عناصر الخطبة
1/حمى كأس المونديال 2/نظرة المسلمين للهو واللعب ونظرة الغربيين 3/بعض مآسي المسلمين 4/حكم الرياضة في الإسلام وضوابطها 5/قصة مأسوية لطفل تابع المباريات 6/خطر الفراغ على الأطفال ومشاهدة المباريات 7/بعض واجبات الآباء تجاه الأبناءاقتباس
يا ناس! نحن الآن في عالمٍ يموج بالقلاقل والفتن، ويضطرب بالدواهي والمحن: أقصى محتلٌّ! إبادةٌ للمسلمين في بورما "مينمار" حربٌ في سوريا! قتالٌ في العراق! صراعٌ في ليبيا! مظالم تقع على الناس والدعاة! مفاسد في الأموال والأحكام! غلاءٌ في الأسعار! قحطٌ ووباءٌ وأمراضٌ! والناس مع هذا تعيش في اللهو اللعب؟!. وسيستمرُّ هذا العبث الكروي في...
الخطبة الأولى:
أيها الإخوة المسلمون: حلَّ بالعالم البارحة ضيفٌ غريبٌ، يحمل معه كأسًا غريبةً.
بعض الناس قد لا يعنيهم أمره، ولا كأسه، لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ، بل ولا يُرحِّبون به أصلًا.
ولكن الضيف خَطِر، والخَطْبُ جللٌ، فقد اتسعتْ رقعته، حتى انغمس في شأن الكرة الجلدية أكثرُ من نصف سكان الكرة الأرضية.
يا عباد الله: إنَّ العالم اليوم يعيش حمى كأس المونديال! أتدرون ماذا يجري بسبب هذه الكأس الفارغة؟!
الصحفيون متأهبون، الجماهير على أحرَّ من الجمر، ازدادت عدد الصفحات الرياضية، المقاهي والمطاعم والحدائق بها شاشاتٌ عملاقة تكتظ بالمتفرجين لمتابعة المباريات، وهكذا تلتقي الشاشة مع الشيشة.
والإنترنت له كفل من المونديال، آلاف المواقع الإلكترونية لتغطية البطولة بشتَّى اللغات.
شركات عالمية أبرمت صفقاتٍ بملايين الدولارات للاستفادة من هذا الحدث العالمي.
واحتكرت شركاتٌ حقوق البث التلفزيوني للمباريات بأسعارٍ باهظةٍ، لتقدم باقة اشتراك مع مجموعة من الأفلام القذرة الفاضحة.
الجوالات والطائرات تتنافس في نقل المباريات.
الأرض والسماء كلها أضحت مسعورة لهذا الهوس الكروي المدمِّر.
وفي ساحات هَزْلٍ قد تهاووا *** شبابٌ كالرجال ولا رجالِ
مُناهم في الحياة لهم رخيصٌ *** إذا انتصر فريقُ المونديالِ
أيها الناس: حمى تجتاح العالم، هكذا يتجمَّعون ويتجمهرون! وهكذا يفرحون ويُغنُّون ويرقصون! وهكذا يبكون ويسبُّون ويلعنون! أبهذا كُلِّفوا؟ أم لهذا خلقوا؟ أفأمنوا مكر الله؟ قال تعالى: (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ)[الأعراف: 98-99].
اللعب المنضبط بالشريعة مرغوب: "وإنَّ لجسدك عليك حقًّا".
مفهوم: "وإنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَةً"[حديثٌ صحيحٌ].
عندنا ميزان، عندنا شريعة تضبط الأمور، لكنْ أن يكون الناس في غفلةٍ مصروفةً عمَّا خلقها الله هذه مصيبةٌ كبرى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)[الذاريات: 56].
وليس يلعبون.
وقال تعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ)[الدخان: 38-39].
وقال سبحانه: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ)[ص: 27].
ينبغي أن نستحضر -ونحن نعيش هذه الأحداث- قوله تعالى: (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)[العنكبوت: 64].
الآخرة هي الحياة الحقيقية لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ.
وقال تعالى: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ)[الأنعام: 32].
الدار الآخرة خيرٌ أَفَلا تَعْقِلُونَ.
يا مسلمون: اسمعوا! هؤلاء الغربيون والشرقيون الكافرون اتخذوا دينهم لهوًا ولعبًا، وغرتهم الحياة الدنيا، ولا يعيشون إلَّا للَّعب واللهو، وسيلقون مصيرًا فظيعًا، فلماذا نحن المسلمين نمشي على خطاهم؟
هم همهم الدنيا واللعب، حتى الجنس والدعارة صار ميدانا عندهم للتلهِّي والترفيه، فهل نتَّبعهم ونجاريهم في كلِّ شيء؟
نحن المسلمين أليس لنا مبادئ؟ أما لنا كرامة؟ أما لنا استقلالية؟
حتى في لعبنا ولهونا لا بدَّ أن نكون متميِّزين عنهم؟
قال تعالى في وصف أمَّة محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ)[البقرة: 143].
(أمةً وسطًا) عدولاً ثقاتٍ، أفيستشهد الله أمَّةً لاهيةً لاعبةً تمشي في فلك الغرب وتُرَّهاته؟
يا ناس: نحن الآن في عالمٍ يموج بالقلاقل والفتن، ويضطرب بالدواهي والمحن: أقصى محتلٌّ! إبادةٌ للمسلمين في بورما "مينمار" حربٌ في سوريا! قتالٌ في العراق! صراعٌ في ليبيا! مظالم تقع على الناس والدعاة! مفاسد في الأموال والأحكام! غلاءٌ في الأسعار! قحطٌ ووباءٌ وأمراضٌ! والناس مع هذا تعيش في اللهو اللعب؟!.
وسيستمرُّ هذا العبث الكروي في رمضان، حتى في شهر رمضان المبارك نلهو ونلعب، ونأكل ونشرب، ونغشُّ ونكذب، متى نتوب؟ متى نؤوب؟
أيها الناس: إن الإسلام لا يحارب الرياضة، بل هو يدعو إليها، ويدعو إلى قوَّة الأبدان وقوة الإيمان: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ)[الأنفال: 60].
الإسلام يحثُّ على الرياضة، ولكنه يريدها أن تكون وسيلةً، لا أن تكون غايةً، ولا أن تكون ملهاةً تشغل الناس والأمة عن قضاياها الكبيرة، وعن واجباتها الثقيلة، أمام طغيان أعدائها الذين يتربصون بالأمة الدوائر على الدوام.
وقصْدُنا من القُوى *** دَحْرَ عدُوٍ قد غوى
لا أنْ نُضيف للبقرْ *** عجولًا من بني البشر
يا عباد الله: أُذَكِّرُ بالضوابط الشرعية التي ينبغي أن يراعيَها كلُّ من ابتلي بِدَاءِ التشجيع أو إدمانِ مشاهدة الكرة حتى يسلم من الإثم والجناح:
أولًا: ألا تشغله الرياضة أو مشاهدتها عن الفروض والواجبات الدينية والدنيوية، كالصلاة في وقتها في المساجد مع المسلمين، وكبر الوالدين، وصلة الأرحام.
بل لا يصح أن تشغله حتى عن المستحبات وفضائل الأخلاق، فهي أولى بالتقديم من الرياضة.
ثانيًا: أن يكون اللاعبون ساترين لعوراتهم كالأفخاذ.
ولا يجوز للرجال النظرُ في رياضة النساء بحالٍ من الأحوال.
ولا يجوز للنساء النظرُ في عورات الرجال.
ثالثًا: أن يخلو التشجيع من المنكرات الظاهرة كالغناء والزَّمْر والتطبيل، وتشويهِ خلق الله بالرسومات والأصباغ على الوجوه والملابس، وألا يوجد اختلاطٌ بين الرجال النساء، ونحو ذلك من المنكرات.
رابعًا: ألَّا يصل ذلك إلى حدِّ التعصب لفريقٍ ما بحيث يؤدي فوزُه إلى البَطَر والأشر، وإحداث الشعب والتخريب والإخلال بالأمن.
وألا يصل تشجيعه لفريقه إلى البغضاء والشحناء، وتبادل الشتائم والسِّباب، وإفسادِ العلاقات الأسرية والاجتماعية، وربما إلى الاقتتال مع الفريق الآخر.
خامسًا: ألا يقع في قلبه حبُّ الكافر ومودَّته وتعظيمه، وألا يجره ذلك إلى تقليده في لباس أو شعر أو سلوك ما.
سادسًا: ألا تتحول الرياضة أو مشاهدتها إلى مَلْهاة، تُنفق فيها الأعمار، فإنَّ ذلك يفسد على المرء قلبَه وعقلَه، ويُغِضُّ من قَدْره عند العقلاء.
وسابعًا: ألا تؤدي به الرياضة إلى الغفلة عن قضايا المسلمين وعدم الاهتمام بأمرهم.
يثور حماسُنا في أمر هزْلٍ *** وإن يُقتلْ أخونا لا نُبالي
هو الإسلامُ أضحى في جهادٍ *** يُحاربُ بالكلام وبالفعال
في العادة يُشْغَل الرياضيون والمشجعون بأخبار الفرق واللاعبين ونتائج المباريات.
أما قضايا المسلمين، فلا تُشغِلهم ولا يهتمون بها.
ولكن مَنْ لم يهتمَّ بأمر المسلمين فليس منهم.
بارك الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، وأشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، اللهم صلِّ وسلِّمْ عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
وبعد:
فاتقوا الله -عباد الله-: وإنَّ لكلِّ شيءٍ حقًّا، فأعطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه.
هذه قصةٌ واقعيةٌ فيها شكوى مريرة من أمٍّ فاضلة، تريد حلاً لمشكلتها.
تقول: أنا وزوجي لا نشجع الكرة، لكنْ أقاربُنا يحبون الكرة بشكل جنوني. في زياراتنا العائلية كان الحديث يدور عن الفرق، ومن سيكسب ومن سيخسر؟
كانوا يلعبون ويسمون أنفسهم بأسماء اللاعبين المشهورين، وتتعالى صيحاتهم كنفير الحرب.
وبدأ طفلي يتجاوب معهم شيئًا فشيئًا، حتى أصبح مثلَهم.
كنتُ مبتهجة بحبِّه للرياضة وممارسته لها.
ولكن الأمر تجاوز اللعب إلى الحرص على مشاهدة المباريات؛ لتقفز المباريات إلى قمة الأولويات، حتى فوق أولويات العبادة، فالصلاة إذا حضرت والمباراة مذاعةٌ تؤجل الصلاة.
حاولتُ جاهدةً منعَ التجاوزات، فلم أستطعْ.
فمن إهمال الصلاة إلى ترك المذاكرة، حتى في الامتحانات، إلى أصواتٍ مفزعةٍ يُصْدرها، وهو مندمج بكل حواسِّه في أثناء المشاهدة، صار امرأً عصبيًّا، يغضب عندما يضيع فريقه هدفاً، يشتم اللاعب أو الحكم بصوت مرتفع وبألفاظٍ لم أعهدها فيه من قبل.
أشعر بأنه ليس ولدي، لقد وصل اندماجه إلى حدِّ سيطرة النتيجة على مزاجه لعدة أيام.
فعندما يخسر فريقه يتعكَّر، ويعصِّب، ويتشاجر مع من حوله.
وأخيراً: شعْرُهُ، نعم شعره، آخر مرةٍ ذهب لحلاقته رجع برأسٍ لا أعرفه، أخذتني الصدمة، ثم قال: إنها تسريحة اللاعب الفلاني، وكانت معركةُ التقاليد، والمصيبةُ أنَّ أخاه بدأ يقلِّده، والبيت أصبح جحيماً مع كأس العالم.
والده مشغول عنَّا، وولدي أقوى مني، فهل من معينٍ؟ وكيف يكون التصرف؟!
ما الحل يا ناس لمشكلة هذه الأم المسكينة ومثيلاتِها من الأمهات؟
يا عباد الله: الطفل لا ينبغي أن يعيش فراغًا في جزيرة منعزلة عن أهله، أبٌ مشغولٌ، وأمٌّ كسولة.
والإعلام لا يُقصِّر، والأصدقاء والمجتمع يؤجج من سعار الكرة والتشجيع، فماذا يرتجى من الطفل؟
عندما يعيش الأولاد فُقدانَ الهُوية، وضياعَ الانتماء في هذا الجو الكرويِّ المشحون.
ماذا نتوقَّع أن تكون مخرجاتُ التربية؟!
أين المنظومة التربوية المتكاملة لأولادنا؟
أين القيم العليا التي ينبغي أن ينتموا إليها؟
أين القضية التي يجب أن يعملوا من أجلها؟
أين الاهتماماتُ البديلة التي تُشْغِل أوقاتهم وتستفرغ طاقاتهم؟
إنَّ الشباب الفراغ والجِدة *** مفسدة للمرء أيُّ مفسدة
علينا -يا عباد الله-: أن نجتهد جادين في ملء الفراغ الروحي، والنفسي، والفكري، والجسدي للطفل منذ نعومة أظفاره.
علينا أن نملأ وقته بالمفيد، مع التسلية والاستجمام واللعب والراحة والسفر، فهذه أيضًا لا بدَّ منها.
علينا أن نصعِّد اهتماماته إلى حفظ القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، وقراءة الكتب المفيدة، واكتمال المهارات الناقصة لديه، وممارسة الهوايات النافعة.
حينئذٍ تصبح الكرة جزءًا من هواياته للتقوي والتسلِّي، بدلاً من أن تكون هاجِسَه وديدنه صباح مساء ليل نهار.
وبذلك يكون التكامل، ويكون الحلُّ بتوفيق الله -تعالى-.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، واخذل الطغاة أعداء الملة والدين.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا.
اللهم اهدِ شبابنا وشيبنا، وفتياتنا ونساءنا.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم