عناصر الخطبة
1/ مفهوم الجود وانتهاؤه إلى الله تعالى 2/ من تجليات جود الله الجواد في رمضان 3/ جود الرسول أجود الناس في رمضان 4/ من جود السلف في رمضاناقتباس
جود ربنا علينا في هذا الشهر لا حدود له، فهو كما وصفه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "جَوادٌ كَرِيمٌ"، وقد ذكر أهل العلم أنه -سبحانه- يضاعف جوده لعباده في الأوقات الفاضلة. من ذلك شهر الصيام؛ ففيه يفتح الله لعباده من أبواب العفو والصفح والتوبة والمغفرة ما لا يكون في غيره، ويهيئ لهم من الأسباب ما يعينهم على ذلك في هذا الشهر...
الخطبة الأولى:
أيها الإخوة: شهر رمضان شهر الجود والكرم، والجود: سعة العطاء وكثرته، وهو صفة من صفات الرحمن، فهو -تعالى- الموصوف بالجودِ الكاملِ عن تمامِ غنىً،
فهو الجواد الذي يجود على عباده في هذا الشهر الكريم وغيره بصنوف الخير والعطايا.
قال الشيخ السعدي رحمه الله: الجواد: يعني أنه -تعالى- الجواد المطلق الذي عم بجوده جميع الكائنات، وملأها من فضله، وكرمه، ونعمه المتنوعة، وخص بجوده السائلين بلسان المقال أو لسال الحال، من بَرّ، وفاجر، ومسلم، وكافر.
وقال في موضع آخر: الجواد الذي عم بجوده أهل السماء والأرض، فما بالعباد من نعمة فمنه، وهو الذي إذا مسهم الضر فإليه يرجعون، وبه يتضرعون، فلا يخلو مخلوق من إحسانه طرفة عين، ولكن يتفاوت العباد في إفاضة الجود عليهم بحسب ما منَّ الله به عليهم من الأسباب المقتضية لجوده، وكرمه، وأعظمها تكميل عبودية الله الظاهرة والباطنة، العلمية والعملية، القولية والفعلية، والمالية، وتحقيقها باتباع محمد -صلى الله عليه وسلم- بالحركات والسكنات.
أيها الأحبة: جود ربنا علينا في هذا الشهر لا حدود له، فهو كما وصفه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "جَوادٌ كَرِيمٌ"، وقد ذكر أهل العلم أنه -سبحانه- يضاعف جوده لعباده في الأوقات الفاضلة.
من ذلك شهر الصيام؛ ففيه يفتح الله لعباده من أبواب العفو والصفح والتوبة والمغفرة ما لا يكون في غيره، ويهيئ لهم من الأسباب ما يعينهم على ذلك في هذا الشهر، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِى مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ" رواه الترمذي وصححه الألباني.
يفعل ذلك كله -سبحانه وبحمده- تهيئة لجوٍ مناسب للعبادة يعين المسلم على أدائها.
وجعل -صلى الله عليه وسلم- الصيامَ وقايةً من دخولِ النار فقَالَ: "الصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَحِصْنٌ حَصِينٌ مِنَ النَّارِ" رواه أحمد.
وفي رواية أنه قال: "إِنَّمَا الصِّيَامُ جُنَّةٌ، يَسْتَجِنُّ بِهَا الْعَبْدُ مِنَ النَّارِ" قال الألباني حسن لغيره.
ومن جوده -سبحانه- أنه جعل الصيام يشفع للصائم، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ، مَنَعْته الطَّعَامَ وَالشَّهْوَةَ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْته النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، قَالَ: فَيَشْفَعَانِ" رواه أحمد وغيره، وقال الألباني: حسن صحيح.
ومن جوده -سبحانه- على الصائم في هذا الشهر وغيره أن الصائم إذا خُتم له بالصيام بأن كان آخر أعماله أو مات صائماً دخل الجنة، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَامَ يَوْمًا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ خُتِمَ لَهُ بِهَ دَخَلَ الْجَنَّةَ" رواه أحمد وصححه الألباني.
ومن جوده -سبحانه- في هذا الشهر أَنَّ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"، و"مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" متفق عليهما، و"مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" رواه البخاري، و"مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا ينقصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا" رواه الترمذي وصححه الألباني.
أيها الإخوة: ويكفي من جوده -تعالى- على عباده في هذا الشهر قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلكَ كُلَّ لَيْلَةٍ" رواه الترمذي وصححه الألباني.
واعتبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مر عليه رمضان ولم تغفر له ذنوبه بأنه خاسر خسارة عظيمة، قد أبعده الله عنه وعن رحمته، وفوت على نفسه خيراً كثيراً، فقَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أَتَانِي جِبْرِيلُ، فقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ" رواه ابن حبان وقال الألباني حسن صحيح.
ومن جود الله -تعالى- في هذا الشهر على عباده أنه يدخر للصائم أجراً لا يخطر له على بال، فقد بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجورَ الأعمالِ ومقدارَ مضاعفتِها، إلا الصوم فإنه لم يحدده فقال: "كُلُّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَالصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ" رواه الترمذي وهو حديث صحيح.
ومن أعظم جوده -سبحانه- على عباده في هذا الشهر أن جعل فيه ليلة عظيمة قال عنها في محكم التنزيل: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) [سورة القدر].
وقال عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن لِلَّهِ فِيهِ (أي: رمضان) لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ".
وجعل لكل مسلم في كل ليلة من ليالي هذا الشهر دعوة مستجابة، فقال -صلى الله عليه وسلم-: إن لله -تبارك وتعالى- عتقاء في كل يوم وليلة -يعني في رمضان-، وإن لكل مسلم في كل يوم وليلة دعوة مستجابة".
وعند ابن ماجة وصححه الألباني: "ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ"، وَذكر منهم: "الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ".
أسأل الله -تعالى- بمنه وكرمه أن يوفقنا لفعل الخيرات، واستثمار الأوقات، وأن يلهمنا رشدنا، ويقينا شَرَّ أنفسنا والشيطان، وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية:
أيها الإخوة: لقد كان حبيبنا -صلى الله عليه وسلم- "أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ" كما ثبت عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما في الصحيحين.
وعند أحمد: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَا يُسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ إِلا أَعْطَاهُ".
ولا عجب أن يكون الهادي البشير أجود الناس، وأن يضرب -صلى الله عليه وسلم- أروع أمثلة الجود والكرم، خصوصاً في رمضان، فكان ينفق نفقة من لا يخشى الفقر، كيف لا وهو الأسوة والقدوة وأحرص خلق الله على الخير، وأرحم الناس بالخلق، وأعظم الناس عملاً بهدي القران الكريم؟.
قال ابن حجر في فتح البارئ: أجود الناس: أي أكثر الناس جوداً، والجود والكرم، من الصفات المحمودة، وقوله: أجود بالخير من الريح المرسلة أي: المطلقة، يعني في الإسراع بالجود أسرع من الريح، وعبر بالمرسلة إشارة إلى دوام هبوبها بالرحمة وإلى عموم النفع بجوده كما تعم الريح المرسلة جميع ما تهب عليه.
وقال ابن رجب الحنبلي: وكان جوده -صلى الله عليه وسلم- بجميع أنواع الجود من بذل العلم والمال، وبذل نفسه لله -تعالى- في إظهار دينه، وهداية عباده، وإيصال النفع إليهم بكل طريق من إطعام جائعهم، ووعظ جاهلهم، وقضاء حوائجهم، وتحمل أثقالهم.
وكان السلف الصالح يحرصون على إطعام الطعام ويقدمونه على كثير من العبادات، سواء كان ذلك بإشباع جائع أو إطعام أخ صالح، فلا يشترط في المطعم الفقر.
والإحسان لب الإيمان وروحه وكماله، والإحسان إلى الخلق يكون بالعطف عليهم، والرحمة بهم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم