سنة الله في التغيير

حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ

2024-11-15 - 1446/05/13 2024-11-16 - 1446/05/14
عناصر الخطبة
1/على المسلم أن يهتم بتغيير نفسه للأفضل 2/من سنن الله التغيير مِنْ حال مَنْ يسعى للتغيير 3/العاقبة الحسنة للمتقين المحسنين 4/وجوب الحرص على وحدة الصف

اقتباس

إن من أعظم ما يجب على المسلمين أن يعيدوا النظرَ في أحوالهم، وأن يراقبوه -جلَّ وعلا- في جميع أمورهم، ومن ذلك العودة إلى وحدة الصفِّ واجتماع الكلمة، والحرص على الأُخُوَّة في الدين، والتعاون على حفظ الأوطان وسلامة المجتمع...

الخطبة الأولى:

 

إنَّ الحمدَ لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ عليه وعلى آله وصحبه.

 

أمَّا بعدُ، فيا أيها المسلمون: اتقوا الله -جل وعلا- وأطيعوه، يُعظِمْ لكمُ الأجرَ، ويُصلِحْ لكم العملَ؛ (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا)[الطَّلَاقِ: 2]، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا)[الطَّلَاقِ: 4]، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا)[الطَّلَاقِ: 5].

 

من كتاب الله -جل وعلا-، وسُنَّة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، يجب أن نستبصر أسباب الْهُدَى والفَلَاح، ووسائل العزة والسعادة والصلاح، فآيتان من كتاب الله -جل وعلا- تُنيِر للأمة مَوَاطِنَ السلامةِ، ومُقوِّمات الأمن، وعناصر النجاة، متى أدركنا مفهومها بوعي تام، وإدراك كامل، ونَظَر ثاقب، وجدناها تَرسُم طريقًا للخلاص من أسباب الهلاك والشقاء، يقول الله -جل وعلا-: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)[الرَّعْدِ: 11]؛ ويقول -عز وجل-: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)[الْأَنْفَالِ: 53]، سُنَّةٌ عامةٌ مِنْ سُنَنِ اللهِ للبشريةِ أجمعَ، وأنَّ أمةَ الإسلامِ مِنْ ضمنِ الأممِ التي تخضعُ لهذه السُّنَّةِ الإلهيةِ، وفقَ توجيهاتِ الوحيينِ؛ فهي أمةٌ صلاحُها وفَلَاحُها، وعِزُّها وسؤددُها مرتبطٌ باعتصامها بدِينِها، وتمسُّكِها بشريعةِ خالقِها؛ أمةٌ عافيتُها وسلامةُ أَمنِها ورخاءُ حياتِها، مقيَّدٌ بطاعتها لربِّها، والعملِ بسُنَّةِ نبيِّها -صلى الله عليه وسلم-؛ فلا بدَّ من تزكية جادَّة للنفوسِ وتعديلٍ مدروسٍ؛ لتنقيحِ الأفكارِ والأخلاقِ بما حمَلَه الإسلامُ من أوامرَ تُزَكِّي النفوسَ والعقولَ، وتُجَمِّلُ الأخلاقَ والسلوكَ مع الخالقِ -جل وعلا- ومع المخلوقين؛ فالإسلام في مصادره وأهدافه وغاياته، قد حدَّد الهدفَ لبني الإنسان ليحققَ في هذه الحياة العبادة الشاملة للخالق -جل وعلا-، وليَعْمُرَ هذه الحياةَ بكلِّ صالحٍ ونافعٍ، ولهذا لَمَّا أحدَث في نفوس الصحابة -رضي الله عنهم- ما جعَلَهم أعظمَ الْمُثُل، فانتقلوا من عبادةِ العِبَادِ إلى عبادةِ ربِّ العبادِ، ومِنْ ضيقِ الدنيا إلى سعةِ الآخرة وسعة الدارين، ومِنْ سيِّء الأخلاق والمعتقَدات إلى أحسنِها وأجملها وأكملها.

 

وهكذا هي سُنَّةُ اللهِ -جل وعلا- في كل زمان، قال ابن جرير في تفسير هذه الآية: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)[الرَّعْدِ: 11]: "أي: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما ‌بقومٍ ‌من ‌عافيةٍ ‌ونعمةٍ، فيُزِيلُ ذلك عنهم ويُهْلِكُهم، حتى يُغَيِّرُوا ما بأنفسِهم من ذلك، بظلمِ بعضِهم بعضًا، واعتداءِ بعضِهم على بعضٍ، فيُحِلَّ بهم حينئذٍ عقوبتَه وتغييرَه".

 

أيها المسلمون: إنَّ سُنَّةَ اللهِ -جلَّ وعلا- بكمالِ عِلمِه وعدلِه وحكمتِه، أنَّه لا يُغَيِّرُ ما بقوم من حال إلى حال، إلا بسببٍ منهم وبما كسبَتْه أيديهم، فإذا كانوا في صلاحٍ وخيرٍ ورخاءٍ فغيَّروا، غيَّر اللهُ عليهم بالعقوبات والنَّكَبَات والشدائد بمختلف أشكالها الحسيَّة والمعنويَّة، وقد يُمهِل عبادَه ويُملِي لهم لعلَّهم يرجعون ويتوبون إليه، وقد يُؤخِّرُ عقابَهم في الآخرة ليكونَ أشدَّ وأعظمَ؛ وهكذا قد يكونون في شدةٍ وبلاءٍ ومحنٍ، فيُحدِثُونَ توبةً صادقة وإنابةً مخلصة، فيُغَيِّرُ اللهُ حالَهم إلى نِعَمٍ تَتْرَى، ومِنَنٍ شتَّى، قال جل وعلا: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ)[الْأَعْرَافِ: 96]، فدوام النعم بالتقوى والطاعات، وزوالها بالمعاصي والسيئات، ومخالفة شرع رب الأرض والسماوات؛ (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)[إِبْرَاهِيمَ: 7]، فالواجب على المسلمين وهم في وضع لا يَخفى من السوء، أَنْ يَسْعَوْا جادِّينَ للعمل بالأسباب الشرعيَّة التي تَصلُح بها أحوالُهم، وتَسلَمُ بها مجتمعاتُهم من غوائل الشرور والفتن، ومِنْ ذلك العملُ الصادقُ الجادُّ لوحدة الصف، ونَبْذ التفرُّق، ومجانَبة البغضاء، والبُعد عن إثارة الفتن والعداوة بين المسلمين، مع الحرص على كل ما يُقرِّب ولا يُبَعِّدُ، ويَجْمَعُ ولا يُفَرِّقُ، استجابة لقوله -جل وعلا-: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)[آلِ عِمْرَانَ: 103].

 

ومَنْ حَفِظَ أوامرَ اللهِ -سبحانه- والتَزَم بشرعِه، حَفِظَهُ اللهُ وأسعدَه ونصَرَه وأعزَّه وأصلَح حالَه، يقول جل وعلا: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ)[الْمُؤْمِنَونَ: 1]، ويقول -جل وعلا-: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا)[الْحَجِّ: 38]، ويقول -سبحانه-: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)[الْأَنْعَامِ: 82]، ويقول نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "احفظ الله يحفظك"، الواجب على أمة الإسلام كل وفق إمكانياته أن يقوموا بكل سبب ديني ودنيوي بما أنعم الله عليهم من واسع فضله؛ ليحفظوا -بإذن الله- أمنهم وسلامة مجتمعاتهم، وفق أمر الله -جل وعلا-، القائل: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ)[الْأَنْفَالِ: 60]، فكم للمسلمين من أعداء متربصين، ولدمار بلدانهم ساعين، ولإغواء شبابهم هادفين؛ فمسؤولية الجميع أمام الله -جل وعلا- العمل الجاد لاكتساب ما يحقق الرخاء والتقدُّم، في كل مجال نافع في هذه الحياة، الواجب الجد والكفاح للإصلاح والرقي، وفق جهد متواصل، ووعي كامل، بالعالم المعاصر الذي نعيش فيه.

 

لابدَّ من إدراك تامّ بأن علاج مشاكل الحياة خاضع لسُنَن التغيير الهادف البناء المثمر؛ لدرء مصاعب الحياة، وتيسير سبلها، فذلك مطلب من مطالب الإسلام، ومقصد من مقاصده العظام.

 

ومتى توكلنا على الله، واعتصمنا بحبله، واستعنَّا به، مخلصينَ صادقينَ لإعمار الحياة، وإسعاد الآخرة، وفقَ ما يُصلِح ولا يفسد، ويسعد ولا يشقي، ويبني ولا يهدم، إذا تحقق ذلك من أبناء الأمة فإن الله -جل وعلا- يوفق الخطى، ويصلح العمل، وينير الدرب، ويعين العباد على كل صالح ينفعهم في دنياهم وأخراهم؛ (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ)[آلِ عِمْرَانَ: 159]، فلا مجال في الإسلام للخمول عن الإصلاح البناء، ولا مكان للكسل عن العطاء المستمر النافع؛ (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ)[التَّوْبَةِ: 105]، ورسولنا -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أعوذ بالله من العجز والكسل".

 

أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله ولي الصالحين، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، إله العالمين، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، النبي الأمين، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ عليه وعلى آله وأصحابه الهداة المهتدين.

 

أمَّا بعدُ، فيا أيها المسلمون: إن من أعظم ما يجب على المسلمين أن يعيدوا النظر في أحوالهم، وأن يراقبوه -جل وعلا- في جميع أمورهم، ومن ذلك العودة إلى وحدة الصف واجتماع الكلمة، والحرص على الأُخُوَّة في الدين، والتعاون على حفظ الأوطان وسلامة المجتمع من كل ما يكدر صفوه أو يخل بأمنه؛ فالله -جل وعلا- يقول: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)[الْحُجُرَاتِ: 10]، ونبينا -صلى الله عليه وسلم- يقول: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ في ‌تَوَادِّهِمْ ‌وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كمَثَلِ الْجَسَدِ الواحدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى".

 

وإنَّ مِنْ أعظمِ الجرائمِ في الإسلامِ الاعتداءَ على المسلمينَ في نَفْسٍ، أو عِرْضٍ، أو مالٍ، فكيفَ إذا اجتمعَتْ هذه الجرائمُ كلُّها، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله العظيم، الله جل علا يقول: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)[النِّسَاءِ: 93]؛ فهل يا أمة الإسلام مِنْ عودةٍ للصواب؟!، ورجوعٍ لمنطقِ الشرعِ والعقلِ، فما هذه الحياة الدنيا إلا متاع الغرور، فاتقوا الله -أيها المسلمون- وغيِّروا من واقعكم لما يدعوكم إليه دينُكم تفوزوا وتَغنَمُوا.

 

ثم إن الله -جل وعلا- أمرَنا بأمرٍ عظيمٍ، يجب علينا أن نتخذ من ليلنا ونهارنا جزءًا لتحقيقه؛ ألَا وهو الصلاة والسلام على النبي الكريم، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارض اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين، وعن الآل أجمعين، وعن الصحابة والتابعين، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

 

اللهمَّ اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.

 

اللهمَّ اجمع كلمة المسلمين على الحق يا ربَّ العالمينَ، اللهمَّ وحد صفهم، اللهمَّ أبدل شقاءهم سعادة، وتفرقهم اجتماعًا، اللهمَّ أزل هموهم، وفرج كروبهم، يا ذا الجلال والإكرام، اللهمَّ اشف مرضانا ومرضى المسلمين.

 

اللهمَّ وفِّق وليَّ أمرنا ووليَّ عهدِه لِمَا فيه الخيرُ والنفعُ يا ربَّ العالمينَ، اللهمَّ كن لهم معينًا ومسدِّدًا وموفِّقًا يا حي يا قيوم، اللهمَّ وفِّقْ جميعَ ولاةِ أمورِ المسلمينَ لِمَا فيه صلاحُ مجتمعاتهم.

 

اللهمَّ أنتَ الغنيُّ ونحن الفقراء، اللهمَّ أغثنا، اللهمَّ إنك واسع الفضل، اللهمَّ إنك جزيل العطاء، اللهمَّ امْنُنْ علينا بالغيث النافع، اللهمَّ أغث ديارنا وديار المسلمين، اللهمَّ ارفع عَنَّا وعن المسلمين القحط والجدب يا أكرم الأكرمين، يا غني يا حميد، اللهمَّ استجب لنا، اللهمَّ عليك بأعداء المسلمين، اللهمَّ اكفنا شرهم، اللهمَّ اكف المسلمين شرورهم.

 

سبحانك اللهمَّ وبحمدك، أشهد ألا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.

المرفقات

سنة الله في التغيير.doc

سنة الله في التغيير.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات