عناصر الخطبة
1/ شخصية ذي القرنين 2/ قصة ذي القرنين الواردة بسورة الكهف 3/ تأملات في القصةاقتباس
لقد جمع ذو القرنين بين شخصية الحاكم العادل والعالم العامل، إلى جانب ورعه وتقواه، وخوفه من الله؛ سار بجيشه إلى مشارق الأرض ومغاربها فلم يتعدَّوْا على أحد، ولم يظلموا أحداً، ولم يأكلوا مال أحد؛ همُّهم نشر العدل في الناس، ورفع الظلم والحيف عنهم ..
كان الحديث في الجمعة الماضية عن الفتن الأربع التي ذكرها الله -جل جلاله- في سورة الكهف: فتنة الدين والتي مثل لها بقصة أصحاب الكهف، وفتنة المال التي مثل لها بقصة صاحب الجنتين، وفتنة العلم والمعرفة التي مثل لها بقصة موسى -عليه السلام- مع الخضر -عليه السلام-، وفتنة الجاه والسلطان والتي مثل لها بقصة ذي القرنين.
ذو القرنين عبدٌ من عباد الله الصالحين، توقف النبي -صلى الله عليه وسلم- في نبوته فقال: "وما أدري ذا القرنين كان نبياً أم لا!" ونحن نتوقف في نبوته كما توقف نبينا -صلى الله عليه وسلم-.
لقد أعطاه الله ملكاً عظيماً؛ حيث أدان له البلاد، وأخضع له العباد، فحكم الأرض بأسرها، فكان ملِكاً على الدنيا كلها، وخدَمَتْه الأمم بأجناسها وأشكالها، وطاف الأرض كلها حتى بلغ قرني الشمس مشرقها وغربها؛ ولهذا سمي بذي القرنين: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا * إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا) [الكهف:83-84].
الذي مكن له في الأرض هو الله أعطاه من الوسائل والأسباب ما يجعله ممكناً في الأرض، فالذي يُمكن للدول والأمم والحكام هو الله، يُمكن لهذا ويأمر بزوال هذا، ويرفع هذا ويهلك هذا، فلا يسود حاكم إلا بإذن الله، ولا يزول حاكم إلا بإذن الله؛ فيجب أن تتعلق قلوبنا بملك الملوك -جل جلاله-: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران:26].
لقد مكن الله لذي القرنين في الأرض فأعطاه وسائل التمكين من القوة، وحسن التدبير، وسعة المال، وكثرة الجنود، وحسن الصيت والشهرة، وغيرها من أسباب التمكين.
لقد أعطاه الله قوة في شخصيته، وقوة في عقله وأخلاقه وجيشه وماله ما يجعله أهلاً للوصول إلى ما وصل إليه من الملك والحكم والتمكين: (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا * فَأَتْبَعَ سَبَبًا) [الكهف:84-85]، أي: فأتبع السبب الذي أعطاه الله إياه بسبب آخر من عنده.
لقد آتاه الله من كل شيء سبباً؛ ولكنه لم يتوان ويتكاسل ويتواكل على الأسباب التي أعطاه الله إياها؛ وإنما بذل الأسباب التي تحقق له هدفه وتوصله إلى مراده، فأعد نفسه، وجهز جيشه، وأعد عدته؛ لأنه يدرك أنه لا بد من بذل الأسباب، فقال الله: (وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا فَأَتْبَعَ سَبَبًا).
(حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ): هنا يبدأ ذو القرنين رحلته الأولى في سبيل الله متجهاً نحو المغرب، لقد سلك ذو القرنين طريقاً نحو المغرب حتى بلغ أقصى الأرض من ناحية المغرب أو من الجهة الغربية للأرض: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ)، أبصر الشمس تغرب في عينٍ حمِئَةٍ، أي: في طينة سوداء، والمعنى أنه رأى الشمس تغرب في البحر، وهذا شأن كل من وقف على الساحل فإنه يرى الشمس كأنها تغرب فيه.
وهناك، في ذلك المكان، وجد ذو القرنين أمة عظيمة من الأمم: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا) [الكهف:86]، كان هؤلاء القوم لا يؤمنون بالله، ولا يدينون دين الحق، فأمره الله -جل جلاله- بدعوتهم وتعليمهم، ثم خيّره فيمن كذب منهم وأعرض عن الدين ولم يذعن لرب العالمين إما أن يقتلهم وإما أن يتخذ فيهم حسنا، ومعنى يتخذ فيهم حسنا أن يستأسرهم ويجعلهم أسرى عنده يعلمهم ويبصرهم ويدعوهم إلى التوحيد والإذعان لله رب العالمين.
هكذا خُير ذو القرنين بين خيارين: إما أن يعذبهم بالقتل وإما أن يتخذ فيهم حسنا وذلك بالأسر، فماذا قال ذو القرنين؟ قال: (قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا)، أما مَن ظلَم، أي: مَن ظلَم نفسه واستمر على كفره وشركه بربه فسوف نعذبه، أي في الدنيا، (ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا) [الكهف:87-88]، وهذا غاية العدل، وقمة الإنصاف، ودليل الحكمة والحنكة والسياسة والتمكين.
(ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا) [الكهف:89]، قال ابن كثير -رحمه الله-: أي طريقاً راجعاً من مغرب الشمس موصلاً إلى مشرقها، وهنا يبدأ ذو القرنين رحلته الثانية متجهاً من المغرب إلى المشرق، قال تعالى: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا) [الكهف:90]، وجد الشمس تطلع على قوم لا يحول بينهم وبين الشمس شيء، ولا يحميهم من حرارتها وأشعتها شيء، فلا جبال تحجب عنهم الشمس، ولا بيوتاً تحول بينهم وبين الشمس، ولا يملكون ما يغطون به أجسادهم من حرارة الشمس: (وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا).
(كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا) [الكهف:91]، أي: علمنا بما لديه من الخبرات، وما عنده من الصلاحيات ما يجعله أهلاً لذلك الملك، وتلك المكانة الرفيعة.
ثم أتبع سبباً؛ وهنا يبدأ الحديث عن الرحلة الثالثة لذي القرنين، فالرحلة الأولى كانت إلى جهة المغرب، والرحلة الثانية كانت إلى جهة المشرق، وأما هذه الرحلة فإنها معترضة بين المشرق والمغرب؛ يقول الله -جل جلاله-: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا) [الكهف:93]، (حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ) وهما جبَلان عظيمان متقابلان، وجد في ذلك المكان قوماً منعزلين على أنفسهم لم ينفتحوا على غيرهم، ولا يفقهون لغة غير لغتهم، وصفهم الله -جل جلاله- بقوله: (قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا).
هؤلاء القوم كانوا يعيشون بين هذين السدين أو الجبلين، وكانت بينهما ثغرة يخرج منها يأجوج ومأجوج: أمتان عظيمتا الخطر، كثيرتا العدد، كانوا يخرجون على هؤلاء القوم من هذه الثغرة التي بين الجبلين فيفسدون أرضهم، ويهلكون حرثهم ونسلهم، وكانوا يتعرضون لأعنف الهجمات وأقوى الضربات من قبلهم وهم عاجزون عن الدفاع عن أنفسهم، فلما رأوا ذا القرنين انطلقوا إليه وقاموا وقوفاً بين يديه، فتوسلوا إليه وقالوا: (قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا) [الكهف:94] يقينا بطشهم، ويحمينا من شرهم.
فرد عليهم بكل زهد وأدب وورع: (قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا) [الكهف:95]، يعني ما أعطاني الله من وسائل الملك وأسباب التمكين خير لي مما تجمعون، فلا حاجة لي في مالكم.
ولكنه لمح فيهم العجز والكسل والاتكالية على غيرهم في حل مشاكلهم؛ فأراد أن يشركهم في العمل في هذا المشروع العظيم وهذا العمل الضخم، فقال لهم: (فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا)، أخبرهم أنه سيتكفل لهم بهذا المشروع من الناحية المادية، ولكنه في حاجة إلى الأيدي العاملة لتشارك بمجهودها العضلي في إنجاز هذا البناء العظيم.
ثم شرع ذو القرنين في البناء بعدما خطط له تخطيطاً رائعاً، وهندسَهُ هندسة بارعة، فبدأ في المرحلة الأولى من مراحل هذا المشروع فقال: (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ)، أي: أجمعوا لي قطع الحديد الضخمة، فلما جمعوها أمرهم بوضعها بين السدين، فلما وضعوها (قَالَ انْفُخُوا)، أي: أشعلوا النيران تحت هذه القطع من الحديد لتصهر النار الحديد، ولك أن تتخيل هذه النيران التي اشتعلت لتصهر هذه الأطنان الضخمة من الحديد التي لا يعلم وزنها وحجمها إلا العزيز الحميد، فلما اشتعلت النيران في الحديد ذاب وانصهر.
ثم دخل في المرحلة الثانية من مراحل إنجاز هذا المشروع فأمرهم أن يذيبوا النحاس حتى ينصهر، فلما انصهر أمرهم بصبه على الحديد فاختلط النحاس المذاب بالحديد المذاب فصار معدناً واحداً، فكان بناءً قوياً، وسداً منيعاً ساوَى به بين هذين الصدفين أو الجبلين؛ وبذلك يكون قد سدَّ على يأجوج ومأجوج هذه الثغرة التي ينفذون منها إلى هذه الأمة المسكينة المغلوبة على أمرها؛ فلم يستطع قوم يأجوج ومأجوج أن يتسلقوا هذا السد أو ينقبوه: (حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا) [الكهف:96]، يعني: نحاساً مذاباً، (فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا * قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا) [الكهف:97-98].
الخطبة الثانية:
لقد جمع ذو القرنين بين شخصية الحاكم العادل والعالم العامل، إلى جانب ورعه وتقواه، وخوفه من الله؛ سار بجيشه إلى مشارق الأرض ومغاربها فلم يتعدَّوْا على أحد، ولم يظلموا أحداً، ولم يأكلوا مال أحد؛ همُّهم نشر العدل في الناس، ورفع الظلم والحيف عنهم.
لقد نزل ذو القرنين إلى مستوى الشعب، والتصق بهم عن قرب، وشعر أنه واحد منهم، فلم يستعل عليهم، ولم يجلس في أبراجه ينظر إليهم.
لقد ساس الناس بسياسة حازمة عادلة تسوسهم بشرع الله، ووضع منهجاً عدلاً لعباد الله، هذا المنهج هو: (أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى * وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا).
هذا هو العدل الرباني، وهذا هو المنهج القرآني، فما أحوج الأمة اليوم إلى مثل هذه القيادات الفذة التي لا تجامل أحداً على الإطلاق، ولا تحابي أحداً على حساب المصلحة العامة! (أَمَّا مَنْ ظَلَمَ -كائناً من كان- فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى * وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا).
أما اليوم؛ فقد اختل هذا الميزان، فأصبح المتملقون والمنافقون هم أصحاب المنازل الرفيعة والمكانة القريبة -إلا من رحم الله-، وأصبح المخلصون والمصلحون الذين لا يحبون العزف على وتر النفاق ولا يحسنون الضرب على أعواد المداهنة هم المطرودون والمبعدون!.
إن الناس حينما اشتكوا إليه فقالوا: (يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا) استمع إلى شكوتهم، وسارع إلى نجدتهم؛ فأسكن لوعتهم، وأمَّن خوفهم، وأقام السد الذي يحول بينهم وبين هؤلاء المجرمين، وبناه لهم بكل دقة وإتقان، ولم يأخذ على ذلك عوضاً.
عرف ذو القرنين أنه مسؤول عن تأمين شعبه فأمنهم ودفع الشرور عنهم، وحقق السلام والأمن لهم، بعكس حكامنا اليوم! فإنهم في كثير من الأحيان يحققون لشعوبهم ما لا يرغبونه، ويفعلون لهم عكس ما يريدونه، فلم يحكموهم بالشرع، ولم يقيموا فيهم العدل، ولم يستمعوا إلى شكاوى الناس وتظلماتهم.
أما ذو القرنين فإنه لم يستغل تمكنه في الأرض في ظلم الناس، ولم يستغل منصبه في أكل أموال الخلق، وعندما أراد أن يبني السد لم يأتِ ليضع لهم حجر الأساس ثم يرحل فيرحل المشروع مع رحيله؛ وإنما سعى في إعمار الأرض، وتسابق في إصلاحها وتعميرها، وتنافس في توجيهها وقيادتها.
عباد الله: إن ذا القرنين نال ما نال من الملك والتمكين بسبب عبوديته لربه وافتقاره لخالقه، ومَن تأمل الآيات القليلة التي تحدثت عنه في سورة الكهف يجد أنه كان متعلقاً بالله، متصلاً به، مُكثراً من ذكره وشكره؛ فقد تكررت منه كلمة "ربي" مرات عديدة في هذه الآيات القليلة.
فعندما حكم على أولئك القوم في الجهة الغربية من الأرض قال: (قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا)؛ ليعلمهم أنه ليس له التصرف المطلق وليس له الحكم الأخير، وإنما هو مجرد عبد مطيع لله فالحكم الأعلى له -سبحانه وتعالى- فقال: (ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا).
وعندما اشتكى إليه أولئك القوم من يأجوج ومأجوج فقالوا له هل نجعل لك خرجاً على أن تجعل بيننا وبينهم سداً قال: (قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ).
وعندما أكمل بناء السد نسب الفضل لذي الفضل سبحانه وتعالى- فقال: (هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا) [الكهف:98].
إن الأرض أرض الله، وإن الخلق خلق الله، فتعساً لمن استغل منصبه أو كرسيه في محاربة الله، وظلم عباد الله، ومعاداة أولياء الله، يتنكب عن الصراط، ويتستر على الظلم والفساد!.
وهنيئاً لمن ولاه الله شيئاً من أمور المسلمين فأقام فيهم الشرع، ونشر بينهم العدل، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به".
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم