عناصر الخطبة
1/ التزود بالعمل الصالح 2/ العمل الصالح مجال للاختبار 3/ شروط العمل الصالح 4/ مجالات الأعمال الصالحة ودلالتها على فضل الله 5/ من الثمار الدنيوية للأعمال الصالحة 6/ ارتباط تمكين المسلمين بأعمالهم الصالحة 7/ سعادة السلف الصالح بأعمالهم الصالحةاقتباس
إن المسلم الراجي ثواب الله ومغفرته يحرص حرصا أكيدا على أن تكون جميع أعماله خالصة لله -عز وجل-، سليمة من الرياء والعجب وحب الثناء من الناس، موافقة لما شرعه الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، مستحضرا أمامه دائما الوعيد الشديد...
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد، فيا عباد الله: اتقوا الله -عز وجل-، اتقوه -سبحانه- تقوى حقيقية تقودكم إلى تلمس مراضي الله وامتثال أوامره واجتناب نواهيه، تقودكم هذه التقوى إلى مزيد من العمل الصالح، والحذر والبعد عن فعل المعاصي والمحرمات.
تزودوا من الأعمال الصالحة ما دمتم -أيها الإخوة- في زمن الإمهال والإمكان، واللهِ! ليأتين يوم على الجميع يود الواحد منا العمل فيه ولا يستطيع! (حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [المؤمنون:99-100].
أيها الإخوة المسلمون: لقد جعل الله -عز وجل- العمل الصالح في هذه الدنيا مجالا للاختبار والابتلاء، كما قال الله -سبحانه وتعالى-: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلَاً) [الملك:2]، قال الفضيل بن عياض -رحمه الله-: "أي: أصوبه وأخلصه"، مشيرا إلى سمات العمل الصالح وعلامات العمل الصالح.
إذ إن العمل لا يوصف بالصلاح ولا يرقى إلى درجة الحسن إلا إذا توفرت فيه شروط ثلاثة... أول هذه الشروط: أن يكون المقصود بهذا العمل وجه الله -عز وجل- والدار الآخرة. وثاني هذه الشروط: أن يكون هذا العمل موافقا لما جاء به المصطفى -صلى الله عليه وسلم-. وثالث هذه الشروط: أن يكون صاحب هذا العمل على معتقد سليم وديانة حسنة.
فأما الشرط الأول فيعرف بالإخلاص، وهو إفراد الله -عز وجل- بالقصد والطاعات، قال الله -عز وجل- في محكم كتابه: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء) [البينة:5]، وقال -عز وجل-: (أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ) [الزمر:3].
إن العبد -أيها الإخوة المسلمون- لا يتخلص من أسر الشيطان إلا بإخلاصه العمل لربه -عز وجل-؛ (إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [الحجر:40].
كان بعض السلف يقول لنفسه: "أخلصي تتخلصي"، أي: أخلصي العمل لله -عز وجل-؛ تتخلصي من أسر الشيطان.
إن الإخلاص تنقية القلب من الشوائب كلها، قليلها وكثيرها، حتى يتدرج في القلب قصد التقرب لله -عز وجل-، فلا يكون في قلب العبد باعث على العمل سوى طلب مرضاة الله -سبحانه وتعالى-.
ولهذا كان الإخلاص عزيز المنال، لا يناله إلا الموفقون من عباد الله. قيل لسهل التستري: أي شيء أشد على النفس؟ قال: الإخلاص؛ إذ ليس لها فيه نصيب. وقال أيوب السختياني: تخليص النيات على العمال أشد عليهم من جميع الأعمال.
إنه ينبغي لمن أراد الإخلاص أن يقطع محبة الشهوات من قلبه، ويملأ قلبه بحب الله -عز وجل-، ويستحضر الآخرة نصب عينيه دائما في جميع أقواله وأفعاله وخطراته.
إن الغافلين عن الإخلاص يرون حسناتهم يوم القيامة سيئات، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا! يقدمون على ربهم بأعمال في نظر الناس عظيمة ولكنها تكون هباءً منثورا؛ لأنها فقدت الإخلاص: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) [الكهف:103-104].
والشرط الثاني للعمل الصالح يعرف بالمتابعة، والمراد بالمتابعة أن يكون العمل -صغر أم كبر، دق أم جل- مطابقا لسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وعلى وفق ما شرعه المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، فلا زيادة ولا نقصان، ولا تغيير ولا تبديل، لقد حذر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مخالفة أمره وبين أن كل عمل لا يوافق شرعه فهو مردود على صاحبه غير مقبول.
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال -صلى الله عليه وسلم-: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، وفي رواية: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد".
إن محبة الله -عز وجل- إنما تكمن في متابعة رسوله وحبيبه -صلى الله عليه وسلم-: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [آل عمران:31].
لقد عظّم سلفنا الصالح سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وحذروا من مخالفتها، فعن الزهري -رحمه الله- أنه قال: "الاعتصام بالسنة نجاة"؛ لأن السنة، كما قال مالك بن أنس -رحمه الله-: سفينة نوح، مَن ركبها نجا، ومن تخلف عنها هلك.
وعن سفيان -رحمه الله- قال: لا يقبل قول إلا بعمل، ولا يستقيم قول وعمل إلا بنية، ولا يستقيم قول وعمل ونية إلا بموافقة السنة.
قال بعض السلف مبينا أهمية الإخلاص والمتابعة: ما من فعلة وإن صغرت -أي: ما من عمل يعمله المكلف في هذه الدنيا وإن صغر هذا العمل والفعل- إلا ينشر لها ديوانان: لِمَ؟ وكيف؟. أي: لم فعلت؟ وكيف فعلت؟.
فالأول سؤال عن علة الفعل وباعثه وداعيه: هل كان حظا عاجلا من حظوظ العامل، وعرض من أعراض الدنيا في محبة المدح من الناس أو خوف ذمهم، أو استجلاب محبوب عاجل، أو دفع مكروه عاجل؟ أم الباعث على الفعل والمحرك له القيام بحق العبودية لله رب العالمين، وطلب التودد والتقرب إلى الرب الكريم -سبحانه وتعالى-، وابتغاء الوسيلة إليه؟.
ومحل هذا السؤال أنه: هل كان عليك أن تفعل هذا الفعل لمولاك، أم فعلته لحظك وهواك؟.
وأما الديوان الثاني المكتوب فيه: "كيف" فهو سؤال عن متابعة الرسول -عليه الصلاة والسلام- في ذلك التعبد، أي: هل كان ذلك العمل مما شرعتُه لك على لسان رسولي، أم كان عملا لم أشرعه ولم أرضه؟.
فالأول سؤال عن الإخلاص في الأعمال، والثاني عن المتابعة في الأعمال، فإن الله -عز وجل- لا يقبل عملا -مَهما كان هذا العمل- إلا إذا كان به إيمان، فطريق التخلص من السؤال الأول: بتجريد الإخلاص. وطريق التخلص من السؤال الثاني: بلزوم متابعة النبي -صلى الله عليه وسلم- في صغير الأمر وكبيره.
إن المسلم الراجي ثواب الله ومغفرته يحرص حرصا أكيدا على أن تكون جميع أعماله خالصة لله -عز وجل-، سليمة من الرياء والعجب وحب الثناء من الناس، موافقة لما شرعه الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، مستحضرا أمامه دائما الوعيد الشديد في قوله -عز وجل-: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا) [الفرقان:23].
أما الشرط الثالث لقبول العمل الصالح فهو أن يكون صاحب العمل على عقيدة سليمة، موحدا لله رب العالمين، سالما من الشرك بجميع أنواعه؛ لأن الشرك محبط للأعمال، كما قال الله -عز وجل-: (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الزمر:65].
ولهذا قال الله -عز وجل- أيضا: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ) [النحل:97]، فاشترط الإيمان مع العمل الصالح.
أيها الإخوة المسلمون: إن من نعم الله -عز وجل- وتيسيره على عباده أن شرع لعباده من الأعمال الصالحة أنواعا عديدة، ومن طرق الخير أصنافا كثيرة، حتى لا يكل العامل ولا يمل، يتنقل العامل بين عمل وآخر، بين قربة وأخرى، في ليله ونهاره، في صباحه ومسائه، في نشاطه وحالة فتوره؛ إذا فتر عن الصلاة اشتغل بالتسبيح والتهليل، وإذا انتهى من صيام الفرض انتقل إلى النفل، ومن الزكاة الواجبة إلى الصدقة المسنونة، وهكذا دواليك، كلما تعب من عمل انتقل إلى آخر.
بل إن من لطف الله -عز وجل- وواسع كرمه وجميل عطائه أن جعل بعض محبوبات النفس وما تميل إليه مجالا للأجر والثواب، فإتيان الأهل صدقة يثاب عليها الإنسان، والإنفاق عليهم كذلك صدقة: "إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى ما تضع في فم امرأتك".
كل ذلك لأن الله -عز وجل- خلق الإنسان ضعيفا، علم -سبحانه- ضعف العبد فنوع له ألوان العبادة والأعمال الصالحة، حتى إذا أدركه الملل من عمل انتقل إلى عمل آخر يجد فيه الرغبة والنشاط، فيكثر العبد حينئذ من الصالحات والقربات النافعات التي يدخرها لآخرته يوم القدوم على ربه، (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء:88-89]، (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ) [الزلزلة:7]، (وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ) [البقرة:215].
في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: " يُصبح على كل سُلامى -أي: مفصل- من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة؛ ويُجزي من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى".
فلك أن تتخيل -أيها المسلم- عظم التفريط الذي يقع فيه كثيرون منا، ركعتان يطلبهما منك ربك -عز وجل- في الضحى! "ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى".
وفي رواية في هذا الحديث: "تعدل بين الاثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة".
إن من فضل الله عز وجل -أيها الإخوة المسلمون- أن جعل أفضل الأعمال، وأحبها إليه -سبحانه-، وأعظم ما تقرب به المتقربون إلى الله -عز وجل-، هو ما افترضه عليهم، هو ما أوجبه عليهم، كما جاء في الحديث القدسي، يقول الله -عز وجل-: " مَن عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته".
ومن فضل الله -عز وجل- أنه يهب على العمل القليل الحسنات الكثيرة والأجور العظيمة؛ تكرما وتفضلا وإحسانا وجودا منه -سبحانه وتعالى-، فالحسنة الواحدة بعشرة أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة: (وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة:261].
بل يزداد فضل ربك الكريم حينما يهم المرء بحسنة فلا يعملها فيكتبها له ربه حسنة كاملة، ويهم العبد بالسيئة فلا يعملها فيكتبها له ربه حسنة كاملة، كما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من هم بحسنة فعملها كتبها الله له عشر حسنات، ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله له حسنة كاملة، ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله له حسنة كاملة، ومن هم بسيئة فعملها كتبها الله سيئة واحدة".
ألا ما أعظم جود الله! ألا ما أعظم كرمه! فلله الحمد والفضل على هذه النعم الكثيرة، والمنن الوفيرة، والأجور العظيمة.
أيها الإخوة المسلمون: إن الأعمال الصالحة التي شرعها الله -عز وجل- لعباده لا يجني العامل منها الأجر والنفع في الآخرة فقط؛ بل إن جزاء الأعمال الصالحة ونفعها يحصل للمطيع والعامل في الدنيا؛ فيرى شيئا من ثمار أعماله الصالحة.
فمن هذه الثمار التي يجنيها العامل من عمله الصالح في الدنيا أنه يجد حسن رعاية الله له، كما في الحديث القدسي المتقدم.
ومنها المودة والمحبة التي يقذفها الله -عز وجل- في قلوب المؤمنين لعباده الصالحين، كما قال الله -عز وجل-: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا) [مريم:96].
ومنها حسن الذكر والثناء الحسن، كما قال الله -تعالى- على لسان إبراهيم: (وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) [الشعراء:84]، يعني: الثناء الحسن.
ومن ثمار الأعمال في الدنيا تفريج الكربات: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [الطلاق:2-3].
ومن ثمار الأعمال الصالحة وأجلّها السعادة الحقة، والطمأنينة الأكيدة، وزوال الهموم والغموم: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [النحل:97].
فلربنا العظيم -سبحانه- الحمد والشكر على أن هدانا للإسلام وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، له الحمد والشكر على التوفيق للأعمال الصالحة، والهداية للقربات النافعة؛ لربنا الحمد والشكر أن جعلنا مسلمين، ولنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- متبعين.
اللهم كما وفقتنا لذلك فاختم لنا بخير خاتمة إنك على كل شيء قدير، واقبل منا أعمالنا الصالحة، وتجاوز عن سيئاتنا، إنك على كل شيء قدير.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله المحمود بكل زمان، والمعبود في كل مكان، والمذكور بكل لسان، لا يشغله شأن عن شان.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومن شذ عنهم شذ في النار.
أيها الإخوة المسلمون: إن من الثمار الحسنة للأعمال الصالحة على مستوى الأمة تمكين الله لعباده المؤمنين في الأرض، كما قال الله -عز وجل-: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [النور:55].
لقد حقق الله -عز وجل- ذلك للمسلمين الأولين لما آمنوا وعملوا الصالحات، ففتحوا مشارق الأرض ومغاربها، ومنحهم ربهم -عز وجل- التمكين والعزة والقوة، ودانت لهم الأرض شرقها وغربها، وامتد سلطان المسلمين من حدود الصين شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا، ومن تركيا شمالا إلى بحر العرب جنوبا، حتى كان الخليفة ينظر إلى السحابة فيقول: "أمطري حيث شئتِ فسيأتيني خراجك".
لقد سعد السلف الصالح بما هدوا إليه من العمل الصالح، وذاقوا حلاوة الإيمان، وفازوا برضا الرحمن، وشعروا في أنفسهم بسعادة لا تدانيها سعادة، حتى قال قائلهم: "لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من النعيم لجالدونا عليه بالسيوف".
ثم خلّفوا من بعدهم خلفا ورثوا هذا الأدنى فأخلدوا إلى الدنيا، واستهوتهم الملذات، وانصرفوا عن الطاعات، واسترسلوا في الشهوات، وهاموا على وجوههم في طلبها؛ فانحطوا إلى مستوى البهائم، وفقدوا المعاني الإنسانية، وغلبت عليهم المادية الطاغية، فارتطموا في هوة الشقاء، وأخذوا يتلمسون طريق النجاة تلمس الحائر الضال وراء الأمم المادية التائهة فلم يجدوه، حسبوا المجد، حسبوا العز، حسبوا القوة في تقليد أجنبي أعمى، ومظاهر براقة خادعة، وأماني سرابية كاذبة؛ فافتقروا بعد غنى، وذلوا بعد عز، وضعفوا بعد قوة، وشقوا بعد سعادة وهناء.
والله! لا سبيل إلى النجاة إلا بالعودة إلى دين الله الحق، والاهتداء بشرعه الحق، والعمل الصالح الذي دعا إليه، والخلق الرفيع الذي حض عليه.
والله! لن يجد المسلمون العزة إلا بالتمسك بدين الله، والعمل بشريعة الله -عز وجل-، وما سوى ذلك فهو السراب والضياع والهلاك والدمار والبوار والخسار.
متى ما فعل المسلمون ذلك، أي: رجعوا إلى دينهم وتمسكوا بعقيدة ربهم وتمسكوا بشريعة خالقهم؛ فسيرجع لهم كل ما فقدوه من عز وملك وسلطان وقوة.
أمّا إن استمر حال المسلمين على هذا التردي والتحلل من أحكام الشرع، وتمييع أحكام الدين؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله! وحسبنا الله ونعم الوكيل!.
سنن الله -عز وجل- في عباده جارية: (وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) [الأحزاب:62]، (وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً) [الإسراء:77].
إنه الدين، دين الله -عز وجل- للناس أجمعين، للعرب والعجم، للشرق والغرب؛ مَن أخَذ بهذا الدين في أي بقعة وفي أي مكان في الأرض عز وساد، وكتب له النصر والتمكين، ومن تخلى عنه في أي بقعة وأي مكان، من تخلى عنه، باء بالذل والهوان.
ليس بين الله -عز وجل- وبين عبادة نسب ولا حسب؛ إنما الناس في ميزان الله -عز وجل-: بر تقي موعود بالكرامة والتمكين والعز والسيادة؛ وفاجر وكافر موعود بغضب الله -عز وجل- وهلاكه ووعيده.
نسأل الله -عز وجل- أن يردنا وأن يرد المسلمين أجمعين إلى دينهم ردا حميدا، اللهم ردنا إليك ردا حميدا، اللهم ردنا إليك ردا حميدا، اللهم ردنا إليك ردا حميدا.
هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبد الله، فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه فقال -عز من قائل-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
وقال -عليه الصلاة والسلام-: "مَن صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا".
اللهم صل وسلم وبارك على محمد وعلى آل محمد...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم