عناصر الخطبة
1/ أعمال يوم العيد 2/الملة الحنيفية والاعتصام بالدين 3/الحج وكرامة المرأةاقتباس
بيتُ اللهِ الحرامِ، والمشاعرُ العظامِ، رمزُ الحنيفيةِ ملةُ إبراهيمَ إمامُ الحنفاءِ، جعلَ اللهُ به الأسوةُ بالدينِ، وبه الاقتداءُ في البراءةِ من الشركش وأهلهِ...
الخُطْبَةُ الأُوْلَى:
الحمد لله حمدا كثيرا يليق بجلالِ ذاتهِ، ويرتقى إلى كمالِ صفاتِه، ويُشيدُ بعظيمِ مننهِ ولطفهِ ونعمائه..
الحمد لله كم فينا لخالقنا *** مواهبُ ليس يُحْصِي شكرها أحدُ
وأشهد أن لا إله إلا الله الملك القدوس السلام ، وأشهد ان نبينا محمداً عبدالله ورسوله خير من صلى وصام ، وحج البيت الحرام. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان صلاة دائمة سابغة البركات معطرة النفحات.
الله أكبر الله أكبر.. الله أكبر الله أكبر
الله أكبر بُكرةً وعشيَّةً *** الله أكبرُ سامعُ الأصواتِ
الله أكبر عالمًا ومُهيمِنًا *** مُحصِي الحَجيج وجامعِ الأشتاتِ
الله أكبر أنت أرحمُ راحمٍ *** فاقبَلْ كريمًا صالحَ الدعواتِ
الله أكبر كبيرًا، والحمدُ لله كثيرًا وسبحان الله بكرة وأصيلا أما بعد:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
إنّ يومَكم هذا يومُ عظيمٌ جليلٌ أبان اللهٌ فضلَه، وأوجبَ تشريفَه، وعظّم حرمتَه، ووفّق له من خلقهِ صفوَته، وابتلى فيه خليلَه، وفدى فيه من الذّبح نبيّه، ؛ يومٌ حرامٌ من أيّامٍ عَظامٍ، جعله اللهُ خاتمَ الأيامِ المعلوماتِ من العشر، ومتقدّمَ الأيامِ المعدوداتِ من النّفر ، ذلكم هو يومُ النحر ، يومُ الحجِّ الأكبرِ، يومُ دعا اللهُ إلى مشهدهِ، ونزل القرآنَ بتعظيمهِ: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ)[الحج:28].
هذا اليومُ الأغرُ عيدٌنا أهل الإسلام ، يَستفتحهُ بصلاةِ العيدِ أهلُ الأمصار، ويستفتحهُ الحجاجُ برمي الجمار، أقوالُ وأعمَالُ وأنساكُ يتجلَّى فيها توحِيدُ اللهِ والانقِيادُ لهُ (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ)[الأنعام:162-163].
شُرعت فيه أعمالٌ هي من أجلِّ العباداتِ وأعظَمِ الطاعاتِ، من حجِّ بيتِ اللهِ الحرامِ، وَالوقوفِ بالمشاعرِ العظامِ.. فيا هناءَ من بَلَغوا ذاك المقام، وهم الآن يدفعون من مزدلفة لرمي الجمار.. يلبونَ..
لبيكَ لبيكَ جدّ الركبُ وانطلقت *** جموعُه والنداءُ العذبُ يدفعُه
أصداؤه في فجاجِ الأرضِ عاليةٌ *** والبيدُ في رحْبِها نشوى تُرَجِعُه
وفي الجوانحِ من وجدٍ ومن ولهٍ *** ما جاشَ في النفسِ حتى صابَ مُتْرَعَهُ
فلله ما أنقى وأجمل من تردادِ تلبيةٍ *** ينجو بها محرمٌ والكونُ يُسْمِعُهُ
بيتُ اللهِ الحرامِ، والمشاعرُ العظامِ، رمزُ الحنيفيةِ ملةُ إبراهيمَ إمامُ الحنفاءِ، جعلَ اللهُ به الأسوةُ بالدينِ، وبه الاقتداءُ في البراءةِ من الشركش وأهلهِ (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ)[الممتحنة:4].
ملةَ أبينا إبراهيمِ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)[النحل:123] لا تقاربَ مع ملةِ غيرِ الإسلامِ (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ)[آل عمران:85] ولا توادَ ولا تسامحَ مع من يقولون على اللهِ قولاً عظيماً ، تعالى اللهُ عما يقول الظّالمون علوا كبيرا.
ليس لأهلِ الأرضِ خيارٌ إلا الإسلام، قال مبلغُ الرسالةِ -صلى الله عليه وسلم-«وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ"(أخرجه مسلم).
لا يسعُ أحدٌ كائنا من كان أن يحيدَ عن منهجِ محمدِ -صلى الله عليه وسلم- بأصولهِ وفروعِه، قال عليه الصلاة والسلام "والذي نفسي بيده، لو كان موسى حيا ما وسعه إلا أن يتبعني"(أخرجه الإمام احمد وغيره).
كفا ضياعا أن توَجهَ القلوبُ إلى غيرِ باريها، والأجيالُ إلى غيرِ معلِمها، والمناهجُ إلى غير مُحكمِها.
إنّ دين اللهِ قويٌ متينٌ، وأحكامُه راسخةٌ واضحةٌ، لا تغيرُها الظروفُ، ولا تهُونُها الأزماتُ والصروفُ (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ)[آل عمران:19].
الدينُ لا يشتدُ عودهُ ولا يظهرُ برهانُه إلا بعد التمحيصِ والابتلاءِ، وما نجحت دعوةُ الأنبياءِ وانتصرَ الأولياءُ إلا بعد النجاحِ في الاختبارِ والابتلاءِ (فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ)[الصافات:106].
والشدائدُ تمرُ على الأمةِ حتى يَعلمَ الذين صدقوا ويعلمَ الكاذبين. لأن الإيمانَ أمانةُ اللهِ في الأرضِ، لا يحملُ هذهِ الأمانةَ على وجههِا إلا من هُم لها أهلٌ، وفيهم على حملِها قدرةٌ، وفي قلوبهم تجردٌ لها وإخلاصٌ.. فثقوا بنصرِ اللهِ إن ثبتم على الدينِ في حلكِ الظلامِ (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا)[الأحزاب:22].
فيا أيها المؤمنون والمؤمنات: دينُكم دينُكم.. لا يُسعد دنياكم، ولا ينجيكم في أخراكم إلا التمسكُ بشريعةِ ربِ العالمين، بثباتٍ وتضحياتٍ، وانقيادٍ وتسليمٍ للهِ ولرسولِه لا حسبَ الأهواءِ والرغباتِ، عَضوا على دينكم بالنواجذِ، وإياكم ومحدثاتٍ الأمورٍ، ودعاةٍ الفجورٍ ، سلاحهم التشكيكُ بالدينِ ، ضحيتُهم البنتُ المكنونةِ ، والزوجةُ المصونةِ، يتسلقون البيوت من غير جدران يذبحون الغيرة بسكين الإغواء والإغراء.
حافظوا على ما جمعتم من حسناتٍ أن يأكلها الحسدُ أو الخوضُ في أعراضِ المسلمين، أو يفسدُها التهاونُ بالصلاةِ فإن الصلاةَ عمادُ الدينِ، وصلاحُ المرءِ مرهونٌ بصلاتهِ.
ونأو بأنفسكم وأهليكم وأولادِكم عن أماكن صخبٍ يعلوا فيها الغناءٌ، ويكسرُ فيها الحياءُ، ووسيلةٌ لطريقِ الحرامِ بالتعارفِ والاختلاء.
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكبرُ لا إله إلا الله والله أكبر ، الله كبر ولله الحمد..
نحمد الله ونشكره ونستغفره فاستغفروه إن ربنا لغفور شكور.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الكبيرِ المتعال.. الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرةً وأصيلا وصلى الله وسلم على عبده ورسلوه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: الحجُ يُجلي كرامةَ المرأةِ وُيعلِي شأنَها ويحترمُ خصوصيتَها.. قالت عائشةُ -رضي الله عنها-: "كان الرُّكبانُ يمرُّون بنا ونحن مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مُحرِماتٌ، فإذا حاذَوْا بنا سَدَلتْ إحدانا جلبابَها مِن رأسِها على وجههِا فإذا جاوزُونا كشفناه".
وفي الطوافِ وفي اطهرِ مكانٍ وبين أفضلِ أصحابٍ كانت عائشةُ تتجنبُ الرجالَ وتبتعدُ أن تختلطَ بهم، في صحيح البخاري قال عطاء : لَمْ يَكُنَّ النساء يُخَالِطْنَ الرجال، "كَانَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- تَطُوفُ حَجْرَةً مِنَ الرِّجَالِ، لاَ تُخَالِطُهُمْ، وكنّ يَخْرُجْنَ مُتَنَكِّرَاتٍ بِاللَّيْلِ، قُلْتُ: وَمَا حِجَابُهَا؟ يعني عائشة قَالَ: هِيَ فِي قُبَّةٍ تُرْكِيَّةٍ، لَهَا غِشَاءٌ وعَلَيْهَا دِرْعًا مُوَرَّدًا".
المرأةُ بلا حجابٍ مدينةُ بلا أسوار ، والقِوامة رفعةُ لها وسلامة، والولايةُ ليست وصاية لكنها حفظ وحماية.
يا بنتَ عائشةَ التي حفِظت لنا *** هدي الحبيبِ بحكمةٍ وتمامِ
يا أختَ فاطمـةَ التي بِحيائِهـــا *** نالت من الديانِ خيرَ وسامِ
صوني الأمانةَ في الحياةِ ليُرتجى *** نصرُ لأمتنـــا ونيــلُ مـَــرامِ
رَبـِّـي لنا جيــلاً أبيّـــاً مؤمنـــاً *** ليعيش يرفعُ رايةَ الإســـلامِ
يا حفيدةَ عائشةَ وبنت هاجر: لا يكن همُك ِكوباً ومنظراً وزيّا؛ فأنت عظيمةٌ بثباتكِ قويةٌ بهمتكِ فوظيفتُكِ عظيمةٌ إن شرُفتِ بحملها.
فما السعيُ بين الصفا والمروةِ بعد فضل الله إلا حسنةٌ من حسناتِ أُمنا هاجر..
وهل ماءُ زمزمَ إلا فيضٌ من صبرِ هاجرَ وعدمُ تمردِها على زوجها؛ ليكافئها ربُها بعين زمزمَ لتُروي نفسَها وطفلَها والاجيالَ من بعدها.
هذا هو الصبرُ والثباتُ والشموخُ للمرأةِ، لا التبعيةُ والانسلاخُ من الدينِ والخلقِ والحياءِ والقِوامة لتعيش تهيم تتقاذفها المغرياتُ تسبحُ في سرابٍ وتعيش في تبابٍ..
والرجل راعٍ يحافظ على كيانِ أسرته أن ينهد بلطفٍ وتربية وإنفاقٍ وحسن خلق.
الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً
في هذا اليومِ المشهودِ أفضلُ ما يعملُ فيه إراقةُ الدماءِ من بهيمةِ الانعامِ، فكلوا منها واطعموا البائس الفقير، سنة الخليلين (وفديناه بذبح عظيم)[الصافات:107] قال أنسٌ بن مالك -رضي الله عنه- ضحى النبي -صلى الله عليه وسلم- بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر.
ضحُّوا فإن لحُومَها ودماءَها *** سينالُها التقوى بلا نُقصانِ
العيدُ أَضحى فالدماءُ رخيصةٌ *** مُهراقةً للواحد الديَّانِ
هي سنةٌ بعد الذبيحِ وإنها *** من خير ما يُهدَى من القُربانِ
ضَحُّوا تقبلَ اللهُ ضحاياكُم ، واذكرُوا الله على ما رزقَكُم ، وكبرُوهُ على ما هداكُم ، إنَّ اللهَ طَيِّبٌ لا يَقبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا، فتهادَوا وتصدقُوا، وَكلُوا وادَّخِرُوا، تواصَلُوا وتزاوَرُوا، وتصافَحُوا وتصالَحُوا، وأفشوا السَّلامَ بينكم تفلحوا، فإِنَّكُم في أيامِ عيدٍ وأكلٍ وشُربٍ وذكرٍ للهِ، يَحرُمُ صومُهَا، وتُعَظَّمُ الشَّعَائِرُ فيها، من صلاواتٍ وطاعاتٍ وقرباتٍ ، (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)[الحج:32].
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وغفرلنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم
اللهم ادفع وارفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا والمنكرات يا ذا الجلال والإكرام.
ربنا آمنا في دورنا وأصلح ولاة أمورنا وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العلمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم