عناصر الخطبة
1/تدفق سيل الشهوات في زماننا 2/أضرار مشاهدة الأفلام الإباحية 3/من المنتصرين في معركة الشهوات 4/رسالة للآباء والأمهات والمربيناقتباس
هجروا أماكن الاختلاط والغناء، وتركوا مشاهدة أفلام الفحش والرذيلة، ولم يرضوا لأنفسهم أن يصاحبوا جلساء السوء والباطل، بل ملؤوا أوقاتهم بما ينفعهم في الدنيا والآخرة، شاركوا في حلقة لتحفيظ القرآن الكريم، أو التحقوا بفريق للمتطوعين، أو سجلوا في ناد للموهوبين...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الْـحَمْدُ لِلَّـهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّـهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّـهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.
داء العصر وبلية الزمان، صرعاه كثير، والناجون منه قليل، هو أحد أسلحة إبليسَ الفتاكة، التي يصطاد بها عبادَ الله، فيوقعَهم في شباكه، فناجٍ مسلم، وناجٍ مخدوش، ومكدوسٌ في حبائل إبليسَ وجندِه.
إنه داء الشهوات التي ابتلي باستعارها شبابُ المسلمين وفتياتُهم؛ فنيرانها تتربص بهم من كل جانب، وتهددهم من كل حدب وصوب، إذا فروا منها في الأسواق، داهمتهم في الشاشات، وإذا فروا منها في الشاشات، فاجأتهم بين أيديهم في الجوالات.
لئن كان الشابُّ يوسف -عليه السلام- خاض المعركة مع النسوة مرة أو مرتين، فإن شباب هذا العصر يخوضونها مرات ومرات في كل يوم وكل يومين.
في إحصائية حديثة تذكر أنه في كل أربعين دقيقة يُنتج فيلمٌ إباحيٌ جديد، أي إنه في اليوم الواحد ينتج حوالي ستةٌ وثلاثون فيلما جديدا، يغزو الشباب ويشارك في معركة اغتيالهم، وإطفاء نور الإيمان في قلوبهم، ولعلنا في هذه الخطبة نطوف في أرض المعركة؛ لندرك خطورتها وشدة فتكها بالشباب والفتيات.
أثبتت الدراسات الحديثة أن إطلاق البصر في مشاهدة المناظر الخليعة، تحدث أثرا بالغا في تدمير الدماغ، وأنه بمتابعة الأشعة المغناطيسية اُكتُشِف أن الضرر الذي يحدث للدماغ بتكرار المشاهدة لتلك المناظر يعادل الضرر الذي تحدثه المخدراتُ والخمور!.
إدمان تلك المشاهد قد تؤدي بالشاب إلى مراحلَ خطيرة، يصل بها إلى أعلى درجات الاكتئاب والضيق النفسي والانعزال عن المجتمع، والطلاقِ للمتزوجين في حالات كثيرة.
وأما انتشار الأمراض الجنسية فلا تخفى على أحد، ومن أحدث ما نشرته منظمة الصحة العالمية دراسة توضح أن إصابات الأمراض الجنسية بلغت مليون إصابة يوميا.
وقد يكون ذلك كلُّه هينا أمام ما ينتظر المنهزمين في معركة الشهوات من عذاب الآخرة، ففي حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي يصف به عذاب القبر في الرؤيا رآها -صلى الله عليه وسلم- في المنام، فيقول: "فانْطَلَقْنا، فأتَيْنا علَى مِثْلِ التَّنُّورِ، فإذا فيه لَغَطٌ وأَصْواتٌ، قالَ: فاطَّلَعْنا فِيهِ، فإذا فيه رِجالٌ ونِساءٌ عُراةٌ، وإذا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِن أسْفَلَ منهمْ، فإذا أتاهُمْ ذلكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا"؛ أي: صاحوا وضجوا، فسأل عنهم فقيل له: "هم الزناة والزواني".
بعد ذلك كلِّه هل وصل إليكم شيء من معاني قول الله -تعالى-: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا)[الإسراء: 32]، قال السعدي: "وصف الله الزنى وقبحه بأنه (كَانَ فَاحِشَةً) أي: إثما يستفحش في الشرع والعقل والفطر؛ لتضمنه التجرّي على الحرمة في حق الله وحق المرأة وحق أهلها أو زوجها، وإفساد الفراش واختلاط الأنساب، وغير ذلك من المفاسد، وقوله: (وَسَاءَ سَبِيلًا) أي: بئس السبيل سبيل من تجرأ على هذا الذنب العظيم".
والعجيب أن الله -سبحانه- لم يقل لا تزنوا، وإنما قال: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا) فنهى من مجرد قربه، وإتيان أسبابه من إطلاق البصر، والخلوة المحرمة، والخضوع بالقول وغير ذلك، قال السعدي: "والنهي عن قربانه أبلغ من النهي عن مجرد فعله؛ لأن ذلك يشمل النهي عن جميع مقدماته ودواعيه، فإن: "من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه".
عباد الله: ولئن كان في المعركة صرعى ومنهزمون، ففيها أيضا ناجون ومنتصرون؛ لم يستلموا لسهام إبليس وجنده، بل تدرّعوا بالحصون، وأعرضوا عن المجون، وسلكوا السبيل الذي سلكه الأنبياء والصالحون، حين غُلقت عليهم الأبواب، وقيل لهم: "هيت لك"، تذكروا خالقهم ولجؤوا إليه فقالوا قول يوسف: "مَعَاذَ اللَّهِ"، وحين استمرت عليهم المراودة فعلوا فعل يوسف؛ (وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ)[يوسف: 32]؛ أي: امتنع وأبى.
رفعوا أكفهم إلى السماء ودعوا الله دعاء الغريق، كما دعا من قبل يوسف: (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ)[يوسف: 33]، فجاء حينها الجواب: (فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[يوسف: 34]، صدقوا الله وأخلصوا له فصدقهم واختارهم؛ (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ)[يوسف: 24].
استجاب هؤلاء المنتصرون لربهم، واتبعوا هداه، غضوا أبصارهم فحُفظت فروجهم، كما أمرهم -سبحانه- فقال: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)[النور: 30]، قال الغزالي: "واعلم أني تأملت هذه الآية فإذا فيها مع قصرها ثلاث معان عزيزة: تأديب وتنبيه وتهديد؛ فأما التأديب: فقوله: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ)، ولا بد للعبد من امتثال أمر سيده والتأدب بآدابه، وإلا كان سيء الأدب، وأما التنبيه: فقوله -تعالى-: (ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ)، ويطلق على معنيين الأول: ذلك أطهر لقلوبهم، والثاني: ذلك أغنى بخيرهم وأكثر، وأما التهديد: فقوله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)".
ومن سمات هؤلاء المنتصرين أخذُهم بوصية المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، حين نادى فقال: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فإنَّه أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَن لَمْ يَسْتَطِعْ فَعليه بالصَّوْمِ؛ فإنَّه له وِجَاءٌ"؛ أي: إن الصوم مانِعٌ مِن الشَّهَواتِ، ومُفتِّرٌ لها، وقاطِعٌ لشَرِّها.
ومما فعله هؤلاء أنهم جانبوا مراتع الفجور ومواطنه، فلم يكشفوا صدورهم لسهام الأعداء، ولم يعرضوا أنفسهم لأهل الفتن ليكونوا فريسة سهلة لهم؛ هجروا أماكن الاختلاط والغناء، وتركوا مشاهدة أفلام الفحش والرذيلة، ولم يرضوا لأنفسهم أن يصاحبوا جلساء السوء والباطل، بل ملؤوا أوقاتهم بما ينفعهم في الدنيا والآخرة، شاركوا في حلقة لتحفيظ القرآن الكريم، أو التحقوا بفريق للمتطوعين، أو سجلوا في ناد للموهوبين، أو شاركوا في برامج العلم والتعلم والقراءة النافعة والمفيدة.
استخدموا خطة "أفضل وسيلة للدفاع الهجوم"، فهاجموا شياطين الجن والإنس بالعلم النافع والعمل الصالح، وإشغال أوقاتهم بالنافع والمفيد، فغلبوهم في المعركة، وخرجوا منها ناجين منتصرين، وتركوهم خائبين محسورين.
ومن هؤلاء المنتصرين فتيات صالحات، لم تغرهن مباهي الزينة، ولا صيحات الموضة، ولا جديد الأزياء، حافظن على ججابهن، وتمسكن بعفتهن، يوسوس لهن الشيطان ليقتدين بالمتبرجات والفاسقات، فلا يرضين قدوات لهن غير فاطمة وعائشة وأم سليم، ومن قبلهن مريم ابنة عمران؛ (الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ)[التحريم: 12]، فطوبى لهن ثم طوبى في زمن القابضة فيه على حجابها كالقابضة على الجمر.
ومما فعله هؤلاء المنتصرون في معركة الشهوات أنهم أبعد ما يكونون عن اليأس والاستسلام، فقد تصيبهم سهام إبليس ولا بد، لكنهم يعالجون جراحهم بالتوبة، ويداوونها بالأوبة، ويصرون على الرجوع والعودة لا على المعصية والآثام، يصيبهم الشيطان ثم ينتشي فرحا، ويحتفل أمامهم بالنصر، فيحرقون نشوته بالتوبة؛ لتكون لهم بعد ذلك الغلبة والعزة، عَنِ النبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- فِيما يَحْكِي عن رَبِّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- قالَ: "أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا، فَقالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ذَنْبِي، فَقالَ -تَبَارَكَ وَتعالى-: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بالذَّنْبِ؛ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ عَادَ فأذْنَبَ، فَقالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لي ذَنْبِي، فَقالَ -تَبَارَكَ وَتعالى-: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا، فَعَلِمَ أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بالذَّنْبِ؛ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ عَادَ فأذْنَبَ فَقالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لي ذَنْبِي، فَقالَ -تَبَارَكَ وَتعالى-: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بالذَّنْبِ؛ اعْمَلْ ما شِئْتَ فقَدْ غَفَرْتُ لَكَ"، ما دام أن العبد يستغفر من ذنبه كلما أذنب فالمغفرة من الله حاضرة.
هؤلاء هم التوابون الذين يحبهم الله، الأوابون الذين أعد الجنة لهم؛ (هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ)[ق: 32 - 35].
أخي الشاب: هما طريقان لا ثالث لهما: طريق الله الذي يريد لك الخير لتدخل الجنان، وتتمتع بأنواع المتع، وتذوق صنوف النعيم، فيما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، والطريق الثاني، طريق أتباع الشهوات، الذين يريدون تكبيلك بشهوات الحرام، فتصبح كالعبد الذليل لهم، فيصبك من ضرر الدنيا والآخرة ما قد علمت.
هما الطريقان فاختر ما شئت منهم؛ (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا)[النساء: 27].
الخطبة الثانية:
أما بعد: فبين يدي هذه الخطبة رسالة نوجهها للآباء والأمهات والمربين:
إن أعظم حصن تحصنون به أبناءكم من الشهوات، هو أن تربوهم على شرع الله الذي وضعه -سبحانه- ليكون هدى للناس، يسعدون به في دنياهم وأخراهم، تربيهم على محبة الله ومراقبته، وإيثار محبته على محبة من سواه؛ فينشأ الشاب منجذبا قلبه إلى ربه، لا يرضى به بديلا، ولا يسلك سوى سبيله طريقا، فإن فعلت فارقبه يوم القيامة حين يُنادى ليستظل في ظل العرش؛ "وشاب نشأ في عبادة ربه".
ودعونا نكن صرحاء!، ليس من التربية على هدى الله وشرعه، أن تذهب بأبنائك وبناتك إلى أماكن الفجور واستثارة الشهوات، وليس منها أن تشترك لهم في برامج الأفلام التي يكثر فيها العري وإعلان الفجور وشرب الخمور؛ ليتطبع لديهم المنكر والفحش والرذيلة، فيتبعون المشاهدة بالعمل والتطبيق، وليس منها أن تتساهل في حجاب ابنتك وزينتها؛ لتكون سببا في فتنة الشباب، كل ذلك ليس من التربية على هدى الله وشرعه؛ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[التحريم: 6].
اللهم احفظ شباب وفتيات المسلمين، اللهم احفظهم بحفظك، وارعهم برعايتك، اللهم احفظهم من شر الأشرار، وكيد الفجار، ومكر الليل والنهار، اللهم جنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم خذ بأيديهم إلى مراضيك، واهدهم إلى سبيل البر والتقوى.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم