عناصر الخطبة
1/ فريق في الجنة وفريق في السعير 2/ عالي الهمة يطلب معالي الأمور 3/ دنو الهمة يقعد بالمرء عن الخير 4/ عالي الهمة يغتنم اللحظاتاقتباس
فالطمع وعلو الهمة -أيها المؤمنون- ينـزعان بالعاقل إلى معالي الأمور وطلب عليّ الدرجات وسامي المقامات في الدنيا والأخرى، ويعملان على تغيير حاله إلى ما هو أنفع وأسمى، وكلما نال مرتبة تطلع وأخذ بأسباب ما فوقها، ولا يزال المرء المؤمن بالله واليوم الآخر معتنيًا بالأعمال التي ترفع مقامه عند الله تعالى حتى يكون رفيقًا لخيار الخلق ومجاورًا رُبَى الحق لاستقامته على طاعة الله مدة الحياة، قال تعالى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا)، وقال سبحانه: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ).
الخطبة الأولى:
الحمد لله ذي الأسماء الحسنى والصفات العلا، أحمده سبحانه حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه ملء الأرض والسماء وما بينهما وغيرهما مما يشاء، وأشكره على نعم سابغة مترادفة تترى، وأشهد أن لا إله إلا الله أمرنا أن لا نعبدّ إلا إياه، فأخلصوا له الدعاء والقصد، واستعينوا به على الحاجة، وأحسنوا به الظن أن يبلغكم كريم الغاية وعليَّ المنـزلة، فإن تلكم معالم توحيد الله.
وأشهد أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- عبد الله ورسوله ومصطفاه، المرسل بأن يوحد الله وتكسر الأوثان وتوصل الرحم، وحتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أئمة مستبقي الخيرات والمسارعين إلى المغفرة والجنان، الفائزين بعلي المقامات ورفيع الدرجات.
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله واغتنموا مهلة الآجال فيما يقربكم إلى الله، فإن الحياة أمد محدود، ونفس معدود، ثم تفضون إلى الله، فريق في الجنة وفريق في السعير، وشتان ما بين الفريقين في المآل والمصير: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ)، وقال تعالى: (وَالَّذِيْنَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ)، وقال تعالى: (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ).
عباد الله: فرق بين الفريقين أن أهل الإيمان اهتدوا بهدى الله وتأسوا بمحمد -صلى الله عليه وسلم- عبد الله ورسوله ومصطفاه، فحققوا وظيفة العبودية لله التي هي أكرم وظيفة في الدنيا وأعظم سبب تتحقق به السعادة وطيب الحياة وحسن الجزاء في الأخرى، وأما أهل الكفر والإلحاد فأعرضوا عن هدى الله واستنكفوا أن يتبعوا رسوله الذي أرسله الله بدينه وهداه، فاتبعوا الشيطان والهوى، وتردوا في دركات الضلال والشقاء، فعاشوا عيشة الضنك في الدنيا، وباؤُوا بالخسران والهلاك في الأخرى، وصدق الله العظيم إذ يقول في محكم قيله: (إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آَيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الحمد لله رَبِّ الْعَالَمِينَ).
فالطمع وعلو الهمة -أيها المؤمنون- ينـزعان بالعاقل إلى معالي الأمور وطلب عليّ الدرجات وسامي المقامات في الدنيا والأخرى، ويعملان على تغيير حاله إلى ما هو أنفع وأسمى، وكلما نال مرتبة تطلع وأخذ بأسباب ما فوقها، ولا يزال المرء المؤمن بالله واليوم الآخر معتنيًا بالأعمال التي ترفع مقامه عند الله تعالى حتى يكون رفيقًا لخيار الخلق ومجاورًا رُبَى الحق لاستقامته على طاعة الله مدة الحياة، قال تعالى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا)، وقال سبحانه: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ).
أمة الإسلام: ولقد قعد دنو الهمة والإعراض عن آيات الله في الأنفس والآفاق والإخلاد إلى الأرض بأهله حتى جعلهم أسرى للشيطان، جديرين بكل خيبة وخسران، وأعظم الخسران الحجاب عن الله والتردي في دركات السراب: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ * ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ)، وقال تعالى: (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ)، وقال -تبارك اسمه-: (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ)، وقال تعالى: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ).
أمة الإسلام: إن الطموح وعلو الهمة يحملان صاحبهما إلى تطلب المعالي واختيار أفضل وأشرف الوسائل، وسلوك أقوم السبل لبلوغ الغاية، وأهل الإسلام -بحمد الله- قد كفاهم الله المؤونة، ويسّر عليهم الكلفة، وأعظم لهم المثوبة، فدلَّكم -تبارك وتعالى- في كتابه العظيم وسنة نبيه الكريم -عليه من ربه أفضل الصلاة وأزكى التسليم- على أصول البر وخصال العمل الصالح، ورغّبهم فيها ببيان ما فيها من الحكم والمصالح، وما رتّب عليها من المتجر الرابح، ونهاهم عن القبائح، لما فيها من الفضائح والخسران والشقاء والهوان والعذاب والخزي يوم المعاد، هدايةً إلى الحق والصواب، وتذكرة لأولي الألباب.
معشر المسلمين: إن المؤمن بالله ولقائه عالي الهمة سامي الهدف، ولذا يغتنم كل حالة من حالاته ولحظة من لحظات عمره فيما يقربه إلى الله تعالى ويرفع درجته عنده ويحصل به مغفرته ورحمته، مهتديًا بالقرآن وبما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من بيان، فيخلص التوحيد، ويحافظ على الصلوات المكتوبات، ويؤتي الزكاة، ويصوم رمضان، ويحج ويعتمر ويجاهد ويصبر ويصل الرحم ولو قطعت، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويعطي كل ذي حق حقه، فيفعل الخير ويعين على البر، وييسر ولا يعسر، ويقول الكلمة الطيبة، ويجود بالصدقة والنفقة ولو بالتمرة، فإن الله تعالى يقبلها ويربيها لصاحبها حتى تكون كالجبل العظيم، ويلهج بالباقيات الصالحات: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، فإنها غراس في الجنة، وفيها تبنى قصور الجنة، ويرحم البهيمة حتى يسقى الكلب من العطش؛ لأنه من أسباب المغفرة، ويميط الأذى عن الطريق فإنه سبب لدخول الجنة، ويصدق في بيعه وينصح لكل مسلم، وخاصة من استنصحه، ويحسن إلى أصحابه وجيرانه، ويهدي لإخوانه، ويحب للناس ما يحب لنفسه، ويكره لهم من الشر كما يكرهه لنفسه.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم