عناصر الخطبة
1/تعريف علامات الساعة 2/أقسام علامات الساعة 3/سبب تسمية العلامات الصغرى بهذا الاسم 4/علامات الساعة التي ظهرت وانتهتاقتباس
التذكيرُ بقُرب قيامِ الساعة؛ فهي المستقر، وهو نفسُ الغرضِ الأساسي لنصوص الوحيين التي تتحدثُ عن قيامِ الساعةِ وعن قُربِها، وعن الأحداثِ والوقائعِ التي تسبِقُ قيامها, أو ما يسميهِ العلماءُ بعلامات الساعةِ...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمدُ للهِ الذي بيده الإفناءُ والإنشاءُ، والإماتةُ والإحياءُ، والعافيةُ والبلاءُ, سبحانهُ وبحمده! خزائنهُ ملئا، ويمينهُ سحّاءَ، ويَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ، ولا يتعاظمُه عطاء؛ (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ)[هود: 7].
وأشهدُ أنَّ لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريك لهُ، يفعــلُ مـا يُريـدُ، ويحـكُــمُ ما يشــاءُ, و (لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ)[آل عمران: 5], وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُ اللهِ ورسولهُ، ومصطفاهُ وخليلهُ، إمامُ الأنبياءِ، وصفوةُ الأولياءِ -صلى الله عليه وسلم- عليهِ، وعلى آله الســادةِ النجبــاءِ، وصحــابتهِ الــبررةِ الأتقيــاءِ، والتابعينَ وتابعِيهم بإحسانٍ، مادامتْ الأرضُ والسماءُ، وسلم تسليماً كثيراً.
أمَّا بعدُ: فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ، حقَّ التقوى؛ فمن اتقى اللهَ وقَاهُ، ومن توكَّلَ عليهِ كفاهُ، ومن استعاذَ به حماهُ، ومن أوى إليه آواهُ، ووفقه وهداه؛ (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[البقرة: 257].
معاشرَ المؤمنينَ الكرام: هذه هيَ الحلقةُ الثالثةُ من سلسلة دروسِ الدارِ الآخرةِ، وكُنَّا قد ذكرنا في الحلقة الماضيةِ أنَّ القرآنَ الكريم أكدَّ مراراً أنَّ الساعةَ آتية، وأنَّها لا تأتي إلا بغتةً، وأنَّهُ لا يَعلمُ وقتَ قيامِها إلا اللهُ وحدَهُ فقط، وإنَّ قيامَها قريبٌ، وأنَّ هناك علاماتٌ وأماراتٌ ستقعُ قبلَها، تدلُ على قُربِ قيامها, وذكرنا أنَّ تقديرِنا للزمن غيرُ صحيح، فما نراهُ بعيداً هو في الحقيقة قريبٌ جداً, وذكرنا أنَّ أشهرَ النظرياتِ حولَ نشأةِ الكونِ ومراحلِ تكِّونِه، وما قالوهُ عن نهايتهِ الحتميةِ، يتوافقُ كثيراً مع حقائقِ القرآنِ الكريم ومع الأحاديثِ النبوية الصحيحةِ.
أحبتي الكرام: لقد كانَ أهمُّ الدروسِ التي أردنا أنَّ نخرجَ بها من الخُطبةِ الماضيةِ هو أنَّ الحقائقَ العلميةَ الثابتةَ لمْ ولنْ تتعارضَ مع حقائقِ القرآنِ الكريم؛ (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)[فصلت: 53].
أمَّا أهمُّ الدروسِ التي نتمنى أنَّ نخرجَ بها من هذه السلسلة عُموماً فهو التذكيرُ بقُرب قيامِ الساعة، وأنَّنا بحاجةٍ كبيرةٍ وعاجلةٍ لأن نتزودَ لها كثيراً، ونستعِدَ لها جيداً؛ فهي المآلُ والمستقر، وفيها البقاءُ الأبدي السرمدي, وهو نفسُ الغرضِ الأساسي للآيات الكريمةِ والأحاديثِ الشريفةِ التي تتحدثُ عن قيامِ الساعةِ وعن قُربِها، وعن الأحداثِ والوقائعِ التي تسبِقُ قيامها, أو ما يسميهِ العلماءُ بعلامات الساعةِ وأشراطِها؛ فالعلاماتُ أو الأماراتُ أو الاشراطُ: هي الأحداث التي أخبرنا اللهُ -تباركَ وتعالى-, أو نبيُه -صلى الله عليه وسلم- أنها ستقعُ في المستقبل، والتي تدلُ على قُرب قيامِ الساعةِ.
أيَّها الأحبةُ الكرام: علاماتُ الساعةِ وأشراطُها كثيرةٌ جداً، جاءَ بعضُها في القرآن الكريم، وجاءَ أكثرها في الأحاديث الشريفة, فعَنْ أَبي زَيْدٍ عمْرُو بنِ أخْطَبَ الأنْصَارِيِّ -رضي الله عنه- قَال: "صلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّه -صلى الله عليه وسلم- الْفَجْر، وَصعِدَ المِنْبَرَ، فَخَطَبنَا حَتَّى حَضَرَتِ الظُّهْرُ، فَنَزَل فَصَلَّى، ثُمَّ صَعِدَ المِنْبَر حَتَّى حَضَرتِ العصْرُ، ثُمَّ نَزَل فَصَلَّى، ثُمَّ صعِد المنْبر حتى غَرَبتِ الشَّمْسُ، فَأخْبرنا مَا كان ومَا هُوَ كِائِنٌ، فَأَعْلَمُنَا أحْفَظُنَا"(رواهُ مُسْلِمٌ), وفي صحيح مسلمٍ -أيضاً- عن حُذيفةَ بن اليمان -رضي الله عنه- قال: "قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مَقَامًا، ما تَرَكَ شيئًا يَكونُ في مَقَامِهِ ذلكَ إلى قِيَامِ السَّاعَةِ، إلَّا حَدَّثَ به، حَفِظَهُ مَن حَفِظَهُ, وَنَسِيَهُ مَن نَسِيَهُ، قدْ عَلِمَهُ أَصْحَابِي هَؤُلَاءِ، وإنَّه لَيَكونُ مِنهُ الشَّيْءُ قدْ نَسِيتُهُ فأرَاهُ فأذْكُرُهُ، كما يَذْكُرُ الرَّجُلُ وَجْهَ الرَّجُلِ إذَا غَابَ عنْه، ثُمَّ إذَا رَآهُ عَرَفَهُ".
وقد قسَّم أهلُ العلمِ علاماتِ الساعةِ إلى قسمين: صُغرى وكُبرى، وهذا التقسيمُ ليسَ من حيثُ ضخامةِ الحدث، وإنما سُميت العلاماتُ الصغرى بالصغرى؛ لأنها الأبعدُ زمناً عن قيام الساعة، ولأنَّ نطاقَ أثرها محدود، فيشعرُ بها قومٌ دونَ قوم؛ ولأنَّ دِلالتِها على قُرب الساعةِ, أقلَ مِن دِلالة العلاماتِ الكبرى، فالعلاماتُ الكبرى شديدةُ القُربِ من قيام الساعةِ، ودِلالتُها على قُربِ القيامةِ كبيرٌ وواضحٌ، وتأثيرُها يعُمُ الأرضَ جميعاً.
والمتأمِّلُ في العلاماتِ عُموماً، يجدُ أنَّها غالباً ما تدورُ حولَ غُربةِ الدين، وعن تناقُصِ الخيرِ وأهلهِ، وتكاثُرِ الشَّرِ وأهلهِ، وعن ظهورِ الفتنٍ الجديدةِ وتزايُدِها, ويلاحِظُ كذلك أنهُ كُلَّما تقدمَ الزَّمنُ ازدادت العلاماتُ كثرةً، وقويت دِلالتُها، وتسارعَ تتابُعها، وتقاربَ زمانها، واتسعَ نِطاقَ تأثيرها، حتى إذا ظهرت العلاماتُ الكبرى، كانت كخرزاتِ سلكٍ انقطع، فتتابعت سريعاً، وعمَّ أثرُها الأرضَ جميعاً، ودلَّ ذلك على أنَّ القيامةَ وشيكةٌ جداً, فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "الْآيَاتُ خَرَزَاتٌ مَنْظُومَاتٌ فِي سِلْكٍ، فَإِنْ يُقْطَعِ السِّلْكُ يَتْبَعْ بَعْضُهَا بَعْضًا"؛ قال العلماء في شرحها: أنَّ علاماتِ الساعَةِ الكُبرَى تخرُجُ مُتتابِعَةً, لا يَفصِلُ بينهُنَّ فاصِلٌ طويلٌ.
والمقصود بالعلامات الكبرى هي العلاماتُ التي جمعها حديثُ حذيفةَ بن أُسيدٍ في صحيح مسلمٍ، قال: اطَّلَع النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- علينا ونحن نتَذاكَرُ, فقال: "ما تَذكُرونَ؟", قالوا: نَذكُرُ الساعةَ, قال: "إنها لن تَقومَ حتى ترَوا قبلَها عشْرَ آياتٍ, فذَكَر الدُّخانَ والدجَّالَ والدابَّةَ, وطُلوعَ الشمسِ من مَغرِبِها, ونُزولَ عيسى بنِ مريمَ -صلى الله عليه وسلم- ويَأجوجَ ومَأجوجَ, وثلاثَ خُسوفٍ: خَسفٌ بالمَشرِقِ, وخَسفٌ بالمَغرِبِ, وخَسفٌ بجزيرةِ العربِ, وآخِرُ ذلك نارٌ تَخرُجُ من اليمَنِ تَطرُدُ الناسَ إلى مَحشَرِهم", هذه هي العلاماتُ الكبرى، ويُلحقُ بها علاماتٌ أخرى سنتحدث عنها -بإذن الله- في حينها.
أما إذا أردنا أن نُقسِّمَ العلاماتِ من حيثُ ترتيبِ ظهورها، فيمكنُ أن يكونَ التقسيمُ على النحو التالي: أولاً: علاماتٌ ظهرت وانتهت, وثانياً: علاماتٌ ظهرت وما زالت مُستمرة, وثالثاً: علاماتٌ لم تظهر بعدُ, ورابعاً وأخيراً: العلاماتُ الكبرى, وسنتحدثُ عن القسم الأولِ في الخطبة الثانيةِ -بإذن الله- وتوفيقه.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيات وَالذِّكْرَ الْحَكِيمَ، قَدْ قُلْتُ مَا سَمِعْتُم, وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى, وصلاةً وسلاماً على عباده اللذين اصطفى.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-، وكونوا مع الصادقين، وكونوا من (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ)[الزمر: 18].
معاشرَ المؤمنين الكرام: القِسمُ الأولُ من علامات الساعةِ: علاماتٌ ظهرت وانتهت، وأولُ تلك العلامات: بعثةُ النبي -صلى الله عليه وسلم-، فهو -عليه الصلاةُ والسلام- خاتمُ الأنبياء والمرسلين وآخرهم، وأقربهم ليوم القيامة؛ إذ لا نبيَ ولا رسالةَ بعدهُ، وقد ثبتَ في الصحيح: أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "بُعثتُ أنا والسَّاعةِ كهاتَيْن, وجمعَ بين السَّبَّابةِ والوُسطَى".
والعلامةُ الثانيةُ من العلامات التي ظهرت وانتهت: انشقاقُ القمرِ، ففي مُحكم التنزيل، يقولُ الحقُّ -جلَّ وعلا-: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ)[القمر: 1], وعن عبدالله بن مسعودٍ -رضي الله عنه- قال: انْشَقَّ القَمَرُ علَى عَهْدِ رَسولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- شِقَّتَيْنِ، فَقَالَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "اشْهَدُوا"(متفق عليه).
والعلامةُ الثالثةُ إلى السادسة: أربعُ علاماتٍ جمعها حديثٌ واحدٌ، ففي صحيح البخاري عن عوف بن مالك الأشجعي -رضي الله عنه- قال: أَتَيْتُ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- في غَزْوَةِ تَبُوك وهو في قُبَّةٍ مِن أَدَمٍ، فَقالَ: "اعْدُدْ سِتًّا بيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: مَوْتِي، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ المَقْدِسِ، ثُمَّ مُوتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الغَنَمِ، ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ المَالِ حتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِئَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطًا"، إلى آخر الحديث.
فالعلامةُ الثالثة: مَوتُ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في العام العاشر للهجرة، والعلامةُ الرابعة: فَتحُ بَيتِ المَقدِسِ، وقد تمَّ في عَهدِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ -رضي الله عنه-، في العام الخامِسِ عشر للهجرة، والعلامةُ الخامسة: مُوتانٌ كَقُعاصِ الغَنَمِ، موتان: أي موتٌ كثير، والقُعاصُ داءٌ يُصيبُ الغَنَمَ، فيقضي عليها سريعاً، والمقصودُ به طاعونُ عَمَواسَ، الذي حدثَ في العام الثامنِ عشر للهجرة، حيثُ ماتَ منهُ أكثرَ من خمسةِ وعشرين ألْفًا من المسلمين، من بينهم أمينُ هذه الأُمَّةِ أبو عبيدةَ عامرُ بن الجراح, وغيرهُ من كبارِ الصحابةِ -رضي الله عنهم- أجمعين, والعلامةُ السادسة: استِفاضةُ المالِ, حتَّى يُعطَى الرَّجُلُ مِئةَ دينارٍ فيَظَلُّ ساخِطًا, وفي الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ المالُ، فَيَفِيضَ حتَّى يُهِمَّ رَبَّ المالِ مَن يَقْبَلُهُ منه صَدَقَةً، ويُدْعَى إلَيْهِ الرَّجُلُ فيَقولُ: لا أرَبَ لي فِيه", وقد حدثَ هذا في زمن خلافةِ عمر بن عبدالعزيز -رحمه الله-.
والعلامةُ السابعة: معركةُ صفين، سنةَ سَبعٍ وثَلاثينَ للهِجرةِ، وكانت بين علي ومعاوية -رضي الله عنهما-، ومع كُلٍّ منهما جيشٌ عظيمٌ يزيدُ عن المائة ألف، وقد راحَ ضحيةُ هذا الخِلافِ عددٌ كبيرٌ جداً من الصحابةِ والتابعينَ يُقدرُ بسبعينَ ألفاً ، فعن أبي هريرةَ -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتانِ عَظِيمَتانِ، وتَكُونُ بيْنَهُما مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ, ودَعْواهُما واحِدَةٌ"(رواه مسلم).
والعلامةُ الثامنة: نارٌ تخرجُ بأرض الحجازِ تُضيءُ لها أعناقُ الإبلِ بالشام, ففي الصحيح عن أبي هريرةَ -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى تَخْرُجَ نارٌ مِن أرْضِ الحِجازِ, تُضِيءُ أعْناقَ الإبِلِ ببُصْرَى"، وبُصرى هي مدينةُ حُورانَ بالشام، وتبعدُ عن المدينة أكثر من ألف كيلو، قال الإمام النووي -رحمه الله-: "خَرجت في زماننا نارٌ بالمدينة سنةَ 654 للهجرة، وكانت ناراً عظيمة، بِقُرْبِ المدينةِ، تَوَاتَرَ العِلْمُ بها عند أهلِ الشَّامِ وسائرِ البُلدانِ"، وقال ياقوت الحموي: "إنَّ أهل الشام رأوا ضوءها، وقيل: أنها لَبِثَتْ مُتقدةً تَرمي بالحمم نَحْوًا من خَمسينَ يومًا".
والعلامةُ التاسِعة: قتالُ التتار والمغولِ والترك، ففي البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى تُقاتِلُوا قَوْمًا نِعالُهُمُ الشَّعَرُ، وحتَّى تُقاتِلُوا التُّرْكَ، صِغارَ الأعْيُنِ، حُمْرَ الوُجُوهِ، ذُلْفَ الأُنُوفِ، كَأنَّ وُجُوهَهُمُ الـمَجانُّ الـمُطْرَقَةُ"؛ أي: عريضةٌ مسطحة، وقد حدث هذا في نهاية العهد العباسي، في القرن الثامن الهجري.
أيها الأحبة الكرام: كُلُّ علامةٍ من هذه العلامات إعجازٌ غيبيٌ، ودليلٌ من دلائل صدق المصطفى -صلى الله عليه وسلم-, وهناك أحاديثُ صحيحةٌ كثيرةٌ، فيها إخبارٌ بأحداثٍ وقعت كما أخبرَ المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، وتعتبرُ من علامات الساعةِ, كخبر مقتلِ عمرَ وعثمانَ -رضي الله عنهما-، ومعركةُ الجملِ وفتنةُ الخوارجِ، وتنازلِ الحسنِ عن الخلافة، وزوالِ فارسَ والروم، ومقتلُ بعضِ الصحابةِ كعمَّار وغيره, لكن لأنَ المصطفى -صلى الله عليه وسلم- لم ينص على أنها من علامات الساعة فلم نفصِّل فيها, كما أنَّ هناك أحاديث كثيرةٌ فيها ذكرٌ للساعة، ولكنها من العلامات التي ما زالت مُستمرةً, وهذا ما سنتحدثُ عنهُ في الحلقةِ القادمةِ -بإذن الله تعالى-.
نسألُ اللهَ -جلَّ وعلا- أن يُعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يجعلنا هُداة مهتدين، وأن يُجنبنا الفتن، ما ظهر منها.
يا ابن آدم عش: ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى, والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم