حسن ظن المسلم بربه

الشيخ خالد أبو جمعة

2024-10-04 - 1446/04/01 2024-10-01 - 1446/03/28
التصنيفات: أحوال القلوب
التصنيفات الفرعية: الأحداث العامة
عناصر الخطبة
1/يقين المؤمن الجازم بقضاء الله تعالى وقدره 2/حزن وأسف على ما يعانيه أهل غزة الكرام 3/كل قدر الله تعالى بحكمة بالغة 4/حسن ظن المسلم بربه وثقته به تعالى 5/نماذج من ثقة الأنبياء والصالحين برب العالمين 6/تكالب أعداء الأمة الإسلامية عليها 7/الوصية بالمسجد الأقصى المبارك

اقتباس

الأصل في الأمة الإسلاميَّة أن يستحضروا في كل أحوالهم الثقةَ بالله، والتوكلَ على الله، والركونَ إلى الله، والاعتمادَ عليه، واستمدادَ القوة منه، فإذا التجأنا إليه فقد أَوَيْنَا إلى ركن شديد، ولْنَعْلَمْ أنَّ وقتَ الفتن والشدائد تظهر حقائق ما في القلوب، من قوة الإيمان أو ضَعفه...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي جعل الزمان صروفًا تَجُولُ، ومصائبَ تصول، والمؤمن مهما تفاقمت عليه الشرور والبلايا، وحلَّتْ به المحنُ والرزايا، فلا رادَّ للقضاء المستور، ولا مانعَ للقَدَر المقدور، ما قُضي كائن، وما قُدِّرَ واجبٌ، وما سُطِّرَ مُنتظَر، ومهما يشأ الله يكن، وما حكم به يقع، لا رافع لِمَا وَضَعَ، ولا وَاضِعَ لِمَا رَفَعَ، ولا مانعَ لِمَا أعطى، ولا مُعطِيَ لِمَا مَنَعَ، وما شاء ربنا صنع، فلا جزع، ولا هلع، وإنَّما صبر ومصابرة، وتفاؤل بأن الظفر والعلو لأهل الإسلام والإيمان، وأن الذُّل والصَّغار والهوان لأهل الظلم والعدوان والطغيان؛ (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)[يُوسُفَ: 21].

 

وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن حبيبنا وقائدنا، محمدًا عبدُه ورسولُه، وصَفِيُّه من خَلقِه وخليلُه، كان للأمل في نفوس أصحابه باعثًا، وللتفاؤل داعيًا، صلى الله عليه، وعلى آل بيته الأطهار، وأصحابه الأخيار، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وبعد؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا في سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[الْمَائِدَةِ: 35]، فبالتقوى يفوز المرء بمعية الله، وينال رضاه؛ (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)[النَّحْلِ: 128].

 

عبادَ اللهِ: اعلموا أنَّنا ونحن نعيش في هذه الحياة نذوق من حلو طعمها ومره، ونعيش في أفراحها كما نعيش في أتراحها، فليست هذه الدار بدار راحة مطلَقة، ولا سعادة محقَّقة، غير أن المؤمن في كل ذلك صابر شاكر، يقول الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-: "‌عَجَبًا ‌لِأَمْرِ ‌الْمُؤْمِنِ، ‌إِنَّ ‌أَمْرَهُ ‌كُلَّهُ ‌خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ"، وهو ذو ثقة بالله، مقر بحسن تدبيره، راض بتصريفه، مستسلم لتقديره، مجانب للقنوت، بعيد عن اليأس، فالمؤمن صابر محتسب عند الشدائد والمصائب، متفائل رغم النوائب والمتاعب.

 

أيها المسلمون: إن اللسان لَيقف عاجزًا أمام وصف الأحداث الأليمة التي شهدناها في الأيام الأخيرة، وإنَّ القلب لَيعتصر ألمًا وحزنًا، ويتقطع حرقة وغضبًا وكمدًا، على ما يجري لأهلنا في غزَّة هاشم، وفي كل بقعة من أرض فلسطين الجريحة، وهو إحساس يسري في جسد كل مسلم صادق، غيور على دينه، وعلى عرضه وأرضه وقضايا أمته، يرى قتل الأبرياء من شيوخ وأطفال ونساء، وحصار ظالم منع فيه الغذاء والدواء، وقطع للمياه والاتصالات والكهرباء، المساكن دمرت فوق رؤوس ساكنيها بلا رحمة ولا شفقة، وبسبب هذه المآسي رأينا أجسادًا ذبلت، وأكبادا جفت، وبطونا قرقرت، وأجوافا ظمئت، أطفال يبكون ويصرخون، وشيوخ يئنون، ومرضى يتوجعون، ورجال حائرون، ويعلم الله أنَّنا نتمزق ونتحرق قهرًا وكمدًا وقلة حيلة، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

 

عبادَ اللهِ: ما نزل بلاء ولا فرض ابتلاء إلا وللباري -عز وجل- فيه حكمة وعطاء، فمن العبادات القلبية التي تعبَّد اللهُ بها عبادَه الثقة بالله، وصدق الاعتماد عليه، وحسن التوكل عليه، وتفويض الأمور إليه في جلب المنافع ودفع المضار، فهذه الأمور من أهم المهمات، وأوجب الواجبات، وهي من صفات المؤمنين، ومن شروط الإيمان، ومن أسباب قوة القلب ونشاطه، ومن طمأنينة النفس وسكينتها وراحتها؛ لذلك أذكركم ونفسي بأمر عظيم، من تعلق به نجا، وزانت أموره مع كل تغيُّرات أحواله، وتقلب أوضاعه.

 

يا عبادَ اللهِ: إنها الثقة بالله، وحُسْن الظن بالله -جل في علاه-؛ قال تعالى: (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 22]، نعم أيها المرابطون، إن الثقة بالله صرح شامخ في قلب كل مؤمن؛ فبالثقة بالله ترسخ القلوب، فلا تهتزُّ من العواصف، والمصائب والمصاعب، بل تزداد تلك القلوب شموخًا ورسوخًا وإيمانًا، ونحن في هذا الزمان زمان الفتن والاستضعاف، في أمسّ الحاجة إلى تجديد الثقة بالله -عز وجل-، وفي موعود الله، وحُسْن الظن بالله؛ فهو سبيل نجاة المؤمنين، وحبل الله المتين، حث عليه سيد المرسلين -صلى الله عليه وسلم-، كما في حديث جابر -رضي الله عنه- قال: "سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل موته بثلاثة أيام يقول: "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله -عز وجل-".

 

أيها المصلون في رحاب المسجد الأقصى المبارَك: وفي كل مكان من دعا فليحسن الظن بالله، فإنَّه يجيب دعوته؛ فوالله ما أحسن عبد ظنه بربه إلا كان الله عند حسن ظنه، فأحسنوا الظن بربكم، واقتدوا بالأنبياء -عليهم السلام- فهم أحسن الخلق ظنًّا بالله، وثقة بالله، فهذا الخليل إبراهيم -عليه السلام- ألقاه قومه في النار، فما رد إلا بقوله: حسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيلُ، فكانت النار بردًا وسلامًا بأمر الله؛ قال تعالى: (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 69]، ومن إحسان ظنه بربه، واليقين بمعيته ونصره، أنَّه لما ترك زوجته ورضيعه بمكان لا ماء فيه ولا حياة، موقنا بحفظ الله؛ قالت له زوجته: "ألله أمرك بهذا؟ قال: نعم؛ قالت: إذن لا يضيعنا".

 

الثقة بالله هي التي شجعت أم الكليم موسى -عليه السلام- بأن ألقت ولدها وفلذة كبدها في تيار الماء الهائج، تتلاعب به الأمواج، ينطلق به الموج إلى قدر الله، فلم تخف، ولم تحزن، مع أن اليم خطير على الطفل الصغير العاجز بنفسه، فأصبح سيدنا موسى -عليه السلام- في حماية الملك الديان، ثقة بالله عظيمة، فكان الجزاء: (فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)[الْقَصَصِ: 13].

 

وعن الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- حَدِّثْ ولا حَرَجَ، في ثقتِه بربِّه في كل أحواله، في سيرتِه، وسيرتُه ذاخرةٌ بالأحداث.

 

أيها المسلم، أيها المرابط، أيها الصابر: كن واثقًا بأن الله -عز وجل- ناصر دينه، وهذا وعدٌ منه -سبحانه- لعباده؛ (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ)[الصَّافَّاتِ: 171-172]، فإن كنت مؤمنًا بالله، واثقًا بوعد الله فلا تهن ولا تحزن، والتزم بما قال الله: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 139]، واعلموا أنَّه في أشد الأوقات ظلمة يبزغ الفجر، وحين تشتد الكربات يقترب الفرح والفرج، وحين يتملك اليأس قلوب الناس من شدة البلاء والمحن، والجوع والمرض، وخذلان الإخوان في الدين، وانتشار المنافقين، ومعاندة المكذبين، واعتداء وبطش الظالمين يمن الله -عز وجل- بالروح والتنفيس عن المؤمنين؛ (حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ)[يُوسُفَ: 110].

 

إن صاحب الثقة بالله لا يهتز يقينه، ولا يتزعزع إيمانه حتى وإن رأى تكالب الأمم واشتداد الخطوب، فهو يعلم يقينًا أنَّ الأمرَ كله لله، وأن العاقبة للمتقين، وأن الغلبة لهذا الدين؛ (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)[الْمُجَادَلَةِ: 21].

 

أيها المرابطون: والأصل في الأمة الإسلاميَّة أن يستحضروا في كل أحوالهم الثقةَ بالله، والتوكلَ على الله، والركونَ إلى الله، والاعتمادَ عليه، واستمدادَ القوة منه، فإذا التجأنا إليه فقد أَوَيْنَا إلى ركن شديد، ولْنَعْلَمْ أنَّ وقتَ الفتن والشدائد تظهر حقائق ما في القلوب، من قوة الإيمان أو ضَعفه، ويظهر حسنُ الظن بالله عند أناس، ويظهر سوء الظن به عند آخرينَ، فحاجتُنا إلى الثقة بالله أشد من حاجتنا إلى الطعام والشراب، وحتى الهواء؛ فالثقة بالله هي تعلُّق القلب بالله الواحد القهار، وقَطْع التعلُّق بالمخلوقين والأغيار؛ فهم لا يملكون لنا ولا لأنفسهم نفعًا ولا ضرًّا.

 

أيها المسلمون: إن هذه الأُمَّة أُمَّة أَبِيَّة، ولكن للأسف فقد جرى تنويمها، وتخديرها بالشهوات والشبهات والملهيات، فلا اهتمام لها بالهجمة الشرسة من أعداء الدين على هذا الدين، والذين يتربصون بهذه الأمة وبدينها وبأخلاقها وبشبابها الدوائر؛ حيث عمل أعداء الأمة على بث سمومهم وأفكارهم وحضارتهم الزائفة المعتلة بين الأمة الإسلاميَّة، في أوساط أبناء الإسلام، فشتتوا المسلمين ومزقوا وحدتهم، وتآمروا على دينهم وأخلاقهم، وبذلوا جهدهم في مسخ شباب الإسلام، وأوجدوا لهم أعوانًا من أبناء جِلْدَتِنَا وممن يتكلمون بألسنتنا، فعاثوا في الأرض الفساد، فسادًا عقائديًّا، وفسادًا أخلاقيًّا، وفسادًا إعلاميًّا، فكان المخطَّط خطيرًا، وتم إغراق هذه الأمة بالملهيات، فلم تستيقظ هذه الأمة حتى اللحظة.

 

أيها المرابطون: إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، وإنا لجراحك يا غزَّة لَمحزونون، لقد عشعش الغدر والتخريب في قلوب أعدائنا، وسرى الظلم والطغيان في عروقهم، هذا ما بينه الكتاب العزيز، حلقات من الغدر والكيد والحقد، والخسة والدناءة والحسد، وتطاول على مقام الربوبية والألوهية، فرسالة بَيْت الْمَقدسِ لعموم المسلمين أجمعين، وعلى وجه الخصوص للحكومات والزعامات وأهل القرار: أين أنتم مما يتعرَّض له بَيْت الْمَقدسِ والمسجد الأقصى؟! لماذا لا نعتبر ولا نتعظ، هذه فلسطين، هذه غزَّة، هذه مدينة القدس، وهذا المسجد الأقصى المبارَك، فأين أنتم من هذه الأمانة؟! ستقفون أمام الله وتسألون عنها؛ هل حفظتم أم ضيعتم؟! (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[الْأَنْفَالِ: 27]، والحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- يقول: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"، التائب من الذنب كمن لا ذنب له، استغفروا الله يغفر لكم، فيا فوزَ المستغفرينَ استغفِرُوا اللهَ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ لله ربِّ العالَمِينَ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

 

أيها المؤمنون، أيها الصابرون، أيها المرابطون: اعتزوا بدينكم، وراجعوا تاريخكم، تاريخ العزة والكرامة والفتوحات، تاريخ العدل والحق والهدى، تاريخًا ناصع البياض، بإنسانيته ورأفته، وبأمنه وأمانه، لكافَّة رعيته دون تمييز.

 

أيها المسلمون: ديننا، كتابنا، سنتنا، مقدساتنا، أقصانا، أمانة في أعناقنا جميعًا.

 

أيها الصابرون: ونحن في نهاية شهر المولد، مولد خير البشر -صلى الله عليه وسلم- أقول في مكة البداية، وفي الأقصى النهاية، في مكة طواف وسعي وعبرات، وفي القدس رباط وصبر وتضحيات، في مكة دموع التائبين الأخيار، وفي القدس دموع العابدين الأبرار، في مكة يغسل الحاج ذنوبه بدموعه، وفي القدس يغسل المصلي ذل أمته بماء وضوئه، مكة قبلة الراكعين الساجدين، القدس موطن الصابرين المرابطين، إنه المسجد الأقصى يا عبادَ اللهِ، أرض المحشر والمنشر، إنه المسجد الأقصى أولى القبلتين، وثاني المسجدين، ومسرى سيد الكونين -صلى الله عليه وسلم-، ومعراجه إلى السماوات العلا، وموطن إمامته للأنبياء والرسل، إنه المسجد الأقصى المبارَك أيها المرابطون، مهوى قلوب العارفين، قبلة الموحدين، بوابة الأرض إلى السماء، ومحل التجلي الإلهي.

 

أيها الأحبة: هناك واجب على الأمة؛ حكَّامًا ومحكومين، تجاه الأقصى المبارَك، واجب من أوجب الواجبات في هذه الأيام العصيبة؛ فعليهم واجب دينيّ وعقديّ، وعليهم واجب تاريخيّ وحضاريّ وإنسانيّ، واعلموا أن المسجد الأقصى المبارَك في حراسته ورعايته، هي رعاية التزام ورعاية عهد قطعناه لنبينا -صلى الله عليه وسلم-، فصلاته -عليه الصلاة والسلام- إمامًا بجميع الأنبياء في هذا المكان الطاهر إشارة إيمانيَّة واضحة بأن الحبيب -صلى الله عليه وسلم- أخذ البيعة من جميع الأنبياء بإسلامية هذا المسجد، فهذا المسجد لا يتسع إلا ليكون مسجدًا، وأنَّه وأمته من بعده هم الأوصياء الأمناء والقيمون على هذا المسجد، وهذه القوامة والحراسة، وهذه الرعاية والعناية، تنتقل من جيلٍ إلى جيل، فهي بيعة تسليم من جميع الأنبياء لرسولنا -صلى الله عليه وسلم- بأنك يا رسول الله الوصي والأمين على هذا المسجد الذي سمَّاه رب العزة "المسجد الأقصى المبارَك"، ولأمتك من بعدك عليهم أن يحافظوا عليه إلى قيام الساعة.

 

والسؤال: ماذا ستكون الإجابة يوم القيامة؟! لو جاء الفاتح عمر، والمحرِّر صلاح الدين، وسألانا عن المسجد الأقصى المبارَك: لماذا ضيعتموه؟! لمن تركتموه؟! ماذا فعلتم لحمايته؟! وأين وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأمانته التي أمنكم بها لرعايته والعناية به؟! وأين بيعتكم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟!

 

نحن هنا في المسجد الأقصى المبارَك على بيعتنا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المحافظة، في الرعاية والعناية بالمسجد الأقصى المبارَك، بصبرنا ورباطنا.

 

أيها المسلمون: إن لم تقم الأمة بذلك كبارًا وصغارًا، شعوبًا وحكومات، وتنتصر على شهواتها ورغباتها فهي على خطر أن ينالها من وعيد الله في قول الله: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ)[مُحَمَّدٍ: 38].

 

اللهمَّ كن لنا عونًا ومُعينًا، وسندًا وظهيرًا، وناصرًا ومؤيِّدًا، اللهمَّ ارحمنا برحمتك الواسعة، وارفع عَنَّا البلاء ومن بغى علينا، اللهمَّ اجبر كسرنا، وأطعم جائعنا، واسق ظمآنا، واحمل حافينا، واكس عارينا، وداو جرحانا، وارحم موتانا، اللهمَّ لطفك بشيوخ ركع، وأطفال رضع، وزوجات رملن، وأبناء يتموا، اللهمَّ اكشف الهم والغم عَنَّا، اللهمَّ احفظ أهل غزَّة بحفظك، ونعيذهم بعظمتك أن يغتالوا من فوقهم أو من تحتهم، اللهمَّ أنزل السكينة والطمأنينة عليهم.

 

اللهمَّ احفظ المسجد الأقصى والمرابطين فيه، مسرى نبيك -عليه الصلاة والسلام-، وحصِّنْه بتحصينك المتين، واجعله في رعايتك وعنايتك وحفظك وضمانك، يا ذا العزة والجلال والإكرام.

 

اللهمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، واغفر للمسلمين والمسلمات، المؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات؛ (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصَّافَّاتِ: 180-182].

 

وسنصلي إن شاء الله صلاة الغائب على أرواح الشهداء، وأنتَ يا مُقيمَ الصلاة أَقِمِ الصلاةَ.

المرفقات

حسن ظن المسلم بربه.doc

حسن ظن المسلم بربه.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات