عناصر الخطبة
1/وجوب تحري الاتباع في العبادات واجتناب الابتداع 2/بعض الأحكام الفقهية بخصوص شهر رجب 3/توضيح حكم حديث يتصل بشهر رجباقتباس
ينتشر بين الناس حديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا دخل رجب قال: "اللهمَّ بارك لنا في رجب وشعبان، وبلغنا رمضان"، وهذا الحديث العمل به على أنَّه سُنَّة قالها النبي -صلى الله عليه وسلم- فنسبتُه إلى رسولنا -صلى الله عليه وسلم- لا تصح...
الخطبة الأولى:
الحمد لله حمدًا لا ينفد، وأشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له الأحد الصمد، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه أفضل من تعبد، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ عليه وعلى آله وأصحابه، خير من اقتدى بالنبي الأمجد، اللهمَّ صل عليه وعلى آله وصحبه.
أيها المسلمون: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -جل وعلا-؛ فمن اتقاه سعد ولم يشق، وأفلح ونجا؛ (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)[الطَّلَاقِ: 2-3]، ومن حقق التقوى جعل الله له من كل عسر يسِرًّا؛ (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا)[الطَّلَاقِ: 4]، ومن لازم التقوى نال رضا المولى؛ (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا)[الطَّلَاقِ: 5].
أمَّا بعدُ، فيا أيها المسلمون: من أصول الدين أن كل قُربة ليس عليها دليل شرعي من كتاب الله أو سُنَّة رسوله -صلى الله عليه وسلم- فهي محدَثة مبتدَعة، فمن قواعد الإسلام التي أرساها نبيُّنا -صلى الله عليه وسلم- قوله العظيم: "مَنْ أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ"(مُتفَق عليه)، وفي رواية لمسلم: "مَنْ عَمِلَ عملًا ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ".
وإنَّ ممَّا عظَّم اللهُ -جل وعلا- الأشهر الحرم، ومنها شهر رجب، قال -تعالى-: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا في كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)[التَّوْبَةِ: 36]، تأكيد على أنَّه يجب على المسلم أن يعظم شعائر الله في كل وقت وحين، ويزداد التعظيم لهذه الشعائر ولهذه الحرمات في الأشهر الحرم، بترك المحرمات وتجنب المنهيات، والمسارعة إلى فعل الخيرات، والمسابقة إلى الصالحات، مع البُعْد عن المبتدَعات ومجانبة المخترَعات في العبادات.
وإن من المقطوع عند علماء الإسلام أنَّه لم يرد تخصيص شهر رجب بشيء من التطوعات، إلا ما كان مشروعًا في سائر الأوقات مما قام عليه دليل شرعي، ولنعلم أن أحاديث تنسب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في فضل الصيام في شهر رجب خاص به دون غيره، أو قيام ليال منه خاصَّة، كل ذلك مما بين أهل الحديث المختصون بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنَّها إمَّا ضعيفة، وإمَّا موضوعة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال ابن حجر -رحمه الله-: "الأحاديث الصريحة الواردة في فضل رجب، أو في فضل صيامه، أو صيام شيء منه تنقسم إلى قسمين؛ إمَّا ضعيفة، وإمَّا موضوعة"، ومثل معنى هذا القول صرَّح ابن تيمية وابن القيم وابن رجب والنووي وغيرهم من علماء الإسلام، وما يقوم به بعض الناس من الاحتفال بليلة السابع والعشرين من رجب زعما أنَّها ليلة الإسراء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فهذا من حيث الأصل بدعة محدثة، ومن حيث الواقع فلم يقم دليل معلوم لا على شهرها، ولا على عينها.
فيا عبادَ اللهِ: التزِموا بما شرع لكم تفلحوا، واتبِعوا السُّنَّة ترحموا، وتابِعوا نبيكم -صلى الله عليه وسلم- تنالوا محبة الله ورضوانه، وتغنموا بالأجر العظيم، والثواب الجزيل، قال -تعالى-: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[آلِ عِمْرَانَ: 31].
اللهمَّ وفقنا للعمل بشرعك، واتباع سنة رسولك -صلى الله عليه وسلم-، وبارك لنا في أوقاتنا بكل عمل صالح مبرور، يا عزيز يا غفور.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفِروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، في الآخرة والأُولى، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه النبي المصطفى، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ عليه كثيرًا دائمًا.
عبادَ اللهِ: ينتشر بين الناس حديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا دخل رجب قال: "اللهمَّ بارك لنا في رجب وشعبان، وبلغنا رمضان"، وهذا الحديث العمل به على أنَّه سُنَّة قالها النبي -صلى الله عليه وسلم- فنسبتُه إلى رسولنا -صلى الله عليه وسلم- لا تصح؛ فقد ضعفه النوويّ وابن رجب، وجمع من الحفاظ المتأخِّرين؛ كسماحة الشيخ ابن باز، والألباني، رحمة الله على الجميع، وإنَّما الدعاء مشروع بالأدلة العامَّة من الكتاب والسُّنَّة، دون إحداث شيء بعينه، قال الحافظ ابن رجب: "قال المعلا بن الفضل: كانوا يدعون الله -أي السلف- ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ويدعون الله ستة أشهر أن يتقبل الله منهم"، فاتبعوا تسعدوا، واقتدوا بالشرع المطهر تفلحوا وتفوزوا، واحذروا نسبة شيء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا وفق استيثاق علمي مؤصل لدى أهل العلم، قال -تعالى-: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 132].
عبادَ اللهِ: أكثِروا من الصلاة والتسليم على النبي الكريم تنالوا الدرجات العلا، ويجعل الله لكم من كل ضيق مخرجًا، ومن كل هم فرجًا، اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارِكْ على نبينا محمد، وارض اللهمَّ عن الآل والصحابة أجمعين، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهمَّ اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللهمَّ اجمع المسلمين على الخير، اللهمَّ وحِّدْ صفَّهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم، اللهمَّ اشف مرضانا ومرضى المسلمين، اللهمَّ أزل ما أهمَّهم وغمَّهم، اللهمَّ يسِّر لهم كلَّ عسير، اللهمَّ أغنِ فقراءهم، اللهمَّ وَأَعِدْ منهم مَنْ خرَج منهم من دياره إلى دياره سالمًا غانما يا أرحم الراحمين، اللهمَّ وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين ونائبه، لكل خير، اللهمَّ وفقهما لما تحبه وترضاه، اللهمَّ احفظهما بحفظك، واكلأهما برعايتك وعنايتك، يا أرحم الراحمين.
اللهمَّ يا مغيث أغثنا، اللهمَّ أغثنا بالغيث النافع، اللهمَّ اسق ديارنا وديار المسلمين، اللهمَّ إن في الديار من الجدب ما لا نشكوه إلا إليك، اللهمَّ أنزل علينا من الغيث النافع، اللهمَّ أنزل علينا من بركاتك وجودك وفضلك وكرمك يا أكرم الأكرمين، يا غني يا حميد.
سبحانك اللهمَّ وبحمدك، أشهد ألا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ على نبينا محمد.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم