِعْوِجَاجَ الْمَرْأَةِ، كَمَا فِي الحَدِيثِ: "الْمَرْأَةُ خُلِقَتٍ مِنْ ضِلَعٍ أَعْوَجَ، وَإِنَّكَ إِنْ أَقَمْتَهَا كَسَرْتَهَا، وَإِنْ تَرَكْتَهَا تَعِشْ بِهَا وَفِيهَا عِوَجٌ"(رَوَاهُ الحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ).

 

فمَسؤولِيَّةَ الفَرْدِ تِجَاهَ أُسْرَتِهِ لاَ تَقْتَصِرُ عَلَى الأُمُورِ المَادِّيَّةِ وتَبِعاتِها، إِنَّمَا هِيَ مَسؤولِيَّةُ بِنَاءِ إِنْسَانٍ وتَكْوِينِ شَخْصِيَّةٍ، فَكُلُّ وَاجِبٍ يُسْهِمُ فِي تَقْوِيمِ سُلُوكِ الطِّفْلِ وتَنْمِيَةِ مَدَارِكِهِ، وتَأْهِيلِ الشَّابِّ لَيُسْهِمُ فِي بِنَاءِ المُجتَمَعِ، هُوَ مِنَ المَسؤولِيَّةِ الأُسَرِيَّةِ التِي يَجِبُ تَحَمُّلُها.

 

وَبِنَاءُ الْأُسْرَةِ عَلَى الْوَجْهِ السَّلِيمِ الرَّشِيدْ لَيْسَ أَمْرًا سَهْلاً، بَلْ هُوَ وَاجِبٌ جَلِيلٌ يَحْتَاجُ إِلَى إِعْدَادٍ وَاسْتِعْدَادٍ، كَمَا أَنَّ الحَيَاةَ الزَّوْجِيَّةَ لَيْسَتْ لَهْوًا وَلَعِبًا، وَلَيْسَتْ مُجَرَّدَ تَسْلِيَةٍ وَاسْتِمْتَاعٍ، بَلْ هِيَ تَبِعَاتٌ وَمَسْؤُولِيَّاتٌ وَوَاجِبَاتٌ، منْ تَعَرّضَ لَهَا دُونَ صَلَاحٍ أَوْ قُدْرَةٍ كَانَ جَاهِلاً غَافِلاً عَنْ حِكْمَةِ التَّشْرِيعِ الْإِلَهِيِّ، وَمِنْ أَسَاءَ اسْتِعْمَالُهَا أَوْ ضَيَّعَ عَامِدًا حُقُوقَهَا اسْتَحَقَّ غَضَبُ اللهِ وَعِقَابِهِ؛ وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الإِنْسَانُ صَالِحًا لِهَذِهِ الْحَيَاةِ، قَادِرًا عَلَى النُّهُوضِ بِتَبِعَاتِهَا، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)[التحريم: 6].

 

عِبَادَ اللهِ: كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- خَيْرُ النَّاسِ لِأَهْلِهِ، وَأَحْسَنَهُمْ عِشْرَةٌ لِأَزْوَاجِهِ، وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرِكُمْ لِأَهْلِي"، وَمِنْ وَصَايَاهُ -صلى الله عليه وسلم- فِي حُسْنِ الْعِشْرَةِ قَوْلِهِ: "ألا واسْتَوصُوا بالنِّساءِ خَيْراً؛ فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٍ عِنْدَكُمْ".

 

عِبَادَ اللهِ: إِنَّ مِنْ عِظَمِ هَذَا الدِّينِ أَنَّهُ شَرَعَ الزَّوَاجَ مِنْ أَجْلِ بِنَاءِ مُجْتَمَعٍ مُسْلِمٍ عَلَى أُسُسٍ سَلِيمَةٍ، وَأَمَرَ بِالـمُعَاشَرَةِ بِالْـمَعْرُوفِ بَيْنَ الزَّوْجَيـْنِ، مَعَ تَحَمُّلِ كُلِّ طَرَفٍ مَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَحَمَّلَهُ مِنْ مُنَغِّصَاتِ الْـحَيَاةِ مِنَ الطَّرَفِ الآخَرِ، قَالَ -تَعَالَى-: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)[النساء: 19]، وَقَالَ -تَعَالَى-: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)[البقرة: 228]، وَالْوَاجِبُ عَلَى الزَّوْجَيْنِ أَنْ يُعَاشِرَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ بِالْمَعْرُوفِ.

 

وَأَلْزَمَ الإِسْلَامُ الْمَرْأَةَ بِطَاعَةِ الزَّوْجِ بِالمَعْرُوفِ، وَنَـهَى -صلى الله عليه وسلم- المَرْأَةَ أَنْ تَطْلُبَ مِنْ زَوْجِهَا الطَّلَاقَ دُونَ أَسْبَابٍ أَوْ مُبَـرِّرَاتٍ شَرْعِيَّةٍ، فَعَلَى الْمَرْأَةِ الصُّبْـرُ عَلَى الزَّوْجِ، وَعَدَمُ التَّسَرُّعِ بِطَلَبِ الطَّلَاقِ، قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ"(رَوَاهُ أَحْـمَدُ وَغَيْـرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ)، قَالَ الشَّوْكَانِي -رَحِـمَهُ اللهُ-: "وفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ سُؤَالَ الْمَرْأَةِ الطَّلَاقَ مِنْ زَوْجِهَا مُحَرَّمٌ عَلَيْهَا تَحْرِيمًا شَدِيدًا، وَكَفَى بِذَنْبٍ يَبْلُغُ بِصَاحِبِهِ إلَى ذَلِكَ الْمَبْلَغِ مُنَادِيًا عَلَى فَظَاعَتِهِ وَشِدَّتِهِ"، وَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "الْمُخْتَلِعَاتُ وَالْمُنْتَزِعَاتُ هُنَّ الْمُنَافِقَاتُ"(رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْـرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ).

 

فعلى الزوجين أَنْ يَتَعَاوَنَا عَلَى الخَيْرِ، وَيَكُون كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَاصِحًا لِلْآخَرِ، حَرِيصًا عَلَى القِيَامِ بِحَقِّهِ فِي مَوَدَّةٍ وَوِئَامٍ، وَبُعْدٍ عَنْ النِّزَاعِ وَالْخِصَامِ، وَالتَّنَابُزِ وَالشِّتَامِ، وَجَرْحِ الْمَشَاعِرِ، وَكَسْرِ الخَوَاطِرِ، وَيَكُون دَيْدَنُهُمَا التَّصَافِي، وَحِفْظُ الْجَمِيلِ، وَالثَّنَاءُ عَلَى الْفِعْلِ النَّبِيلِ، وَالِاعْتِرَافِ بِالْخَطَأ وَالِاعْتِذَارِ، وَالْتِمَاسُ الْأَعْذَارِ.

 

فَإِذَا عَرَفَ الزَّوْجُ الْحُقُوقَ وَالْوَاجِبَاتِ الَّتِي عَلَيْهِ تِجَاهَ زَوْجَتِهِ وَقَامَ بِهَا، وَعَرَفَتْ الزَّوْجَةُ الْحُقُوقَ وَالْوَاجِبَات تِجَاهَ زَوْجِهَا وَبَيْتِهَا، وَأَدَّتْهَا عَلَى حَسَبِ اسْتِطَاعَتِهَا؛ دَامَ الزَّوَاجُ وَاسْتَمَرَّ، وَكَانَتْ نَتِيجَتُهُ بَيْتًا مُسْلِمًا، وَذَرِّيَّةً طَيِّبَةً تَخْدِمُ الدِّينَ وَالْوَطَنَ.

 

وَإِذَا مَا تَنَكَّرَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَر، فَأَهْمَلَ فِي وَاجِبَاتِهِ وَحُقُوقِهِ؛ حَصَلَ الْخِصَامُ وَالشِّقَاقُ، حَتَّى يَصِلَ الْأَمْرُ إِلَى الْفِرَاقِ وَالطَّلَاقِ، وَهَذَا الَّذِي يَفْرَحُ بِهِ الشَّيْطَانُ وَيَسْعَى لَهُ.

 

ذَكِّرُوْا الزَّوْجَ وَالزَّوْجَةَ بِأَنَّ كُلّ مِنْهُمْ يُؤَدِّيْ الَّذِيْ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَصَّرَ الْطَرَفُ الآخَرَ علَى أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ، فَاجْعَلُوا لِأُسَرِكُمْ مِنْكُمْ نَصِيبًا، اسْتَمِعُوا لَهُمْ وَلَهُنَّ، وَخَصِّصُوا أَوْقَاتًا لِذَلِكَ، كُونُوا قَرِيبِينَ مِنْهُمْ، وَتَحَدَّثُوا إِلَيْهِمْ وَاصْبِرُوا وَصَابِرُوا.

 

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ.

 

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَخَلِيلُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

 

أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.

 

عباد الله: لقَدْ حَث الْإِسْلَامُ عَلَى إِرْسَاءِ وَتَثْبِيتِ الْأُسْرَةِ، وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى تَمَاسُكِهَا وَاسْتِقْرَارِهَا، وَالتَّحْذِيرِ مِنْ أَسْبَابِ تَفَكُّكِهَا وَعَوَامِلِ تَصَدُّعِهَا.

 

عِبَادَ اللهِ: لَابُدَّ مِنَ الـحَدِّ مِنْ ظَاهِرَةِ الطَّلَاقِ، وَأَنْ يَعِيَ الشَّبَابُ وَالكِبَارُ بِأَنَّ البُيُوتَ قَدْ تَكَدَّسَتْ بِالْمُطَلَّقَاتِ وَالعَوَانِسِ، وَالحِكْمَةُ مَعَ تَقْوَى اللهِ وَالصَّبْـرِ وَمَعْرِفَةِ الْمآلاتِ الَّتـِي تَتَرَتَّبُ عَلَى الطَّلَاقِ عَوَامِلُ مُسَاعِدَةٌ ب-ِإِذْنِ اللهِ- لِلحَدِّ مِنْهُ.

 

عِبَادَ اللهِ: إِنَّ مِنْ أَهَمِّ أَسْبَابِ الطَّلَاقِ فِي هَذَا الزَّمَانِ مَا تُثِيرُهُ وَسَائِلُ الاِتِّصَالِ الحَدِيثَةِ مِنْ فِتـَنٍ وَشُكُوكٍ وَسُوءِ ظَنٍّ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَمِنِ اِطِّلَاعٍ مِنْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ عَلَى مَا يَخُصُّ الآخَرَ، وَخَاصَّةً المَرْأَةُ الَّتِي تَسْعَى لِلتَّفْتِيشِ فِي أَجْهِزَةِ زَوْجِهَا، وَقَدْ تَجِدُ مَا لَا يَسُرُّهَا، وَقَدْ تَكُونُ وَجَدَتْ بِجِهَازِ الزَّوْجِ شَيْئًا عَنْ طَرِيقِ الخَطَأِ وَلَكِنَّهَا تُعَظِّمُ الأُمُورَ، وَتُـخْرِجُ القَضِيَّةَ إِلَى خَارِجِ حُدُودِ بِيْتِ الزَّوْجِيَّةِ.

 

كَذَلِكَ كَثْرَةُ تَذَمُّرِ الزَّوْجَيْنِ مِنْ اِنْشِغَالِ كُلِّ طَرَفٍ بـِهَذِهِ الأَجْهِزَةِ عَنِ الطَّرَفِ الآخَرِ؛ لَقَدْ سَبَّبَتْ هَذِهِ الأَجْهِزَةُ الحَدِيثَةُ وَالَّتِي حَوَتْ خَيْـرًا وَشَرًّا فِي زَرْعِ الشَّكِّ بَيْـنَ بَعْضِ الأَزْوَاجِ وَنَشَرِ الرَّيْبَةِ، فَغَالِبُ هَذِهِ الأَجْهِزَةِ شَرُّهَا فِي بَعْضِ البُيُوتِ أَعْظَمُ مِنْ نَفْعِهَا وَأَكْبَرُ.

 

كَذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ الطَّلَاقِ سُوءُ الأَلْفَاظِ الَّتِي يَتَفَوَّهُ بِـهَا أَحَدُ الأَطْرَافِ نَحْوَ الآخَرِ، وَخَاصَّةً مِنْ الرِّجَالِ الَّذِينَ يُطْلِقُونَ الأَلْفَاظَ المُهِينَةَ عَلَى زَوْجَاتِهُمْ وَيَجْرَحُونَ مَشَاعِرَهُنَّ، وَيَلْجَؤُونَ لِلضَّرْبِ، وَهُوَ خَلَقَ غَيْرَ نَبِيلٍ لَا يَسْتَعْمِلُهُ الأَتْقِيَّاءُ الأَخْيَارُ.

 

فَبْالطَلاقِ تَشَتُّتُ شَمْلِ الأُسْرَةِ، وَتَفَرَّقُ الأَوْلَادِ بَيْنَ الأَبِ وَالأُمِّ، بَلْ قَدْ يَلْجَؤُونَ لِلقَضَاءِ؛ لِحَلِّ هَذِهِ المَشَاكِلِ، ويَبْدَأُ صِرَاعٌ حَوْلَ الحَضَانَةِ قَدْ لَا يَنْتَهِي، وَمَشَاكِلُ ضَحِيَّتُهَا الأَوْلَادُ عِنْدَ الزِّيَارَةِ، تَصِلُ لِخُصُومَاتٍ بَيْنَ الزَّوْجِ وَأَهْلٍ مُطَلَّقَتِهِ أَوِ الزَّوْجَةِ وَأَهَلِ مُطَلِّقِهَا بِسَبَبِ زِيَارَةِ الأَطْفَالِ.

 

مَا يَسْمَعُهُ هَؤُلَاءِ الأَطْفَالُ مِنْ كَلَامٍ جَارِحٍ عَنْ أَبِيهِمْ فِي بَيْتِ أُمِّهِمْ، وَعَنْ أُمِّهِمْ فِي بَيْتِ أَبِيهِمْ، مِمَّا يَتَفَوَّهُ بِهِ الأَهْلُ؛ فَتَنْكَسِرُ قُلُوبُهُمْ، وَتَتَقَطَّعُ أَفْئِدَتُهُمْ، وَيَحْمِلُونَ هُمُومًا فَوْقَ أَعْمَارِهِمْ، مـِمَّا يَسْمَعُونَهُ مِنْ كَلِمَاتٍ يَقْذِفُ بِهَا قُسَاةُ البَشَرِ الَّذِينَ نُزِعَتْ مِنْ قُلُوبِهُمُ الرَّحْـمَةُ، وَسُلِبَتْ مِنْهُمُ الشَّفَقَةُ.

 

وَمِنْ أَهَمِّ مُهِمَّاتِ إِبْلِيسُ التي ألزمَ بها نفسهُ -بعْدَ إفسَاد العقَائد- إِفْسَادُ الصِّلَاتِ الْأُسَرِيَّةِ، وَنَقْضِ العَلَاقَاتِ الزَّوْجِيَّةَ، فَقَدْ صَحَّ عَنْهُ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: "إنَّ إبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ علَى الماءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَراياهُ، فأدْناهُمْ منه مَنْزِلَةً أعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أحَدُهُمْ فيَقولُ: فَعَلْتُ كَذا وكَذا، فيَقولُ: ما صَنَعْتَ شيئًا، قالَ ثُمَّ يَجِيءُ أحَدُهُمْ فيَقولُ: ما تَرَكْتُهُ حتَّى فَرَّقْتُ بيْنَهُ وبيْنَ امْرَأَتِهِ، قالَ: فيُدْنِيهِ منه ويقولُ: نِعْمَ أنْتَ"(رواه مسلم).

 

فَاُنْظُرْ كَيْفَ يَفْرَحُ إِبْلِيسُ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، حَتَّى أَنَّ أَتْبَاعَهُ الَّذِينَ قَدْ يَنْجَحُونَ فِي إِشْعَالِ فِتَنٍ وَإِرَاقَةِ دِمَاءٍ، لَا يَعْتَبِرُهُمْ قَدْ قَدَّمُوا عَمَلًا مُرْضِيًا لَهُ بِقَدْرِ مَا يُرْضِيهُ ذَلِكَ الشَّيْطَانُ الَّذِي نـَجَحَ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ زَوْجَيْنِ فَصَارَ مُقَرَّبًا مِنْهُ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ فِرَاقَ الرَّجُلِ لِأَهْلِهِ أَقْبَحُ شَيْءٍ، فَلَا يَفْرَحُ بِالطَّلَاقِ مَنْ فِي قَلْبِهِ خَوْفٌ مِنَ اللهِ وَتَقْوَى، وَالشَّيْطَانُ يَفْرَحُ بِالطَّلَاقِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ مَفَاسِدَ.

 

والتَّفريقُ بينَ الزَّوجينِ يُعجب إِبْلِيسُ؛ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ مَفَاسِدَ عَظِيمَةٍ كَانْقِطَاعِ النَّسْلِ، وَسُوءَ تَرْبِيَةِ الْأَطْفَالِ، وَتَشَتُّتِ الْأَوْلَادِ وَضَيَاعِهِمْ، وَقَطِيعَةُ الرَّحِمِ، وَمَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّبَاغُضِ وَالتَّشَاحُنِ وَإِثَارَةِ العَدَاوَاتِ بَيْنَ اَلنَّاسِ.

 

عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ جَعَلَ الإِسْلَامُ الطَّلَاقَ فِي يَدِ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّهُ أَقْدَرُ مِنْ المَرْأَةِ عَلَى ضَبْطِ الأُمُورِ، وَأَكْثَرُ تُؤَدَةٍ، مِنْ أَجْلِ الحَدِّ مِنَ كَـثْرَةِ الطَّلَاقِ والتَّسَرُّعِ فِيهِ.

 

إِنَّ النَّاظِرَ فِي حَالِ كَثِيرٍ مِنْ الأُسَرِ كَثُرَتْ حَالَاتُ الطَّلَاقِ وَلِأَتْفَهِ الْأَسْبَابِ، وَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى عَدَمِ تَفَهُّمِ الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ لِمَقَاصِدِ الزَّوَاجِ فِي الْإِسْلَامِ، وَطَرِيقَةُ التَّعَامُلِ مَع بَعْضِهِمَا الْبَعْضِ.

 

وَلَكِنْ مَعَ الأَسَفِ الشَّدِيدِ نَجِدُ التَّسَرُّعَ فِي اِتّـِخَاذِ قَرَارِ الطَّلَاقِ خَاصَّةً مِنَ الشَّبَابِ حَدِيثِي الزَّوَاجِ مَلْـحُوظًا؛ فَهُمْ لَمْ يَتَعَوَّدُوا عَلَى أَجْوَاءِ الزَّوْجِيَّةِ، وَمَا فِيهَا مِنْ قُيُودٍ وَتَحَمُّلٍ لِلمَسْؤُولِيَّةِ، بَعْدَ تَرْكِهِمْ لِحَيَاةِ الْعُزُوبِيَّةِ الَّتـِي فِيهَا التَّفَلُّتُ مِنَ المَسْؤُولِيَّةِ؛ فَيُرِيدُونَ الجَمْعَ بَيْنَ مَزَايَا الزَّوَاجِ وَمَزَايَا العزوبِيَّةِ، وَهَذَا مِنْ الصُّعُوبَةِ بـِمَكَانٍ؛ لِذَا يُضَحِّي بَعْضُ الشَّبَابِ بِزَوَاجِهِ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَعُودَ إِلَى أَجْوَاءِ العزوبِيَّةَ وَعَدَمِ تَحَمُّلِ المَسْؤُولِيَّةِ.

 

وَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ عَنْ فِئَةٍ مِنْ الفَتَيَاتِ اللَّوَاتِي اِعْتَدْنَ عَلَى الدَّعَةِ، وَعَدَمِ تَحَمُّلِ المَسْؤُولِيَّةِ فِي بُيُوتِ أَهْلِهِنَّ، وَفُوجِئْنَ بِمَسْؤُولِيَّاتٍ وَتَبَعَاتٍ لِلحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ؛ فَصَعُبَ عَلَى بَعْضِهُنَّ تَرِكُ حَيَاةِ الدَّعَةِ وَعَدَمِ تَحَمُّلِ المَسْؤُولِيَّةِ فَسَارَعْنَ بِطَلَبِ الطَّلَاقِ.

 

وَغَالِبُ هَؤُلَاءِ الشَّبَابِ وَالفَتَيَاتِ يَنْدَمُونَ بَعْدَ فَتْـرَةٍ؛ حِينَمَا يَرَوْنَ أَصْحَابَـهُمْ قَدِ اِسْتَقَرَّتْ حَيَاتُـهُمْ، وَكُوَّنُوا أُسَرًا، وَتَـحَمَّلُوا الْمَسْؤُولِيَّاتِ الطَّبِيعِيَّةِ الَّتـِي لَابُدَّ مِنْهَا لِتَوَارُثِ الأَدْوَارِ فِي الـحَيَاةِ.

 

وَعَلَى الْوَالِدَيْنِ حَثُّ أَبْنَائِهِمْ عَلَى الْقَنَاعَةِ وَالرِّضَا بِمُسْتَوَاهِمْ الْمَعِيشِيِّ، وَأَلَّا يَطْلُبُوا مَزِيدًا مِنَ التَّنَعُّمِ، بَلْ تَرْضَى الزَّوْجَةُ بِمُسْتَوَى زَوْجِهَا الْمَعِيشِيِّ، فَلَا تَطْلُبُ مِنْهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، فَإِنَّ مَا يَرَوْنَهُ الْآنَ مِنْ مُسْتَوَى مَعِيشِيٍّ فِي غَالِبِ الْأُسَرِ، غَالِبُ هَؤُلَاءِ الْأُسَرِ فِي بِدَايَةِ حَيَاتِهِمْ الزَّوْجِيَّةُ عَاشُوا فِي الشُّقَقِ، وَشَظُفَ الْعَيْشِ، وَالْقَنَاعَةُ كَنْزٌ لَا يُفْنَى.

 

وأَنْ يَحُثُّوا الزَّوْجَيْنِ عَلَى الصَّبْرِ، وَأَنْ يَتَحَمَّلَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَخْطَاءَ الآخَرِ، كَمَا أَنَّ عَلَيْهِمْ تَنْبِيهُ أَوْلَادِهِمْ بِأَنْ لَا يُسِيءُ أَحَدُهُمْ إِلَى أَهْلِ الْآخَرِ، فَإِنَّهَا أَسَاسُ الْمَشَاكِلِ.

 

وأَنْ يُنَبِّهُوا أَوْلَادهُمْ عَلَى أَلَّا يَسْمَعُوا لِلْوُشَاةِ وَالْوَاشِيَاتِ، وَالْمُخَبِّبِيْنَ وَالْمُخَبِّبَاتِ، وَخَاصَّةً الْقَرِيبِينَ وَالْقَرِيبَاتِ، وَالْأَصْدِقَاءَ وَالصَّدِيقَاتِ.

 

وأَنْ يُنَبِّهُوا أَبْنَاءَهُمْ وَبَنَاتِهِمْ عَلَى وُجُوبِ حِفْظِ الْأَسْرَارِ الزَّوْجِيَّةِ، وَأَنْ يَحُلُّوا مَشَاكِلُهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ، وَأَلَّا يُوَسِّعُوا نِطَاق الْمُشْكِلَةِ بِكَشْفِ أَسْرَارِهِمْ لِلْغُرَبَاءِ.

 

وأَنْ يَحُثُّوا أَبْنَاءَهُمْ وَبَنَاتِهِمْ إِلَى اللُّجُوءِ إِلَى اللهِ، وَالدُّعَاءِ بِأَنْ يُوَفِّقَهُمْ فِي زَوَاجِهِمْ، وَأَنْ يَلْتَزِمُوا الْآدَابَ الشَّرْعِيَّةَ فِي العَلَاقَاتِ الْخَاصَّةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، فَإِنَّ فِيهَا خَيْرٌ كَثِيرٌ عَلَى ذَرَارِيْهِمْ.

 

كَذَلِكَ لَابُدَّ لِلوَالِدَيْنَ أَنْ يَـمْتَنِعَا عَنِ التَّدَخُّلِ فِي حَيَاةِ الزَّوْجَيـْنِ؛ فَغَالِبُ الطَّلَاقِ يـَحْدُثُ -مَعَ الأَسَفِ- بِسَبَبِ تَدَخُّلِ الأَبِ فِي حَيَاةِ اِبْنِهِ أَوْ الأُمِّ فِي حَيَاةِ اِبْنَتِهَا، قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ اِبْنُ تَيمِيَةَ -رَحِـمَهُ اللهُ-: "لَيْسَ للزَّوْجَةِ أَنْ تُطِيعَ أُمَّهَا فِيمَا تَأْمُرُهَا بِهِ مِنَ الِاخْتِلَاعِ مِنْ زَوْجِهَا أَوْ مُضَاجَرَتِهِ حَتّـَى يُطَلِّقَهَا، مِثْلَ أَنْ تُطَالِبَهُ مِنَ النَّفَقَةِ وَالْكُسْوَةِ وَالصَّدَاقِ لِيُطَلِّقَهَا، فَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تُطِيعَ وَاحِدًا مِنْ أَبَوَيْهَا فِي طَلَاقِهِ إذَا كَانَ مُتَّقِيًا لِلَّهِ فِيهَا".

 

كَذَلِكَ تَدْخُلُ الأَخَوَاتِ سَوَاءٌ أَخَوَاتُ الزَّوْجِ أَوِ الزَّوْجَةِ فِي حَيَاةِ الزَّوْجَيْـنِ سَبَبٌ لِإِثَارَةِ الْمَشَاكِلِ، فَبَعْضُ أَخَوَاتِ الزَّوْجِ تُثِيرُ الأُمَّ عَلَى زَوْجَةِ الأَخِ، وَغَالِبُ ذَلِكَ بِسَبَبِ الغَيْـرَةِ أَوْ الـحَسَدِ.

 

كَذَلِكَ تُثِيرُ بَعْضُ الأَخَوَاتِ أَخَوَاتِـهِنَّ ضِدَّ أَزْوَاجِهِنَّ، وَغَالِبُ مَنْ يَفْعَلْنَ ذَلِكَ نَوَايَـهُنَّ -وَاللّهُ أَعْلَمُ- خَبِيثَةٌ، وَالـحَسُدُ دَافِعُهُم،ْ وَالشَّيْطَانُ لِلتَّفْرِيقِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ يَؤُزُّهُمْ.

 

عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ وَضَعَ الإِسْلَامُ حُلُولًا لِلمَشَاكِلِ الزَّوْجِيَّةِ قَبْلَ الاِنْفِصَالِ، وَمِنْ أَهَمِّـهَا:

الهَجْرُ فِي المَضْجَعِ، وَحَثَّ عَلَى الصُّلْحِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، قَالَ -تَعَالَى-: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا)[النساء: 35].

 

وَجَعَلَتْ الشَّرِيعَةُ الإِسْلَامِيَّةُ الطَّلَاقَ آخَرَ الحُلُولِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَجَعَلَتْهُ مُتَدَرِّجًا مِنْ ثَلَاثِ طَلْقَاتٍ، قَالَ -تَعَالَى-: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)[البقرة: 229]، فَالطَّلَاقُ غَيْرُ مُحَبَّبٍ فِي الإِسْلَامِ فِي أَصْلِهِ؛ وَلِذَا وَضَعَ الإِسْلَامُ الحُلُولُ الأُولَى قَبْلَ تَقَطُّعِ الْعَلَاقَةِ الزَّوْجِيَّةِ.

 

وَشَرَعَ الإِسْلَامُ الرَّجْعَةَ بَعْدَ الطَّلَاقِ الأَوَّلِ وَالطَّلَاقِ الثَّانِي؛ لَعَلَّ الحَالَ يَسْتَقِيمُ بَعْدَ الطَّلَاقِ، وَضَيَّقَ الإِسْلَامُ مِنَ الطَّلَاقِ فَلَمْ يُوقِعْ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ، وَلَا طَلَاقَ الغَضْبَانِ؛ لِقَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَا طَلَاقَ وَلَا عَتَاقَ فِي إِغْلَاقٍ"(رَوَاهُ الْـحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ).

 

اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِحِفْظِكَ، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، واحفظهم بحفظك، وأحطهم بعنايتك، وَاحْفَظْ لِبِلَادِنَا الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ، وَالسَّلَامَةَ وَالْإِسْلَامَ، وَانْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا، وَانْشُرِ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِنَا، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ -صلى الله عليه وسلم-، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا اسْتَعَاذَ مِنْهُ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ -صلى الله عليه وسلم-، اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنَّا، اللَّهُمَّ إِنِّا نَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ امْدُدْ عَلَيْنَا سِتْرَكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا النِّيَّةَ وَالذُرِّيَّةَ وَالْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

 

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصافات: 180 - 182]، وَقُومُوا إِلَى صَلَاتِكمْ يَرْحَـمـْكُمُ اللهُ.

المرفقات

عناية الإسلام بالأسرة.doc

عناية الإسلام بالأسرة.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات