عناصر الخطبة
1/مذابح المسلمين في فلسطين في ظل عملية السلام المزعومة 2/حرمة دم المسلم وعظمته عند الله وهوانه في هذا العصر 3/جرائم الاحتلال الإسرائيلي في حق الفلسطينيين تفضح المتشدقين بحقوق الإنسان 4/الجهاد في سبيل الله طريق عزة المسلمين 5/جريمة قتل جنود الاحتلال الإسرائيلي للطفل \"محمد الدرة\" 6/الدور السلبي للإعلام الماجن تجاه جرائم اليهود في حق الفلسطينيين 7/استضافة إمارة دبي لاحتفال يتعلق بالرفق بالحيوانات 8/اللغة الوحيدة التي يفهما اليهود 9/أهمية القدس عند المفاوض الإسرائيلي 10/المستقبل للإسلاماقتباس
أيها المسلمون: إن جُرح فلسطين أعظم جرح، وكارثتها أعظم الكوارث، أرض فلسطين ليست ملكاً للفلسطينيين وحدهم، بل هي للمسلمين جميعاً، هي أمانة في أعناقهم، فهي ميراث نبيهم. وإذا كان يهود قد تسلطوا عليها، وطردوا أهلها، وسفكوا الدماء بها، ولا...
الخطبة الأولى:
أما بعد:
لا يدري ماذا يقول المسلم، وبماذا يبدأ والمجازر الدموية على أرض فلسطين قد تعدت الشيوخ والنساء والآمنين، حتى وصلت الأطفال الصغار ممن هم في سن العاشرة ونحوها، والعالم كله يتفرج، وكأن الأمر لا يعنيه؟!
أيها المسلمون: لا يخفى على ذي قلب ما يتعرض له إخواننا في القدس وفلسطين، وهم يذودون عن حياض الإسلام ومقدساته، وكيف يتعرضون للقتل بوحشية وهمجية من اليهود المعتدين، والعالم كله شرقاً وغرباً في موقف المتفرج الذي يلوم المعتدى عليه، ولا يجرؤ أن يعاتب المجرم، فضلاً أن يوقفه عند حده.
ولا شك أن الأمة تجني ثماراً نكدة تحصدها اليوم، يوم أن تخلت عن عزتها وكرامتها، يوم أن تسولت على موائد المفاوضات، لاهثة وراء سلام مزعوم، لا يمكن أبداً أن يتحقق؛ لأنه وبكل وضوح مع أناس لا عهد لهم، ولا ميثاق ولا خلاق.
ومن أصدق من الله قيلاً، وهو سبحانه القائل عنهم: (كُلَّمَا عَـاهَدُواْ عَهْدًا نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ)[البقرة: 100].
وتتوالى الأحداث، وتتفتق الجروح.
ولعمر الحق إنه لمظهر من مظاهر الهوان، ولا تزال الأمة تبتلى بأحداث وقضايا، حتى ينُسي آخرها أولها، ويغطي حديثها على قديمها.
ماذا أقول وقلبي بات يعتصر؟ *** مما يدور وما يجري وينفطر
ماذا أقول وأعماقي ممزقة؟ *** والصمت ران كأن الحال يحتضر!!
ماذا أقول وسمعي ما به صمم؟ *** والعين تدمى وماء العين ينحدر
فالقدس تشهد أحداثاً مروعة *** والليل أعمى ووجه الأرض معتكر
فالحال يندي جبين الحر واأسفي *** فالعسف والنسف والإرهاب والجُدُرُ
والقدس تُنعى وأقصانا يصيح بنا *** والختل والقتل والإقصاء والنذر
يا ويح صهيون ما أودت وما فعلت *** لا الشعب ينسى ولا الأيام تغتفر
من ذا يقوم ويسقي الترب من دمه؟ *** من ذا يضرّج باب المجد يستطر؟
من ذا يكبر لا يلوي على أحد ؟ *** من ذا يشمر للعليا ويبتدر؟
طفل الحجارة أي المجد سطره *** ناءت عن المجد آسادٌ ولا آثر؟
حتى انبرى طفلنا بالصخر يحمله *** فالكون كبر والمقلاع والحجر
الله أكبر في الساحات نسمعها *** الله أكبر بالأعداء تنفجر
الله أكبر يا رباه أحي بنا *** روح الشهادة فالأعداء قد كثروا
تكالبوا واستقروا في مرابعنا *** أواه يا أمتي الأورام تنتشر
ماذا أصاب بني اليرموك فانتبهوا؟ *** ماذا أصاب بني حطين؟ ما الخبر؟
لا يصلح الحال درب لا دماء به *** فما الحلول ولا الأوهام تزدهر
جيل الحجارة أحيا نبض أمتنا *** فالحق يشرق والآمال تنتثر
فالطفل يرجم أهل الشرك ممتشقاً *** أعمى أصم ولكن بات ينشطر
والهدي صبغته والدين عزته *** والنور عدته والآي والسور
قد لقن الكل درساً لا كلام به *** ما أعظم الدرس إن بالنفس يستطر
عفواً بني قومي لا عذر ينفعكم *** صهيون يعبث بالأقداس والزمر
بنو اليهود أقاموا صرح هيكلهم *** ونحن نرقب ما يأتي به الهذر
فما التفاوض والبلدان تنفعنا *** ولا الوفاق ولا أوراقه الحمر
لا يُرجع الحق إلا خفق ألوية *** تطوي الثريا وللآفاق تنتشر
لن يسعف الحال إلا مهجة عزمت *** تسقي التراب وترويه وتصطبر
أيها المسلمون: إن جُرح فلسطين أعظم جرح، وكارثتها أعظم الكوارث، أرض فلسطين ليست ملكاً للفلسطينيين وحدهم، بل هي للمسلمين جميعاً، هي أمانة في أعناقهم، فهي ميراث نبيهم.
وإذا كان يهود قد تسلطوا عليها وطردوا أهلها، وسفكوا الدماء بها، ولا زالوا منذ خمسين سنة يرتكبون فيها المظالم، والتصرفات الوحشية، تحت حماية الدولة الأمريكية.
فما كان للمسلمين أن يعترفوا باغتصاب عدو فاجر خبيث، ولا أن ينساقوا تحت أي ضغط لما يسمى بعملية السلام، وهي في الواقع عملية استسلام.
لقد كان على المسلمين أن يحاسبوا أنفسهم، وأن يصلحوا أحوالهم، كما فعل أجدادهم عندما واجهوا الاحتلال الصليبي لفلسطين مدة تزيد عن تسعين سنة، ومع ذلك لم يستسلموا، بل نصروا الله بتحكيم شرعه، فنصرهم الله القائل: (وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ)[آل عمران: 126].
والآن، أما آن للأمة أن تفيق من غفلتها، وتستيقظ من نومتها، وأن تنفض عن نفسها لباس الذل، وتعود إلى سر عزتها، وعنوان مجدها، وأن تنتصر لدينها، وتنصر أبناءها في أرض الرباط.
وإذا تعذر النصر بالمال والعتاد والنفس، لأسباب لا تخفى؛ فلا أقل من المؤازرة والنصرة بالكلمة والدعاء.
أيها المسلمون: يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "لأن تهدم الكعبة حجرا حجرا أهون على لله من أن يراق دم امرئ مسلم".
وفي رواية: "لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم"[رواه الترمذي والنسائي].
وبالرغم من غلاء دم المسلم، فإن المجازر باتت تقام للمسلمين في كل مكان، وأصبح الدم المسلم رخيصا لا يقام لإراقته وزن.
وإن العالم كله من أقصاه إلى أقصاه لا يكاد يغمض عينيه، حتى يفتحها على هول المأساة التي يعيشها المسلمون على أرض فلسطين.
لقد كان من المتوقع أن الشعارات البراقة التي يرفعها الغرب الكافر؛ مثل حقوق الإنسان، والشرعية الدولية، والنظام العالمي الجديد، والديمقراطية، سيكون الغرب جادا في عدم تجاوز حدودها، لكن أحداث القدس الحالية والمذابح المرتكبة هناك، كشفت عورة الدول الغربية، وأبانت زيف وعنصرية شعار حقوق الإنسان، وعُرف من هو الإنسان الذي تحفظ حقوقه.
إنه كل أحد، ما عدا المسلم.
إن حق تقرير المصير للشعوب داسته رصاصات اليهود، ومزقته طائراتهم، واستخدموا المدرعات والأسلحة الثقيلة في مواجهة شعب أعزل.
وقد بلغ عدد القتلى بالعشرات، والجرحى وصلوا إلى ألف وثلاثمائة -والله المستعان-.
ومع كل هذا تجد الصمت العجيب للمجتمع الدولي على الغطرسة والعربدة الاسرائيلية في الأراضي الفلسطينية.
لقد أكدت الأحداث أنه لا أحد يملك سلطة القرار الفلسطيني، سوى الجماهير الفلسطينية، ولن يوقف هذه الجرائم إلا الجهاد.
إن مقدسات المسلمين وديارهم لا يعيدها إلا جهاد صادق في سبيل الله، وإلا فلا نصر ولا كرامة، ولا عزة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا ينـزعه حتى ترجعوا إلى دينكم"[رواه أحمد وأبو داود].
قال الله -تعالى-: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَـاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَـارِهِم بِغَيْرِ حَقّ إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا اللَّهُ)[الحج: 39-40].
وقال سبحانه: (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ)[التوبة: 111].
وعندما يعلن الجهاد الإسلامي الحقيقي عندها ستتغير الموازين، وأكثر ما يرعب الغرب كلمة الجهاد؛ لأنهم يدركون معناها.
أيها الأحبة: إن إزالة أسباب الخذلان والهوان أهم وأولى من إزالة آثار العدوان.
وهذا الطغيان لن يوقفه إلا الإسلام، وإن مَيْل الميزان لا يعدله إلا القرآن.
الحل بيّن، والحق واضح، إنه صراع عقائد، ومعركة مع من كفر بالله، واتخذ له صاحبة وولدا -تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا-.
إنه حكم قرآني لا تشوبه شهوات ولا شبهات، حقائق اليقين من رب العالمين: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَـارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)[البقرة: 120].
لقد سمعتم، كما سمع العالم كله، تهديد رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن حكومته سوف تستخدم جميع السبل لوقف إراقة الدماء، في أسوأ أعمال عنف تشهدها الأراضي الفلسطينية، منذ أربع سنوات.
وطالب بالتحرك لقمع أعمال العنف، وقال: إن بلاده قد تلجأ، حتى لاستخدام الدبابات لوقف الاشتباكات الدموية التي تشهدها الضفة الغربية، وقطاع غزة.
وأضاف لراديو إسرائيل: أن الجنود والضباط لديهم أوامر باستخدام أي وسيلة لحماية المدنيين الإسرائيليين.
وهل هناك وسيلة أكثر من إطلاق الرصاص على طفل أعزل عمره عشر سنوات، على مدى خمسة وأربعين دقيقة؟
كان والد محمد يحاول حمايته من نيران الإسرائيليين، لكن دون جدوى، حيث انطلقت النيران لتضرب الحائط الذي احتميا به، والأب يلوح للقوات الإسرائيلية في يأس ويهتف صارخا: "لا تطلقوا النار".
ولكن القصف استمر لتستقر أربع رصاصات في الطفل الذي سقط قتيلا بين يدي أبيه.
حاول اثنان من سائقي سيارات الإسعاف إنقاذ الصغير، فقتل أحدهما وأصيب الثاني.
إن لحظات استشهاد الطفل الفلسطيني، وهو يحتمي بوالده من الرصاص الذي مزق جسده الطاهر، لحظات رهيبة، كشفت بشاعة الجرم اليهودي، وقذارة جيشهم وجنودهم، وصورت هواننا ورخص أطفالنا.
إن موت هذا الطفل كشف بلادة الحس، والغيرة عند الإعلام العربي الذي يبدو أنه استمرأ الخلاعة والرقص، وتغييب وعي الناس، وتمجيد التفاهة، وتضخيم الدعاية.
مرت الإذاعات العربية، ومحطات التلفاز، ومعظم الصحف العربية على الخبر، وكأن الميت كلب، أو قطة في فيلم أمريكي سخيف، لتؤكد أن الإعلام العربي أصبح جرحاً ميتاً، لا يتألم ولا يهزه إلا الرقص، ولا يشده سوى مسابقات الجمال، وحفلات الطرب، ومهرجانات التسوق.
وكيف يعطي إعلامنا هذه القضية حقها وهو مشغول بأولمبيات سدني؟
لاشك أنه أهم وأولى!.
سيبقى موت هذا الطفل المسلم جمرة تشتعل في قلوبنا إلى الأبد، وإن تجاهلها الإعلام الموجه، وأهل السياسة، ولا نستبق الأحداث، ولا ندعي علم الغيب، لكن قتل هذا الطفل البريء سيكون محرضاً للغضب والثأر -بإذن الله-، وسيدفع ثمنه جميع اليهود الذين يدنسون تراباً عطره، ذلكم الطفل المسلم بدمه الزكي.
إنه من الصعب تحديد حجم العمليات البطولية الاستشهادية، والتي سنفرح بها -بإذن الله- التي ستطاول اليهود، ومجرمي الحرب على الأرض المحتلة وخارجها.
ومن الصعب الآن: إحصاء عدد الذين سيحصدهم ثأر الطفل المسلم، لكن بالتأكيد أن العمليات التي سينفذها رجال المقاومة الإسلامية، وشباب فلسطين الرجال ستكون بحجم الغضب، وحرارة النار التي أحرقت صبرنا، والجحيم الذي أشعل خواطرنا على موت طفلنا المسلم بهذه الطريقة المتوحشة الهمجية المفجعة.
لقد كان منظراً هيّج نفوسنا، وأجج أحاديثنا، وقلّب مواجعنا، وكشف عوراتنا، وأهان رجولتنا، ومرغ أنوفنا، وأغرقنا بالدموع كالنساء.
وإن مما يزيد الأمر حسرة وألماً: أنك تجد وفي خضم هذه الأحداث، وإذا بهذا الخبر العجيب الذي نشرته جريدة الحياة [العدد 13719 في 6/7/1421هـ].
كنا نتوقع غضبة إسلامية لهذا الحدث، أو على الأقل أن يحصل مقاطعة، أو استنكار، فإذا بنا نفاجأ بهذا الخبر: "حفلة في دبي للحيوانات الأليفة" تستضيف إمارة دبي الأسبوع الجاري احتفالاً يتعلق بالرفق بالحيوانات الأليفة، تنظمه "جمعية أصدقاء القطط" احتفالاً باليوم العالمي للحيوان!.
وتتضمن فاعليات النشاط الذي يعود ريعه لصالح جهات خيرية محلية مهتمة بشؤون الحيوانات!.
بالإضافة إلى مزاد وعروض موسيقية ومسابقات ترفيهية للعائلات والأطفال، وكرنفال للحيوانات، ومعرض للأعمال اليدوية!.
تتمة الخبر: إنها جمعية غير نفعية تهدف إلى العناية بالقطط الهائمة في شوارع الإمارات!.
وتفيد أن الجمعية قدمت خدماتها لأكثر من سبعة آلاف قطة، كما ساهمت في تعقيم 2500 قطة بمعدل 40 قطة شهرياً [انتهى الخبر].
ونحن أيضاً بهذه المناسبة، ننتهز هذه الفرصة الطيبة، ونشكر هذه الجمعية، والإخوة الأفاضل القائمين عليها جهودهم، المباركة بالقطط! ونقترح إن كان هناك مجال للاقتراح أن يفتحوا جمعية أخرى تُعنى بشؤون الفئران الإماراتية!.
لقد حُق لليهود أن يستبيحوا دماءنا، وأن يعبثوا بأراضينا، مادامت هذه اهتماماتنا -والله المستعان-.
أيها المسلمون: لماذا يقتل هذا البريء؟ لماذا يطلق الرصاص على ذلك الطفل؟ ما ذنبه؟
ألأن اسمه "محمد" على اسم صاحب الإسراء -عليه الصلاة والسلام-؟
أم لأنه مسلم من أمة الإسلام؟ أم لأنه سليل الأفذاذ من الرعيل الأول؟ أم هي محاولة أخرى للقضاء على رموز العزة، ومنابع الفخار والإباء في أمتنا؟ ما ذنبه ليقتل؟
أَذنْبك اْلاسْمُ أمْ إسلامك الذنْبُ *** أم أنَّ أسلافك الفاروقُ والصَحْبُ
أم ذنب آبائك الأحرارِ أن ربَّوْ *** كَ على أنَّ نار الثأر لا تخبو
أم ذنب قلبك أن القدس محفورٌ *** هواهُ في القلبِ والأقصى هو اللبُّ
أم ذنبنا نحنُ أنْ نِمْنا على ضيم *** والقدس ضيَّعها حُكّامها العُرْبُ
عفوًا طفلنا فحربنا صوتٌ *** وسلاحنا خطبة عصماءُ أو شجبُ
أما الجهاد فإرهاب وترويعٌ *** ومجلس الأمن لا يرضى فلا حربُ
فيا محمد عذراً ما لنا حوْلٌ *** حتى الجهادُ اشْترى راياتِهِ الغرْبُ
أَرْخَصْتَ غاليْ الدم ولم تجبنْ *** فمُتْ شهيداً وَأَخْجِلْ منْ به رَهْبُ
واْفضح بموتك من باعوا فلسطينا *** بصفقةٍ قد رعاها النَسْر والدُبُّ
عصابة من لصوص رأسها لص *** فَهَمُّهُمْ مالُهم وجهادهم سلب
زعيمهم ذَنَبٌ والذلّ يغشاهُ *** من يلقَ قبَّلهُ لو أنه كلْبُ
جبْنٌ إذا واجهوا الأعداء هابوهم *** أما الشجاعة يصلى نارها الشعب
سحقاً منظمة التحرير يا عاراً *** على فلسطين لم يطهر لها ثوبُ
ضاعت قضيتنا من يوم أن كنتمْ *** وغاب عنها أسود ضربُها عَطْبُ
ما حرّر القدس والأقصى طواغيتٌ *** ولا السلام يفيد وأخذها غصبُ
ما حرر القدس والأقصى سوى جيلٌ *** رأى الجهاد سبيلاً سنَّهُ الربُّ
نفعني الله وإياكم ...
الخطبة الثانية:
الحمد لله ...
أما بعد:
إن لكم إخوانا في أرض فلسطين المباركة، ما زالوا يكافحون، ويدافعون عن أعراضهم ونسائهم.
وهناك الكثير المحافظون على دينهم، وهناك -ولله الحمد- صحوة إسلامية مباركة، دبت في نفوس أبنائها.
رغم كل الكيد، ورغم كل التعتيم، ورغم كل الصد، إلا أن الخير باقٍ، والخير ينتشر -بإذن الله-.
أيها الأحبة في الله: لقد طغى الصهاينة، وعاثوا وداسوا ولوثوا، ولكن العزة لله ورسوله وللمؤمنين، والذل والصغار والمسكنة لمن غضب الله عليهم ولعنهم، وجعل منهم القردة والخنازير، وعبد الطاغوت.
لقد أكدت الأحداث، وأثبتت الوقائع، أنهم لا ينصاعون لمساومات، ولا يصدقون في محادثات، الخيانة خلقهم، والكذب مطيتهم، والدسائس في السراديب المظلمة مسلكهم.
إنه لا حل لهذه القضية، وكل قضية يكون العدو الكافر طرفاً فيها إلا برفع راية الجهاد، والمواجهة بالمثل، وإلا فالذلة.
إنه حقاً على الأمة أن تربيها التجارب والوقائع، وتصقلها الابتلاءات والمحن.
إن الأمر كله لله، بيده مصائر الأمور، وكل شيء يجري في طريقه المرسوم، حتى يبلغ أجله المحتوم، إما موت وإما قتل، أمر لا مفر من ملاقاته: (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً * أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ)[النساء: 77-78].
إنك لتعجب كيف يرضى بالذل؟ وكيف يرضى بالقعود، من يملك وسائل الجهاد والبذل؟ كيف لا يذودون عن حرمة، ولا ينتصرون لكرامة ولا يستشعرون صغاراً ولا ذلة؟.
كيف تحلو الحياة لمن يضيع دياره، وإذا ضاع الحمى ذهبت كل التضحيات خسارة؟.
سلوا فلسطين إن رمتم بها خبراً *** قد استبيحت بها الأعراض والحُرَم
عز الذهاب إلى مسرى النبي بها *** فمن أراد ذهاباً فالطريق دم
سلوا بلاداً بلبنان التي طُعنت *** أين المواثيق والهدنات والذمم؟
أمن يهودٍ تريدون السلام لكم؟ *** أين السلام وهم ليست لهم قيم
فالشر منطقهم والغدر شيعتهم *** والخبث ديدنهم إن العداة هم
هذا الزمان عجيب لست أفهمه *** أرجاؤه ظُلم من فوقها ظُلم
إني أرى أمتى قد أبحرت سفهاً *** بلا سفين وموج البحر يلتطم
أيها المسلمون: إن ما يقع هو منبثق من عقيدة اليهود، وهم يحاربون عن عقيدة، يريدون طمس القدس وإزاحته، يريدون الاستيلاء عليه، كما استولوا على الأرض.
لقد استعملوا كل الأساليب من أجل الحصول على ذلك، اشتروا الأرض بعدما اشتروا النفوس باع العرب أرضهم وضمائرهم لليهود يوم أن جلسوا معهم للتفاوض، بدءاً بخيانة "كامب ديفيد" واستمراراً في مشروع السلام، بل الاستسلام من "مدريد".
والدليل على ذلك: أن قضية القدس لم يَرِد ذكرها في تلك المعاهدة المشؤومة، في الوقت الذي أُعلن فيه أن القدس عاصمة إسرائيل إلى الأبد، بل اتخذ اليهود بذلك قرارهم الرسمي من الكنيست الإسرائيلي باعتبار القدس العاصمة الأبدية لإسرائيل.
وكانت تلك بداية التنازلات بالنسبة لقضيتهم، ومن ثمّ كلما قام اليهود بعمل إرهابي أو باعتداء على الأبرياء والمؤسسات، إلا وقام العرب والمسلمون بالاستنكار، وتذكير الأمم المتحدة بالقرارات، بالرغم أن إسرائيل احتلت فلسطين، واستوطنتها، بقرار من هيئة الأمم المتحدة.
أيها الأحبة: هذه هي القضية، وذلكم هو وضعها.
إن القضية ليست غامضة ولا ملتوية، وما هي بالمستعصية الفهم، أو الشائكة، لكنها تحتاج إلى شيء من الفهم القرآني، والإلمام بطبائع الأشياء، واستعراض النواميس الإلهية، والسنن الأزلية.
اعلموا أن معركة الإسلام مع الكفر، ليست وليدة اليوم، وإنما هي فصول يقصها القرآن، وترويها السنة، في أدوار مختلفة، ولن يخلو زمان أو مكان من تلك المعركة الضارية، غير أن النور الذي حمله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليضيء الدنيا، لن ينطفئ أبدًا، بل هو باق خالد، في أيدي المسلمين، يحملونه إلى البشرية ليضيء الدنيا مرة أخرى بأمر من الله، ويوحد الكلمة، ويجمع الشتات.
وإن للمسلمين في وعد ربهم، ما يشد عزائمهم للثبات على دينهم: (وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنينَ)[الروم: 47].
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك"[رواه البخاري].
قال الله -تعالى-: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)[التوبة:33].
قال ابن كثير -رحمه الله-: "أي يظهره على سائر الأديان، كما ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها".
إن شعوبًا لا تعرف إلا الله، لن يغلبها من لا يعرف الله، وإن من لا يعرف إلا الحق، لن يغلبه من لا يعرف إلا الباطل.
فجند الله هم الغالبون بالحجة واللسان، كما أنهم الغالبون -بإذن الله تعالى- بالسيف والسنان.
إن كل ما نراه من مصاعب تحل بعالمنا الإسلامي إنما هي -بإذن الله- إرهاصات لنمو إسلامي متكامل، يشمل الحياة كلها، وأن لا يدخل اليأس في قلوبنا، فوعد الله -عز وجل- بالنصر والتمكين متحقق -بإذن الله- بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام وأهله، وذلا يذل الله به الشرك وأهله.
نسأل الله -جل وعلا- أن يعجل بالنصر لإخواننا المسلمين في فلسطين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم