عناصر الخطبة
1/ الأمة تشهد مخاضًا جديدًا 2/ الدنيا لا تدوم على حال 3/ الأنظمة العربية هشة خائرة 4/ منطق الفراعنة واحد 5/ أعدل منهج هو منهج الإسلام 6/ الحكام الخونة يختارون رضا أعداء الله على رضا الله 7/ دعوة لعقلاء اليمن أن ينزعوا فتيلة الفتنةاقتباس
إن الأمة تشهد مخاضًا ومرحلة جديدة في أنحاء عديدة من دولها، أحداث متسارعة تمر بها أمة الإسلام في هذه الأيام، تغيرات سريعة وأحداث متعاقبة فيها عبرة لمن تأمل واعتبر، والعاقل من يعتبر بدروس الزمان، ويستفيد من الأحداث في التربية بالأحداث..
إن الأمة تشهد مخاضًا ومرحلة جديدة في أنحاء عديدة من دولها، أحداث متسارعة تمر بها أمة الإسلام في هذه الأيام، تغيرات سريعة وأحداث متعاقبة فيها عبرة لمن تأمل واعتبر، والعاقل من يعتبر بدروس الزمان، ويستفيد من الأحداث في التربية بالأحداث.
علمتنا الأحداث -عباد الله- أن الدنيا لا تدوم على حال، ومن رام دوام الحال فقد طلب المحال؛ فالأيام تتقلب، والدهر دول؛ يقول الله -سبحانه وتعالى-: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) [آل عمران: 140]، وكم رأينا بالأمس من عزيز منيع غني رفيع أصبح اليوم ذليلاً حقيرًا فقيرًا وضيعًا: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) [البقرة:251]، فالله يدفع بعض الناس ببعض لتسير الحياة وتتغير الأمور، ولولا هذه السنة الربانية -سنة المدافعة- لظلت الأمور على ما هي عليه بلا تغير ولا تبدل.
علمتنا الأحداث أن هذه الأنظمة أنظمة هشة خائرة، مثلها كمثل عصا سليمان التي كان يتكئ عليها ودابة الأرض تأكل فيها: (فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ) [سبأ: 14].
هكذا أدركت الأمة أن هذه الأنظمة أنظمة جوفاء واهية أوهى من بيت العنكبوت، وتحرَّر الناس من وهم كبير عشعش في عقولهم عقودًا طويلة، وانكشف لهم زيف هذه الأنظمة، وبطل السحر الذي كان يُخيل للشعوب بأنها أنظمة لا خلاص منها ولا معقب لحكمها، وظهر أن ما تملكه هذه الأنظمة من أسلحة وأموال وجيوش وإعلام ما هي إلا حبال وعصي يُخيل للناس من سحرهم أنها تسعى، وفجأة انكشف هذا السحر الكبير، فغُلب السحرة وانقلبوا صاغرين، وبطل ما كانوا يعملون، وظهر للناس جميعًا أن هذه الأنظمة قد بلغت سن الشيخوخة وقد حانت وفاتها.
علمتنا الأحداث أن منطق الفراعنة واحد؛ ففراعنة اليوم كفراعنة الأمس، وقد ذكر الله فرعون في كتابه عشرات المرات ليكشف لنا أن سياسة الفراعنة في كل زمان ومكان واحدة: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) [القصص: 4]، (فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ) [الشعراء: 53-56]، ويقول الله في سورة القصص: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) [القصص: 5، 6].
إن فراعنة العصر يخشون الإسلاميين ويأخذون حذرهم من الشباب الملتزمين، ويخافون من الجماعات الإسلامية، ويسلطون أمنهم ومراقبتهم على العلماء وطلبة العلم وحلق العلم، ويوجهون مخابراتهم لتجسس عليهم وتراقب مساجدهم وخطبهم، وفي المقابل لم يلتفتوا للشباب السكارى والحيارى والمحششين وأصحاب السينما والمسلسلات والتعصب الرياضي وأصحاب مواقع الدردشة والشات والفيس بوك، فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا، وزلزل عروشهم على أيدي هؤلاء الشباب الذين أمنوهم فلم يبالوا بهم ولم يراقبوهم ولم يتتبعوهم، وهذا من مكر الله بهم: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الأنفال: 30]، (وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) [القصص:6].
علمتنا الأحداث أن أعدل منهج هو منهج الإسلام، وأفضل سياسة هي السياسة الشرعية، فرحم الله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عندما شكى إليه أهل الكوفة أميرهم سعد بن أبي وقاص وطالبوه بعزله وتنحيته، وادَّعوا أنه لا يحسن الصلاة وأنه وأنه... فعزله عمر -رضي الله- وهو يعلم كذب هذه الدعاوى التي ادعوها في حق سعد بن أبي وقاص الرجل المبشر بالجنة وخال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولكن عمر -رضي الله عنه- عزله تنزلاً عند رغبتهم ودرءًا لفتنتهم.
وهذا الحسن بن علي بن أبي طالب ابن بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي تشرّب القرآن وعرف هدي جده المصطفى العدنان -صلى الله عليه وسلم- تنازل عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- وتركها له وسلمها إياه طواعية حقنًا للدماء وتأليفًا للقلوب وتوحيدًا للصفوف؛ حتى سُمِّي ذلك العام بعام الجماعة.
وهذا ذو النورين عثمان بن عفان -رضي الله تعالى عنه- نهى أن يدافع عنه رجل واحد من الصحابة في يوم مقتله عندما حاصر البغاة بيته، وأبى إلا أن يلقى الله -سبحانه وتعالى- شهيدًا دون أن تسال قطرة دم غير دمه الطاهر الشريف، وحال بين الناس وبين هؤلاء البغاة حتى لا يلقى الله -سبحانه وتعالى- وفي عنقه قطرة دم امرئ مسلم.
فقارنوا -عباد الله- بين هؤلاء الخلفاء الراشدين والحكام العدول المقسطين، وبين عتاة الإجرام وطغاة النظام في هذا العصر، الذين يضربون شعوبهم بالطيران الحربي، ويستخدمون ضدهم الرصاص الحي، ويستعينون بالبلطجية والمجرمين ويأتون بهم لينكلوا بشعوبهم، بل يهدد الطاغوت الليبي -نسأل الله أن يعجل بهلاكه وهلاك ابنه وحاشيته- بحرق ليبيا وإحراق النفط وإشعال الحرب الأهلية، والاستعداد للدفاع عن كرسيه حتى آخر قطرة دم: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) [القصص: 4].
علمتنا الأحداث أن "من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس"، هذه كلمات قالها الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- وتجلت لنا في هذه الأحداث.
فهؤلاء الحكام الخونة يختارون رضا الناس بل رضا أعداء الله على رضا الله، ويخافون من سخط أعداء الله ولا يخافون من سخط الله، فسخط الله عليهم وأسخط عليهم الناس، فكل الناس أصبحوا ساخطين عليهم حتى جيوشهم أصبحت ساخطة عليهم وبطاناتهم التي أعطوها ما تشتهي سخطت عليهم وتخلت عنهم أكبر من ذلك القوى الدولية التي كانوا يتزلفون لها ويخدمونها سخطت عليهم، ووقفت في صفوف معارضيهم، وصدق النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ يقول: "من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس"، يقول الله -سبحانه وتعالى-: (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال: 48]، ويقول -سبحانه وتعالى-: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).
الخطبة الثانية:
علمتنا الأحداث أن الله -سبحانه وتعالى- إذا أراد شيئًا هيأ أسبابه ويسر وسائله: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس: 82]، فإذا سلك الناس الوسائل الشرعية للتغيير نجح مسعاهم وتحقق مرادهم، وأما إذا سلكوا المسلك الخطأ أو أراقوا الدماء أو اعتدوا على أموال الناس ودمائهم وأعراضهم، أو أضروا بهم، سواء بإغلاق الطرقات أم حرق الإطارات أم ضرب الناس بالعصي والهراوات ودهسهم بالسيارات، فكل هذه البهلوانيات التي تمارسها قوات الأمن ويمارسها المتظاهرون لن تجدي شيئًا ولن تغير واقعًا.
فعلى الجميع أن يعقل وأن يعتبر بهذه الأحداث حتى لا نجرب المجرب أو نكرر الأخطاء.
وعلى عقلاء البلد أن يغتنموا الفرصة وينزعوا فتيل الفتنة ويتلافوا الأخطار ويزيلوا الاحتقان، فالخطر داهم، والحرب قادم إن لم يتدارك العقلاء الموقف، فالخطر داهم، والحرب قادم إن لم يتدارك العقلاء الموقف؛ يقول الله -جل جلاله وعز كماله-: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) [المائدة: 32]، ويقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه". أو كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم