خطورة القدوة السيئة

ناصر بن محمد الأحمد

2012-07-24 - 1433/09/05
عناصر الخطبة
1/ قبح أن يكون المرء إمامًا في الضلالة 2/ من سنّ سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها 3/ شباب الصحوة بين الهفوات والسقطات 4/ مفاسد مخالفة الفعل للقول 5/ مساوئ القدوة السيئة.

اقتباس

إن من أقبح المنكرات، وأرذل الأخلاق، أن يكون الشخص إمامًا في الشر، متبوعًا وداعيًا وهاديًا إلى غير ما يرضي الله عز وجل.. لا يكن أحدنا قدوة سيئة، في خُلق أو فعل أو تصرُّف، وإذا كان مثل هذا الكلام يوجه لكل الناس، ولكل أفراد المجتمع، أيًّا كان موقع الشخص، وأيًّا كان وضعه فإنه يوجه وعلى الخصوص للدعاة إلى الله للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، لشباب الإسلام الذين يهمهم أمر...

 

 

 

 

إن الحمد لله..

أما بعد: إن من أقبح المنكرات، وأرذل الأخلاق، أن يكون الشخص إمامًا في الشر، متبوعًا وداعيًا وهاديًا إلى غير ما يرضي الله عز وجل.

أما إذا كان هو الشرارة الأولى، وهو الذي بدأ بسن هذه الرذيلة أو السيئة، في وسطه، أو أهله، أو مكتبه، أو مجلسه.فهذه ظلمات مركبة، وسنة سيئة، بل ويتحمل وزر من تبعه ويحمل مثل عمله. يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه البخاري: «ليس من نفس تُقتل ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها؛ لأنه كان أول من سن القتل».

ويقول صلى الله عليه وسلم: «ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا»، وعند البخاري ومسلم قوله عليه الصلاة والسلام: «رأيت عمرو بن لحي يجر قُصُبه في النار، لأنه أول من سيب السوائب وغير دين إبراهيم» وكتب صلى الله عليه وسلم لهرقل عظيم الروم: «أسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين» رواه البخاري ومسلم.

هذا وغيره من النصوص، تبين هذه القصة وخطورة هذا المسلك، وأن يحرص الإنسان أن لا يتعلم الناس منه أمرًا سيئًا.

وكلما عظم مكانة الإنسان وشرفت، كان موقفه أصعب، وفضيحته أكبر، كأن يكون أبًا في أسرة، أو رئيسًا في دائرة، أو مديرًا في مدرسة، أو أميرًا في قبيلة، أو إمامًا في مسجد، أو ما أشبه هذه التصورات، التي تجعل من الرجل يحاسب أكثر من غيره، ويتفقد نفسه أكثر من غيره، لأن خطأه ليس كغيره، وزلته وهفوته ليست كغيره.

كم هو عار وفضيحة، وإسقاط لهيبة الشخص وزوال لمكانته من قلوب متبوعيه، لو عُرف عنه، أنه سيء، أو مجرم، أو خائن، أو غاش أو كذاب، أو مزوّر، أو أية صفة ذميمة لا يرضاها الله ولا عباد الله في عامة الناس ناهيك عن شخص، يتصور مكانة، بين الناس ماذا يكون موقف الأب بين أولاده، لو عُرف عنه، وكشفت أوراقه، بأن له علاقات محرمة مع غير أمهم. مثلاً؟!!

ماذا يكون موقف إمام الحي، لو علم المصلون خلفه أنه يتعاطى الربا، أو يُدخن، أو غيرها من سيئ الأخلاق، ومنكرات الأفعال؟!!

ماذا يكون موقف رئيس دائرة أو مصلحة، لو علم موظفوه أنه يأكل حقوقهم، أو أنه يأخذ أضعاف راتبه الأصلي بطرق غير رسمية. ثم يؤخر رواتبهم بحجة أن المصلحة وضعها المادي ضعيف. هل يُتوقع أن هؤلاء الموظفين سيعملون بإخلاص، ويهمهم أمر هذه المصلحة أو الشركة؟!! لا أظن ذلك.

ماذا يكون موقف مدير مدرسة، لو اكتشف الطلاب أن مديرهم، يعطي أسئلة الامتحانات لبعض أقربائه، أو جيرانه؟!!

لا شك أن كل هذه مواقف محرجة، كان الشخص في غنىً عنها، لو حاسب نفسه وراقبها، وأخذها بخطام الشرع.

لكنه الهوى وضعف الدين، وضعف الخوف من رب العالمين. وهذه أمثلة فردية تعد بسيطة لتقريب الصورة ناهيك عن الخيانات التي تكون على مستوى وزارات أو مجتمعات أو دول.

أيها المسلمون: إن الله جل وتعالى اصطفى واجتبى هذه الأمة، للإمامة في الدين، والشهادة على الناس، والأمة من عندما نقول الأمة؟ الأمة أنا وأنت وأولادي وأولادك وأقربائي وأقربائك، لا نريد عندما نقول الأمة، أن ينصرف الذهن إلى أناس غيرنا، فنحن أبناء وأفراد هذه الأمة، ونحن المحاسبون والمسؤولون غدًا أمام الله.

فالله جل وعز، اصطفانا وأكرمنا، قد نهانا وحذرنا في المقابل أن نتعاطى ما يجعلنا قادة للشر، أو للسيئة، أو للمخالفة أو حتى المشاركة بأية مشاركة.

يقول الله تعالى في إمام الشر وتلاميذه: (إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [فاطر: 6]، وقال عز وجل: (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ) [هود: 98] وقال سبحانه: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) [القصص: 41]، وقال تبارك وتعالى فيما يؤول إليه أمر الاتباع في الشر والمتبوعين فيه: (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ) [البقرة: 166]، ويزداد الأمر سوءًا بانقلاب ذلك الموقف، حسرة ولعنة من التابعين في الشر والمعاونين فيه، للمتبوعين فيه حين لا ينفع متبوعًا في الشر أو تابعًا فيه نافع: (وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا) [الأحزاب: 67- 68].

فاتقوا الله أيها المسلمون، اتقوا الله تعالى لا يكن أحدنا قدوة سيئة، في خُلق أو فعل أو تصرف، وإذا كان مثل هذا الكلام يوجه لكل الناس، ولكل أفراد المجتمع، أيًّا كان موقع الشخص، وأيًّا كان وضعه، فإنه يوجه وعلى الخصوص للدعاة إلى الله للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، لشباب الإسلام الذين يهمهم أمر الإسلام أكثر من غيرهم، والذين سخروا كل طاقاتهم، خدمة لهذا الدين، نقول لهم، يا دعاة الإسلام، يا من وُجدتم لتكونوا قادة في الخير، وهداة إليه، تتقدمون الناس وتتصدرونهم به في الدنيا، بكلمة أو موعظة أو نصيحة، وتشهدون به عليهم يوم يقوم الأشهاد.

اتقوا الله تعالى، وخافوه في أنفسكم، وفي متبوعيكم، فيما يؤول إليه الأمر في المحيا والممات.

إن الخطأ منكم ليس كغيركم، وإن الهفوة من أمثالكم، ليست كالهفوة من غيركم، إن أنظار الناس مسلّطة على غيركم، إن أنظار الناس مسلطة على المستقيم أكثر من غيره. وتتبُّعهم لسقطاته، أشد من غيره، فاتقوا الله تعالى يا شباب الصحوة، فيما أُلبستم إياه من لباس التقوى، وحُليتم به من حلة الدعوة، لا ترخصوه فترخصوا، لا تستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، فتضلوا وتُضلوا لا تشتروا العاجل بالآجل، كونوا دعاة خير وهدى، أعوانًا على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان.

يا من هو على ثغرة من ثغور الإسلام، أيًّا كانت هذه الثغرة. سواء كان جهدًا في مدرسة، أو نشاطًا في مسجد أو حتى جهد الرجل في بيته وبين أهله وأولاده، فالله الله، أن يُؤتى الإسلام من هذه الثغرة والسبب هو أنت، بخلق رديء، أو تصرف غير سديد، فتأثم عند الله عز وجل، وتأخذ إثم من تبعك في ذلك: (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ) [العنكبوت: 13] وقال تعالى: (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ) [النحل: 25].

فنسأل الله جل وتعالى، أن يعصمنا من الفتن، وأن يجعلنا هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، سلمًا لأوليائك، حربًا على أعدائك.

ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، اللهم إن أردت فتنة بعبادك، فاقبضنا إليك غير مفتونين، ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إمامًا، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله..

أما بعد: يا دعاة الخير والصلاح، إن مما له علاقة لما سبق من الكلام، وهي قضية خطورة أن يكون المرء قدوة سيئة في الوسط الذي يعيش فيه. أقول إن مما له علاقة بهذا الموضوع مسألة مخالفة الفعل للقول.

إن دين الإسلام أيها الإخوة، اعتنى عناية شديدة بتربية شخصية المسلم، وإعدادها إعدادًا يليق بمن هو أمين على تطبيق منهج الله في الأرض، وحقيق بجنة الفردوس الأعلى بجوار الله يوم القيامة.

إن دين الإسلام يدعو لالتقاء مظهر الإنسان بمخبره، ومن هنا كان هناك نهيًا شديدًا من مخالفة فعل المسلم لقوله.

فمهما تكن عند امرئ من خليقة *** وإن خالها تخفى على الناس تعلمِ

وكما قلنا في القدوة السيئة، بأنها لا تُقبل من عامة الناس بشكل عام، ومِمن هم في الصدارة بشكل خاص، وخصوصًا المتصدرين لهداية الناس والدعوة إلى دين الله.فكذلك مخالفة الفعل للقول.

إنها صفة ذميمة لا تقبل من عامة الناس؛ لأنها من خُلق المنافقين، الذين يقولون ما لا يفعلون ويبطنون خلاف ما يظهرون فكيف إذا صدرت من خواص الناس؟!!

يقول تعالى عاتبًا على علماء بني إسرائيل ومن شابههم في هذه الصفة من علماء هذه الأمة وقادتها: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [البقرة: 44]، ويقول عن منافقي هذه الأمة: (وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ) [النساء: 81].

وقد حدث في تاريخ الإسلام إبان نزول القرآن أن تمنى رجال من المؤمنين فريضة الجهاد قبل أن تُفرض، فلما نزل القرآن يأمر بالجهاد تقاعس بعض المتمنين فأنزل الله توبيخًا لمن تقاعس، وهديًا وتشريعًا لمن.. إلى يوم القيامة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) [الصف: 2- 3].

إذا كان هذا العتاب وهذا الاستنكار لمن تمنى طاعة الله، فلما أمر بها نكل، فما بالكم بمن يقول للناس هذا منكر وهذا خطأ، وهذا لا يجوز، وهو يفعل ما ينهي الناس عنه:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله *** عار عليك إذا فعلت عظيم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها *** فإن انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يقبل إن وعظت ويُقتدى *** بالقول منك وينفع التعليم
 

فيا أيها المسلمون: إن جرم هذا الفعل لعظيم وإن خطره لكبير لا سيما على الموجهين، والمربين، ومن هم في مراكز الصدارة والتوجيه، إذا كان مخالفة الفعل للقول، لا يُقبل ولا يُستساغ من أدنى الناس، فكيف بمن يريد أن يتأثر الناس بكلامه، فكيف بمن حمل مشعل النور والهداية، ويلاحظ متبوعه مخالفات في أقواله لأفعاله.

فاتقوا الله يا دعاة الإسلام إنها لفتنة عمياء، ولَفَتحُ نار تلظى، فقد ورد أن أشد الناس عذابًا يوم القيامة، عالم لم ينفعه علمه روى الشيخان رحمها الله عن أسامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار برحاه فيجتمع عليه أهل النار فيقولون يا فلان ما شأنك ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فيقول بلى، كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه».

وحدّث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بعض ما رأى ليلة أسري به فقال: «مررت ليلة أسري بي على رجال تُقرض شفاههم بمقاريض من نار، فقلت يا جبريل من هؤلاء؟ قال: خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون».

فاتقوا الله: يا حملة رسالة الإسلام.. اتقوا الله تعالى، وانهجوا في أمركم ونهيكم ودعوتكم وجميع شأنكم نهج رسل الله وأتباعهم بإحسان الذين كانوا يعلنون لأقوامهم بمثل قول الله تعالى: (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) [هود: 88].

اللهم وأبرم لهذه الأمة أمر رشد.. اللهم رحمة اهد بها قلوبنا واجمع به شملنا..
 

 

 

 

المرفقات

القدوة السيئة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات