عناصر الخطبة
1/جرم سبّ الله والدين 2/حكم سابّ الله ودينه وكتابه ورسوله 3/كلام أهل العلم فيمن سبّ الله ودينه وكتابه ورسوله 4/موعظة وتذكير.اقتباس
لقد عظم علماء الأمة شأن الحكْم فيمن يسبّ الله أو يسبّ دينه أو يسبّ رسوله -صلى الله عليه وسلم- أو يسبّ القرآن العظيم، وبينوا أن مسألة سبّ الله ودينه مسألة مجمع على كفر فاعِلها سواء أكان جادا أم مازحا، هادئا أم غاضباً...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب:70-71]، وبعد:
عباد الله: ذنب فاجر هو ذنب لكن ليس كالذنوب، هو خطأ لا كالأخطاء، هو معصية لا كالمعاصي، هو جريمة لا كالجرائم، هو فساد لا كالفساد، إنه ذنب تغضب له الأرض والسموات السبّع التي تسبّح بحمد الله، ألا وهو ذنب سبّ الله وسبّ الدين وسبّ القرآن وسبّ الرسول، والاستهزاء بذلك.
أيها المؤمنون: لم نتوقع أن نعيش يوما في بلاد المسلمين نسمع فيهم مَنْ يسبّ الله ويسبّ دينه؛ كما نجده في بعض مجتمعاتنا، تسمع بأذنيك من يسبّ الله ومن يسبّ الدين؛ من رجالٍ وشبابٍ ونساءٍ وأطفال.
عباد الله: إن سبّ الله وسبّ دينه وكتبه ورسله أمر جلل، وذنب عظيم، وجرأة ماحقة، يعد من أعظم أشكال الطعن في ذات الله ودينه، ويعد فاعله إماماً في الكفر، واستمع معي إلى قول الله تعالى: (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ)[التوبة،12]، قال القرطبي في فقه أحكام الطعن في الدين من خلال هذه الآية: "(وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ)؛ أي بالاستنقاص، بالقول السيئ فيه.
واستدل بعض العلماء بهذه الآية على وجوب قتل كل من طعن في الدين؛ إذ هو كافر. والطعن أن ينسب إليه ما لا يليق به، أو يعترض بالاستخفاف على ما هو من الدين، وقال ابن المنذر: "أجمع عامة أهل العلم على أن من سبّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليه القتل، وممن قال ذلك مالك والليث وأحمد وإسحاق، وهو مذهب الشافعي"؛ فالذي يسبّ الدين هو طاعن في سلامة دين الله وقادح في شرع الله المنزل، وقوله هذا يجعله رأساً في الكفر.
أيها الناس: إن سبّ الله وسبّ دينه وكتبه ورسله، هو ذنب أعظم من ذنب مجرد الشرك بالله، قال الله تعالى: (وَلَا تَسبّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيسبّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ)[الأنعام،108]؛ فلئن بقي المشركون على شركهم دونما تعرض للذات الإلهية بالسبّ أهون من أن يسبّوا الله العظيم -سبّحانه-، وترك تسفيه آلهتهم الباطلة واجب؛ سدا لذريعة سبّهم لله؛ أليس هذا يدل على أن سبّ الذات الإلهية العظيمة أنكى من الشرك بالله مع عدم سبّه تعالى؟.
قال ابن كثير: "يقول تعالى ناهيا لرسوله -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين عن سبّ آلهة المشركين، وإن كان فيه مصلحة، إلا أنه يترتب عليه مفسدة أعظم منها، وهي مقابلة المشركين بسبّ إله المؤمنين، وهو الله لا إله إلا هو، عن ابن عباس في هذه الآية: قالوا: يا محمد، لتنتهين عن سبّك آلهتنا، أو لنهجون ربك، فنهاهم الله أن يسبّوا أوثانهم".
وكل هذا سدا لذريعة سبّهم الله سبّحانه عدوا وظلما؛ فأيّ شيء أعظم من ذلك في تعظيم جرم من يسبّ الله. يقول ابن تيمية: "ألا ترى أن قريشاً كانت تقارّه -عليه الصلاة والسلام- على ما كان يقوله من التوحيد وعبادة الله وحده، ولا يقارّونه على عيب آلهتهم، والطعن في دينهم، وذم آبائهم، وقد نهى الله المسلمين أن يسبّوا الأوثان؛ لئلا يسبّ المشركون الله، مع كونهم لم يزالوا على الشرك؛ فعلم أن محذور سبّ الله أغلظ من محذور الكفر به".
أيها المسلمون: إنّ سبّ الله وسبّ دينه وكتبه ورسله، هو استهزاء مخرج لصاحبه من الملة بحكم كتاب ربنا، وقد وقعت حادثة وقع فيها استهزاء بالدين وأهله في العهد النبوي، ونزل فيها القرآن مبينا حكم أولئك المستهزئين، يقول تعالى: (لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)[التوبة:65-66].
يقول السعدي في فقه الحكم العقدي لأولئك المستهزئين: "(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ) عما قالوه من الطعن في المسلمين وفي دينهم يقول طائفة منهم في غزوة تبوك: "ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء - يعنون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه- أرغب بطونا وأكذب ألسنا وأجبن عند اللقاء" ونحو ذلك، ولما بلغهم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد علم بكلامهم جاءوا يعتذرون إليه ويقولون (إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ) أي نتكلم بكلام لا قصد لنا به ولا قصدنا الطعن والعيب، قال اللّه تعالى- مبينا عدم عذرهم وكذبهم في ذلك- (قُلْ) لهم (أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)؛ فإن الاستهزاء باللّه وآياته ورسوله كفر مخرج عن الدين؛ لأن أصل الدين مبني على تعظيم اللّه وتعظيم دينه ورسله والاستهزاء بشيء من ذلك مناف لهذا الأصل ومناقض له أشد المناقضة، ولهذا لما جاءوا إلى الرسول يعتذرون بهذه المقالة والرسول لا يزيدهم على قوله: (أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)".
الله أكبر، أيّ حكم هذا فيك يا مَنْ تسبّ الله ودينه ورسوله وكتابه بعد هذا البيان الصريح، وأي موقف هذا من أولئك المستهزئين من الدين وأهله. يردد الرسول -صلى الله عليه وسلم- في وجهك مرارا وتكرارا نكاية بك وتحقيرا لك على عظم ذنبك، ماذا يردد؟ يردد قول الله: (أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)؛ ليعلم الناس أن ذنب سبّ الله ودينه والاستهزاء برسوله -صلى الله عليه وسلم- ليس كأي ذنب، بل لا ذنب بعد هذا الذنب أتعرف لماذا؟ لأن السبّ هو تحقير وتنقيص، يقول ابن عاشور: "وَالسبّ: كَلامٌ يَدُلُّ عَلَى تَحْقِيرِ أَحَدٍ أَوْ نِسبّتِهِ إِلَى نَقِيصَةٍ أَوْ مَعَرَّةٍ، بِالْبَاطِلِ أَوْ بِالْحَقِّ، وَهُوَ مُرَادِفُ الشَّتْمِ"، وقال ابن تيمية: "وهذا نص في أن الاستهزاء بالله وآياته وبرسوله كفر فالسبّ المقصود بطريق الأولى".
أيها الناس: إن سبّ الله وسبّ دينه وكتبه ورسله، هو قول لكلمة الكفر، وترديد لها وتصريح بها، يقول تعالى: (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلؤَامِهِمْ)[التوبة:74]، يقول السعدي: "أي: إذا قالوا قولا كقول من قال منهم (ليخرجن الأعز منها الأذل) والكلام الذي يتكلم به الواحد بعد الواحد، في الاستهزاء بالدين، وبالرسول، فإذا بلغهم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد بلغه شيء من ذلك، جاءوا إليه يحلفون باللّه ما قالوا، قال تعالى مكذبا لهم: (وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ)؛ فإسلامهم السابق -وإن كان ظاهره أنه أخرجهم من دائرة الكفر- فكلامهم الأخير ينقض إسلامهم، ويدخلهم بالكفر"؛ فسبّ الله وسبّ دينه وسبّ كتابه ورسوله هو نطق بكلمة الكفر وخروج من دائرة الإسلام إلى دائرة الكفر.
أيها المسلمون: لقد عظم علماء الأمة شأن الحكْم فيمن يسبّ الله أو يسبّ دينه أو يسبّ رسوله -صلى الله عليه وسلم- أو يسبّ القرآن العظيم، وبينوا أن مسألة سبّ الله ودينه مسألة مجمع على كفر فاعِلها سواء أكان جادا أم مازحا، هادئا أم غاضباً.
قال إسحاق بن راهويه: "قد أجمع المسلمون أن من سبّ الله أو سبّ رسوله عليه الصلاة والسلام أنه كافر بذلك، وإن كان مقراً بما أنزل الله"، وقال القاضي عياض: "لا خلاف أن ساب الله تعالى من المسلمين كافر"، وقال ابن حزم: "وأما سبّ الله تعالى، فما على ظهر الأرض مسلم يخالف أنه كفر مجرد"، وقال القاضي أبو يعلي: "من سبّ الله أو سبّ رسوله فإنه يكفر، سواء استحل سبّه أو لم يستحله"، وقال ابن قدامة: "من سبّ الله تعالى كفر، سواء كان مازحاً أو جادا"، وقال الرازي في تفسيره"إن الاستهزاء بالدين كيف كان كفر بالله، وذلك لأن الاستهزاء يدل على الاستخفاف"، وقال ابن سحنون: "أجمع العلماء على أن شاتم النبي -صلى الله عليه وسلم- المتنقص له كافر"، وقال القاضي عياض: "اعلم أن من استخف بالقرآن، أو المصحف، أو بشيء منه، أو سبّهما، أو جحده، أو حرفاً منه أو آية، أو كذب به، أو بشيء منه، أو كذب بشيء مما صرح به فيه من حكم، أو خبر، أو أثبت ما نفاه، أو نفى ما أثبته على علم منه بذلك، أو شك في شيء من ذلك فهو كافر عند أهل العلم بإجماع، قال الله تعالى: (لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)[فصلت:42].
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أيها الناس: كيف بمسلم تُسوّل له نفسُه أن يسبّ الله تعالى، وهو سبحانه المنعم عليه، المتفضل عليه بكل خير ناله، كيف يسبّ الله وهو الذي سَيُمِيتُه ويبعثه وسيقف بين يديه للعرض والحساب، إنه يسبّ الله الخالق العظيم رب العرش العظيم، ونسي قول الله تعالى: (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا)[مريم:90]، يسبّ دين الله الذي هو أكبر نعم الله على البشرية، وقد من الله على الأمة بذلك، كما قال عز من قائل: (وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا)[المائدة:3].
كيف بمسلم يسبّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويستهزئ به، ويدعي أنه من أمة محمد -عليه الصلاة والسلام- صاحب الخلق الحسن، ألا يذكر قول ربه له: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)[القلم:4].
كيف بمسلم يسخر من القرآن وآياته، ولا يلقي لها بالا، ولا اعتبارا، لا في الشدة ولا في الرخاء، ألا يذكر قول ربه: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ)[الحشر:21]؛ هل هذا هو التعظيم لله ولدينه ولكتابه ولرسوله الذي أمره الله تعالى به؟! أين تقواه من الله؟! أين تعظيمه لخالقه؟! أين خوفه من الآخرة؟! أين إجلاله لدين الله؟! ألا يذكر قول ربنا سبحانه: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)[الحج:32]، (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ)[الحج:30]؟!.
فليسارع الذي وقع في ذلك الذنب أو غيره إلى التوبة والإنابة قبل مغادرة الدنيا وحلول غضب الجبار سبحانه، ولنذكِّر من هو بحاجة إلى الذكرى، فالجرم كبير، والتمادي يهلك صاحبه، والعلاج يكمن في المسارعة والمسابقة بالاستغفار والتوبة والإقبال على الله تعالى والتزام العمل الذي يظهر من خلاله صدق النية بالتوبة والإنابة.
اللهم اجعلنا ممن يعظمونك ويعظمون شعائرك.
وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه؛ فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم