عناصر الخطبة
1/ توديع رمضان وتهنئة مستثمريه 2/ من أحكام زكاة الفطر 3/ مشروعية التكبير وصيغته وأهميته 4/ مشروعية وحكم صلاة العيد 5/ مخالفات تتعلق بصلاة العيد 6/ سنن مرتبطة بصلاة العيد 7/ اغتنام ليالي رمضان الباقية 8/ التواصي بمنع منكرات الأسواق 9/ تثمين دور رجال الهيئة 10/ عادة \"الحقاق\" وبيان حكمهااقتباس
فإنَّ شهركم آذن بالرحيل، بعد أن كان مستقبلاً منتظراً يعدُّ الإنسان له عدَّة، ويرى أن بينه وبينه أمداً ومدة. فما هي إلا أيام تقضَّت، وليالٍ تقلَّبَتْ، حتى حلَّ شهرُ الصيامِ ضيفاً كريماً على من أنعم الله عليه بالإيمان، فعرف قدر الصيام والقيام. وها هو يودعكم في آخر جمعة لكم في هذا الشهر بما أودعتموه من الأعمال، (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَ?لِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ) [النور:44].
الخطبة الأولى:
أما بعد: فإنَّ شهركم آذن بالرحيل، بعد أن كان مستقبلاً منتظراً يعدُّ الإنسان له عدَّة، ويرى أن بينه وبينه أمداً ومدة.
فما هي إلا أيام تقضَّت، وليالٍ تقلَّبَتْ، حتى حلَّ شهرُ الصيامِ ضيفاً كريماً على من أنعم الله عليه بالإيمان، فعرف قدر الصيام والقيام.
وها هو يودعكم في آخر جمعة لكم في هذا الشهر بما أودعتموه من الأعمال، (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ) [النور:44].
فهنيئاً لمن كان شاهداً له عند ربه بحسن الصيام، وتمام القيام! وويل لمن كان شاهداً عليه بسوء صنيعه، شاكياً إلى ربه تفريطَه فيه وتضييعَه!.
أيها الناس: لم يبق لكم من رمضان إلا قليلُه، فما أسرع أيامه! قضيتموها بطمأنينة وأمان، وتيسيرِ من الله وإحسان؛ فاشكروا نعم الله بإحسان الختام.
واعلموا -رحمكم الله- أنه يشرع لكم في ختام شهركم أمورٌ ثلاثة، شرعها لكم ربكم زيادة في حسناتكم، ورفعة في درجاتكم.
فأوَّلها: زكاة الفطر، يقول عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعيرٍ، على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين" متفق عليه.
فأدُّوها -رحمكم الله- من طعام الآدميين، أدُّوها صاعاً بصاع النبي -صلى الله عليه وسلم- والذي يزن كيلوَّيْن ونصفاً تقريباً، ولا تخرجوها من غير الطعام، فلا يجوز إخراج الثياب ولا الأمتعة، بل ولا يجوز إخراج قيمتها من النقود، وإن كان أنفع للفقراء في بادي الرأي؛ لأنَّ ما حدَّده الشارع وجب الوقوفُ عنده، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَن عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ".
أما وقت إخراجها فالأفضل صباح يومِ العيد قبل خروج الناس إلى الصلاة؛ لما روى مسلم عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: "أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة".
ويجوز للإنسان أن يؤديها قبل العيد بيوم أو يومين، وأما تأخيرها عن صلاة العيد فلا يجوز إلا من عذر، لما روى ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر؛ طُهرةً للصائم من اللغو والرفث، وطُعمة للمساكين، فمَن أدَّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أدَّاها بعد الصلاة فهي صدقةٌ من الصدقات" رواه أبو داود وابن ماجه وصححه الحاكم.
وتدفع زكاة الفطر للمساكين والفقراء في المكان الذي هو فيه وقت الإخراج، سواء كان محلَّ إقامته أو غيره من بلاد المسلمين، ويجوز أن توزع الفطرة الواحدة على أكثر من مسكين، كما يجوز أن تعطى الفطر المتعددة مسكيناً واحداً.
ومن أعطي فطرة وهو من أهلها فقد ملكها، له أن يأكلها، أو يبيعها، أو يخرجها فطرة عن نفسه وولده.
ومن لم يعرف فقراء يعطيهم فإن إخوانكم في جمعية البر الخيرية والمستودع الخيري يعينونكم في إيصالها إلى مستحقيها.
الأمر الثاني: مما يشرع في ختام هذا الشهر هو التكبير، فيكبر المسلم من غروب شمس ليلة العيد إلى صلاة العيد؛ لقوله -تعالى-: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة:185].
وهذه -لَعَمْرُ الله!- سنة مهجورة، هجرها كثيرٌ من المسلمين، فكبِّروا -رحمكم الله- إعلاناً بتعظيم الله، وإظهاراً لعبادته، وشكراً لنعمته.
قولوا: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
الأمر الثالث: مما يشرع في ختام هذا الشهر صلاة العيد، فقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بها أمته، ذكوراً وإناثاً، وذهب جمع من المحققين إلى وجوبها على الأعيان، ويأثم من تخلف عنها من غير عذر.
ومما يؤسفُ له تساهل كثيرٍ من المسلمين في حضور صلاة العيد، حيث يسهرون ليلة العيد ثم ينامون عنها، وربما ضيعوا معها صلاة الفجر يوم العيد، فيكونون ممن ختم طاعته بمعصية، نعوذ بالله من ذلك!.
وليحذر المسلم أن تخرج نساؤه لصلاة العيد متبرجات أو متطيبات، تقول أم عطية -رضي الله عنها-: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أن نُخرج في الفطر والأضحى العواتق والحُيَّض وذوات الخدور، فأما الحُيض فيعتزلن المصلى، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين" متفق عليه.
وسماع خطبة العيد من تمام بركة ذلك اليوم، وصرنا نشهد في مصليات العيد بعضاً من الذين لا يسمعون الخطبة يشغلون من يريد سماع الخطبة بالحديث قرب أماكن المستمعين، وربما علت أصواتهم، وبعضهم يشغل من يريد سماع الخطبة بالتردد بين الصفوف ليصور المصلين بجواله!.
وفي أوساط النساء كثرت الشكاية من أن بعضهن يُشغل بعضاً بتوزيع الهدايا أثناء الخطبة، فانتبهوا -رحمكم الله- ونبِّهوا...
ومن السنة أن يأكل الإنسان قبل الخروج إلى المصلى في عيد الفطر تمرات وتراً، وليس من السنة إحضار التمر لمصلى العيد وتوزيعه على الناس.
و السنة أن يخرج ماشياً إن تيسر له، متجملاً مبتهجاً، مؤملاً الخير من ربه، والقبول لعمله.
وسوف تكون إقامة صلاة العيد في السادسة إلا عشر دقائق في مصليات العيد الأربعة المعروفة، وفي الجوامع المعلنة، وليس منها هذا الجامع.
أقول قولي هذا...
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، وسلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فإنَّ ما بقي لكم من شهركم هو من أنفَس أيامه ولياليه، والأعمال بالخواتيم.
وقد بقيت لكم ليلة الخامس والعشرين، والسابع والعشرين، والتاسع والعشرين، وهي من الليالي التي يرجى أن تكون إحداها ليلةَ القدر، التي هي خير من ألف شهر.
فلا تغلب -يا عبد الله- على هذه الليالي المعدودة، وتخفَّفْ من بعض التزاماتك الدنيوية، وأقبِل على ربك؛ فأنت في فرصة من فرص العمر، علَّ الإنسان أن يصيب بها نفحة من نفحات الله يسعد بها في الدنيا والآخرة.
وبعد أيها الإخوة معاشر الصائمين: مما يتعين التواصي به ما يتعلق بشر البقاع، وإنَّ شرَّ البقاع وأبغضها إلى الله أسواقها، فلا تتساهلوا في خروج نسائكم الساعات الطويلة في الليالي المتكررة بحجة حوائج العيد، وأنتم ترون كيف ازدحمت الأسواق، وضاقت المحلات.
والمرأة إذا خرجت استشرفها الشيطان؛ وذئاب البشر وضعاف الإيمان قد يجدون مطمعاً في بنتك، أو أختك، أو زوجتك، إن انفردت عن المحرم، أو ظهر منها تساهل في حجابٍ، أو استرسال في كلامٍ، أو عبث في جوال، أو تردد من محلٍّ إلى محلٍّ.
لاسيما مع هذه النقابات والعبايات المفصلات اللاتي تتابع النساء في لبسها، مع غفلة من الأولياء، وضعف في الغيرة على المحارم، والله المستعان!.
وأنتم يا رجال الهيئة، يا حراس الفضيلة، استعينوا بالله على واجبكم، واحتسبوا هذه الليالي الفضيلة في دفع الشر، والأخذ على يد مرضى القلوب.
وقد يكون أجركم يفوق المصلين في مساجدهم، والقارئين من مصاحفهم، والمعتكفين في خلواتهم؛ فأنتم تقومون بواجب الكفاية، وغيركم يقوم بنوافل عبادة.
على أن إنكار المنكر في الأسواق واجب على كلِّ مسلم، فكل مسلم رجل هيئة، فالمشتري في السوق، والبائع في محله، والمار في طريقه، عليهم قسط من إنكار المنكر، وحماية الفضيلة.
وأنت، يا من يتبع النظرة النظرة! هل نسيت أن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور؟ هل نسيت وأنت تقلب عينك باختيارك أنه سيأتي يوم تتقلب عينك بغير اختيارك؟ (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) [ق:19].
ألا فاتق الله في نفسك، واستح من خالقك، فالناس في مساجدهم رُكَّعٌ سُجَّدٌ وأنت فيما أنت فيه! اتق الله! وما لا ترضاه لأهلك لا ترضه لنساء المسلمين.
جعلنا الله من المتعاونين على البر والتقوى.
... معاشر الصائمين: كان للناس عادة قديمة يسمونها بالحقاق، وكان الأولاد يؤدونها ببراءة تناسب زمن البساطة، وربما كانوا يحتاجون إلى ما يحصلون من هذا الحقاق من مال أو مأكول.
وأما الآن فقد تغيرت الحال، ودخل هذه العادة شيء من المحاذير الشرعية من تجمع الناس، وتجمهر النساء، وصارت فرصة للتزاحم وتعالي أصوات النساء، وتدافعهن في أشياء مخجلة، وبعض الناس لا يزالون مصرين على هذه العادة، مستميتين في بقائها، كأنها جزء من الشرع يخشون اندثاره! هداهم الله رشدهم!.
ألا فاعلموا أن أبواب الشر لا بد أن تغلق، فترفّعوا عن هذه التفاهات، لا سيما لما احتفّت بها بعض المنكرات، وهي سبيل لتنمية روح التسول، والتعويد على سؤال الناس.
وفي هذه العادة فتوى بتحريمها من اللجنة الدائمة، إحدى مراجع الفتوى المعتمدة من ولي الأمر، فلا تَغْلِبوا ولا تُغْلَبوا بالباطل.
ومثل هذه الظاهرة كل ظاهرة تعيدنا للوراء، وتخرج المحافظة بصورة غير حضارية في تجمهر مشين لا يقبله العقلاء، وإن استحسنه بعض البسطاء.
اللهم ألهمنا رشدنا، وقنا شرور أنفسنا.
اللهم تقبل صيامنا وقيامنا، واختم بالصالحات أعمالنا...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم