عناصر الخطبة
1/استمرارية غفلة الناس مع اشتداد الفتن 2/حرص الناس على الدنيا والرزق بيد الله 3/من صور بعد الناس عن الله 4/من أسباب تقوية الإيماناقتباس
ومما يتأتى به تقوية الإيمان لاسيما في فتن آخر الزمان: ذكر الرحيم الرحمن، فإذا ضاقت بك السُّبل، واشتدت بك الطرق، وقَل المعين، وتشتت الذهن، فقُل: لا إله إلا الله، وإذا سمعت بمصيبةٍ دُنيا أو أُخرى، فقُل: إن لله وإن إليه راجعون، وإذا تعسر المأمور، وسهل المحظور، واشتدت الكروب، وعظمت الخطوب، فقُل...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمد لله وكفى، أحمده سبحانه العلي الأعلى، وأشهد أن لا إله إلا الله نِعم المولى، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى، لاسيما الأربعة الأولى والخلفاء النُّجباء، وبقية العشرة الفضلاء، وسائر الصحب الكرماء.
أما بعد: فاتقوا الله -يا مسلمون- وحققوا توحيده -يا مؤمنون-، واستعدوا لِما أمامكم بما يُقربكم إلى مولاكم، واعلموا أن دنياكم زائلة وإلى الفناء صائرة.. الأعمار قصيرة، والأيام يسيرة؛ فالموفق الذي كلما زاد عمره زاد عمله، وكلما زاد يومه زاد نشاطه.
عباد الله: في أوقات الفتن وتوالي المحن، وكثرة الذنوب والمعاصي وانتشارها في الداني والقاصي.. في أوقات اشتغال الأذهان، وكثرة كلام الإنسان والهذيان، واندهاش الأبدان - غفلت النفوس عما خُلقت له من التوحيد والعبودية، والذل والافتقار لرب البرية.
نسي كثيرٌ من الناس صلاح نفسه وحاجته إلى ربه وتقوية إيمانه، ونسي كثيرٌ من الناس في خِضم الأحداث المتوالية، والمتغيرات الحياتية الموت وسكرته، والقبر وظلمته.
أيها الناس: النفوس ضعيفة، والقلوب رقيقة، والفتن خفيفةٌ خطافة؛ فلا بُد من أخذ الحذر والحيطة.
عباد الله: انشغلنا بالدنيا عن الآخرة، وأصبحت الوصية لها والحديث عنها والمستقبل فيها؛ فلا تكاد تجد من يسأل عن الدين أو يُوصي به، أو يُعلم أولاده أصول دينهم ومهمات عباداتهم، ولما حصل ما حصل من الزيادات والإضافات انظر أحوال الناس وكلام الناس وانشغال الناس.
سَل التواصلات الاجتماعية والرسائل الواتسية والتغريدات واسنابات؛ فالنفوس عند الفلوس تتغير وتُشعر وتتسخط وتضجر، وعند الدين وانتهاك الحرمات والتعدي على حدوده أضعف الناس شعاره الله المستعان.
مالي أرى الناس والدنيا موليةٌ *** وكل حبلٍ عليها سوف ينبتروا
لا يشعرون إذا ما دينهم نُقصوا *** يومًا وإن نقصت دنياهم شعروا
فهذا مما يُضعف الإيمان، ويُنقص التوكل وتوحيد الرحمن، نسي العبد ربه وخالقه، ومالكه ورازقه، نسي أو تناسى (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ) [البروج:13].
نسي أو تناسى (يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ) [السجدة:5].
نسي أو تناسى (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس:82].
نسي أو تناسى (لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) [الروم:4].
بعض الناس نسي أن الرزق من الله وعنده لا يتصرف فيه، ولا يمنعه أحدٌ عن أحد (فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ) [العنكبوت:17] وفي هذه الآية إيماءٌ أن العبد عليه أن يهتم بعبودية ربه، ولا يهتم برزقه.
نسي بعض الناس أن الله رازق هذا الخلق كلهم كبيرهم وصغيرهم، عاقلهم وغير عاقلهم، مؤمنهم وكافرهم.
والله رازق هذا الخلق *** وليس مخلوقٌ بغير رزق
وربنا يقول: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا) [هود:6]، ويقول سبحانه: (وَكَأَيِّن مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ) [العنكبوت:60].
الرزق -عباد الله- مثل ظل الإنسان يتبعه فإذا انتهى أجله انتهى رزقه، فعلام الخوف والقلق، والهلع والأرق؟ كل مولودٍ معه رزقه، والرزق لا يملكه أحدٌ عن أحد، قال الواحد الأحد: (قُلْ لَوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإِنْسَانُ قَتُورًا) [الإسراء:100].
ولن تموت نفسٌ حتى تستكمل أجلها ورزقها، إن ضعف الإيمان ووسوسة الشيطان في فتن الزمان تجعل للشيطان طريقٌ على الإنسان، فيُخيفه ويُقلقه، ويُشتت ذهنه ويُشغله، ويُذكره الفقر ويُمرضه (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ) [البقرة:268].
وتارةً مستقبله وحاجته وأهله وعياله فينسى ربه وآخرته (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ) [آل عمران:175] فلما بيَّن سبحانه عداوة الشيطان للإنسان بيَّن العلاج النافع في القرآن، فقال عَقبها: (فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران:175].
ومن كانت الدنيا همَّه جعل الله فقره بين عينيه، وهمَّه بين يديه، ومن كانت الآخرة همَّه أغناه الله وأعطاه.
إن بعض الناس الكلمة تُقلقه، والخبر يُفزعه، والخوف يُؤرقه، والمستقبل يُخيفه؛كل ذلك لضعف الإيمان إننا بحاجةٍ إلى عودةٍ صادقةٍ إلى الله لنقوي إيماننا ونُؤصِّل عقيدتنا، لاسيما في زمن الفتن وكثرة المتغيرات، وانتشار الشهوات، وتداعي أهل الفساد لنشر الفساد، لا بُد من وقفةٍ يُصدقها الواقع، ويُسلِّم لها التابع.
إن بعض الناس إذا رأيته يتحدث فيما يحصل في المجتمعات من التحولات، ويرى ويسمع ما في التواصلات ونشر الشائعات، والأراجيف المزعجات زاد خوفه واندهش طيشه، وانشغل فكره، وضاع لُبه.
لنعلم علم اليقين أننا وما نملك لرب العالمين (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا) [المائدة:17]، وإننا فقراءٌ إليه (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ) [فاطر:15].
وإذا نظرت إلى هذا وأمثاله، وصبرت حاله ورأيت تقصيره فانظره مع التوحيد والعقيدة، والخوف والرجاء والمحبة لربه.. انظره مع التوكل واليقين والعمل بالدين المتين، انظره نحو نبيه ورسوله واتباعه ومحبته ترى ما يندى له الجبين من مخالفة سيد المرسلين.
وإذا نظرت إلى الصلوات لاسيما صلاة الفجر مع الجماعات، ثم قارنت ذلك بالاختبارات والامتحانات، وتربية الآباء والأمهات فعفوك يا رب الأرض والسماوات.
والبعض يُصلي في منزله وقد هجر مسجده، أو لا تخلو صلاةٍ من قضاء ركعة.
وإذا نظرت إلى الزكاة ترى بخلًا ومنعًا، وعجزًا وإهمالًا، فالبعض لا ينتبه لزكاته، ولا لماله وأرصدته أو زكاة زوجه وأولاده، ولا يخفى أن منع القطر من أسباب منع وترك الزكاة.
وإذا نظرت إلى البر فتجد من يُسخط والديه ويُرضي زوجته، يضر صديقه ويُبغض أباه وأمه، وفي الصِّلة قاطعًا عاقًا لا يُسلِّم ولا يزور؛ بل حاقدًا هاجرًا لأقاربه.
وحدِّث عن الظلم والشحناء، والربا والزنا والغناء، وأكل أموال الناس بالباطل، وسماع الحرام، والنظر إلى الحرام، وهكذا السيرة تُخالف السريرة.
إن الإيمان الصادق عند الأزمات، والفتن المتلاحقات من أعظم وسائل الثبات والتأصيل في المُسلَّمات، وبقدر ما يقوى يرقى ويُحفظ صاحبه ويُهدى، وبقدر نقصه يحصل النقص والمكروه والبلوى.
ومما يقوي الإيمان: تلاوة القرآن؛ فكم حظك منه؟ وكم نصيب وردِك من حزبه؟ اسأل نفسك لماذا وسائل الاتصال لا تصبر عنها؛ بل تُمارسها بعدد أنفاسك، تُتابع التغريدات واسنابات ولا تقرأ شيئًا من الآيات؟ ثم تسأل لماذا ضعف الإيمان؟!
ومما يقوي الإيمان -لاسيما في فتن آخر الزمان-: ذكر الرحيم الرحمن، فإذا ضاقت بك السُّبل، واشتدت بك الطرق، وقَل المعين، وتشتت الذهن، فقُل: لا إله إلا الله، وإذا سمعت بمصيبةٍ دُنيا أو أُخرى، فقُل: إن لله وإن إليه راجعون، وإذا تعسر المأمور، وسهل المحظور، واشتدت الكروب، وعظمت الخطوب، فقُل: لاحول ولا قوة إلا بالله.
ومما يقوي الإيمان عند حوادث الزمان: العبادة والإقبال عليها؛ ولهذا في مسلم (عِبَادَةٌ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ).
فالبر والصدقة، والصلاة والصِّلة، والذِّكر والقراءة، والإحسان وبذل المعروف، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله، وعيادة المرضى، وزيارة المقابر، وتشييع الجنائز، وإطعام الطعام، وصلاة الليل والناس نيام، والبشاشة والسماحة، والعفو والمصافحة، والسلام والابتسامة من الأعمال الصالحة؛ فاجعلها من سنام وقتك وعملك، فقدم لنفسك ما يسرك في غدك (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا) [المزمل:20].
ومما يقوي الإيمان: الصبر عند المصائب (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ) [النحل:127]، (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [التوبة:51].
وعوِّد نفسك الصبر، فقد جاء عن سيد البشر "وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ".
وأقوى مؤشراتٍ للثبات، ومؤثرٍ عند الأزمات الصبر في الحياة، قال سبحانه: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) [الكهف:28]، ونبينا قال لأصحابه مُثبتًا ومُسليًّا ومُطمئنًا: "اصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ" مما يُلفت الانتباه أنه جعل الحياة كلها صبر، فيصبر حتى يلقاه، وربما لا يُدرك المرء مُبتغاه.
والمؤمن له عبوديةٌ في السراء في سرائه وضرائه؛ كما في مسلمٍ في صحيحه "عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فكان خَيرًا لهُ، وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكان خَيرًا له، وليسَ ذلكَ إلا للمُؤْمنُ".
وأكبر عونٍ الصبر فمهما اشتدت الأحوال وساء المآل، وكثرت العيال، وخلَّت الأموال فالصبر مفتاحٌ وصلاح البال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا) [آل عمران:200]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة:153].
قلت ما سمعتم، وأستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على فضله وامتنانه.
ومما يقوي الإيمان -أيها الإخوان-: الإيمان بقضاء الله وقدره، وحلوه ومُره، يزداد تحقيقه حينما يُصيبه ما قدره الله وقضاه.
فكلُّ شـيءٍ بقضاءٍ وقَدَرْ *** والكُلُّ في أمِّ الكتاب مُستَطَرْ
فلا يقع في الكون مثقال ذرة أو حركة أو سكونٍ إلا بعلم الله واطلاعه وقدرته وتدبيره، فلا تخفى عليه خافية (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا) [الحديد:22].
ولا يُسكِّن القلب، ويشرح الصدر، ويُنذر الطمأنينة مثل الإيمان بقضاء الله وقدره (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) [التغابن:11]؛ فالمؤمن يرضى بقضاء الله وقدره.
يجري القضاء وفيه الخير أجمعه *** لمؤمنٍ واثقٍ بالله لا لاهي
إن جاءه فرحٌ أو نابه ترحٌ *** في الحالتين يقول: الحمد للهِ
ومما يقوي الإيمان: الاجتماع والائتلاف، وعدم التفرق والاختلاف، الفرقة عذابٌ وشقاء، وشرٌّ وبلاء، والاجتماع حصانةٌ وهناء، وأشد ما يُغيظ الأعداء من الكفار والمنافقين هو الاجتماع، فإذا اجتمع أهل الخير وترابطوا وتواصلوا واجتمعوا ساءهم ذلك وحزنوا؛ ولذلك يسعون للفرقة، ويلجئون للزعزعة.
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرًا *** وإذا افترقنا تكسرت وحدانا
وإذا اتحد الرأي واجتمعت الكلمة ساد الأمن والراحة.
رأي الجماعة لا تشقي البلاد به *** رغم الخلاف ورأي الفرد يشقيها
ومما يقوي الإيمان -أمة السُّنة والقرآن-: التناصح والتواصي بالحق والهدى، وتقوية الأواصر والتثبيت عند الفتن، فالتواصل والزيارة لله، زيار العلماء الربانيين، وعباد الله الصالحين، فالتواصل والاتصال يقوي الإيمان بالكبير المتعال، ففي سورة العصر (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [العصر:3].
وكان الناس إلى عهدٍ قريب يزورون أهل الخير والصلاح، وأهل العلم، ويستشيرونهم ويتواصلون معهم؛ ولهذا بوب النووي في (رياض الصالحين) باب زيارة أهل الخير والصلاح، وربنا يقول لنبيه: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ) [الكهف:28]؛ لأن المرء بإخوانه "الْمُؤْمنُ للْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشدُّ بعْضُهُ بَعْضًا".
فكم مَن ضعفت هِمته وترك العلم، وقَلت أعماله الصالحة، وانهزم نفسيًّا؛ فما هو إلا بزيارةٍ ويتغير ألف درجة، ولو صبرت من سلف فما فازوا وثبتوا إلا بالتواصي والتناصح فيما بينهم.
ومما يقوي الإيمان: التوكل وهو الصدق مع الله في جلب المنافع ودفع المضار، مع التفويض الصادق في جميع الأمور (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق:3] وكافيه، ومن كان الله كافيه فمعه الفئة التي لا تُغلب، والحارس الذي لا ينام، والهادي الذي لا يضل.. التوكل يُريح القلب، ويُزيل الهم.. التوكل تعليق القلب بالرب.. التوكل يشمل التوكل على الله في الرخاء والشدة، المرض والصحة، والسفر والإقامة، وضيق الرزق وسعته.. التوكل منجاةٌ من الفتن والمضائق، وفرجٌ عند الشدائد والمآزق لاسيما في الرزق وطلبه؛ لأن عنوان التوكل في طلب الرزق.
تَوكلْتُ في رِزْقي عَلَى اللَّهِ خَالقي *** وأيقنتُ بأنَّ اللهَ لا شكٌ رازقي
فما كان من رزقٍ فليسَ يفوتني *** وَلَو كَانَ في قَاع البَحَارِ العَوامِقِ
سيأتي بهِ اللهُ الكريمُ بفضلهِ *** ولو لم يكن مني اللسانُ بناطقِ
فلأي شيءٍ تذهبُ النفسُ حسرة ً*** وَقَدْ قَسَمَ الرَّحْمَنُ رِزْقَ الْخَلاَئِقِ
كيف أخاف الفقر والله رازقي *** ورازق هذا الخلق في العسر واليسر
تَكَفَّل بالأرزاقِ للخلقِ كلهم *** وللضبِ في البيداءِ والحوتِ في البحرِ
ولهذا لا تتحسر، ولا تتبرم، ولا يضيق صدرك، ولا تُكلف نفسك وربك القائل: (وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا) [النساء:81] وقال: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) [الزمر:37].
ومما يقوي الإيمان -زادكم الله من الهدى والإيمان-: القناعة؛ فهي حرزٌ وتاج، وحصنٌ وسياج، وقديمًا قيل في الحكمة: اقنع تشبع.
خُذِ القَنـَاعَةَ مِنْ دُنْيَاك وارْضَ بِها *** لَوْ لم يَكُنْ لَكَ إِلا رَاحَةُ البَدَنِ
فمتى قنع المرء بما أعطاه الله سعد في دينه ودنياه، قد أفلح من أسلم ورُزق كفافًا وقنَّعه الله بما آتاه،
الجوعُ يُطْرَدُ بالرغيفِ اليابسِ *** فعلام تذهب حسرتي ووسَاوسي
فسلم أمرك لمولاك فمن سلَّم أمره لمولاه، فعندها يعلم أن الدنيا لا تدوم على حال، ودوام الحال من المحال، وتنقلات وتقلبات الدنيا منذ خلق الله الدنيا والأخرى.
فعوِّد نفسك وأهل بيتك وولدك القناعة، وتذكر وذكِّر ما كان عليه الآباء والأجداد من الجوع والخوف، وضيق العيش وقله المال، بل لا تذهب بعيدًا قلِّب بصرك في دويلاتٍ حولك ومن هو في جوارك ممن حالهم خوفٌ وقلقٌ وحروبٌ وتشتت يتمنون الراحة والسكون ولا يجدون طعامًا، ولا ماءً باردًا وشرابًا بردٌ قارس وجوعٌ قابس وأنت تنعم بما لذ وطاب، وتأكل وتشرب ألوان الشراب، وتفصل وتلبس ما شئت من الثياب أفلا تُعلنها مدوية الحمد لله الكريم الوهاب.
ومما يقوي الإيمان عند حوادث الزمان: التمسك بالكتاب والسُّنَّة والعمل بهما والتسليم لأمرهما، فهما السبيلان الموصلان إلى الجنان المنجيان من النيران تطبيقهما على أرض الواقع، والتمسك بالسُّنَّة في كل النوافذ والمواقع (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ) [الزخرف:43] وفي السُّنَّة "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله" وبقدر التمسك بهما يكون الإيمان والأمان، والراحة والاطمئنان، وبقدر الإعراض والتساهل بهما يكون الفساد والنقصان (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام:82].
ومما يُخالف الكتاب والسُّنَّة -لاسيما هذه الأيام- الأعياد المُحدثة المبتدعة؛ كالعيد لرأس السنة، والسنة الميلادية، والتعاون مع أهلها بالتهاني والتهادي؛ إذ من المعلوم ليس في الإسلام سوى عيد الفطر والأضحى.
ومما يقوي الإيمان في هذه الأزمان: البعد عن المعاصي والسيئات؛ فإن من المقعَّد عند أهل السُّنَّة والجماعة أن الإيمان يزيد وينقص، فالذي يزيده الطاعة، والذي ينقصه المعصية، وبالتالي فالمعاصي تنقص وتُضعف الإيمان، فيُحرم الخير بسبب ذلك.
وعند أحمد وابن ماجه "إِنَّ الْعَبْدَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَنْب يُصيبه"، ولهذا لما كثرت الذنوب ظهرت العيوب، وبان النقص والضعف في التوحيد، والتقصير في التقعيد؛ فكل فسادٍ وضرر سببه الذنوب والوزر.
والله أعلم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم