اقتباس
إن للنصر أسبابًا يجب توفر غالبيتها في المجتمع الإسلامي نفسه قبل أن يرفع يديه بالدعاء أن يزيح الله الغمة ويكشف عن إخوانه في أرجاء الأرض ما يعانونه من تسلط الأعداء وانتهاك الحُرمات، وقبل أن نطالب الحكومات ونلقي عليها بالتبعة إزاء نصرة إخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها ..
تعيش أمتنا الإسلامية على اختلاف ألوانها وتنوع جغرافيتها أيامًا عصيبة، تتكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب، بعدما صارت قصعة مستباحة لكل منتهب وعادٍ، يموت من أبنائها كل يوم بالعشرات، ويصاب منهم بالمئات، فأيادي المحتل تمارس أبشع أنواع الاضطهاد المدعومة بأحقاد تاريخية عميقة الجذور لم ير التاريخ مثلها؛ فالحرب الدائرة الآن حرب عقدية تولدت خلالها الكراهية والبغضاء أكثر من أي وقت مضى، فهي حرب صليبية صهيونية فارسية، لا تعرف عهدًا ولا قرابة، ولا ترقب في المؤمنين إلاًّ ولا ذمة، بل تستباح بيضتهم ويمثل بجثثهم بدم بارد، وكأن القاتل لا آدمي، والمقتول مجرد بهيمة تذبح ثم تؤكل.
يقع ذلك وسط حالة من الذهول والإهمال المتعمد من أغلب الدول الإسلامية الأخرى التي تتشارك مع أختها المحتلة نسبًا إسلاميًّا وصهرًا، تلك الدول التي لا يقل الوضع فيها سوءًا عن الدول المنتهَكَة؛ حيث يعاني أهلها من القمع والاستبداد من الحكومات التي تذيقهم الأمَرَّيْن: السجن والتعذيب، يقتلون رجالهم ويستحيون نساءهم، فيموت من يموت منهم تحت وطأة السجن وانتهاك الحرمات، ويُستبقى من يُستبقى منهم للذل والهوان.
ووسط كل هذه الابتلاءات التي تمر بها أمتنا يتساءل المسلم: متى نصر الله؟! إلى متى يستقوي علينا أعداؤنا ونظل مكتوفي الأيدي لا نحسن حتى التعبير عن استيائنا ونصرتنا لإخواننا، سواء في بلاد الأفغان أو أكناف بيت المقدس أو الصومال أو الباكستان أو غيرها!!
وعلى الرغم من تلك المسؤولية الكبرى الملقاة على عاتق الدول والحكومات، إلا أن الشعوب الإسلامية أنفسها تتحمل جانبًا كبيرًا من حل هذه المعضلة، فالنصر لا يُصنع إلا بأيدي المسلمين، وإن الحالة الإيجابية أو السلبية التي تحياها الأمة هي التي تحدد طبيعة النتيجة من الصراع ما بين الحق والباطل، فحيثما حلّت التقوى وانتشر الهدى بين المؤمنين، وشعر كل مسلم بمسؤوليته الكبرى في بناء صرح الإسلام وهدم صروح الكفر وانتشال الأمة من حالة الضياع والاستضعاف التي تعيشها، فحينها فقط يمكننا أن نتحدث عن الانتصار على الأعداء ونزول التأييد من السماء.
أما البكاء على الأطلال، والتغني بأمجاد الماضي، والعويل على ذهاب صلاح الدين وقطز وغيرهما من عظماء الإسلام، دون أن يكون هناك رصيد كبير في الواقع يدفع عجلة الانتصار ويستجلب معونة الله تعالى للمؤمنين، فهو محض افتئات على الله عز وجل، ومجرد حرث في البحر وزرع في الهواء وتلقيح للقبور ببذور الزهور، ولن يأتي في النهاية بنتيجة مرجوة تدفع كيد الكائدين.
إن للنصر أسبابًا يجب توفر غالبيتها في المجتمع الإسلامي نفسه قبل أن يرفع يديه بالدعاء أن يزيح الله الغمة ويكشف عن إخوانه في أرجاء الأرض ما يعانونه من تسلط الأعداء وانتهاك الحُرمات، وقبل أن نطالب الحكومات ونلقي عليها بالتبعة إزاء نصرة إخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها.
وفي مختاراتنا لهذا الأسبوع نتتبع الأسباب الجالبة لنصر الله تعالى للمؤمنين، محاولين استقراءها من خلال نصوص الوحيين الكتاب والسنة، ومبينين معاني عديدة للانتصار لا تتوقف على فتح البلدان وقمع المعتدين، سائلين الله تعالى أن يؤهلنا لنصره، وأن ينزل السكينة على المرابطين على ثغور الإسلام في كل مكان، وأن يثبت أقدامهم وينصرهم على أعدائهم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم