عناصر الخطبة
1/المكانة السامية للأسرة في التشريع الإسلامي 2/نظرات وتأملات في الحياة الأسرية 3/التنبيه والتذكير بضرورة العناية باللقاحات والتحصيناتاقتباس
أيها الأزواج، أيها الزوجات: احذروا الدعوات المغرضة، التي تحرض الزوجين على التمرد وعلى التنمُّر، وتنفخ في النقائص والسلبيات، التي هي مِنْ طبعِ البشرِ، والتي لا يَسلَم منها أحدٌ كائنًا مَنْ كان، العَلاقات الزوجية -حفظكم الله- لا تبنى على المشاحَّة...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمد لله إذا وعَد أوفى، وإذا توعَّد عفَا، أحمده -سبحانه- وأشكره، أغنى وأقنى، وأعطى وكفى، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، شهادة تقرب لديه الزلفى، وأشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، الرسول المجتبى، والنبي المصطفى، صلَّى اللهُ وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وأصحابه، أهل البر والفضل والوفاء، والتابعين ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ وسار على نهجهم واقتفى.
أما بعدُ: فأوصيكم -أيها الناسُ- ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله -رحمكم الله-، أما آن لأهل الرقاد أن يستيقظوا، أما حان لأهل الغفلة أن يتنبهوا؟! ولذوي العقول أن يتفكَّروا؟! لقد صدَّق الموتُ الخبرَ، وأظهَر تصاريفَ الغِيَر، وكشَف صنوفَ العِبَر، برزت المخبآتُ، وظهرت المكنوناتُ، وشهدت الجوارحُ، وبُعثر ما في القبور والضرائح، فيا لَسوء منقلب الظالمين! ويا لَحسرة مصير الهالكين؛ (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ * يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)[غَافِرٍ: 18-19].
أيها المسلمون: الحياةُ الأسريةُ مِنْ أوثقِ العلاقاتِ الإنسانيةِ، وأرفعِها شأنًا، ولها في دينِنا مقامٌ كريمٌ، وهي في شرعِ ربِّنا ميثاقٌ غليظٌ؛ (وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا)[النِّسَاءِ: 21].
حياةٌ أسريةٌ يعيش فيها الزوجانِ عيشةً كريمةً، يتقاسمانِ همومَ الحياةِ في مَنْشطِها ومَكْرَهِهَا، وحلوِها ومرِّها، ولينِها وقسوتِها، وصحَّتِها ومرضِها، ويُسرِها وعُسرِها.
عبادَ اللهِ: العلاقاتُ الإنسانيةُ والعلاقاتُ الأسريةُ لا تُقاس بمواقفِ اللحظاتِ العابرةِ، ولا بالأحوال الطارئة، ولكنَّها تُقاس بالتراكمات المتتابِعة، والأحداث المتوالية، إنها عَلاقات ممتدة، لا يُنسيها حادثٌ عابرٌ، ولا يَنسِفُها موقفٌ طارئٌ.
إنَّ الحياةَ بتقلُّبَاتِها وأحوالِها، تحتاج أن يسودَ فيها روحُ الفضل، وتُذكَرَ فيها جوانبُ الخيرِ والمعروفِ، فليس من العقل ولا من الحكمة، ولا من المروءة أن تُهدَم سنواتُ مودةٍ في ساعةِ غضبٍ عابرةٍ، لحظة غضب يتناسى فيها الزوجان الجوانب المشرقة، وأوقات السرور ولمسات الود والمحبة، التي عاشاها والتي يعيشانها في أغلب أيام حياتهم.
أيها المسلمون: يقول الله -عز وجل- في محكم تنزيله: (وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ)[الْبَقَرَةِ: 237]، إنه توجيه كريم، وقاعدة عظيمة، وحكمة سامقة باسقة، تجري في مواطن أشمل وأعم من السياق الذي نزلت فيه؛ وهو معالجة الحالات بعد الطلاق
الفضل -عباد الله- هو أعلى درجات التعامُل؛ فهو مرتبةُ الإحسانِ، وفوقَ مرتبةِ العدلِ؛ (وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ)[الْبَقَرَةِ: 237]: في علاقاتكم كلها، في القربى، والمصاهرة، والعمل والصداقة، وفي شؤون الحياة كلها، (وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ)[الْبَقَرَةِ: 237]: توجيه لمن جمعتهم هذه العَلاقة العظيمة وهذا الميثاق الغليظ، وتذكير لهم بألا ينسى مع مرور الزمن وتقدُّم العُمر وكثرة العيال، وتعاظم المسؤوليَّات لا ينسوا الفضل الذي بناه حُسْن العِشْرة، وجميل المودَّة، ورداء الرحمة، ولطيف المعاملة منذ الأيام الأولى؛ (وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ)[الْبَقَرَةِ: 237]؛ ليبقى الود وتحفظ الحقوق، وتتنزل الرحمة وتتصافى القلوب، إن نسيان الفضل يعني التفكك والتجافي والشقاق والتباعُد عن الأخلاق الكريمة والشِّيَم النبيلة.
حِفْظُ الفضلِ هو الذي يُحافِظ على تماسُك الأسرة ويحفظها -بإذن الله- من المواقف الطارئة، واللحظات العصيبة، نسيان الفضل سلوك مشين، إن انتشر في المجتمع أفسده، وإن فشا في الناس فرقهم، نسيان الفضل من ضعف الإيمان.
معاشرَ المسلمينَ: في ثورة الغضب يَختلطُ الحابلُ بالنابل، والحقُّ بالباطل، وكأنَّ الزوجينِ ما عاشَا سنواتٍ من المودَّة، وحُسْنِ العِشْرة، وكأنَّهما لا يجمعهما بيتٌ واحدٌ، ولا يُظِلُّهما عشٌّ واحدٌ، ولا يضمهما فراشٌ واحدٌ، ولا يدفئهما لحافٌ واحدٌ، كلُّ هذا يُصبِح بين عشية وضحاها سرابًا هباءً، فلا الزوجُ يَذكُر الحسناتِ، ولا الزوجةُ تَذكُر المعروفَ.
في ساعات الغضب تنقلب الوجوهُ المبتسمة إلى وجوه كالحة، تحمل الكيد، ويعلوها الإرهاق، ويملؤها التعب والأسى، ويكسوها التحايلُ المكروهُ، والإيقاعُ المفسِدُ، ولو ذهبتَ تبحث عن المسوِّغات لَهَالَكَ ما تسمعُ، مسوغاتٌ لا يَقبَلُها عقلٌ فضلًا أن يقبلها دِينٌ أو خُلُقٌ كريمٌ.
نعم؛ قد غيب ذلك كله نزوات وهفوات، فلا دُنيا أقاموا ولا خُلُقًا كريمًا سلكوا، ولا عقلًا رصينًا حكَّموا، نزوات وهفوات تحل بها الجفوة محل المودَّة، والبُعْد مكان القرب، والقسوة بديل الحب، والعنف عوض الرفق، نزوات يكون فيها تصيد الأخطاء، وتلمس العيوب، ولا حول ولا قوة إلا بالله، أسر تتشتت، وأطفال تضيع، وإهمال يسود.
أيها الأحبة: في حالات الغضب الأسرار تعلن، والمستوى يكشف، والحرمات تنتهك، والتهم تقذف.
أيها الأزواج، أيها الزوجات: احذروا الدعوات المغرضة، التي تحرض الزوجين على التمرد وعلى التنمُّر، وتنفخ في النقائص والسلبيات، التي هي مِنْ طبعِ البشرِ، والتي لا يَسلَم منها أحدٌ كائنًا مَنْ كان، العَلاقات الزوجية -حفظكم الله- لا تبنى على المشاحَّة، ولا المشاحنة والصدام والخصام، ورفع الصوت، والتشكي، والتلاوم، ولكنَّها تبنى على مكارم الأخلاق والتغافل والصبر والتحمل، "لا يَفْرَك مؤمنٌ مؤمنةُ؛ إِنْ كَرِهَ منها خُلُقًا رَضِيَ منها آخَرَ"، التدقيق في تفاصيل الحياة الأُسريَّة ينغص الحياة، ويكدر الأسرة، ويجعل المجالس مرة، والمعيشة نكدة.
وبعدُ -حفظكم الله-: الزموا حفظ كرامة البيوت، وصون العَلاقة الزوجية، والتلطف والتماس أسباب الرضا، واحذروا التجسس والتحسس وتتبع الأخطاء، وتلمس المعايب، واعلموا أن الاعتراف بالفضل يجمع القلوب، والفجور في الخصومة يمزق العَلاقات.
وإذا بدرت بوادر الخلاف فتذكروا المحاسن، وتغافلوا عن النقائص؛ (وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ)[الْبَقَرَةِ: 237]، وأقرب الزوجين للتقوى هو الذي يعفو ويسامح، ولا ينسى مودة أهله، وحسن عشرتهم، وما استقصى كريم قط، والتغافل يطفئ الشرور، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)[النِّسَاءِ: 19].
نفعني الله وإيَّاكم بهدي كتابه، وبسنة نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، من كل ذنب وخطيئة، فاستغفِروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، لا يخيب مَنْ أمَّلَه، ويا لفوز من رضيه وقبله، أحمده -سبحانه- وأشكره، كم من خير منحه، وكم من فضل أجزله، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، بالهدى ودين الحق أرسله، صلَّى اللهُ وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وأصحابه، ذوي المناقب العليا، والمكرمات المؤثلة، والتابعين، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا لا حصر له.
معاشرَ المسلمينَ: الزواج رابطة، وعَقْد، ومودة، ورحمة، وليس انفلاتًا وضياعًا، وحريةً زائفةً، بناءُ العلاقةِ الزوجيةِ على الفضلِ والإحسانِ، وليس على المحاسَبةِ، والمشاحَّةِ والتقصِّي والاستقصاء، يقول يحيى بن معاذ -رحمه الله-: "اصحَبُوا الناسَ بالفضلِ لا بالعدلِ، فمعَ العدلِ يكون الاستقصاءُ، ومع الفضلِ يكون الاستبقاءُ"، لا تستقصوا جميعَ الحقوق، بل اجعلوا للفضل مَوضِعًا، ويسِّروا ولا تُعسِّروا، تسامحوا ولا تُدقِّقوا، والتغافل لا يُحسنه إلا الراغبون في السعادة، وكثرة العتاب تفرق الأصحاب، العشرة بالمعروف هي النظر إلى المحاسن والاحتفاء بها، والتغاضي عن المساوئ وسترها.
أيها الزوجان الكريمان: تفاهَمَا بأدب وحوار، وبنظر ثاقب للعواقب، فخلفكما ذرية ضِعاف خافوا عليهم، واتقوا الله، وقولوا قولًا سديدًا.
ألا فاتقوا الله جميعًا -رحمكم الله-، واعلموا أن مما تقتضيه المناسَبةُ التنبيهَ إلى مقصد عظيم من مقاصد حفظ النفس، من مقاصد الشريعة، ذلكم هو مقصد حفظ النفس، والعناية بالأسباب، المؤدية إلى حفظها، فجدير بالمسلم الحازم أن يلتفت إلى هذه الأسباب، ويعتني بها، ومن ذلكم -حفظكم الله- العناية التحصينات واللقاحات، وبخاصة ما يتعلَّق منها بالمواسم ومواطن الزحام والتجمعات؛ كالإنفلونزا الموسميَّة وغيرها، فاهتموا بذلك، واعتنوا به حفظكم، حفظنا الله وإيَّاكم وجميع المسلمين ووقانا من الأمراض والأسقام، إنه جواد كريم، رؤوف رحيم.
هذا وصلُّوا وسلِّموا على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، نبيِّكم محمدٍ رسولِ اللهِ، فقد أمرَكُم بذلك ربُّكم فقال عزَّ قائلًا عليمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارِكْ على عبدك ورسولك، نبينا محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهمَّ عن الخلفاء الأربعة الراشدين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن بقية الصحابة أجمعين، والتابعين ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك، يا أكرم الأكرمين.
اللهمَّ آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهمَّ أيد بالحق والتوفيق إمامنا وولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين، اللهمَّ وفقه لما تحب وترضى، وارزقه البطانة الصالحة، وأعز به دينك، وأَعْلِ به كلمتَكَ، واجعله نصرة للإسلام والمسلمين، واجمع به كلمة المسلمين على الحق والهدى يا ربَّ العالمينَ، اللهمَّ وفقه وولي عهده وإخوانه وأعوانه لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، وأعنهم على ما فيه فلاح البلاد والعباد، اللهمَّ وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وبسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، واجعلهم رحمة لعبادك المؤمنين، واجمع كلمتهم على الحق والهدى يا ربَّ العالمينَ.
اللهمَّ احفظ إخواننا في فلسطين، اللهمَّ احفظهم بحفظك، واكلأهم برعايتك، وأحطهم برعايتك، اللهمَّ اجبر كسرهم، وفك أسرهم، وأقل عثرتهم، اللهمَّ اشف مرضاهم، وارحم موتاهم، واقبلهم شهداء عندك يا ربَّ العالمينَ، اللهمَّ حرر المسجد الأقصى من المحتلين الغاصبين، اللهمَّ أعل شأنه، وارفع مكانه ورسخ بنيانه، وثبت أركانه يا سميع الدعاء.
اللهمَّ انصر جنودنا المرابطين على حدودنا، اللهمَّ سدد رأيهم، واشدد أزرهم، وقو عزائمهم، وثبت أقدامهم، واربط على قلوبهم، وانصرهم على من بغى عليهم، اللهمَّ ارحم شهداءهم، واشف جرحاهم، واحفظهم في أهلهم وذرياتهم إنك سميع الدعاء، اللهمَّ احفظنا من كيد الفجار، ومن شر طوارق الليل والنهار؛ (رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201]، (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصَّافَّاتِ: 180-182].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم