عناصر الخطبة
1/مكانة عمر الشباب 2/فضل المحافظة على عمر الشباباقتباس
وَشَبَّهَ اللهُ الخَلْقَ يَوْمَ القِيَامَةِ بِالفَرَاش؛ لِكَثْرَتِهِمْ وَانْتِشَارِهِمْ وَذِلَّتِهِمْ، أَوْ لِتَسَاقُطِهِمْ في جَهَنَّم؛ كما يَتَسَاقَطُ الفَرَاشُ في المِصْبَاح!...
الْخُطْبَةُ الأُوْلَى:
عِبَادَ الله: إِنَّهَا زَهْرَةُ العُمُر، وَغَنِيْمَةُ الدَّهْر، وَهِيَ وَسَطٌ بَيْنَ طَرَفَيْن، وَقُوَّةٌ بَيْنَ ضَعْفَيْن، إِنَّهَا مَرْحَلَةٌ الشَّبَاب.
وَزَمَنُ الشَّبَابِ؛ هُوَ زَمَنُ القُوَّةِ والعَمَلِ، والنَّشَاطِ والأَمَل؛ وَهِيَ نِعْمَةٌ يُحَاسَبُ عَلَيْهَا، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ، حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ" وَذَكَرَ مِنْهَا: "وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ"(رواه الترمذي، وصحّحه الألباني).
وَنِعْمَةُ الشَّبَاب فُرْصَةٌ لا تَتَكَرَّر، وَفِرَاقُهَا أَلَمٌ لا يُتَصَوَّر، قال تعالى: (أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا)[الأحقاف:20]، قال بَعْضُهُمْ: "الطَّيّبَاتُ هِيَ: الشَّبَابُ والقُوَّة".
يقول يوسُفُ بنُ أَسْبَاط: "يا مَعْشَرَ الشَّبَاب؛ بَادِرُوا بالصّحَّةِ قَبْلَ المَرَض؛ فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ أَحْسُدُهُ إِلَّا رَجُلٌ يُتِمٌّ رُكُوْعَهُ وَسُجُوْدَه، وَقَدْ حِيْلَ بَيْنِي وَبَيْنَ ذَلِك".
وَمُدَّةُ الشَّبَابِ قَصِيْرَةٌ؛ كَزَهْرِ الرَّبِيْعِ وَبَهْجَتِه؛ فَإِذَا يَبُسَ وَابْيَضّ فَقَدْ آنَ ارْتِحَالُه، قال تعالى: (وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا)[نوح:17-18].
والشَّبَابُ هُمْ أَسْرَعُ النَّاسِ لِلْحَقّ، قال تعالى: (فَما آمَنَ لِمُوسى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ)[يونس:83] ، قال ابنُ كَثِير: "لَمْ يُؤْمِنْ بِمُوسَى إِلَّا قَلِيلٌ مِنْ الذُّرِّيَّةِ: وَهُمُ الشَّبَابُ، وَهُمْ أَقْبَلُ لِلْحَقِّ مِنَ الشيوخ، وَلِهَذَا كَانَ أَكْثَرُ الْمُسْتَجِيبِينَ لله وَرَسُولِهِ شَبَابًا".
وَمَنْ حَفِظَ دِيْنَهُ وَقْتَ شَبَابِه حَفِظَهُ اللهُ مِنْ حَرِّ القِيَامَة، قالَ -صلى الله عليه وسلم-: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ" وَذَكَرَ مِنْهُمْ: "شَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ"(رواه البخاري ومسلم).
والشَّبَابُ الصَّابِرُونَ عَنِ الحَرَام هُمْ أَحْفَادُ يُوْسُفَ -عَلَيْهِ السَّلَام-، قال تعالى: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ الله)[يوسف:23].
قال ابنُ القَيِّم: "أَخْبَرَ الله عَنِ الْحَالِ الَّتِي صَارَ إِلَيْهَا يُوسُفُ بِصَبْرِهِ وَعِفَّتِهِ، مَعَ أَنَّ الَّذِي ابْتُلِيَ بِهِ أَمْرٌ لَا يَصْبِرُ عَلَيْهِ إِلَّا مَنْ صَبَّرَهُ اللَّهُ؛ وَذَلِكَ أَنَّ يُوسُفَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- كَانَ شَابًّا، والشَّبَابُ مَرْكبُ الشَّهْوَة، وكانَ عَزَبًا لَيْسَ عِنْدَهُ مَا يُعَوِّضُه".
والشَّبَابُ مَظِنَّةُ العِشْقِ والتَّعَلُّق؛ وَدَوَاؤُهُ بالنِّكَاحِ والصَّبْر، قال -صلى الله عليه وسلم-: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ"(رواه البخاري ومسلم).
وَمَوْسِمُ الشَّبَابِ هُوَ المَوْسِمُ الأَعْظَم، والجِهَادُ الأَكْبَرُ لِلْنَّفْسِ والهَوَى والشَّيْطَان، وَمَنْ صَبَرَ فِيْهِ حَازَ الشَّرَفَ والثَّنَاء، وجَاءَ في الحَدِيْث: "إِنَّ اللهَ لَيَعْجَبُ مِنَ الشَّابِّ لَيْسَتْ لَهُ صَبْوَةٌ"(رواه أحمد).
والصَّبْوَة: هِيَ المَيْلُ إِلى الهَوَى؛ "أَيْ أَنَّ اللَّهَ مُحِبٌّ لَهُ، رَاضٍ عَنْهُ، عَظِيمٌ قَدْرُهُ عِنْدَهُ".
والشَّبَابُ قُوَّةٌ وعَزِيْمَةٌ؛ فَإِذَا هَرِمَ الإِنْسَان ضَعُفَتْ القُوَّة، وَفَتَرَتِ العَزِيْمَة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "اِغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ"، وَذَكَرَ مِنْهَا: "شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ"(رواه الحاكم، وصحّحه الألباني)، قال السَّمَرْقَنْدِي: "لِأَنَّ الرَّجُلَ يَقْدِرُ عَلَى الْأَعْمَالِ فِي شَبَابِهِ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فِي هَرَمِه، وَلِأَنَّ الشَّبَابَ إِذَا تَعَوَّدَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ؛ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْهَا فِي هَرَمِهِ، فَيَنْبَغِي لِلشَّابِّ أَنْ يَتَعَوَّدَ فِي شَبَابِهِ أَعْمَالَ الْخَيْرِ؛ لِتَسْهُلَ عَلَيْهِ فِي هَرَمِهِ".
وَالشَّبَابُ والصِّحَّةُ لا يَمْنَعُ مَوْتَ الفَجْأَة، يَقُوْلُ ابْنُ الجَوْزِي: "يَجِبُ على مَنْ لا يَدْرِي مَتَى يَبْغَتُهُ المَوْت: أَنْ يَكُونَ مُسْتَعِدًّا، ولا يَغْتَرَّ بِالشَّبَابِ والصِّحّة، فَإِنَّ أَقَلَّ مَنْ يَمُوتُ الأَشْيَاخ، وأَكْثَرُ مَنْ يَمُوْتُ الشُّبَّان".
الخُطْبَةُ الثَّانِيَة:
عِبَادَ الله: مَهْمَا طَالَ عُمُرُ الإِنْسَانِ في هَذِهِ الدُّنْيَا فَإِنَّ مَآلَهُ هَرَمٌ قَرِيْب، أو مَوْتٌ أَقْرَب؛ فَاغْتَنِمُوا شَبَابَكُمْ، وَاسْتَدْرِكُوا أَعْمَارَكُمْ؛ لِتَنْعَمُوا بِشَبَابٍ لا يَزُوْلُ أَبَدًا، قال -صلى الله عليه وسلم-: "أَهْلُ الجَنَّةِ جُرْدٌ، مُرْدٌ، كُحْلٌ، لاَ يَفْنَى شَبَابُهُمْ، وَلاَ تَبْلَى ثِيَابُهُمْ"(رواه الترمذي، وحسّنه الألباني).
اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَوَفِّقْ وَلِيَّ عَهْدِهِ لِكُلِّ خَيْر.
وَصَلَّىَ اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنِا مُحَمَّد، وآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْن.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم