عناصر الخطبة
1/عظم النعم 2/فضل ذكر النعم والتحدث بها 3/الإنسان مستخلف في النعم ومسؤول عنها 4/من أفضل النعم 5/استخدام النعم في المنكراتاقتباس
وَقَصَصُ البُطُوْلاتِ والقُدُوَاتِ تَرْفَعُ هِمَّةَ الطِّفْلِ، وَتَصْنَعُ فِيْهِ الشَّجَاعَة، وَتَصْرِفهُ عَن التَّفَاهَة! قالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٌ: “كَانَ السَّلَفُ يُعَلِّمُونَ أَوْلَادَهُمْ حُبَّ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ...
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ ذي الطَّول والآلاءِ، تَفَرَّدَ بالعظمَةِ والجلالِ والكبرياءِ، خزائِنُهُ بالخيرِ مَلأَى وَيَدُهُ بالنَّفَقَةِ سَحَّاءُ، أَحْمَدُهُ سبحانَهُ حمدًا كثيرًا، وأَشْكُرُهُ على نِعَمِهِ بُكْرَةً وَأصيلًا، لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا.
وَأَشْهَدُ ألّا إِلَهَ إِلّا اللهُ، وحدهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنّ محمدًا عبدهُ ورسولُه، صَلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وصحبِهِ وسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا، أمّا بعدُ:
فاتّقُوا اللهَ وأطيعُوهُ، واعلمُوا أنَّكُمْ مُلاقُوهُ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
أيُّهَا المؤمنونَ: امتنّ اللهُ عزّ وجلَّ على عبادِهِ بنعمٍ عظيمةٍ، وآلاءٍ جسيمة، قال تعالى: (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا)[النحل:18]، وأمَرَ بذِكْرِ هذه النِّعَمِ واستشعارِهَا، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ)[الأحزاب:9]، ووجَّهَ الأمْرَ للنَّاسِ كافَّةً بقولِهِ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ)[فاطر:3]، وجَعَلَ ذِكْرَ النِّعَمِ سَبَبًا للفلاحِ، قالَ سبحانَهُ: (فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[الأعراف:69].
عِبَادَ اللهِ: وذِكْرُ النِّعَمِ والتَّحَدُّثُ بِهَا مِن أَجَلِّ العباداتِ الَّتِي غفلَ عنهَا كثيرٌ منَ الناسِ، وهِيَ صورةٌ من صورِ الثَّنَاءِ على اللهِ عزَّ وجلَّ، وطريقُ حِفْظِ النِّعَمِ ودَوَامِهَا والزَّيَادَةِ منهَا، قالَ تعالَى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)[إبراهيم:7] وهذه العبادةُ قَلَّ النَّاظِرُونَ لَهَا، والعَامِلُونَ بِهَا، قالَ سُبْحَانَهُ: (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)[سبأ:13]، وكان مِنْ دُعَاءِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: “وأسألُكَ شُكرَ نعمتِكَ”(أخرجه أحمد، وصححه الألباني).
قال الحسنُ البصريُّ: “أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَذِهِ النِّعْمَةِ، فَإِنَّ ذِكْرَهَا شُكْرٌ” وقد جلسَ الفضيلُ بنُ عياضٍ وسفيانُ بنُ عيينَةَ ليلةً إلى الصباحِ يَتَذَكَّرَانِ النِّعَمَ، فجعلَ سفيانُ يقولُ: “أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْنَا في كَذَا، أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْنَا فِي كَذَا”.
عِبَادَ اللهِ: اعلمُوا أنَّكُمْ مُسْتَخْلَفُونَ فيمَا بَيْنَ أيدِيكُمْ من النِّعَمِ، قالَ تعالَى: (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ)[الحديد:7] وقال -صلى الله عليه وسلم-: “إنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وإنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَيَنْظُرُ كيفَ تَعْمَلُونَ”(أخرجه مسلم) وسَيسأل الناس أمامَ اللهِ عزّ وجلّ عنْ هذه النِّعَم، قالَ تعالَى: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ)[التكاثر:8] هل قاموا بشكرها، وأدَّوا حقَّ اللهِ فيها؟ أَمْ غَرَّهُم زِحَامُ النِّعَمِ، وحِلْمُ المنْعِمِ، فَقَلَّ شكرهم، وساءَ صنِيعهم، قالَ تعالى: (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ)[الأحقاف:20].
فمن أيقنَ هذه الحقيقةَ، كانَ ما بينَ يديْهِ من النِّعَمِ طريقٌ لسعادَتِهِ في الدُّنْيَا والأخِرَةِ، ومَنْ غَفَلَ عن هذه الحقيقةِ -وَمَا أَكْثَرُ الغَافِلِينَ- فَظَنَّ أنَّ النِّعَمَ حقٌّ خَالِصٌ له، بِكَسْبِهِ وَجهْدِهِ، وكَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ لأحدٍ قَبْلَهُ، ولَنْ تَصِيرَ لأَحَدٍ بَعْدَهُ، فَقد جَحَدَ المنْعِمَ، واسْتَعْبَدَتْهُ النِّعَمُ، حتى أَضْحَتْ وَبَالًا عَلَيْهِ في الدُّنْيَا والآخِرَةِ.
أيُّهَا المؤمنونَ: وأعظمُ النِّعَمِ التي امتنّ اللهُ عزّ وجلّ بهَا على عبادِهِ، نعمةُ الإسلام، ومعرفةُ اللهِ عزّ وجلّ، والإيمانُ به، وبهذِهِ النعمةِ جعلنَا اللهُ عزّ وجلّ خيرَ البَرِيَّةِ، وفي مصافِّ البشريةِ، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ)[البينة:7] ولاستشعارِ هذه النعمة تأمَّلْوا معي قولَ اللهِ عزَّ وجلَّ عن حَسَدِ الكفَّارِ للمسلمينَ يومَ القيامَةِ بقولِهِ: (رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ)[الحجر:2]، وقوله سبحانه: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً)[النساء:89].
أيُّهَا المؤمنونَ: ومِنْ أَعْظَم النِّعَم بعدَ الإسلامِ، نعمةُ العافيةِ في الأبدانِ، والأمنِ في الأوطانِ، قالَ -صلى الله عليه وسلم-: “مَنْ أصْبَحَ آمنًا في سِرْبِهِ، مُعافًى في بَدَنِهِ، عندَهُ قوتُ يَومِهِ فكأنّما حِيزتْ لهُ الدُّنيا بحذافيرِها”(أخرجه الترمذي وحسّنه الألباني).
عبادَ اللهِ: ومن نعم الله -عزَّ وجلَّ- التي اعتادَهَا كثيرٌ من النَّاسِ، فَأَلِفُوا وُجُودَها وأهْمَلُوا شكرَهَا، وأسْرَفُوا في استخدامِهَا، نعمةُ الماءِ، قالَ تعالى: (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ)[المؤمنون:18] وانظر لحالِ الناسِ كيفَ هُمْ لَوْ فَقَدُوا هذه النِّعْمَةَ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، مَاذَا يصنعونَ؟ فإذا هم مُبْلِسُونَ، وإلى مَوَارِدِ الماءِ يَتَدَافَعُونَ.
أعُوذُ باللهِ من الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ)[الملك:30].
أقولُ قولِي هذا، وأستغْفِرُ اللهَ العظيمَ لِي ولَكُمْ ولِسَائِرِ المسلمينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ، وتُوبُوا إِلَيْهِ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ على إحسانِهِ، والشكرُ له على فضلهِ وامتنانِهِ، وأشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، تعظيمًا لشأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، الداعي إلى رضوانِهِ، صلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وصحبِهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا أمَّا بعدُ:
فاتَّقُوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، واعلمُوا أنَّ النِّعَمَ التي تكونُ سبيلًا للمعصيةِ، وعَوْنًا على المنكرِ، غير معدودة من جملةِ الإنعامِ؛ فالمالُ الذي يُنْفَقُ لِشِرَاءِ المحرماتِ، والعينُ التي تُهدَرُ في السَّهَرِ وتَتَبُّعِ العوراتِ، والأُذُنُ التي تَعْكُفُ على سماعِ المنكراتِ والمحرَّمَاتِ، والقلوبُ التي تَعَلَّقَتْ بالشَّهَوَاتِ، هي استدراجٌ مِنَ اللهِ -عزَّ وجلَّ-.
قالَ الحسنُ البصريُّ: “مَنْ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرَ أَنَّهُ يَمْكُرُ بِهِ، فَلَا رَأْيَ لَهُ وَمَنْ قَتَر عَلَيْهِ فَلَمْ يَرَ أَنَّهُ يَنْظُرُ لَهُ، فَلَا رَأْيَ لَهُ” ثُمَّ قَرَأَ: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ)[الأنعام:44] قال الحسنُ: “مَكَرَ بِالْقَوْمِ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ؛ أُعْطُوا حَاجَتَهُمْ ثُمَّ أُخِذُوا”.
فاللهَ اللهَ في التَّحَدُّثِ بالنِّعَمِ، وأداءِ حَقِّهَا، واستخدامِهَا فيما يُرضي اللهَ عزّ وجلّ، والحذر من مغبَّةِ الذنوبِ والمعاصِي، التي تُحِيلُ النِّعَمَ إلى نِقَمٍ.
أسْأَلُ اللهَ أَنْ يُعِينَنَا على ذِكْرِهِ، وَشُكْرِهِ، وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ والمشْرِكِينَ، وانْصُرْ عِبَادَكَ الموَحِّدِينَ.
اللَّهُمَّ أمِّنَا في الأوطانِ والدُّورِ، وأَصْلِح الأئِمَّةَ وَوُلاةَ الأمُورِ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلاةَ أَمْرِ المسلمينَ عامة لِلْحُكْمِ بكتابِكَ والعملِ بسنَّةِ نبيِّكَ، اللهم وفِّق خادمَ الحرمينِ الشريفينِ وسموَّ وليِّ عهدِهِ لما فيه خيرُ البلادِ والعِبَادِ، ولما فيه عزُّ الإسلامِ وصلاحُ المسلمينَ.
اللهمَّ ارْبِطْ على قلوبِ رجالِ الأمنِ، والمرَابِطِينَ عَلَى الْحُدُودِ، الّذِينَ يُدَافِعُونَ عن الدِّينِ والمقدساتِ والأعراضِ والأموالِ، اللهُمَّ احفظهمْ مِنْ بينِ أيْدِيهِمِ ومِنْ خَلْفِهِمِ وعَنْ أَيْمَانِهِمْ وعَنْ شَمَائِلِهِمْ، وَمِنْ فَوْقِهِمْ، وَنَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ يُغْتَالُوا مِنْ تَحْتِهِمْ.
اللَّهُمَّ ارْحَمْ هَذَا الْجَمْعَ مِنَ المؤمِنِينَ، اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّهُمْ، وَنَفِّس كَرْبَهُمْ، وَاقْضِ دِيُونَهُم وَاشْفِ مَرْضَاهُم، وَارْحَمْ مَوْتَاهُمْ، واغْفِرْ لَهُم ولآبَائِهِم وأُمَّهَاتِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وذُرِّيَّاتِهِمْ، واجْمَعْنَا وَإِيَّاهُمْ وَوَالِدِينَا وَأَزْوَاجنا وذُرِّيَّاتِنَا وَمَنْ لَهُ حَقٌّ عَلَيْنَا فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ.
(رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ * رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَّا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ)[آل عمران:8-9].
عِبَادَ اللهِ: اذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، واشْكُرُوهُ عَلى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت:45].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم