عناصر الخطبة
1/شريعة الإسلام مبنية على السهولة والتخفيف 2/من مظاهر التخفيف في الشريعة الإسلامية 3/الأحكام المتعلقة بطهارة المريض وصلاته 4/الصلاة لا تسقط عن المريض العاقل 5/التخفيف والتيسير في صلاة المريض والعاجز 6/أحكام صلاة المريض.اقتباس
المسلم مُعرَّضٌ للحوادث والآفات والأمراض التي تعتريه؛ فكان من الواجب أن يتعلم من الأحكام ما تقوم به طهارته وصلاته؛ لأنَّ الصلاة لا تسقط عن المسلم ما دام حاضر القلب؛ والطهارةُ شرطٌ من شروط الصلاة، وتعلُّم هذه...
الخُطْبَة الأُولَى:
الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض الواحد القهار، يخلق ما يشاء ويختار، يكوِّر الليل عل النهار ويكوِّر النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له عالم الغيب والشهادة وكل شيء عنده بمقدار.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الذي رفع الله ببعثته الأغلال والآصار، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما تعاقب الليل والنهار.
أما بعد، أيها المسلمون: فإن الله -سبحانه وتعالى- لعظيم كرمه وجوده ورحمته بعباده، قد امتن عليهم بأن خفَّف عنهم التكاليفَ فلم يُكلّفهم فوق طاقتهم، ويسَّر عليهم فيما شرعه لهم من الأحكام وألزمهم به من الأوامر، وخفَّف عنهم في أوجه العبادات، فكانت شريعةُ الإسلام سهلةً ميسرةً مبنيةً على السهولة والتخفيف؛ لم يُشّدَّد عليهم كما شُدِّد على الأمم السالفة.
وهذا محض امتنان من الله -تعالى-، ولعظيم بركة نبي الأمم-صلى الله عليه وسلم-؛ قال الله -تعالى-: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)[الحج: 78]؛ وقال -تعالى-: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ)[الأعراف: 175]؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "أحب الدين إلى الله الحنفية السمحة".
ومن مظاهر التخفيف في الشريعة الإسلامية: الأحكامُ المتعلقة بطهارةِ المريض وصلاتِه، فإن المسلم مُعرَّضٌ للحوادث والآفات؛ ومن جملة ذلك: الأمراض التي تعتريه؛ فكان من الواجب أن يتعلم من الأحكام ما تقوم به طهارته وصلاته؛ لأنَّ الصلاة لا تسقط عن المسلم ما دام حاضر القلب؛ والطهارةُ شرطٌ من شروط الصلاة، وتعلُّم هذه الأحكام مما يزيد المسلم فقهًا فينبغي له أن يحفظها لحاجته إليها وليعلمها من احتاجها من إخوانه المسلمين؛ ليَعلموا يُسْر الشريعة ويحمدوا الله -سبحانه- على نعمائه.
فمما يتعلق بطهارة المريض أن بعض المرضى لا يستطيع استعمال الماء في الطهارة من الحدث الأصغر أو الأكبر -كالجنابة والطهارة من الحيض-، وذلك للخوف من زيادة المرض أو تأخر البرء والشفاء؛ فمثل هذا يُشرع له أن يتيمم، وذلك بأن يضرب بيديه على التراب الطاهر ضربة واحدة ثم يمسح وجهه وكفيه مرةً واحدة، قال -تعالى-: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا)[النساء: 43].
ولذلك ينبغي لمن كان مريضًا لا يستطيع استعمال الماء أن يُجْعَل عنده ترابٌ ليتيمم به إذا حضر وقت الصلاة، خصوصًا إذا كان عاجزًا عن التحرك والانتقال، أما إذا كان المريض يستطيع التحرك ولا يضرُّه استعمال الماء فلا يجوز له التيمم.
كما أن من الواجب معرفته أن الطهارة إذا كانت من الحدث الأصغر ووَجَد المريضُ مَن يُحضر له الماء أو يساعده على الوضوء؛ فإنه لا يجوز له أن ينتقل للتيمم، ولذا فينبغي للمسلم أن يعينَ مريضه على أن يحضر له الوضوء أو يُوضِّئه حسب الإمكان.
ولا نتخيل -ونحن نسمع هذا الكلام- أن المقصود بالمريض مَن رقد بالمستشفى؛ فإنَّ هذه الأحكام متعلقةٌ بالمريض سواء كان في المستشفى أو في بيته أو أي مكان آخر؛ فالحكم يدور مع المرض.
ومن المرضى مَن يكون قد عُمِلت له عملية جراحية؛ وحضر وقت الصلاة ولا يستطيع القيام؛ ولم يجد أحدًا يعينه على الوضوء؛ فهذا ينتقل إلى التيمم.
ومن المرضى من يكون به جروحٌ أو حروق أو كسور أو مرض يضرُّ به استعمال الماء، فيُجنِب، فإنه يجوز له التيمم، وإن استطاع أن يغسل الصحيح من جسده وجب عليه ذلك ويتيمم للباقي.
هذا وإنَّ من الواجب على المريض المتطهر من الجنابة بالتيمم إذا عافاه الله أن يغتسل عن جنابته السابقة التي طهَّرها بالتيمم لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الصعيدُ وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين؛ فإذا وجد الماء فلْيُمسَّه بشرته فإن ذلك خير"؛ فإذا وجد الجنبُ الماء اغتسل عما مضى؛ وأما صلواته بالتيمم فكلها صحيحة عند عجزه عن استعمال الماء للمرض؛ فيتيمم حتى يشفى من مرضه وحتى يجد الماء ولو طالت المدة.
وإذا كان المريض في محلٍّ لم يجد فيه ماءً ولا ترابًا ولا مَن يُحضر له الموجود منهما، فإنه يصلي على حَسَب حاله وليس له تأجيل الصلاة؛ لقول الله -تعالى-: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)[التغابن: 16].
هذا وإن من المرضى مَن يُصاب بحريق أو نحوه في أحد أعضاء الوضوء؛ ويُمنَع من استعمال الماء مخافةَ الضرر عليه، فإن كان على هذا العضو المصاب جبيرةٌ أو ضمادٌ فإنه يتوضأ ويمسح على الجبيرة.
وإن كان العضوُ المصابُ مكشوفًا ولكن يؤذيه الماء؛ فإنه يتوضأ في بقية الأعضاء؛ ويتيمم عن هذا العضو؛ فيجمع بين الوضوء والتيمم، ولا بأس أن يُقدِّم التيمم على الوضوء أو يجعله بعده.
ومن أنواع المرض من يكون مصابًا بسلس البول أو استمرار خروج الدم أو الريح؛ ولم يبرأ بمعالجته؛ فعليه أن يتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها ويغسل ما يصيب بدنه وثوبه، وأن يحتاط لنفسه احتياطًا يمنع انتشار البول أو الدم في الثوب أو الجسم أو مكان الصلاة، فإن خرج الوقت وجب عليه أن يعيد الوضوء -أو التيمم إن كان لا يستطيع الوضوء-؛ لأن النبي-صلى الله عليه وسلم- أمر المستحاضة أن تتوضأ لكل صلاة، والمستحاضة: هي التي يستمر معها دمٌ غير دم الحيض، والمصاب بالسلس يُحكم له بنفس الحكم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين؛ والعاقبة للمتقين؛ ولا عدوان إلا على الظالمين؛ وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فإن الصلاة لا تسقط عن المريض بأيّ حال من الأحوال مادام عقله ثابتًا، ولكن من منة الله -تعالى- أنْ شُرع فيها التخفيف والتيسير.
فقد أجمع أهل العلم على أن من لا يستطيع القيام في صلاته فله أن يصلي جالسًا، فإنْ عجز عن الصلاة جالسًا فإنه يصلي على أحد جنبيه سواء الأيمن أو الأيسر؛ فيفعل الأيسر في حقِّه؛ فقد قال -صلى الله عليه وسلم- لعمران بن حصين: "صلِّ قائمًا؛ فإن لم تستطع فقاعدًا؛ فإن لم تستطع فعلى جنب".
ومن قدر على القيام وعجز عن الركوع أو السجود لم يسقط عنه القيام، بل يصلي قائمًا فيومئ بالركوع ثم يجلس ثم يومئ بالسجود، قال -تعالى-: (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ)[البقرة: 238]؛ ولعموم قوله -تعالى-: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)[التغابن: 16].
ومن عجز عن القيام والقعود والصلاة على جنبه، فيصلي مستلقيًا ويجعل رجليه إلى القبلة.
ومن عجز عن الركوع والسجود فيومئ بهما، ويجعل السجود أخفض من الركوع، وإن عجز عن السجود وحده ركع وأَوْمأ بالسجود؛ وإن لم يمكنه أن يحني ظهره حنى رقبته.
وإن لم يقدر على الإيماء بالرأس كفاه النية والقول، وأما قول من قال: إنه يصلي بعينيه فيجعل إغماضه بالسجود أكثر من الركوع؛ فهذا غير صحيح.
ومثله قول بعض العامة أن من عجز عن الإيماء بالرأس أوْمَأَ بأصبعه؛ فينصب الأصبع حال القيام، ويحنيه قليلاً حال الركوع، ويضمُّه حال السجود، فهذا أيضًا ليس بصحيح.
ومتى قدر المريض في أثناء صلاته على ما كان عاجزًا عنه -من قيام أو قعود أو ركوع أو سجود أو إيماء- انتقل إليه، وبنى على ما مضى من صلاته.
وإذا غلبَ المريضَ النومُ عن صلاة أو نسيها؛ وجب عليه أن يصليها حال استيقاظه من النوم أو حال ذِكْره لها، ولا يجوز له أن يتركها حتى يدخل وقت مثلها من اليوم التالي ليصليها؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلِّها متى ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك".
ومن أجريت له عمليةٌ فأُغمي عليه بسبب البنج؛ فعليه حين يفيق أن يقضي الأوقات التي فاتته على الترتيب؛ الفجر ثم الظهر ثم العصر؛ وهكذا حتى يقضي ما عليه، فإن طال الإغماء فوق ثلاثة أيام سقط عنه القضاء وصار في حكم المعتوه حتى يرجع إليه عقله فيبتدئ فعل الصلاة بعد رجوع عقله إليه، قال-صلى الله عليه وسلم-: "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق".
ولم يذكر -صلى الله عليه وسلم- الأمر بالقضاء في حق الناسي والنائم؛ فقال-صلى الله عليه وسلم-: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك"، والإغماء بسبب المرض أو العلاج حكمه حكم النوم إذا طال.
ومن صلى من المرضى على كرسي لعدم استطاعته القيام والسجود فليصل إيماءً ولا يسجد على الكرسي؛ فقد جاء في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عادًا مريضًا فرآه يصلي على وسادة؛ فرمى بها وقال: "صلِّ على الأرض إن استطعت وإلا فأومئ إيماء واجعل سجودك أخفض من ركوعك".
وإذا صلى على الأرض جلس متربعًا؛ لقول عائشة -رضي الله عنها-: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي متربعًا"، ويجوز له أن يجلس أي جلسة يستريح بها.
وإن شقَّ على المريض فعل كل صلاة في وقتها، فله الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء جمع تقديم أو تأخير حسبما تيسر له وكان أرفق لحاله، أما الفجر فلا تجمع إلى غيرها لأن وقتها منفصل عما قبلها وعما بعدها.
ومن جمع بين الصلاتين لعذر المرض وهو مقيم في بلده؛ فإنه يجمع من دون قصر؛ لأن القصر رخصة متعلقة بالسفر.
وهذا وإنه لا يجوز للمكلف ترك الصلاة بأي حال من الأحوال؛ بل يجب عليه أداؤها، ولا يجوز له أن يتركها حتى يخرج وقتها ولو كان مريضًا.
نسأل الله أن يفقهنا في ديننا.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم