عناصر الخطبة
1/ لا أحد أحب إليه العذر من الله 2/ اعتذارات الأنبياء والمرسلين 3/ الاعتذار عند الخطأ مظهر حضاري 4/ كيف يكون الاعتذار 5/ الاعتذار شجاعة لا تقلل قيمة المرءاقتباس
إن الاعتذار مظهر حضاري، يدل على احترام الإنسان لنفسه، وتقديره لغيره، فلا ينبغي لعاقل أن يتعالى عنه، فقد قال سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "أعقل الناس أعذرهم لهم". وقد أصّل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لثقافة الاعتذار بين الناس بما يبعث بينهم المحبة، ويزرع فيهم الثقة والمودة، فنهى عن الهجر فوق ثلاث ليال، وجعل لمن بادر بالاعتذار وإلقاء السلام الفضل والنوال، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام".
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه حمدًا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فأوصيكم -عباد الله- ونفسي بتقوى الله -جل وعلا-، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).
أيها المؤمنون: الدنيا دار ممر لا دار مقر، يتزود فيها المرء من دنياه لآخرته، ومن حياته لمماته، والسعيد من قدم على ربه بصفحة نقية بيضاء، وسعى للفوز برحمة ربه في جنة عرضها الأرض والسماء، قال سبحانه: (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً).
ومما يشكر للعبد في الآخرة ويرفع له الدرجات: مراقبته لله تعالى في كل الحركات والسكنات، والإكثار من عمل الصالحات، والاعتذار بالتوبة والاستغفار عن الأخطاء والهفوات، قال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا أحد أحب إليه العذر من الله، ومن أجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين".
أيها المسلمون: لقد ذكر القرآن الكريم أمثلة كثيرة لاعتذارات الأنبياء والرسل، واستغفارهم وتوبتهم لله تعالى، وهم أرفع الناس مقامًا، وأعلاهم درجة، ترسيخًا لسلوك الاعتذار، فقد اعتذر آدم وزوجه حواء -عليهما السلام- لربهما العليم العلام، قال تعالى حكاية عنهما: (قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ)، فقبل الله اعتذارهما، وتاب عليهما، قال سبحانه: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).
واعتذر نبي الله نوح -عليه السلام- لربه، وطلب المغفرة منه تعالى فقال: (رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنْ الْخَاسِرِينَ)، كما اعتذر نبي الله موسى -عليه السلام- لربه وطلب المغفرة منه تعالى قائلاً: (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).
واعتذر نبي الله يونس -عليه السلام- لربه وهو في بطن الحوت، فقال: (لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ).
وأشار القرآن الكريم إلى خبر الصحابي الكفيف عبد الله ابن أم مكتوم؛ إذ جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله: علمني، وكان مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عدد من كفار قريش يدعوهم للإسلام، ويرجو بإسلامهم خيرًا كثيرًا، فطلب منه النبي -صلى الله عليه وسلم- التمهُّل حتى يفرغ من سادة قريش، فألحّ عبد الله، فكره النبي ذلك، فأنزل الله سبحانه عليه: (عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى)، فكان النبي -صلى الله عليه وسلم- كلما لقيه قال له: "مرحبًا بمن عاتبني فيه ربي".
عباد الله: إن الاعتذار مظهر حضاري، يدل على احترام الإنسان لنفسه، وتقديره لغيره، فلا ينبغي لعاقل أن يتعالى عنه، فقد قال سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "أعقل الناس أعذرهم لهم".
وقد أصّل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لثقافة الاعتذار بين الناس بما يبعث بينهم المحبة، ويزرع فيهم الثقة والمودة، فنهى عن الهجر فوق ثلاث ليال، وجعل لمن بادر بالاعتذار وإلقاء السلام الفضل والنوال، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام".
والاعتذار يكون بعبارات جميلة، وكلمات حسنة رقيقة، قال تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ).
فما أجمل أن تنتشر ثقافة الاعتذار في بيوتنا، فيعتذر الزوج لزوجه، وتعتذر الزوجة لزوجها، إن بدر من أحدهما خطأ، وذلك بكلمة تبعث في نفس الطرف الآخر الرضا والقرار، وتشعره بإعادة الاعتبار، وتوثق بينهما عرى المحبة والاستقرار، وقد روي عن أبي الدرداء أنه قال لزوجته أم الدرداء -رضي الله عنهما-: "إذا غضبت أرضيتك، وإذا غضبت فأرضيني، فإنك إن لم تفعلي ذلك فما أسرع ما نفترق". وبذلك يكون الأبوان قدوة لأولادهما في الاعتذار والعفو والتسامح، والحب والتصالح.
أيها المسلمون: إن الاعتذار شجاعة لا تقلِّل من قيمة المرء، بل تزيده مكانة ورفعة، ولو كان من أب لابنه، أو أستاذ لطالبه، أو مدير لموظفه، فهذه مروءة وشهامة ونبل وكرامة، وإن المواطن الصالح هو الذي يقيم نفسه باستمرار، وإن أدرك أنه أساء أو قصر في حق وطنه، بادر لقيادته بالاعتذار، فإن حسن الاعتراف يهدم الاقتراف، وإن التراجع عن الخطأ بالاعتذار، خير من التمادي في الباطل بالاستكبار، ومن أنصف الناس من نفسه، لم يزده الله تعالى إلا عزًّا.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن إذا ذكر تذكر، وإذا أساء استغفر، وإذا أخطأ اعتذر، وإذا اعتذر له قبل وغفر، وأن يوفقنا جميعًا لطاعته وطاعة رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- وطاعة من أمرنا بطاعته، عملاً بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ).
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبسنة نبيه الكريم -صلى الله عليه وسلم-.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله- حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى.
هذا؛ وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى عليّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا".
اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة الأكرمين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرّب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، اللهم إنا نسألك الجنة لنا ولوالدينا، ولمن له حق علينا، وللمسلمين أجمعين.
اللهم وفقنا للأعمال الصالحات، وترك المنكرات، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه فى قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى. اللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم أصلح لنا نياتنا، وبارك لنا في أزواجنا وذرياتنا، واجعلهم قرة أعين لنا، واجعل التوفيق حليفنا، وارفع لنا درجاتنا، وزد في حسناتنا، وكفر عنا سيئاتنا، وتوفنا مع الأبرار.
اللهم لا تدع لنا ذنبًا إلا غفرته، ولا همًّا إلا فرجته، ولا دينًا إلا قضيته، ولا مريضًا إلا شفيته، ولا ميتًا إلا رحمته، ولا حاجة إلا قضيتها ويسرتها يا رب العالمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، (وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم