عناصر الخطبة
1/عيد مبارك للراعي والرعية 2/محاسن خلق التغافل وأثره في حياة الفرد والمجتمع 3/وصايا ليكون العيد سعيدا 4/الحث على صيام ست من شوالاقتباس
بينَ أيديكم خُلُقٌ عظيمٌ، وفنٌّ من فنون التعامُل لا يُتقِنه إلا الحليمُ، وأدبٌ رفيعٌ لا يُحسِنُه إلا الأفاضلُ من القوم، والكرامُ من الناس، خُلُقٌ يحفظ الكرامة، ويكسو المهابة، ويرفع المكانة، إنه خُلُق التغافلِ والتسامحِ...
الخطبة الأولى:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله، الحمد لله وهو الولي الحميد، والله أكبر ما هلَّ هلالُ العيدِ، والحمدُ للهِ ما تكرَّم بنِعَمِه وفضلِه على العبيدِ، والله أكبر ما هدَى ووفَّق للسبيل الرشيد، والحمد لله ما أشرقت بأنوار الطاعات القلوب والجباه، والله أكبر ما تعطرت بالذكر المجالس والأفواه، والحمد لله على ما تفضل بالجزاء الأوفر، والله أكبر؛ (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].
أحمَدُه سبحانه، جعَل خاتمةَ شهرِ الصيامِ عيدًا، وأشكره -سبحانه- وأسأله في الدارين عيشًا سعيدًا، وفضلًا مزيدًا، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، ثبتنا على كلمة التوحيد دومًا، ووفَّقَنا لصالح العمل، صلاة وزكاة وحجًّا وصومًا، وأشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، خير مَنْ سبَّح وهلَّل وكبَّر، وأفضلُ مَنْ ذَكَرَ وشَكَرَ وذَكَّرَ، اللهُمَّ صل وسلم عليه، في هذا اليوم الأغر، وزدنا به حبًّا، وحقِّق لنا يوم القيامة مِنْ عَلِيِّ مقامِه قربًا، وصلِّ وسلِّم على آله الأطهار، وأصحابه الأخيار، والتابعين، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ، ما تعاقب الليل والنهار.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلًا.
أما بعدُ: فأوصيكم -أيها الناسُ- ونفسي بتقوى الله؛ فاتقوا الله -رحمكم الله-، واعلموا أنَّ الوُدَّ بين الإخوة نعمة، والتواصلَ بينَهم رحمةٌ؛ (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)[الْحُجُرَاتِ: 10]، والنعمةُ يزيدُها الشكرُ، والبلاءُ يُخفِّفُه الصبرُ، والذنبُ يمحوه الاستغفارُ.
الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
عيدُكم مبارَكٌ، كتَب اللهُ لكم سعادةَ إهلالِه، ورزَقَكم بركةَ كمالِه، وزادَكم مِنْ فضلِه ونوالِه، وقَرَنَ عيدَكم بالقَبولِ، والفوز بالمأمول، وقَبِلَ اللهُ بالقَبول صيامَكم، وبعظيم المثوبة قيامَكم.
الله أكبر على ما حَبَى، واللهُ أكبرُ على ما أنعَم وأَوْلَى.
عيدٌ مبارَكٌ لولاة أمرنا، لمقامِ خادمِ الحرمينِ الشريفينِ، وسُمُوِّ ولي عهده الأمين، وعيد مبارك لأهلنا وبلادنا وللمسلمين أجمعينَ، وعيدٌ مبارَكٌ للطائفينَ والقائمينَ، والعاكفينَ، والزائرينَ، وجميعِ قاصدي الحرمينِ الشريفينِ.
فها هي -وللهِ الحمدُ- صُوَرُ المَكْرُماتِ من هذه البلاد تتوالى، وأنواعُ الفضائل تتسابق وتتعالَّى، في كل حِينٍ، وفي كل مِرْفَق، رعايةً، وخدمةً، واهتمامًا، وتفانيًا وإتقانًا، فالمستهدَف هو قاصِدُو الحرمين الشريفين، وخدمتُهم، وتيسيرُ أمورِهم، في حِلِّهم وترحالهم، تسابقٌ كريمٌ في هذه البلاد المباركة؛ المملكة العربيَّة السعوديَّة، تسابق في ميادين الخير تحوزه هذه البلادُ المباركةُ، وقيادتهُا الصالحةُ.
بلاد كريمة مبارَكة، قد منَّ اللهُ عليها بالأمن والإيمان، والعيش الكريم، فهي تُطعِم الجائعَ، وتُغِيثُ الملهوفَ، وتُئوي اللاجئَ، وتمسح رأسَ اليتيمِ.
أمَّا ضيوفُ الرحمن فخدمتُهم شَرَفٌ، وتيسيرُ مناسِكِهم هدفٌ، والبذلُ مِنْ أجلِهم قُربةٌ.
الله أكبر الله أكبر، اطَّلعَ فستَرَ، وعَلِمَ فغَفَر.
أيها المسلمون: عيدُكم مبارَكٌ، وتقبَّل اللهُ منا ومنكم.
العيد -حفظكم الله- مناسبةٌ كريمةٌ لتصافي القلوب، ومصالَحة النفوس، والتحبُّبِ إلى الإخوة، وزيادةِ الصلةِ في القربى.
وبينَ أيديكم خُلُقٌ عظيمٌ، وفنٌّ من فنون التعامُل لا يُتقِنه إلا الحليمُ، وأدبٌ رفيعٌ لا يُحسِنُه إلا الأفاضلُ من القوم، والكرامُ من الناس، خُلُقٌ يحفظ الكرامة، ويكسو المهابة، ويرفع المكانة، إنه خُلُق التغافلِ والتسامحِ.
معاشرَ الإخوةِ: التغافلُ أقومُ الطرقِ وأحسنُها للتعامل مع الناس إذا صدَر منهم ما يَغيظُ، أو بَدَرَ منهم ما يسوء.
الله أكبر، قَدَّمَ مَنْ شاء بفضله، وأَخَّرَ مَنْ شاء بعدله.
مَعاشِرَ الإخوةِ: التغافل -حفظكم الله- هو تركُ ما لا يعني، والحرصُ على ما ينفع، وتحمُّل الأذى الصغير؛ مِنْ أَجْلِ دفعِ الأذى الكبير.
التغافلُ إعراضٌ عمَّا لا يُستَحْسَنُ من القولِ، والفعلِ، والتصرفِ، وغضُّ الطرف عن الهفوات، والترفعُ عن الصغائر.
معاشرَ المسلمينَ: المتغافِلُ النبيلُ يتعمَّد الغفلةَ عن الأخطاء والعيوب التي يراها، وهو مُدرِك لها، عالِمٌ بها، ولكنَّه يَغُضُّ عنها تكرُّمًا وترفُّعًا، وفضلًا ونُبلًا.
والمتسامِح ذو إرادةٍ قويةٍ، ونفسٍ راقيةٍ، يُقدِّر الشعورَ الإنسانيَّ، يَجْبُرُ الخاطرَ، ويُحافِظُ على الحياءِ، تقودُه الحكمةُ، ويحكُمُه العقلُ، ولا يجرُّه هوًى، ولا تغلبه شهوةٌ.
الله أكبر، جامع الناس ليوم لا ريب فيه، والله أكبر يسمع ما يبديه العبد وما يخفيه.
معاشرَ الأحبةِ: مِنْ صلةِ الرحمِ نشرُ التغافلِ، ومِنْ دعائمِ الاستقرارِ في البيوتِ التغافلُ، ومِنَ المعاشرةِ بالمعروفِ التغافلُ، وذو الرحم لا يستقصي مِنْ ذوي رحمه؛ فإنَّ الاستقصاءَ فُرقةٌ.
الله أكبر، من اعتصم به لا يضل، ومن اعتز به لا يذل، والله أكبر، له الكبرياء في السماوات والأرض، -تبارك وتعالى- و-عز وجل-.
أيها المسلمون: أما نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- فيقول سفيان الثوري -رحمه الله-: "ما استقصى كريم قط، ألم تسمع لقوله -عز وجل- في حق نبيه محمد -صلى الله عليه وآله وسلم-: (عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ)[التَّحْرِيمِ: 3]".
الله أكبر -جل جلاله-، وتباركت أسماؤه، وكرمت فعاله.
ومن مأثور أهل العلم والحكمة: بلَغ الإمامَ أحمدَ -رحمه الله- أنَّ عثمانَ بنَ زائدة قال: "العافيةُ عَشْرُ أجزاءٍ؛ تسعةٌ منها في التغافل"، فقال الإمام أحمد: "العافيةُ عشَرةُ أجزاءٍ، كلُّها في التغافل".
ومن جميل ما قيل: "مِنْ سُوءِ خُلِقِكَ وقوعُ بصرِكَ على سُوء خُلُقِ غيرِكَ".
وبعدُ -رحكم الله-: فَمن تمسَّكَ بزمامِ التغافلِ مَلَكَ زمامَ المروءةِ، وما الفاضلُ إلا الفَطِنُ المتغافلُ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)[الْأَعْرَافِ: 199].
نفعني الله وإيَّاكم بهدي كتابه، وبسنة نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين، من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الله أكبر الله لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلًا، وَصَلَّى الله على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، تفضَّل فعَفَا وغفَر، والله أكبر، كتَب الجزاءَ الأوفرَ، الحمد لله على ما شرَع من الْهُدَى، واللهُ أكبرُ تكبيرًا ليس له منتهى، والحمد لله وهو العزيز الغفار، والله أكبر ما سجى ليل وأضاء نهار، أحمده -سبحانه- وأشكره، جعل التقوى سبيلًا للفوز في الدار الآخرة، وأشكره على نعمه الباطنة منها والظاهرة، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، وحدَه لا شريكَ له، شهادة أرجو بها الفوز بالحسنى وزيادة، ونيل الرضا وكرم الوفادة، وأشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، ختم به الرسالات؛ فكان إمامها، وجعله لهذه الأمة أمنة، فكان أمنها وسلامها، صلى الله عليه صلاة دائمة تبقى، وآتاه الوسيلة والفضيلة والدرجة الأرقى، وجمعنا به بمنه وكرمه وأوردنا حوضه، ومن يده نسقى، وَصَلَّى وسلم على آله وأصحابه وأتباعه بإحسان، صلاة وتسليما كثيرًا مزيدًا يبقى.
الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلًا.
أمَّا بعدُ، أيها المسلمون: العيدُ مناسَبةٌ جليلةٌ، لمزيدٍ من الترابط والتآلف: أَفْشُوا السلامَ، وتبادَلُوا التهانيَ، وتصالَحوا، وتسامَحُوا، وتغافَلُوا؛ (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[الْبَقَرَةِ: 195].
أيها المسلمون: التمِسُوا بهجةَ العيدِ في رِضَا ربِّكم، والإقلاعِ عن ذنبكم، والازديادِ مِنْ صالحِ أعمالِكم، واعلموا أنَّ من مظاهر الإحسان بعد رمضان استدامةَ العبد على الطاعة، وإتباعَ الحسنةِ الحسنةَ، وقد ندَبَكم نبيُّكم محمدٌ -صلى الله عليه وسلم-، بأَنْ تُتْبِعوا رمضانَ بستٍّ من شوال؛ فمَنْ فعَل ذلك فكأنَّما صامَ الدهرَ كلَّه، تقبَّل اللهُ منَّا ومنكم، وأعاننا على ذِكْرِه، وشُكرِه، وحُسن عبادته.
هذا وصلُّوا وسلِّموا على الرحمةِ المهداةِ، والنعمةِ المسداةِ، نبيِّكم محمدِ بن عبد الله، رسولِ الله، فقد أمركم بذلك ربُّكم فقال عزَّ مِنْ قائلٍ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، اللهمَّ صلِّ وسلم وبارِكْ على عبدِكَ ورسولِكَ، نبيِّنا محمدٍ، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارضَ اللهمَّ عن الخلفاءِ الأربعةِ الراشدينَ؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، وعن سائر الصحابة أجمعين، والتابعين ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم، بعفوكَ وجودكَ وإحسانكَ، يا أكرم الأكرمين.
اللهمَّ آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِحْ أئمتَنا وولاةَ أمورنا، اللهُمَّ أيِّدْ بالحق والتوفيق والتأييد والتسديد إمامَنا ووليَّ أمرنا، خادمَ الحرمينِ الشريفينِ، ووفِّقْه لِمَا تُحِبُّ وترضى، وارزقه البطانة الصالحة، وأَعِزَّ به دِينَكَ، وأعلِ به كلمتَكَ، واجعله نصرةً للإسلام والمسلمين، واجمع به كلمة المسلمين على الحق والهدى، ووفِّقْه ووليَّ عهدِه وإخوانَه وأعوانَه لِمَا تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، وأعنهم على ما فيه صلاح البلاد والعباد، اللهُمَّ وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وبسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، واجعلهم رحمة لعبادك المؤمنين، واجمع كلمتهم على الحق والهدى، يا ربَّ العالمينَ.
اللهُمَّ احفظ إخواننا في فلسطين، اللهمَّ احفظهم بحفظك، واكلأهم بعنايتك، وأحطهم برعايتك، اللهُمَّ اجبر كسرهم، وأقل عثرتهم، وفك أسرهم، اللهمَّ اشف مرضاهم، وارحم موتاهم، واقبلهم شهداء عندك، اللهمَّ حرر المسجد الأقصى من المحتلين الغاصبين، اللهُمَّ أعل شأنه، وارفع مكانه، وأرسخ بنيانه، وثبت أركانه، يا سميع الدعاء.
اللهُمَّ احفظنا من شر الأشرار، وكيد الفجار، وشر طوارق الليل والنهار؛ (رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201]، اللهُمَّ أعد علينا هذا العيد أعوامًا عديدة، وأزمنة مديدة، في حياة طيبة سعيدة، في عز الدين والأمة، واجتماع الكلمة، والقَبول والمغفرة، إنك جواد كريم.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصَّافَّاتِ: 180-182].
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلًا.
وَصَلَّى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم