خطر السحر وطرق الوقاية منه

خالد خضران الدلبحي العتيبي

2024-12-13 - 1446/06/11 2024-12-23 - 1446/06/21
عناصر الخطبة
1/أهمية العقيدة الصحيحة للمسلم 2/التحذير من السحر وأنه كفر بالله 3/من علامات السحرة وأعمالهم الكفرية 4/من أنواع السحر وصوره 5/من أسباب الوقاية من السحر وعلاجه

اقتباس

والساحرُ يتقربُ إلى الشياطين ويصرف العبادةُ لهم؛ من أجل أن يخدموه ويطيعوه، ومن وسائل السحرةِ في التقرب إلى الشياطين ارتداء المصحف في القدمين والدخول به في الخلاء، ومنهم من يكتب آيات القرآن بدم الحيض والنجاسات، ومنهم من يذبح للشياطين...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعين به، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

 

عبادَ اللهِ: إنَّ من أعظمِ ما يحافظُ عليه العبدُ عقيدتهِ؛ فالعقيدةُ هي الأساسُ فإذا صلحت عقيدةُ المسلمِ صلُحت أعمالُهُ -بإذنِ اللهِ-، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ في الجسدِ مُضغةٌ، إذا صلحت صلح الجسدُ كلُه، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب".

 

ومن أخطر ما يهدم عقيدةُ المسلمِ السحرُ -والعياذ بالله-؛ فهو شركٌ أكبر مخرج من الملة، وكفر بالله -سبحانه وتعالى-، قال -تعالى-: (وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ)[البقرة: 102]، وقال -تعالى-: (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ)[البقرة: 102]، أي: قد علم اليهود الذين استبدلوا السحر عن متابعة الرسل، أن من رضي بالسحر عوضاً عن شرع الله أنه ليس له نصيب في الآخرة؛ لأن السحر محبط لعمل الإنسان -والعياذ بالله-.

 

فالساحرُ يدعي علم الغيب وهذا شركٌ أكبر، فلا يعلمُ الغيب إلا الله، قال -تعالى-: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا)[الجن: 26]، وقال -تعالى-: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ)[النمل: 65].

 

والساحرُ يتقربُ إلى الشياطين ويصرف العبادةُ لهم؛ من أجل أن يخدموه ويطيعوه، ومن وسائل السحرةِ في التقرب إلى الشياطين ارتداء المصحف في القدمين والدخول به في الخلاء، ومنهم من يكتب آيات القرآن بدم الحيض والنجاسات، ومنهم من يذبح للشياطين ولا يذكر اسم الله عند الذبح، ويرمي بالذبيحة في مكان يحدده الشيطان، إلى غير ذلك من أعمالهم الكفرية.

 

والسحر له حقيقة وتأثير، ولكن لا يكون هذا إلا بإذن الله، قال -تعالى-: (وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ)[البقرة: 102]، والمقصود بالإذن الكوني؛ لأنه لا يقع شيء في الكون إلا بإذنه، أما الإذن الشرعي فإن الله لم يأذن بالسحر شرعاً.

 

فمن السحر -والعياذ بالله- ما يفرق بين الزوجين، قال -تعالى-: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ)[البقرة: 102]، ومنه ما يمرض، ومنه ما يقتل، ومنه ما يؤثر على عين الإنسان فيرى الأشياء على غير حقيقتها، إلى غير ذلك من أضرار السحر.

 

ومن العلامات التي يعرف بها الساحر: أنه قد يسأل المريض عن اسم أمه، فهم يُسيئون الظن بمن يأتيهم على أنه ولد زنا، وولد الزنا يُنسب إلى أمه؛ ولذلك يسألون من يأتيهم عن اسم الأم وليس الأب!.

 

وأحياناً يطلب من المريض أثراً كالثوب أو العمامة، وأحياناً يطلب حيواناً بصفات معينة؛ ليذبحه ولا يذكر عليه اسم الله ويرمي به، ومن علامات الساحر كتابة الطلاسم، وأحياناً يعطي المريض حجاباً يحتوي على مربعات بداخلها حروف وأرقام معينة، ومن علاماته يعطي المريض أوراقاً يحرقها ويتبخر بها، ومن علاماته أنه أحياناً يخبر المريض باسمه واسم بلده ومشكلته.

 

عباد الله: إن من أعظم أسباب الوقاية من السحر: التوكل على الله -سبحانه وتعالى-، قال -تعالى-: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)[الطلاق: 3]، أي: كافيه، وأن يؤمن الإنسان بأن الأمرَ كلَه لله -سبحانه وتعالى-، وأن الخلق لو اجتمعوا كلُهم إنسُهم وجنهم على أن يضروه بشيء لم يضروه إلا بشيء كتبه الله عليه.

 

ومن أسباب الوقاية من السحر: المحافظة على الأذكار الشرعية، فهناك أذكار الخروج من المنزل، وأذكار دخول المنزل، وأذكار الصباح والمساء، وأذكار دخول الخلاء، وأذكار النوم، ومن الأمثلة على ذلك ما جاء في سنن الترمذي والحديث صحيح، عن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- يقول: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ: بِسْمِ اللهِ الَّذِي لاَ يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ، وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ؛ فَيَضُرَّهُ شَيْءٌ".

 

 

ومن أسباب الوقاية: الإكثار من تلاوة القرآن خاصة سورة البقرة، فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي أمامةَ الباهلي -رضي الله عنه-، أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: "اقْرَؤوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ؛ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ"، والبطلة أي: السحرة، وجاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ".

 

ومن أسباب الوقاية: أن يأكل الإنسان إذا أصبح سبع تمرات، والأفضل أن تكون من عجوة المدينة، فقد ثبت في الصحيحين عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أنه قال: "مَنْ تَصَبَّحَ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعَ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً؛ لَمْ يَضُرَّهُ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ سُمٌّ وَلاَ سِحْرٌ".

 

واعلموا -عبادَ الله- أنه ما تسلطت الشياطين على الإنس إلا لما ضعُف إيمانُهم، فكل ما قوي إيمانُ العبد خافه الشيطان، جاء في صحيح البخاري عن سعد بن أبي وقاص، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لعمرَ بنِ الخطاب -رضي الله عنه-: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ"، وهذا ليس خاصاً بعمر -رضي الله عنه- بل لكل من قوي إيمانه.

 

أسأل الله -سبحانه- أن يحفظني وإياكم من كل شر، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعين به، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

 

عباد الله: قد يُبتلى الإنسانُ بالسحرِ، فالواجبُ عليه الصبرُ، ولا يجوزُ له أن يذهبَ إلى السحرةِ من أجلِ حلِ السحرِ؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ثبت عنه في السنن أنه قال: "من أتى عرافاً فسأله عن شيء، فصدقه بما يقول؛ فقد كفر بما أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-".

 

ولكن يأخذ بالطرقِ الصحيحةِ لدفع ضرر السحر، وعلاج السحر له طريقتان:

الطريقة الأولى: استخراج السحر وإتلافه، وهذا من أبلغ العلاج، فيدعو الإنسان ربه أن يريه مكان السحر من أجل إتلافه، وطريقة إتلافه أن ينفث عليه ويقرأ بالمعوذتين، ويحل العقد إن كان هناك عقد، ثم يحرقه.

 

الطريقة الثانية: الرقية الشرعية وهي نافعة -بإذن الله سبحانه-، وتحتاج إلى صبر واستمرار، جاء في سنن أبي داود والحديث صحيح، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ الصَّلْتِ التَّمِيمِيِّ عَنْ عَمِّهِ، أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَسْلَمَ، ثُمَّ أَقْبَلَ رَاجِعًا مِنْ عِنْدِهِ، فَمَرَّ عَلَى قَوْمٍ عِنْدَهُمْ رَجُلٌ مَجْنُونٌ -والمقصود بالجنون هنا المس-، مُوثَقٌ بِالْحَدِيدِ، فَقَالَ أَهْلُهُ: إِنَّا حُدِّثْنَا أَنَّ صَاحِبَكُمْ هَذَا -أي: النبي -صلى الله عليه وسلم- قَدْ جَاءَ بِخَيْرٍ، فَهَلْ عِنْدَكَ شَيْءٌ تُدَاوِيهِ؟ فَرَقَيْتُهُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَبَرَأَ، فَأَعْطَوْنِي مِائَةَ شَاةٍ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: "هَلْ قُلْتَ غَيْرَ هَذَا؟"، قُلْتُ: لَا، قال: "خُذْهَا، فَلَعَمْرِي لَمَنْ أَكَلَ بِرُقْيَةِ بَاطِلٍ، فَقَدْ أَكَلْتَ بِرُقْيَةِ حَقٍّ"، وفي رواية: "فَرَقَاهُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً، كُلَّمَا خَتَمَهَا جَمَعَ بُزَاقَهُ ثُمَّ تَفَلَ، فَكَأَنَّمَا أُنْشِطَ مِنْ عِقَالٍ".

 

ومما أريد التنبيه عليه أنه يجب علينا أن نتعاون جميعاً في محاربةِ هؤلاء السحرة، فلا يجوز التستر عليهم؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- ثبت عنه في صحيح مسلم أنه قال: "لعن الله من أوى محدثاً"، أي: جانياً، وهؤلاء من الجناة.

 

فيجب رفع أمر هؤلاء السحرة إلى الجهات الأمنية، وإلى هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى يندفع شرهم عن المسلمين.

 

أسأل الله أن يحفظني وإياكم من كل شر، وأسأله -سبحانه وتعالى- أن يسلط على السحرةِ عبدةِ الشياطين، وأن يشفي كل مسحور، إن سميعٌ قريبٌ مجيب.

المرفقات

خطر السحر وطرق الوقاية منه.doc

خطر السحر وطرق الوقاية منه.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات