عناصر الخطبة
1/فضائل عمر بن الخطاب 2/محبة الصحابة لعمر بن الخطاب 3/مناقب عمر بن الخطاب وخصاله وصفاته 4/خلافته وجهاده واستشهاده.اقتباس
إن عمر كان أعظم فتوحًا وجهادًا بالمؤمنين، وأقدر على قمع الكفار والمنافقين.. فتح الأمصار، وقهر الرجال، وأعزَّ أهل الإيمان، وأذلَّ أهل النفاق والعدوان، ونشر الإسلام والدين، وبسط العدل في العالمين، وضع ديوان الخراج والعطاء لأهل الدّين، ومصَّر الأمصار للمسلمين، وخرج منها أزهد مما دخل فيها، لم يتلوّث بمال، ....
الخطبة الأولى:
يَسَّر الله لهذا الدين رجالاً يعملون له، ويَدْعون إليه، ويحفظون أمره، أعزَّ الله بهم الدين، وأعز الدين بهم، صَاحَبَ رسولَ ربِّ العالمين، شهد المشاهد، وحضر الغزوات، وشهد له الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالجنة. إنه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-.
لما أسلم عمر قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "كان إسلام عمر فتحًا، وكانت هجرته نصرًا، وكانت إمرته رحمة، لقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي بالبيت حتى أسلم عمر، فلما أسلم قاتلهم حتى تركونا نصلي".
فيه قوةٌ وصدعٌ بالحق، يظهر ذلك عندما أسلم، فقد ذهب لكبير قريش أبي جهل فطرق بابه فقال أبو جهل: "مرحبًا بابن أخي، ما جاء بك؟ قال: جئت لأخبرك أني قد أسلمت وآمنت بمحمد وصدّقتُ ما جاء به".
وكان من قوته -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "والذي نفسي بيده! ما لقيك الشيطان سالكًا فجًّا، إلا سلك فجًّا غير فجك"(متفق عليه).
له فضل ومكانة، لذا بوّب أصحابُ الحديث في مصنفاتهم بابَ مناقب عمر، كما في البخاري ومسلم والترمذي، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في فضله: "لو كان بعدي نبي، لكان عمر بن الخطاب"(رواه الترمذي).
امتاز -رضي الله عنه- بأنه ذو عقل وفقهٍ وفهم قال: "وافقت ربي في ثلاث: في مقام إبراهيم، وفي الحجاب، وفي أسارى بدر"(متفق عليه).
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "رأيت كأني أتيت بقدح من لبن فشربت منه، فأعطيت فضلي عمر بن الخطاب"، قالوا: فما أوَّلته يا رسول الله؟ قال: "العلم"(رواه الترمذي).
كان ملازمَ الصحبةِ لرسول الله في حله وترحاله، كما في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر"(متفق عليه).
كان يحب النبي -صلى الله عليه وسلم- محبة كبيرة، قال عبد الله بن هشام -رضي الله عنه-: "كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو آخذ بيد عمرَ بنِ الخطاب، فقال له عمر: يا رسول الله: لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا والذي نفسي بيده! حتى أكون أحبَّ إليك من نفسك"، فقال عمر: فإنه الآن لأنت أحب إليَّ من نفسي، فقال النبي: "الآن يا عمر"(رواه البخاري).
مُحبٌّ للعلم والتزودِ منه، حتى مع مَنْ هو أقلَّ منه علمًا، فكان إذا دخل عليه أبو موسى يقول له: "ذكِّرْنا ربنا، فيقرأ أبو موسى -رضي الله عنه-، وربما بكى عمر، وعندما قرأ سورة الطور يومًا حتى إذا بلغ: (إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ)[الطُّور: 7]، بكى، واشتد بكاؤه حتى مرض وعادوه".
وكان -رضي الله عنه- حريصًا على اغتنام الخيرات، كما في خبر النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن، من مُراد، ثم من قَرَن، كان به برص فَبَرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بَرّ، لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل"(رواه مسلم).
فكان عمر -رضي الله عنه- إذا أتى عليه أمدادُ أهل اليمن سألهم أفيكم أويس بن عامر؟ حتى أتى على أويس فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم، قال: من مُراد ثم من قَرَن؟ قال: نعم، قال: فكان بك برص فَبَرأْت منه إلا موضع درهم قال: نعم، قال: لك والدة؟ قال: نعم. قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: - وذكر الحديث- فاستغفر لي، فاستغفر له.
وقد ذكر -رضي الله عنه- أسبابَ محبته في البقاء في هذه الحياة بقوله: "لولا ثلاثةٌ في الدنيا ما أحببت البقاء: لولا أن أضع جبهتي لله كل يوم خمس مرات، أو أن أجلس مع قوم ينتقون أطايب الكلام كما يُنتقى أطايب الثمر، أو أن أغزو في سبيل الله -عز وجل-".
صاحبُ بذل وإنفاق، قال -رضي الله عنه-: "أمرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- يومًا أن نتصدق، فوافق ذلك مالاً عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يومًا، فجئت بنصف مالي، فقال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما أبقيت لأهلك؟ فقلت: مثله"(رواه أبو داود والترمذي).
محبةُ الصحابة له ظاهرة قال ابن عمر -رضي الله عنهما-: "كنا نخيّر بين الناس في زمن النبي، فنخير أبا بكر، ثم عمر، ثم عثمان -رضي الله عنهم-"(رواه البخاري).
وفي حديث أنس: "أن رجلاً سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الساعة، فقال متى الساعة؟ قال "وما أعددت لها؟" قال: لا شيء إلا أني أحب الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "أنت مع من أحببت"، قال أنس: فما فرحنا بشي فرحنا بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أنت مع من أحببت"، قال أنس: فأنا أحب النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر وعمر، وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم، وإن لم أعمل بمثل أعمالهم"(رواه البخاري).
مُحبٌّ لرعيته، قاضٍ لحاجاتهم، خرج يومًا ومعه الناس، فمر بعجوز فاستوقفته، فوقف لها، فجعل يُحدثها وتحدثه، فقال رجل: يا أمير المؤمنين! حَبَسْت الناس على هذه العجوز، قال: وَيْحك تدري من هذه؟ هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سموات.
وكان -رضي الله عنه- آمرًا بالمعروف، ناهيًا عن المنكر، دالاً الناس على فعل الخير، قال ابن القيم -رحمه الله-: "تزلزلت الأرض بالناس زمن عمر، فقال: يا أيها الناس! ما كانت هذه الزلزلة إلا عن شيء أحدثتموه، والذي نفسي بيده! لئن عادت لا أساكنكم فيها أبدًا".
فتح الله على يديه عامةَ الشام ومصر والعراق، وبعض خرسان، وقدم إلى الشام وسَلّم إليه النصارى بيتَ المقدس، ودخله، وظهر تصديق خبر النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصرُ فلا قيصرُ بعده، والذي نفسي بيده! لتنفقن كنوزهما في سبيل الله -عز وجل-"(متفق عليه).
وضع -رضي الله عنه- ديوانَ العطاء، وكتب الناسَ على قدر أنسابهم، فبدأ بأقربهم نسبًا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال ابن تيمية -رحمه الله-: "حين وضع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الديوان، قالوا له: يبدأ أمير المؤمنين بنفسه فقال: لا، ولكن ضعوا عمر حيث وضعه الله، فبدأ بأهل بيت رسول الله، ثم من يليهم، حتى جاءت نوبته في بني عدي، وهم متأخرون عن أكثر بطون قريش".
وكان حريصًا على مصالح المسلمين فيكتب إلى عماله: "إنَّ أهم أموركم عندي الصلاة، فمن حافظ عليها وحفظها حفظ دينه، ومن ضيعها كان لما سواها من عمله أشد إضاعة".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- مُجْملاً حياة الفاروق: "إن عمر كان أعظم فتوحًا وجهادًا بالمؤمنين، وأقدر على قمع الكفار والمنافقين من غيره -مثل عثمان وعلي رضي الله عنهما- فتح الأمصار، وقهر الرجال، وأعزَّ أهل الإيمان، وأذلَّ أهل النفاق والعدوان، ونشر الإسلام والدين، وبسط العدل في العالمين، وضع ديوان الخراج والعطاء لأهل الدّين، ومصَّر الأمصار للمسلمين، وخرج منها أزهد مما دخل فيها، لم يتلوّث بمال، ولا ولَّى أحدًا من أقاربه ولاية، فهذا أمر يعرفه كل أحد".
حشرنا الله في زمرة الأخيار.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
حياة أمير المؤمنين -رضي الله عنه- مليئة بالفضائل وحِفْظِ الدين والسنة وكَلِمةِ المسلمين، فقد جمع الناس في التراويح على إمام واحد، وأمر بقطع شجرةِ بيعةِ الرضوان، لخوفه على الناس من الفتنة، ولذا صدق قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أرحم أمتي بأمتي أبوبكر، وأشدهم في دين الله عمر"(رواه الترمذي).
وفي سيرته إجلال لخليفة رسول الله أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- كما في قصة ضَبَّةَ بنِ مِحْصَن قال: "قدمت إلى عمر بن الخطاب فأدخلني منزله وقَدَّم إليَّ طعامًا فأكلت، ثم ذكرت له أبا بكر الصديق فبكى، فقلت له: أنت خير من أبي بكر، فازداد بكاءً لذلك، ثم قال وهو يبكي: والله لليلة من أبي بكر ويوم، خير من عمر وآل عمر".
ومع كل هذه الأعمال الجليلة خلال أيام حياته منذ إسلامه وتوليه الولاية إلا أنه يحتقر نفسه أمامها، بل يدعو الله أن يجعل عمله صالحًا، فقد ورد من دعائه -رضي الله عنه-: "اللهم اجعل عملي كله صالحًا، واجعله لوجهك خالصًا، ولا تجعل لأحد فيه شيء".
ومع كل ما ذكر إلا أنه خاف على نفسه النفاق، فقال لحذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- صاحبِ سرِّ رسول الله: "يا حذيفة! أنشدك الله، هل سماني رسول الله؟ -يعني في المنافقين- فيقول: لا، ولا أزكي بعدك أحدًا".
من آثاره المشهورة قوله -رضي الله عنه-: "إني لا أحمل هَمَّ الإجابة، ولكن احمل هَمَّ الدعاء، فإذا أُلهِمْتُ الدعاء فإن الإجابة معه".
وبعد خلافةٍ راشدة دامت أكثر من عشر سنين كان يدعو: "اللهم ارزقني قتلاً في سبيلك، ووفاة في بلد نبيك، قالت ابنته حفصة -رضي الله عنها- وأنّى ذلك؟ قال: إن الله يأتي بأمره إن شاء".
وحج في العام الذي قُتل فيه، وسأل الله حسن الختام فقال: "اللهم كبرت سني، وضعفت قوتي، وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مضيِّع ولا مفرِّط".
قال ابن المسيب -رحمه الله- "فما انسلخ ذو الحجة إلا طُعن"، وخطب مرة فقال: "رأيت ديكًا نقرني ثلاث نقرات، ولا أراه إلا حضور أجلي فما مر إلا تلك الجمعة حتى طُعن"(رواه مسلم).
وفي الصلاة التي طُعن فيها - وطُعن معه ثلاثة عشر رجلاً مات منهم سبعة - صلى بالناس عبدُالرحمن بنُ عوف -رضي الله عنه- صلاةً خفيفة، وقال عمر لابن عباس: "انظر من قتلني، فجال ساعة، ثم جاء، فقال: غلام المغيرة، قال الصَّنَع؟ قال: نعم، قال: قاتله الله، لقد أمرتُ به معروفًا، الحمد لله الذي لم يجعل ميتتي بيد رجل يَدَّعي الإسلام".
وبعد أن احتمل وتيقن قرب استشهاده، جاء رجل شاب فقال: أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله لك من صُحْبةِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقَدَمٍ في الإسلام، ثم وَلِيْتَ فَعدَلت، ثم شَهادة قال: ودِدْتُّ أن ذلك كفافًا لا عليَّ ولا لي، فلما أدبر إذا إزاره يمس الأرض قال: ردوا عليَّ الغلام، قال له يا ابن أخي! ارفع ثوبك، فإنه أبقى لثوبك وأتقى لربك.
وأمر ابنه عبد الله أن ينطلق إلى عائشةَ أمِّ المؤمنين -رضي الله عنها- فقل: يقرأ عليك عمرُ السلام، ولا تقل أمير المؤمنين فإني لست اليوم للمؤمنين أميرًا، وقل يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه، فسلَّم واستأذن، ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي، فقال: يَقْرأ عليك عمر بن الخطاب السلام، ويستأذن أن يدفن مع صاحِبَيْه.
فقالت: كنت أريده لنفسي، ولأوثرن به اليوم على نفسي، فلما أقبل قيل: هذا عبد الله بن عمر قد جاء، قال: ارفعوني، فأسنده رجل إليه فقال: ما لديك؟ قال الذي تحب يا أمير المؤمنين، أَذِنت، قال الحمد لله، ما كان من شيء أهمُّ إليَّ من ذلك، فإذا أنا قضيت، فاحملوني، ثم سلِّم، فقل: يستأذن عمر بن الخطاب، فإن أذنت لي فأدخلوني، وإن ردتني ردوني إلى مقابر المسلمين. - والقصة بتمامها في البخاري -.
حزن الصحابة -رضي الله عنهم- لوفاته حزنًا شديدًا، وقالوا: لوددنا أن الله زاد في عمرك من أعمارنا. فعُمَرُ -رضي الله عنه- حِصنُ الإسلام، وباب الفتنة انكسر بمقتله.
قال حذيفة -رضي الله عنه-: "بينا نحن جلوس عند عمر، إذ قال أيكم يحفظ قول النبي في الفتنة؟ قال: فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره تكفرها الصلاة، والصدقة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال ليس عن هذا أسالك، ولكن التي تموج كموج البحر، قال: ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين، إن بينك وبينها بابًا مغلقًا، قال عمر: أيكسر الباب أم يفتح؟ قال: بل يكسر، قال عمر: إذًا لا يغلق أبدًا، قلت: أجل، قلنا لحذيفة أكان عمر يعلم الباب؟ قال: نعم كما يعلم أن دون غد ليلة، وذلك أَنِّي حدثته حديثًا ليس بالأغاليط فهبنا أن نسأله من الباب، فأَمَرْنا مسروقًا فسأله، فقال من الباب؟ قال: عمر"(رواه البخاري).
وبمقتله -رضي الله عنه- انجرفت الأمة في فتن، كان منها مقتل ما بعده من الخلفاء الراشدين - عثمانَ وعليٍّ وغيرِهما من الصحابة -رضي الله عنهم-.
هذه ومضة يسيرة من حياة الرجل الثاني في هذه الأمة، أعز الله به الإسلام، وأهله وأذل به الكفر وأهله.
وفقنا الله لاقتفاء أثر نبينا -صلى الله عليه وسلم- وخلفائه الراشدين.
وصلوا وسلموا على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم