عناصر الخطبة
1/ من كان يعبد رمضان 2/ من علامات القبول عند الله 3/ ذكر الموت وما بعده 4/ حكم تارك الصلاة 5/ آخر وصايا الرسول قبل فراقه الدنيا 6/ فضائل صلة الأرحام 7/ من أسباب الوهن في المجتمع الإسلامي 8/ العيد لمن؟اقتباس
فمن خطوات الشيطان: إحداث القطيعة بين المسلمين، وكثيرون أولئك الذين يتبعون خطوات الشيطان، فيهجرون إخوانهم المسلمين لأسباب غير شرعية، إما لخلافٍ مادي، أو موقف سخيف، وتستمر القطيعة دهرًا، وقد يحلف أن لا يكلمه، وينذر أن لا يدخل بيته، وإذا رآه في طريق أعرض عنه، وإذا لقيه في مجلس صافح من قبله ومن بعده وتخطاه، وهذا من أسباب الوهن في المجتمع الإسلامي ..
الحمد لله الذي جعل لنا في الإسلام عيدًا، وأجزل لنا فيه فضلاً ومزيدًا، ومنَّ علينا بشهر رمضان، ورزقنا بعده شهرًا جديدًا، وتعبدنا فيه بالقيام والصيام، وأمرنا أن نشكره، وكيف لا يُشكر وله الفضل على كل من صام منا وأفطر!!
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، المقدس عن الشبيه والنظير، الحي القيوم على خلقه بكمال القدرة والتدبير.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله خير البشر الذي أعطاه ربه من صفات الفضل ما لا يُحصى ولا يُحصر. اللهم صلّ على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه صلاة وسلامًا إلى يوم الدين.
يقول الحق -سبحانه وتعالى-: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة: 185].
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
عباد الله: إن يومكم هذا من أشرف الأيام، أوجب الله فيه الفطر كما حرّم فيه الصيام، يباهي الله بكم ملائكته الكرام، ويعتق الله فيه بعدد ما أعتق في شهر رمضان زيادةً منه في الفضل والإكرام.
يقول الله في الحديث القدسي: "أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء"، فأحسنوا الظن بالله، فإنه قد غفر لكم جميع ذنوبكم، فرجعتم منها كما ولدتكم أمهاتكم.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
عباد الله: من كان يعبد رمضان، فإن رمضان انقضى وولى، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت باقٍ.
فيا من حافظت على الصلاة في رمضان: حافظ عليها بعد رمضان، ويا من حافظت على صلاة الجماعة في رمضان: حافظ عليها بعد رمضان، ويا من حافظت على تلاوة كتاب الله في رمضان: حافظ عليها بعد رمضان، ويا من حافظت على صلة الأرحام في رمضان: حافظ عليها بعد رمضان، فالديمومة على العمل الصالح بعد رمضان علامة من علامات القبول عند الله.
فيا من حضرتم معنا: هل تذكرتم من كان معنا في العام الماضي من الآباء والأبناء والبنات والأصحاب والأحباب، أين هم؟! اختطفهم هادم اللذات، ومفرّق الجماعات، أسكتهم فما نطقوا، وأرداهم فما تكلموا، لقد وُسِّدوا التراب، وفارقوا الأحباب، وابتعدوا عن الأصحاب، فهم في ظلمة القبور مرتهنون بأعمالهم كأنهم ما ضحكوا مع من ضحك، ولا أكلوا مع من أكل، ولا شربوا مع من شرب، ولا تكلموا مع من تكلم، ولا عملوا مع من عمل.
اختلف على وجوههم الدود، وضاقت بهم اللحود، وفارقوا كل مرغوب ومطلوب، فالحمد لله الذي قهر بالموت رقاب الجبابرة، وأنهى بالموت آمال القياصرة، فنقلهم من نور القصور إلى ظلمة القبور، ومن مداعبة الجواري والغلمان إلى مقارعة الوحل والديدان، كل ناعٍ فسيُنْعَى، وكل باكٍ فسيُبْكَى، وكل مذخور سيَفْنَى، وكل مذكور سيُنْسَى، ليس غير الله يبقى، من علا فالله أعلى.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
عباد الله: أوصيكم بما وصى به نبيكم محمد -صلى الله عليه وسلم- عند سكرات موته: "الصلاة الصلاة، وما ملكت أيمانكم"، فمن تركها فقد كفر بالله، خرج من دين الله، ومن ذمة الله، أحل الله دمه وماله وعرضه، فتارك الصلاة مغضوب عليه في السماء والأرض، وتارك الصلاة تلعنه الكائنات والعجماوات، وتارك الصلاة تتضرر منه النملة في جحرها، وتارك الصلاة تتضرر منه الحيتان في البحار.
الله الله في الصلاة آخر وصايا الرسول قبل فراقه الدنيا -عباد الله-، حافظوا على الصلاة وعلى صلاة الجماعة، يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "لقد هممت أن آمر رجلاً يصلي بالناس، ثم أخالف إلى رجال يتخلفون عنها، فآمر بهم فيحرقوا عليهم بحزم الحطب بيوتهم، ولو علم أحدهم أنه يجد عظمًا سمينًا لشهدها". يعني صلاة العشاء.
وأوصيكم -عباد الله- بصلة الأرحام، فإن الله لعن قاطع الرحم: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) [محمد: 22- 23]، فقاطع الرحم ملعون ومقطوع من الله، فمن لعنه الله فلا راحم له، ومن قطعه الله فلا واصل له، ويقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قُطعت رحمه وصلها".
أين أنت -يا عبد الله- من صلة الرحم، إن كنت تريد بسط الرزق بدون صلة الرحم، فهيهات هيهات، فاتَّقِ الله وصِلْ رحمك يبسط لك في رزقك، ولعلك تعجب من أن الفَجَرَة إذا تواصلوا بسط الله لهم في الرزق، اسمع لهذا الحديث الصحيح، الذي رواه الطبراني من حديث أبي بكرة، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن أعجلَ الطاعة ثوابًا لَصِلَةُ الرحم، حتى إن أهل البيت ليكونوا فَجَرة، فتنموَ أموالهم، ويكثر عددهم، إذا تواصلوا".
إن مما يُستجلب به الرزق صلة الرحم، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أحب أن يُبسط له في رزقه، ويُنْسَأ له في أثره، فليصل رحمه". رواه البخاري. وفي رواية: "من سرَّه أن يُعظم الله رزقه، وأن يُمَدّ في أجله، فليصل رحمه".
وأوصيكم -عباد الله- بكتاب الله المتين وصراطه المستقيم، من تمسك به بلَّغه الله منازل السعداء، ومن أعرض عنه نزل دركات الأشقياء: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) [طه: 124-126].
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
وأوصيكم -عباد الله- بالتوبة النصوح، والاستغفار من الخطايا والذنوب: (قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر: 53].
قال الله تعالى في الحديث القدسي: "يا ابن آدم: إنك ما دعوتني ورجوتني، غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم: لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم: لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا، لأتيتك بقرابها مغفرة"، فإن سبب انتشار المعاصي في مجتمعاتنا كلها البعد عن الله؛ لأننا تركنا المسجد، وتركنا كتاب الله، فأصابنا الذل ببعدنا عنهما.
يا معشر الشباب: "اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناءك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك"، إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، كم من شاب جاءه الموت وهو قائم على معصية الله، وكم من شاب جاءه الموت وهو قائم على طاعة الله.
يا من بلغت الستين والسبعين من العمر ولم يغلب خيرك على شرك: فماذا تنتظر؟! فالدود بانتظارك، فالأيام تمر لحظة بلحظة، وساعة بساعة، ويومًا بيوم، وأسبوعًا بأسبوع، وشهرًا بشهر، وسنة بسنة، وعقدًا بعقد، فـ"الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت".
عباد الله: أوصيكم بتقوى الله في ممارسة شعائر يومكم هذا، فإياكم والاختلاط، فإنه محرم في دين الله، يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "إياكم والدخول على النساء"، فقال رجل: أفرأيت الحمو؟! فقال: "الحمو الموت". إذا كان ابتعاد المرأة عن الرجل في الصلاة خيرًا، فمن باب أولى في غير الصلاة: "وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها"؛ لاقترابها من الرجال.
عباد الله: إياكم ومصافحة الأجنبيات: "لأن يُطعن في رأس رجل بمخيط من حديد، خير من أن يمسّ امرأة لا تحلّ له"، وتقول عائشة -رضي الله عنها-: "ما مست يد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يد امرأة قط إلا امرأة يملكها"، وإياكم والغيبة وسماع المحرمات، والنميمة والشح والكبر، والإسراف والتبذير.
وعليكم بإفشاء السلام والتصافح، وعدم التناجش والتقاطع، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟!"، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "أفشوا السلام بينكم".
فمن خطوات الشيطان: إحداث القطيعة بين المسلمين، وكثيرون أولئك الذين يتبعون خطوات الشيطان، فيهجرون إخوانهم المسلمين لأسباب غير شرعية، إما لخلافٍ مادي، أو موقف سخيف، وتستمر القطيعة دهرًا، وقد يحلف أن لا يكلمه، وينذر أن لا يدخل بيته، وإذا رآه في طريق أعرض عنه، وإذا لقيه في مجلس صافح من قبله ومن بعده وتخطاه، وهذا من أسباب الوهن في المجتمع الإسلامي، ولذلك كان الحكم الشرعي حاسمًا والوعيد شديدًا، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعًا: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار".
وأوصيكم -عباد الله- ببر الوالدين، فهو أعلى منزلة من الجهاد، فعن ابن مسعود قال: سألت رسول الله: أي الأعمال أفضل؟! قال: "الصلاة على وقتها"، قلت: ثم أي؟! قال: "بر الوالدين"، قلت: ثم أي؟! قال: "الجهاد في سبيل الله".
عباد الله: العيد لمن عاد إلى الله، ولمن أقام حياته على منهج الله: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة: 185].
الخطبة الثانية:
عباد الله: زينوا بواطنكم بالتوبة كما زينتم ظواهركم بالملابس، وتذكروا باجتماعكم هذا يوم المحشر، ففكر في نفسك -أيها الغافل- وأنت أحق من فكر، فهل ينفعك من الله جاه أو معشر؟!
ويا أيها القاسي: أبين أحشائك قلب أم حجر؟! أنفقت عمرك في المعاصي ولم تتب ولم تتذكر أنسيت الحساب الأكبر؟!
وكيف إذا سمعت النداء من قبل العلي الأكبر: أين فلان ابن فلان، فيرتعد جميع أهل المحشر، فيؤخذ هذا إلى النار وهذا إلى النعيم الأكبر، فاعتبر بمن مضى فالفائز من اعتبر، أين من صام معكم في العام الماضي وأفطر؟! أذهبهم والله هادم اللذات، وغيّر منهم المحاسن والصور، فتوبوا إلى الله فإنه يقبل التوبة عن عباده، ويغفر لمن أخلص واستغفر.
جعلني الله وإياكم ممن ذُكِّر فتذكر، وغفر لي ولكم ما تقدم وما تأخر: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة: 185].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم