عناصر الخطبة
1/دلالات تكرار قصة موسى -عليه السلام- في القرآن 2/دروس وعبر من قصة نجاة موسى من فرعون 3/التحذير من الظلم وبيان عواقبه 4/الحث على صيام يوم عاشوراءاقتباس
ومن فوائدِ هذه القِصةِ العظِيمة: أنَّها تُعلمُنا التفاؤل والأمَلَ, أن نتفاءلَ بخروجِ الخيرِ من وسط الشَّرِ، وأن الفَرجَ يولدُ من رحم الأزماتِ، وأنَّ في طياتِ كلِّ مِحنَةٍ مِنحَةٌ، وأن معَ كُلِّ ألمٍ هُناكَ أملٌ، ومعَ كُلِّ بلِيةٍ, هُناكَ عَطيّة، وأن مع العسر يسراً...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمدُ للهِ الجليلِ جنابهُ، المنيعِ حِجابُه، السَّريعِ حسابُه، الجزيلِ ثوابُه، سبحانه وبحمده عَدَدَ مَا أَحْصَى كِتَابُهُ، وملء مَا أَحْصَى كِتَابُهُ, وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحدهُ لا شريك لهُ، الأسبابُ كلُّها مُنقطِعةٌ إلا أسبابهُ، والأبوابُ كلُّها مُغلَقةٌ إلا أبوابهُ؛ (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ)[النور: 39], وأشهدُ أن محمداً عبد الله ورسولهُ، أفضل خلقهِ وصفوةُ أحبابهِ.
يا ربِّ صلِّ على النبي محمدٍ *** ما فاهَ في ذكراهُ ثغرٌ طيبُ
ما أورقت ثمراتُ حبٍّ باسقٍ *** في ذكره وتأدبَ المتأدبُ
صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأهلِ بيتهِ وأصحابهِ والتابعينَ، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلِّم تسليماً كثيرا .
أمَّا بعدُ: فاتقوا اللهَ -عبادَ اللهِ-؛ فتقوى الله هي الزادُ الأعظمُ، والطريقُ الأكرمُ، والمنهجُ الأقومُ، والسبيلُ الأسلمُ؛ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70، 71].
معاشر المؤمنين الكرام: تَدُورُ الدُّنْيَا بدورتها، وَتمضِي الأَيامُ بسرعتها، ليحلَّ علينا شهر الله المـحرَّمٍ، ويحلُّ معهُ ذكرى عاشوراء، يومٌ عظيمٌ من أيام الله -تبارك وتعالى-، يومٌ ظهرَ فيه الحقُّ عزيزاً، وزهقَ الباطل ذليلاً, يومٌ انتقمَ الله فيه من الظالمين، وانتصر للمظلومين, يومٌ نجى الله فيه كليمه موسى -عليه السلام- ومن معه من المؤمنين، وأهلك فرعون الطاغية ومن معه من الظالمين.
وإنَّ في قصةِ موسى وفرعونَ لعبراً وذكرى، ودروساً كُبرى، فلقد تكرَّر اسمُ مُوسى في كتابِ اللهِ -تعالى- أكثرَ من مائةٍ وثلاثين مرة، وتكرَّرت فيه قِصة مُوسى اثنينِ وعشرينَ مرةً, كُلُّ ذلك ليستَلهِم مِنها المؤمنونَ العبرَ والعِظات، ويتدبَّروا أحداثَها ومَواقِفَها, فهيَ قِصةٌ جمعت بين أحوالِ الطُغاةِ الظَلمةِ المفسِدِينَ، وبينَ أحوالِ المؤمنينَ المصلِحينَ المضطَهدِينَ، وبينت عاقبةَ ومآلَ كُلِّ طرفٍ من الطرفين؛ (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ)[القصص: 4- 6].
إنها قِصةٌ عظِيمةٌ، تحدَّثت عن الإيمانِ والكفرِ, عن الشِدَّةِ والفَرَجِ, عن العُسرِ واليُسرِ, قِصةٌ مَليئةٌ بالفَوائِدِ والعِبرِ، والعِظاتِ والغِيرِ؛ فمن أوائِل فَوائِدِ هذه القِصةِ العَظِيمةِ:
أنَّ آياتِ اللهِ -تعالى- في القُرآنِ، وآياتِه في الكونِ، وآياتِه في تَسيِّيرِ أحداثِ الحياةِ، يَنبغِي للمُسلمِ أنَّ يتدبَّرها جيداً، وأنَّ يعتبِر ويتَّعِظَ بها؛ (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)[يوسف: 111], واللهُ -تَباركَ وتعالى- إنَّما أنزلَ كِتابهُ للتَّدبُرِ والتَّأمُّلِ؛ (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)[ص: 29]، وقال -تعالى-: (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ)[هود: 120].
ومِنْ أَقوى دُرُوسِ وفوائدِ هذه القصةِ العظيمة: تَحريمُ الظُّلْمِ بكلِّ صُورهِ وأشكالِهِ، وبيانِ شُؤمِهِ وسُوءِ مآلِهِ, روى مُسلمٌ في صَحيحهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِيمَا يرَوَيهِ عَنِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتعالى- أَنَّهُ قَالَ: "يَا عِبَادِي! إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا؛ فَلَا تَظَالَمُوا", وكانَ أبو إدريسَ الخولانِيُ -رحمهُ اللهُ- إذا حَدَّثَ بِهَذَا الحَديثِ جَثَا عَلَى رُكبَتَيهِ؛ مِنْ هَولِ مَا فِيهِ!.
ومن أعظم فوائد هذه القصة وأجلِّ دروسها: أن الله -تعالى- إذا أراد شيئًا هيأ له أسبابًا عجيبةً لطيفة, مُقدماتُها لا تُوحي بنتائِجها, فهذا فرعونُ قد تجبَّرَ وطَغى، وعاثَ فساداً في بني إسرائيل وبَغى, قتَّلَ أطفالهم, واسْتحيا نِساءهم, وقال: (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى)[النازعات: 24]، بل وأمرهم بعبادته قائلاً: (مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي)[القصص: 38]، ومع ذلك كُلِّهِ فقد كان اللهُ يُهيئ لهذا الظالم أسبابَ هلاكِهِ من حيثُ لا يحتسِب.
وربُنا العظيمُ القديرُ -سُبحانهُ- كما جاءَ في الحديثِ الصحيح: "يُملي للظالم، حتى إذا أخذهُ لم يُفلتهُ"، وقد أملى اللهُ لهذا الطاغيةِ أربعينَ سنة، حتى إذا وصلَ طُغيانهُ مداهُ، وزُيِّنَ لهُ سُوءُ عملهِ وصُدَّ عن السَّبِيلِ؛ (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَاقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ)[الزخرف: 51]، جاءهُ بَأْسُ اللهُ الذي لَا يُرَدُّ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ، وأخذه اللهُ وجنوده أَخْذًا وَبِيلًا، وأغرقهم في اليمِّ وجعلهُم عبرةً للعالمين؛ (فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ)[يونس: 39], وصدق الله: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ)[إبراهيم: 42].
ومن فوائد هذه القصةِ العظيمة: أن الباطلَ قد ينتفشُ ويربو، ويتمدَّدُ ويزهو, حتى ييأسَ كثيرٌ من الناسِ من صلاحِ الأحوال، لكنَّ القرآنَ الكريم ومن خلالِ هذه القِصةِ العظِيمةِ، يُعلمُنا أن لا نيأسَ وأن لا نَقنطَ، تأمل قوله -تعالى-: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ)[يوسف: 110], فمهما تمدَّدَ الباطلُ وانتفش، وعلا صَوتُهُ وبطش، فالحقُّ أعلا وأقوى، والعاقبة للتقوى، وسينصُرُ اللهُ أولياءه ولو بعد حين؛ (وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ)[آل عمران: 141].
ومن فوائدِ هذه القِصةِ العظيمة: أنْ الاستِهزَاءَ بالصَالحينَ عادةٌ قديمةٌ للطغاة والمفسِدِين، وحِيلةٌ رخِيصةٌ لصدّ الناس عن الدين, فهذا مُوسى -عليه السلامُ- كانَ في لِسانِهِ لثْغةٌ شدِيدة, فعيَّرهُ بها فِرعونُ قائلاً: (أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ)[الزخرف: 52], بل وزعمَ الطَّاغِيةُ أنَّ دَعوةَ التَّوحِيدِ التي جاءَ بها مُوسى -عليه السَّلامُ- إنَّما هيَ دَعوةٌ للفسادِ في الأرضِ، ثمَّ رتّبَ على هذهِ الفِريةِ أنَّ مُوسى يَستَحِقُّ القتل؛ (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ)[غافر: 26].
وهكذا هو دأبُ الظلمةِ والمفسِدِين، ينتهجون أيَّ وسِيلةٍ تُمكِنَهم من الصدِّ عن سبيلِ اللهِ، قالَ -جلَّ وعلا-: (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ)[الذاريات: 52، 53].
ومن فوائدِ هذه القِصةِ العظِيمة: أنَّها تُعلمُنا التفاؤل والأمَلَ, أن نتفاءلَ بخروجِ الخيرِ من وسط الشَّرِ، وأن الفَرجَ يولدُ من رحم الأزماتِ، وأنَّ في طياتِ كلِّ مِحنَةٍ مِنحَةٌ، وأن معَ كُلِّ ألمٍ هُناكَ أملٌ، ومعَ كُلِّ بلِيةٍ, هُناكَ عَطيّة، وأن مع العسر يسراً, إنَّ مع العسر يسراً؛ (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[البقرة: 216].
وكم لهذِه الأمّةِ من وثَبَاتٍ بعدَ كبَوَات، وإفاقاتٍ بعد غَفَوات!, كيف لا؟! وهي الأمّة المرحومةُ المنصُورةُ, التي لا يُدرَى خيرُها في أوّلها أو في آخِرها, وهي الأمّةٌ التي تمرضُ ولا تموت، تُجرَحُ ولا تُذبَح، تُفصَّلُ ولا تُستأصل؛ (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)[المجادلة: 21].
وإنَّ في طيات هذه القصة العظِيمِة من الآياتِ البيناتِ، والدُّروسِ النيرات، والعِبرِ البَالِغاتِ، ما لو استلهَمتهُ الأجيالُ, لصلُحت -بإذن اللهِ- الأحوال؛ فالقوةُ للهِ جميعاً، والعزة للهِ ولرسولهِ وللمؤمنين يقيناً، والعاقبة للمتقين، ونحن قومٌ أعزنا اللهُ بهذا الدِّين، ومهما ابتغينا العزةَ بغيره أذلنا الله؛ (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)[يوسف: 21].
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ.
الخطبة الثانية:
الحمد لله كما ينبغي لجلاله وجماله وكماله وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له؛ تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه وإخوانه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-، وكونوا مع الصادقين، وكونوا من (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ)[الزمر: 18].
معاشر المؤمنين الكرام: احذروا الظلم؛ فشؤمهُ وبيلٌ، وعاقبتهُ في الدنيا والآخرة وخيمةٌ أليمة، وكلُّ من ظَلَمَ غيرَهُ فواللهِ لنْ يفلِحَ, كيفَ واللهُ -عزّ وجلّ- يقولُ: (إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)[الأنعام: 21]؟!.
وكلٌّ ظالمٍ خَائِبٌ خَاسِرٌ, محرومٌ من التوفيقِ في الدُنيَا وَفي الآخِرَةِ، قال -تعالى-: (وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا)[طه: 111]، وهدايةُ اللهِ أبعدُ ما تكونُ عن الظالم؛ فقد تكرَّرَ قولُهُ -تعالى-: (وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)[البقرة: 258]، في عشرِ آياتٍ مختلفاتٍ من كتابِ الله العزيز.
كما أنَّ الآياتِ التي تُبينُ شُؤمَ الظُلمِ وسُوءَ عاقِبتهِ كَثيرةٌ جداً، مِنها قولهُ -تعالى-: (أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ)[هود: 18], (وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ)[آل عمران: 151]، (وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)[هود: 44]، (إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[إبراهيم: 22]، (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ)، (أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ)[الشورى: 45]، (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)[غافر: 52]، (تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ)[الشورى: 22], إلى غير ذلك من الآيات البينات.
وفي الحديث المُتَّفَقٌ عَلَيهِ قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّه لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ"، ثُمَّ قَرَأَ: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)[هود: 102]، فمصير الظلَمةِ أسود، وعاقبتُهم شنيعة؛ (لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ)[الأعراف: 41], ومن سنةِ اللهِ الثابتةِ نُصرةُ المظلومِ، قال الله في الحديث القدسي: "وعزتي وجلالي لأنصرنَّكَ ولو بعد حين".
لا تظلمنَّ إذا ما كنَّتَ مُقتدراً *** فالظلمُ آخِرهُ يُفضِي إلى النَّدمِ
تنامُ عيناكَ والمظلومُ مُنتبِهٌ *** يدعو عليكَ وعينُ اللهُ لم تنمِ
ثم اعلموا -يا عباد الله- أنه يستحبُ استحباباً شديداً صيامُ يومِ عاشوراء ويوماً قبلهُ أو بعدهُ؛ ففي صحيحِ مُسلمٍ: "أنَّ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- صامَ يومَ عاشوراء، وأمرَ بصيامه"، ولما قيلَ له يا رسول الله! إنه يومٌ تعظمهُ اليهود والنصارى, قال -عليه الصلاة والسلام-: "فإذا كان العام المقبل -إن شاء الله- صمنا اليوم التاسع".
فصوموا -يا عباد الله- يومَ عاشوراء, واعلموا أنَّ لهُ فضلاً عظيمًا, وأجراً كبيراً؛ ففي صحيحِ مُسلمٍ -أيضاً- أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "صيامُ يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفرَ السنة التي قبله".
فهي فرصةٌ عظيمةٌ من فُرصِ الخيرِ, فأحسنوا استغلالها؛ (فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ)[الأنبياء: 94], و (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[النحل: 97], (وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ)[غافر: 40].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم