عناصر الخطبة
1/ فضل الاتصاف بالزهد 2/ الزهد المشروع 3/ إبطال مفهوم خاطئ للزهد 4/ أقسام الزهد 5/ فوائد الزهد 6/ زهد النبي عليه الصلاة والسلام 7/ ما يعين على الزهداقتباس
صفة عظيمة من صفات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تزيل عن النفس الشقاء والعناء، المتصف بها مؤمن راضٍ بقضاء الله وقدره، حثّ الله على الاتصاف بها في كتابه، وأوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، لا يقدر عليها إلا الكُمّل من الرجال الذين صبروا أنفسهم بتعاليم دينهم وسير سلفهم الصالح، ما ارتفع من ارتفع من سادة الأمة إلا وهذه الخصلة موجودة فيه ..
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله حق تقواه، فمن اتقى الله كفاه، ووفقه لهداه، وبلغه في الدارين ما تمناه.
عباد الله: صفة عظيمة من صفات نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- تزيل عن النفس الشقاء والعناء، المتصف بها مؤمن راضٍ بقضاء الله وقدره، حثّ الله على الاتصاف بها في كتابه، وأوصى بها النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه، لا يقدر عليها إلا الكُمّل من الرجال الذين صبروا أنفسهم بتعاليم دينهم وسير سلفهم الصالح، ما ارتفع من ارتفع من سادة الأمة إلا وهذه الخصلة موجودة فيه، بها تُنال محبة الله ومحبة الناس، كما أخبر بذلك المصطفى -صلى الله عليه وسلم-.
هذه الصفة هي الزهد -يا عباد الله-، الزهد في زينة الحياة الدنيا ومتاعها الزائل، والنظر إلى ما أعده الله لعباده في الدار الآخرة: (وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) [الحجر: 88].
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "الزهد المشروع هو ترك الرغبة فيما لا ينفع في الآخرة، وهو المباحات التي لا تعين على طاعة الله سبحانه". فمن أراد أن يعمل عملاً أو يقول قولاً فلينظر هل ينفعه يوم القيامة؟! فإن كان ينفعه فليعمله، وإلا فليزهد فيه.
أيها المسلمون: ليس المراد من الزهد أن يتخلى الإنسان عما يملك، فقد كان سليمان وداود -عليهما الصلاة والسلام- أزهد أهل زمانهما وقد ملكا الدنيا، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أزهد الناس وقد تزوج من النساء تسعًا، وكان عدد من أصحابه زهادًا كبارًا وعندهم من الأموال ما لا يحصى، لكنهم ساروا بها على مراد الله سبحانه.
وهذا عمر بن عبد العزيز لا يذكر الزهد إلا ذُكر معه، وهو ملك الدنيا في عصره، يقول الحسن -رحمه الله-: "ليس الزهد في الدنيا بتحريم الحلال وإضاعة المال، ولكن أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يدك، وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أصبت بها أرغب منك فيها لو لم تصبك".
أيها المسلمون: يقول ابن القيم -رحمه الله-: "الزهد أقسام: زهد في الحرام، فهذا فرض عين، وزهد في الشبهات، فإن كانت الشبهة قوية كان واجبًا، وإن كانت ضعيفة كان مستحبًا، وزهد في الفضول كالكلام والنظر والسؤال ولقاء الناس، وزهد في النفس، فتهون عليه نفسه في ذات الله سبحانه، والجامع لذلك كله أن تزهد في كل ما سوى الله".
عباد الله: بالزهد تنال محبة الله سبحانه ومحبة الناس، فقد جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: دُلَّني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبوك".
ولقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أزهد الناس، فلقد أتته الدنيا مقبلة فردَّها، ولقد خيَّره الله بين أن يكون ملكًا رسولاً أو عبدًا رسولاً، فاختار أن يكون عبدًا، وقال في دعائه المشهور الذي رواه البخاري ومسلم: "اللهم اجعل رزق آل محمد كفافًا"، أي: لا يزيد على حاجتهم.
ولما ذكر عمر -رضي الله عنه- ما أصاب الناس من الدنيا قال: "لقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يظل اليوم يلتوي ما يجد دقلاً يملأ به بطنه". والدقل: رديء التمر. وكان فراشه من جلد محشوٍّ ليفًا، كما أخبرت بذلك عائشة -رضي الله عنها-. وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: نام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على حصير، فقام وقد أثّر في جنبه -صلى الله عليه وسلم-، فقلنا: لو اتخذنا لك وطاءً!! وهو الفراش اللين، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "ما لي وللدنيا؟! ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها".
عباد الله: من ذكر الدار الآخرة وما فيها هانت عليه الدنيا وزهد فيها، وكلما كان الإنسان أكثر إيمانًا كان أكثر زهدًا، ولهذا لما زهد أبو بكر في الدنيا أنفق ماله كله في سبيل الله، وعثمان جهّز جيش العسرة من ماله، بل جادوا بأعظم من ذلك، وهو زهدهم في أرواحهم في سبيل الله، فأين السائرون على طريقهم المهتدون بهديهم المقتفون لآثارهم؟!
جعلني الله وإياكم من الزاهدين، وحشرنا مع الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [القصص: 83].
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
عباد الله: مَن أراد كمال الزهد فليتذكر أمورًا ثلاثة تعينه عليه:
أحدها: علم العبد أن الدنيا ظل زائل وخيال زائر، فهي كما قال الله: (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا) [الحديد: 20]، وسماها الله متاع الغرور، ونهى عن الاغترار بها، وأخبرنا عن سوء عاقبة المغترّين، وحذرنا من مصارعهم، وذمّ من رضي بها واطمأن إليها.
الثاني: تذكُّر الدار الآخرة، وأن يوقن الإنسان أن وراء هذه الدنيا دارًا أعظم منها قدرًا وأجل خطرًا، وهي دار البقاء، فيزهد في هذه الدنيا لما هو خير منها.
الثالث: أن يعلم الإنسان أن زهده في الدنيا لا يمنعه شيئًا كُتب له، فكل ما كتب له سيأتيه، وأن حرصه لن يجلب له ما لم يقدر له، وحينئذ يزهد في هذه الدار الفانية.
فاتقوا الله -عباد الله- واعلموا أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها وعملها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب.
ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم