عناصر الخطبة
1/خطر الشائعات 2/ترويج الكفار والمنافقين للشائعات ضد المسلمين 3/الحذر من الشائعات 4/هدايات الإسلام في صد عاديات الشائعات وجنايات الإشاعات 5/التأدب بآداب الإسلام وأخلاقهاقتباس
أيها المؤمنون: الشائعات آفةٌ خطيرة، وسلاحٌ فتاك مدمِّر يجب على عباد الله المؤمنين أن يكونوا منها على حذر شديد؛ فإن لها مضرة عظيمة على المسلمين في دينهم وخُلقهم وتعاملهم ومصالحهم وصِلاتهم وروابطهم، وغير ذلك من شؤونهم، وإن أعظم الشائعات مضرةً ما كان منها مستهدفًا أمن المسلمين في أوطانهم، وخلخلة عقائدهم وأديانهم، وإضعاف صلتهم بربهم، وتوهين رابطتهم الإيمانية وأخوَّتهم الدينية، وإفساد ذات بينهم؛ فإذا كان الهدف من الشائعات هذا الأمر، فما أعظم مضرتها، وأشد خطرها على الناس، لا سيما...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمد لله؛ نحمدُه ونستعينُه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسِنا وسيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مُضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله؛ بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعد: أيها المؤمنون -عباد الله-: اتقوا الله -تعالى-؛ فإن تقوى الله -جل وعلا- هي وصية الله للأولين والآخرين من خلقه: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)[النساء: 131].
أيها المؤمنون: الشائعات آفةٌ خطيرة، وسلاحٌ فتاك مدمِّر يجب على عباد الله المؤمنين أن يكونوا منها على حذر شديد؛ فإن لها مضرة عظيمة على المسلمين في دينهم وخُلقهم وتعاملهم ومصالحهم وصِلاتهم وروابطهم، وغير ذلك من شؤونهم، وإن أعظم الشائعات مضرةً ما كان منها مستهدفًا أمن المسلمين في أوطانهم، وخلخلة عقائدهم وأديانهم، وإضعاف صلتهم بربهم، وتوهين رابطتهم الإيمانية وأخوَّتهم الدينية، وإفساد ذات بينهم ؛ فإذا كان الهدف من الشائعات هذا الأمر فما أعظم مضرتها وأشد خطرها على الناس، لاسيما إن لاقت قبولًا ورواجًا بينهم.
ولنعلم -يا عباد الله- أن من وراء الشائعات التي تستهدف أمن المسلمين وإيمانهم أعداءٌ لدين الله من الكفار المجرمين، والمنافقين المرجفين، وآخرين من أبناء جلدتنا يتحدثون بألسنتنا لكنهم في الغيِّ متمادون وعن الحق والهدى مبتعدون: (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)[الشعراء: 227].
أيها المؤمنون: لنكن على حذر من الشائعات ولا يكن لها رواج بيننا، ولنحذر أشد الحذر من أن نكون في أنفسنا معبَرٌ للشائعات؛ فيكون تناقلها من خلالنا وبوسائلنا وبواسطتنا، فنجني على أنفسنا وعلى أمتنا ومجتمعنا من حيث نشعر أو لا نشعر.
أيها المؤمنون: يجب علينا أن ندرك خطورة الشائعات، وأن ندرك أيضا -أعني أمة الإسلام- يتربص بنا أعداؤنا الدوائر، ويكيدون لنا كيدا، ويمكرون بنا مكرًا كبارا، فإن لم نكن على قدرٍ من الحصافة والنباهة والكياسة، وإلا ذهبنا في مهب الريح بسبب كيد الأعداء ومكرهم.
أيها المؤمنون: يتفنن أعداء دين الله في حبك الشائعات وصياغتها وسبكها من أجل أن تلقى الرواج، وإذا لقيت رواجًا بين المسلمين حصل لهم ما يقصدون، وفازوا بما يؤمِّلون من خلخلة أواصر المسلمين، وتفكيك روابطهم.
أيها المؤمنون: لقد جاء الإسلام بما يكفل للعباد السلامة من الشائعات وأضرارها وأخطارها وأوضارها، وقد جاءت نصوصٌ متعددة تحمل توجيهاتٍ عظيمة، وهداياتٍ كريمة، وآدابٍ عظيمة، إذا رعاها المسلمون، وحافظوا عليها سلِموا من أخطار الشائعات وأضرارها.
عباد الله: هدايات الإسلام في صد عاديات الشائعات وجنايات الإشاعات وأضرارها العظيمة هدايات عظيمة، لو تمسكنا بها تحققت لنا السلامة -بإذن الله-، ومن أعظم ذلكم -عباد الله-: التثبت من الأخبار، والتأني في أمرها، وعدم التسرع في قبولها أو نقلها أو نشرها، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ"، وقال عليه الصلاة والسلام: "بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَمُوا".
ومن الهدايات في هذا الباب العظيم: إذا بلغت المرء شائعةً يستوقفها ويطالب بالأدلة والبراهين الواضحات الساطعات على صدقها، فإذا لم يقُم عليها برهان كفى ذلك إبطالًا لها ودحضًا وردّا، ولهذا قال الله -عز وجل-: (لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ)[النور: 13]؛ أي أن الأمور لا تتلقى هكذا بدون البراهين والشواهد والدلائل.
ومن الهدايات العظيمة -عباد الله- في هذا الباب: أن يكون المسلم محسنًا الظن بإخوانه المسلمين وفي عموم جماعتهم، فكما أنه هو في نفسه لا يرضى أن تُتناقَل عنه الظنون الكاذبات، فليكن كذلك شأنه مع إخوانه ومجتمعه وأمته: (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا)[النور: 12] هكذا ينبغي أن يكون المسلم.
ومن الهدايات العظيمة -عباد الله-: أن يكف المرء لسانه من نقل الشائعات؛ فلا يقولها ولا ينقلها ولا يرتضيها ولا يقبلها: (وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا)[النور: 16] هذا أدبٌ عظيم يكف المرء لسانه، ويصون منطقه، ويمنع نفسه من نقلها وتناقلها ونشرها وإشاعتها.
ومن الهدايات العظيمة -عباد الله- في هذا الباب: أن يذكر المرء أن الله -عز وجل- سائله يوم القيامة عما يقول ويتكلم به: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)[الإسراء: 36]، ويقول الله -تعالى-: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)[ق: 18].
أيها المؤمنون: ومن الهدايات العظيمة في هذا الباب: أن الشائعات إذا وردت على الناس وكانت تتعلق بأمنهم وخوفهم وأوطانهم ومصالحهم، فليردُّوا أمرها إلى أهل العلم الراسخين الذين يعون حقائق الأمور من خلال الأدلة والبراهين، وما آتاهم الله -تبارك وتعالى- من بصيرة بهدايات كتاب الله وسنة رسوله -صلوات الله وسلامه عليه-، قال الله -عز وجل- مرشدًا إلى هذا الأدب العظيم: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا)[النساء: 83].
نسأل الله -جل في علاه- بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يحفظنا في أنفسنا وفي أوطاننا، وأن يعيذنا من شر الشائعات وأهلها، وأن يجمع كلمتنا على الحق والهدى، وأن يهدينا أجمعين إليه صراطًا مستقيما.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله كثيراً، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: عباد الله اتقوا الله -تعالى-.
أيها المؤمنون: ننعم من فضل الله علينا في هذه البلاد؛ بلاد التوحيد والسنة، بلاد الرعاية للحرمين وخدمة الحجاج والمعتمرين، والعناية بالإسلام والرعاية له، ننعم بنعمٍ عظيمة وعطايا جسيمة؛ فلنكن شاكرين لله -عز وجل- على نعمائه وفضله وعطائه، ولنحذر أشد الحذر -يا معاشر العباد- من أسباب سلب النعم وضياعها.
وإنَّ من أخطر ما يكون في هذا الباب أن نسمع بشائعاتٍ يُكاد لنا بها تفكيكًا لأواصرنا وخلخلةً لروابطنا وإيقاعًا للعداوة بين الرعاة والرعية وبين الناس وعلمائهم، وإذا حصل ذلك حصل فسادٌ عريض وشرٌ مستطير.
فلنتق الله -عز وجل- ولنتأدب بآداب الإسلام، ولنهذب أنفسنا بأخلاق الدين، ولنحذر من الشائعات العاديات والإشاعات الآثمات، ولنصُن أنفسنا ولنحافظ على آدابنا وأخلاقنا، ولنحرص على الحفاظ على وحدتنا وجماعتنا ولحمتنا ورابطتنا مستعينين بالله، سائلينه جل في علاه، طالبين مده وعونه وتوفيقه.
وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: ٥٦]، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد. وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهدين؛ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارض اللهمَّ عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنَّة نبيك محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك اللهم من شرورهم. اللهم أعذنا والمسلمين من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفِّق ولي أمرنا لهداك وأعِنه على طاعتك، اللهم سدِّده وولي عهده لما تحبه وترضاه، ووفقه لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال.
اللهم آت نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى.
اللهم إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم إنا نسألك غيثًا مغيثا، هنيئًا مريئا، سحًّا طبقا، نافعًا غير ضار، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان وديارنا بالمطر، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وزدنا ولا تنقصنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم