عناصر الخطبة
1/نظرة أصحاب القلوب السليمة والمريضة للدنيا 2/التنفير والتحذير من الدنيا 3/فضل المسابقة والمسارعة إلى الطاعات 4/مصيبة الموت وخطر الغفلة عنه 5/قصص مؤثرة في سكرات الموت وشدته 6/بعض الطاعات النافعة يوم القامةاقتباس
إن الاعتبار يوم القيامة يكون للطاعات والقربات، لا للدور والعقارات، يوم القيامة لا تكون النجاة من العذاب إلا بالأعمال الصالحة المبرورة. عن عبد الرحمن بن سمرة، قال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إني رأيت البارحة عجبا؛ رأيت رجلا من أمتي قد احتوشته ملائكة، فجاءه وضوءه فاستنقذه من ذلك. ورأيت رجلا من أمتي قد احتوشته الشياطين، فجاءه ذكر الله فخلصه منهم. ورأيت رجلا من أمتي يلهث من...
الخطبة الأولى:
الحمد لله المتفرد باسمه الأسمى، المختص بالملك الأعز الأحمى، الذي ليس دونه منتهى، ولا وراءه مرمى، الظاهر لا تخيلا ووهما، الباطن تقدسا لا عدماً، وسع كل شيء رحمةً و علماً، وأسبغ على أوليائه نعما عماً، وبعث فيهم رسولاً من أنفسهم عرباً وعجماً، وأزكاهم محتداً ومنمى، وأرجحهم عقلاً وحلماً، وأوفرهم علماً وفهماً، وأقواهم يقيناً وعزماً، وأشدهم بهم رأفة ورحمى، وزكاه روحاً وجسماً، وحاشاه عيباً ووصماً، وآتاه حكمة وحكماً، وفتح به أعيناً عمياً، وقلوباً غلفاً، وآذاناً صماً، فآمن به وعزره، ونصره من جعل الله له في مغنم السعادة قسماً، وكذب به وصدف عن آياته من كتب الله عليه الشقاء حتماً، ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى، صلى الله عليه وسلم صلاةً تنمو وتنمى، وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.
معاشر الصالحين: في غمرة الانشغال بالدنيا وأحوالها، والانغماس في ألوانها وأوحالها، والخوض مع أهلها وأربابها، قد تتسلل إلى النفوس أدواء مستحكمة، تحجب عن القلب التطلع إلى الحقائق المختفية، وراء بهرجها وزخرفها.
فالنظرة نظرتان: نظرة قلب، ونظرة عين.
فالقلب له أربابه وأهله الذين يرون بأعين متدبرة متفحصة.
أعين نظرت إلى كتاب ربها، فأبصرت الحقيقة ماثلة، فأيقنت أن الدنيا زائلة.
وأعين وقفت عند حدود المرئي، فرأت فيها الزخرف، ورأت فيها المتاع، فجرت خلف سراب لا يروي ظمأها، ولا يثبت حقيقة سابق رؤيتها.
كلما أوغلت في الدنيا باحثة عن مائها وروائها لم تجد شيئا، ووجدت العنت والمشقة، لتكتشف أنها إنما أضاعت الأعمار، خلف معشوقة غادرة خائنة، لا تفي لطالب، ولا تنال لراغب: (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[يونس: 24].
أيها الأحباب: إنما الدنيا برق خلب، يكاد سناه، يذهب بالأبصار، بريق خادع، وغرور كاذب، ولكن أهل الاعتبار والإدكار، هم الذين يرون هذه الحقائق بقلوبهم، وبتوفيق الله لهم.
أما أهل الغفلة والباطل، فإنهم يرون في الدنيا عشقهم، وحبهم، يطيحون من أجلها بكل القيم، ويتخطون في سبيلها كل الحرم، لا وعيد يزجرهم، ولا تخويف يوقفهم.
سكنت الأرصدة الأفئدة، فإذا تكلموا فعن المال، وإذا تحابوا فمن أجل المال، وإذا تحالفوا فمن أجل المال.
ولو تأملوا في الحقيقة بشكل مختصر، ونظروا إلى الحياة نظرة من خبر؛ لوجدوا أن الحياة مراحل طفولة، فشباب فكهولة فشيخوخة فهرم، فمرض فموت، فدفن، هذا إن لم يأت الموت قبل ذلك.
ولكن ماذا بعد هذا الدفن؟
هنا تبدأ القصة، ويحصل التمايز، هذا المشهد الأخير ألا يكفي أن يكون رادعا لك عن غيك؟ ألا يكفي أن يغيرك؟ ألا يكفي أن يزجرك عن الربا؟ عن بيع الخمور؟ عن الظلم؟ عن الغش؟ عن أكل الحرام؟
فمثلا هذا المرابي الذي يتعامل بالربا، ويأكل الربا، ويسكن بالربا، ألم تبلغه الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ)[البقرة: 278-279]؟.
أسألك بالله -أيها المرابي-: هل وقفت عند هذه الآية: (فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ)؟
أكرر فأقول: أسألك بالله -أيها المرابي-: هل تأملت الآية: (فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ).
هل تحركت بعد سماع الآية؟ هل اهتز قلبك؟ هل تحركت جوارحك؟ أما أن الأمر لا يعنيك؟!
بالله عليك! أدعوك لتتأمل هذا المشهد، عندما تموت، وأنت مصر على الربا، وتوضع في تلك الحفرة، حيث لا أنيس ولا جليس، ولا رفيق، وحينما يوضع اللبن من فوقك، ومن فوقه التراب، كيف سيكون حالك؟ وأنت قد عشت تحارب الله ورسوله، هل فهمت الإشارات؟ أم أعمتك المشاريع والعمارات؟!
أنت أيها المرتشي الذي أقامك الله في قضاء مصالح المسلمين، في الإدارات والمستشفيات، والمراكز وغيرها، وتمد يديك مبتزا للمسلمين، آكلا لأموالهم دون وجه حق.
ألا فاذكروا -أيها الراشون والمرتشون-: قول ربكم: (أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)[المطففين: 4-6].
الرشوة سمة الخبثاء الذين حملهم حب اللقم على إسقاط الحرم، فعوقبوا بأن جعل الله فقرهم بين عينيهم، فلا ما عندهم يكفيهم، ولا ما في أيدي الناس يغنيهم، قد أصيبوا بالشره، وابتلوا بالبله، ولمن ابتلي بأخذ الرشوة، ولا يزال في بدايته، نقول له: دارك عناك وهو في ابتداء، يكوى البعير من يسير الداء.
ألا -أيها المسئول عن أي أمر من أمور المسلمين كبر أم صغر-: اعلم أن المسئولية نار مشتعلة، فمن عرفها فر منها، ومن ابتلي بها فضيعها، وغش أهلها، لقي الله -تعالى- وهو عليه غضبان، يقول سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من عبد –رجلا كان أو امرأة- استرعاه الله رعية، فمات وهو غاش لها إلا حرم الله عليه الجنة".
فما هذا العجب؟! أمع هذا الوعيد يعبد الناس المنصب؟! يتسارعون ويتصارعون من أجل الحتف عجبا لقلوب غفلت بأي شيء شغلت؟!
يقول ربنا: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)[الحديد: 20].
صدرت هذه الآية، بقوله تعالى: (اعْلَمُوا).
و"اعلموا" فعل أمر، وهو أمر من الله لنا جميعا، بأن نعلم حقيقة الدنيا الزائفة التي ذكرت تحت عناوين: اللعب، اللهو، الزينة، التفاخر، التكاثر، ويجمع كل ذلك قوله تعالى: (مَتَاعُ الْغُرُورِ).
ولما نعتت الدنيا بهذه النعوت المنفرة، اقتضى السياق القرآني أن يرشدنا إلى البديل، إلى الشيء الذي يستحق أن نتعلق به، إلى الشيء الذي لا تنطبق عليه صفة متاع الغرور، لذلكم قال ربنا مباشرة بعد هذه الآية: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)[الحديد: 21].
يدلنا الله على الدار التي تستحق منا أن نصرف من أجلها الأوقات، باعتبارها دار الكرامة والرضوان، دار الحبور والسرور، دار النعيم الذي لا يزول ولا يحول، الدار التي خلت من الأحزان والأقدار والأوجاع والأسقام والأضرار.
يقول سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فو الله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تفتح عليكم الدنيا كما فتحت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها قبلكم، فتهلككم كما أهلكتهم".
إنه حرص عظيم من حبيب كريم، من نبي بالمؤمنين رؤوف رحيم، وقولوا لي بربكم: ما الشيء الذي في الدنيا يجعل الناس يتعلقون بها، ويعبدونها ويعصون الله من أجلها؟!
دار بنيت على كدر، إذا أفرحت يوما أحزنت أياما، وإذا أضحكت عاما أبكت أعواما، سرورها مشوب بالحزن، صحتها مهددة بالسقم، وصدق الله العظيم إذ يقول: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ)[البلد: 4].
أي في هم ونكد.
أمراض وأوجاع، ومصائب وهموم، وابتلاءات وفقد للأحباب، من الآباء والأمهات والأصحاب.
وبعد كل هذه الألوان من الابتلاءات والمصائب، تأتي المصيبة العظمى، والرزية الكبرى، مصيبة الموت، هادم اللذات، ومفرق الجماعات، يأتي الموت لينقلك إلى عالم الأجداد، ومحلة الأموات، ودار البلى، ومراتع الدود، يأتي ليسكت لسانك، ويشل أركانك، ويقطع علاقتك، واتصالك، لتصبح في خبر كان، ولتنخرط في عالم ترى فيه الحقائق ماثلة أمامك، وهو المعبر عنه في لغة القرآن باليقين، قال الله: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)[الحجر: 99].
هناك وما أدراك ما هناك، حيث لا أب رفيق، ولا أم حنون، ولا ابن حريص، ولا صديق مشفق، إنما هي الأعمال، فطوبى لعبد أعد لتلكم الرقدة.
جعلني الله وإياكم ممن ذكر فنفعته الذكرى، وأخلص لله عمله سرا وجهرا، آمين، آمين، والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي هدم بالموت مشيد الأعمار، وحكم بالفناء على أهل هذه الدار، فلا مفر لعبيد، ولا أحرار، ولا كبار ولا صغار.
والصلاة والسلام على نبي الرحمات الذي ذاق الموت، وقال: "إن للموت لسكرات".
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين عملوا للموت، وأسالوا من أجلها العبرات.
معاشر الكرام: كيف تصفو دنيا؛ الموت نهايتها، والقبر منزلها؟!.
إنه الموت اللفظ المخيف، والعنوان المزعج، والنبأ المفزع، والخبر المذهل، والشبح المبهر، قصم الله به رقاب الجبابرة، وكسر به ظهور الأكاسرة، وقصر به آمال القياصرة، ونقلهم من القصور إلى القبور، ومن المهود إلى اللحود، ومن الأنس بالزوجات والأبناء والإخوان إلى مقاساة الهوام والديدان، ومن التمتع بالطعام والشراب إلى التمرغ في التراب، ومن أنس العشرة إلى وحشة الوحدة، ومن المضجع الوثير إلى المصرع الوبيل، إنه قدر وحكمة.
إنه الموت، احتار الناس في أمره، وعجز الأطباء عن دفعه، يتسلق الجدران، ويصعد الحيطان، ويجوب الفيافي والقفار، ويعبر البحور والأنهار.
لا يحتمى منه بقلاع، ولا يمتنع منه بحصون: (أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ)[النساء: 78].
لا يخلص منه المهرب، ولا ينجي منه الفرار: (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ) [الجمعة: 8].
إنه زائر لا يستأذن، وضيف لا يعرف المجاملة، وباطش لا ترده الواسطة، لا يفرق بين كبير وصغير، وأمير وحقير، وغني وفقير، وملك ومملوك، ليس لزيارته وقت محدد، ولا لقدومه زمن معين، ولا لهجمته وقت معلوم، يدلف في السحر، يقدم في الظهيرة، يبهت في الغفلة، ينزل الركاب مع على دابته، ويبطش بالملك من على كرسيه، ويخطف الوالد من بين ذويه، والصبي من يدي والديه، لا يمهل الجائع حتى يشبع، ولا العطشان حتى يشرب، ولا المسافر حتى يعود: (لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ)[الأعراف: 34].
مصيبة كبرى، وداهية عظمى، ولكن الأعظم منه، والأدهى منه، والأشنع من نزوله الغفلة عنه، وعدم الاستعداد له: (وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[المنافقون: 10-11].
ألا أيها القلبُ الكثيرُ علائقُهْ *** ألم تَرَ أنّ الدهر تجري بوائقُهْ؟
رويدك لا تنسَ المقابر والبِلى *** وطُعْمَةَ كأسِ الموتِ إنّك ذائقُهْ
ألا أيها الباكي على الميْتِ بعْدَهُ *** رُوَيْدَكَ لا تَعْجَلْ! فإنّك لاحقُهْ
عباد الله: هل هناك أكرم على الله من سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، فقد ذاق سكرات الموت، فداه أبي وأمي، لما حضرته الوفاة كان بين يديه ركوة من ماء، فجعل يدخل يده فيها، ويمسح بها وجهه، ويقول: "لا إله إلا الله إن للموت لسكرات، اللهم أعني على سكرات الموت".
فجعلت فاطمة-رضي الله عنها تقول: "واكرب أبتاه! فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا كرب على أبيك بعد اليوم".
وقيل لأبي بكر الصديق -رضي الله عنه- في مرضه الذي مات فيه: "لو أرسلت إلى الطبيب؟ فقال: "قد رآني".
قالوا : فما قال لك؟ قال: (فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ) [البروج: 16].
مَاءُ الحَيَاةِ بِذِي الدُّنْيَا وَإِنْ عَذُبَا *** أَخُو السَّرَابِ فَلاَ يَغْرُرْكَ مَنْ شَرِبَا
فَمَا تَطِيبُ كُؤُوسٌ مِنْ مُعَتَّقَةٍ *** مَا دَامَ كَأْسُ المَنَايَا صَاحِ مُقْتَرِبَا
فَاعْمَلْ لِتَلْقَى الذِّي تَسْرُرْكَ طَلْعَتُهُ *** وَقَدِّمَنْ صَالِحَ الأَعْمَالِ وَالقُرَبَا
فَلَيْسَ يُذْكَرُ بَعْدَ اللَّحْدِ مِنْ نَشَبٍ *** إِلاَّ بِصَالِحَةٍ تَسْتَصْلِحُ النَّشَبَا
عباد الله: إن الدنيا دار غرور وخداع، لا تصلح لئن تتخذ خليلة، ولا معشوقة، فالغدر لباسها، والمكر ردائها، يقول صلى الله عليه وسلم: "الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه، وعالم أو متعلم".
ويقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "مَثَلُ ابْنِ آدَمَ وَإِلَى جَنْبِهِ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ مَنِيَّةً، إِنْ أَخْطَأَتْهُ الْمَنَايَا وَقَعَ فِي الْهَرَمِ".
وإن الاعتبار يوم القيامة يكون للطاعات والقربات، لا للدور والعقارات، يوم القيامة لا تكون النجاة من العذاب إلا بالأعمال الصالحة المبرورة.
عن عبد الرحمن بن سمرة، قال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إني رأيت البارحة عجبا؛ رأيت رجلا من أمتي قد احتوشته ملائكة، فجاءه وضوءه فاستنقذه من ذلك.
ورأيت رجلا من أمتي قد احتوشته الشياطين، فجاءه ذكر الله فخلصه منهم.
ورأيت رجلا من أمتي يلهث من العطش، فجاءه صيام رمضان فسقاه.
ورأيت رجلا من أمتي بين ظلمة في يديه، ومن خلفه ظلمة، وعن يمينه ظلمة، وعن شماله ظلمة، ومن فوقه ظلمة، ومن تحته ظلمة، فجاءه حجه وعمرته، فاستخرجاه من الظلمة.
ورأيت رجلا من أمتي جاءه ملك الموت يقبض روحه، فجاءه بره بوالديه، فرده عنه.
ورأيت رجلا من أمتي يكلم المؤمنين ولا يكلموه، فجاءته صلة الرحم، فقالت: إن هذا واصل كان واصلا لرحمه، فكلمهم وكلموه، وصار معهم.
ورأيت رجلا من أمتي يأتي الناس وهم حلق، فكلما أتى على حلقة طرد، فجاءه اغتساله من الجنابة، فأخذه بيده فأجلسه معهم.
ورأيت رجلا من أمتي يتقي وهج النار بيديه عن وجهه، فجاءته صدقته وصارت ظلا على رأسه وسترا على وجهه.
ورأيت رجلا من أمتي جاءته زبانية العذاب، فجاءه أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر فاستنقذه من ذلك.
ورأيت رجلا من أمتي هوى في النار، فجاءته دموعه التي بكى من خشية الله فأخرجته من النار.
ورأيت رجلا من أمتي قد هوت صحيفته إلى شماله، فجاءه خوفه من الله فأخذ صحيفته فجعلها في يمينه.
ورأيت رجلا من أمتي يرعد كما ترعد السعفة، فجاءه حسن ظنه بالله، فسكن رعدته.
ورأيت رجلا من أمتي يزحف على الصراط مرة، ويجثو مرة، ويتعلق مرة، فجاءته صلاته علي فأخذت بيده فأقامته على الصراط حتى جاوز.
ورأيت رجلا من أمتي انتهى إلى أبواب الجنة، فغلقت الأبواب دونه، فجاءته شهادة أن "لا إله إلا الله" فأخذته بيده، فأدخلته الجنة.
اللهم أصلح أحوالنا...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم