عناصر الخطبة
1/ أمثلةٌ تبين التربية النبوية للصغار 2/ النهج التربوي المستفاد من تلك الأمثلة 3/ حاجتنا لذلك النهج التربوي وآثار غيابه عنااقتباس
وإن الناظر في تعامل النبي -صلى الله عليه وسلم- مع صغار الصحابة يعرف كيف كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقدر لهذا النشء قدره، ويعرف له قيمته؛ ولهذا أخرج جيلا تحمَّل الأمانة، ونشر الدين، وجاهد في الله حق جهاده، وُصف بأنه تخرج من مدرسة النبوة.
الخطبة الأولى:
أما بعد: فيا معاشر المؤمنين، إن للنشء من الأجيال أهميةً كبيرة، يجب أن يعتني المربون بها، وأن يضعوا لها الخطط المدروسة ليأخذوا بأيديهم إلى معالي الأمور؛ فهم عماد الأمة، وبهم نجاحها وفلاحها بإذن الله.
عباد الله: إن إهمال الأطفال في صغرهم، وعدم توجيههم التوجيه الصحيح بحجة أنهم صغار، يؤدي بالأمة إلى مهاوى الردى، والعكس بالعكس.
وإن الناظر في تعامل النبي -صلى الله عليه وسلم- مع صغار الصحابة يعرف كيف كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقدر لهذا النشء قدره، ويعرف له قيمته؛ ولهذا أخرج جيلا تحمَّل الأمانة، ونشر الدين، وجاهد في الله حق جهاده، وُصف بأنه تخرج من مدرسة النبوة.
ولعلنا نضرب الأمثلة لذلك، فمن ذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعطي الصغار من الصحابة أهمية ومكانة، فيستشيرهم ويسمع لقولهم، ويعطيهم حقوقهم، ولم يكن يهمشهم بحجة أنهم صغار.
أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره أشياخ، فقال للغلام: "أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟"، فقال الغلام: "لا والله لا أوثر بنصيبي منك أحدا!"، قال: فتلّهُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في يده.
نستفيد من هذا الحديث فوائد كثيرة، من أهمها -وهو ما نحن بصدده- إعطاءُ الصغار حقوقهم وعدمُ هضمها أمام الكبار، فالطفل الذي كان عن يمين النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في بعض الروايات هو عبد الله بن عباس، فانظر إليه طفلا لم يتجاوز العاشرة من عمره، يجلس مع كبار الصحابة وفي مجلس الرسول -صلى الله عليه وسلم-، بل وعلى يمينه، وكثير من الآباء يطرد ابنه من المجلس ولا يجعله يدخل على الرجال، ولا يخالطهم بحجة أنه صغير، بل يعد ذلك عيبا.
ثم إذا جاء الشراب ليدار به على الحضور يبدأ بالأفضل في المجلس، ثم من على يمينه، فكان ابن عباس عن يمين النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر وخالد بن الوليد عن يسار النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلم يُحَجَّم ابن عباس ولم يرد أمره ويحتقر فلا يعطى حقوقه، بل رسول الأمة يستأذنه في أن يعطي الأشياخ قبله ويتنازل عن حقه، فيرفض ابن عباس بأدب، ويقول: "ما كنت لأوثر بنصيبي منك أحدا!"، فيعطيه النبي -صلى الله عليه وسلم- الإناء فيشرب قبل الأشياخ.
أي تربية هذه التي كان من ثمارها خروجُ أمثالِ ابن عباس الذي كان يدعى بالبحر لكثرة علمه وبترجمان القرآن وبالحبر؟ روى لنا عن نبي الأمة ألفا وستمائة وستين حديثا، هكذا تورث التربية الصحيحة، جيلا يرفع الرأس ويعطي كل ذي حق حقه.
تأملوا التربية كيف هي وكيف أسلوبها؟ يقول -عليه الصلاة والسلام- لابن عباس: "أتأذن لي أن أعطيه الأشياخ؟"، نبي الأمة يقول لصبي صغير دون العاشرة: "أتأذن لي؟"، فلا غرو أن يخرج لنا جيل كابن عباس وأسامة بن زيد الذي يقود الجيوش وهو دون العشرين من عمره، يقود جيشا فيه أبو بكر وعمر، ويخرج لنا أمثال على بن أبي طالب وزيد بن ثابت، وعبدالله بن مسعود وغيرهم ممن قاد الأمة بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-، قادها بعلمه وفضله.
ومن الأمثلة، ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث ابْنِ عُمَرَ قَالَ: "كَانَ الرَّجُلُ فِى حَيَاةِ النبي -صلى الله عليه وسلم- إِذَا رَأَى رُؤْيَا قَصَّهَا عَلَى النبي -صلى الله عليه وسلم- فَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَرَى رُؤْيَا أَقُصُّهَا عَلَى النَّبِي -صلى الله عليه وسلم-، وَكُنْتُ غُلاَمًا شَابًّا عَزبًا وَكُنْتُ أَنَامُ فِى الْمَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَرَأَيْتُ فِي النَّوْمِ كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَخَذَانِي فَذَهَبَا بِي إِلَى النَّارِ فَإِذَا هِي مَطْوِيَّةٌ كَطَي الْبِئْرِ، وَإِذَا لَهَا قَرْنَانِ كَقَرْنَي الْبِئْرِ وَإِذَا فِيهَا نَاسٌ قَدْ عَرَفْتُهُمْ فَجَعَلْتُ أَقُولُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ! أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ! أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ! -قَالَ- فَلَقِيَهُمَا مَلَكٌ فَقَالَ لِي: لَن تُرَاع. فَقَصَصتهَا عَلَى حَفْصَةَ، فَقَصتهَا حَفْصَةُ عَلَى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ النَّبِي: "نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّى مِنَ اللَّيْلِ!". قَالَ سَالِمٌ: "فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بَعْدَ ذَلِكَ لاَ يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلاَّ قَلِيلاً".
الله أكبر! كم حوت هذه القصة من عبر! فرغم صغر هدا الصحابي إلا أنه كان يتمنى الخير، ويحترق على ذلك، حتى إنه في إحدى الروايات يقول: "لو كان فيكِ خير -يعني نفسه- لرأيت مثل ما يرى هؤلاء"، يعني الصحابة الذين يرون الرؤى ويقصونها على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فحقق الله له أمنيته.
وفيها تزكية النبي -صلى الله عليه وسلم- لهذا الصحابي، والثناء عليه، مع أنه كان صغيرًا، وهذا هو الشاهد من القصة، فانظر كيف أثرت هذه الكلمات في ابن عمر؟ والصغار فينا -للأسف- لا يسمعون إلا التوبيخ والترذيل والاحتقار، إلا من رحم ربي.
فهذا الثناء من النبي -صلى الله عليه وسلم- لهذا الصحابي الصغير؛ أثر عليه في حياته بشكل إيجابي، حتى إنه كان لا ينام من الليل إلا قليلًا، فكان من عُباد الصحابة، وعلمائهم، فقد روى ألفين وستمائة وثلاثين حديثا عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
إنها كلمات بسيطة، ولكن لها أثرها التربوي العظيم في نفوس الأطفال، فإما أن ترفع من شأنه إن كانت كلمات إيجابية، وإما أن ينحرف عن سواء السبيل إن كانت سلبية، على حسب تلك الكلمات، والله المستعان.
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق... أقول قولي هذا...
الخطبة الثانية:
أما بعد: فيا عبد الله، كم نحن بحاجة ماسة للتربية النبوية لصغارنا، فنحن نرى في هذه الأيام كيف يستطيع أعداء الله أن يستغلوا أطفالنا فيسلحونهم في نحورنا، كل هذا لغياب التربية الصحيحة، ولأننا حجمنا من دورهم في الحياة، ولم نخالطهم، ولم نعطهم حقوقهم، بل لم نخالطهم ونجلس معهم ونحاورهم، وألقيناهم في براثن الإنترنت، أصبح أطفالنا كأنهم الربورتات، ضعفت أبصارهم، وتحجرت عقولهم من تلك الألعاب في أجهزتهم، تجد الصبي على جهازه طيلة النهار والليل، فلا صلاة ولا أكل ولا شرب، تجده سامدا أمام الجهاز، فليتق الله أولياء الأمور فإنهم مسؤولون أمام الله.
وإن من أسباب انحراف الشباب بعدهم عن الدين، فلا صلاة ولا صوم ولا حج ولا صدقة ولا أي عمل يذكر في الخير، فمثل هذا سريع الانحراف والضياع، فهذا ابن عمر لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره يرشده النبي -صلى الله عليه وسلم- لقيام الليل، ونحن يبلغ الشاب سن الثلاثين ولا زال مراهقا لا يعرف مصلحة نفسه، فضلا عن أن يحمل هم الأمة.
عباد الله: إن مما يؤسف له، أننا نقصّر في التربية، ثم نعود باللوم على مناهجنا الدراسية، بل نعود باللوم على ديننا الحنيف، فانظر ماذا جنينا من تحجيم المناهج الدينية في التعليم، ومن تسطيح أفكار الشباب؟ خرج بعضهم عدوا لنا وما كنا نعرف ذلك من قبل! والله المستعان!.
أيها الآباء والمربون: أعطوا الشباب حقه من الاهتمام والتقدير، ولنأخذ بآرائهم، ولنجلس معهم وننزل لمستوى تفكيرهم، ولنخالطهم، ونجعلهم يخالطوننا، ومع الكبار يجلسون. لنعطهم الأمان في أن يبدي الواحد منهم رأيه، ولو كان المجلس كبيرا غاصا بالكبار، ففي زمن النبوة كان الشاب إذا بلغ الخامسة عشرة من عمره، أذن له في الجهاد، والآن من عمره خمس عشرة سنة لا يُعتمد عليه في شؤونه الخاصة، فضلا عن شؤون الأمة!.
اللهم اهد شباب المسلمين لما فيه الخير والصلاح لأنفسهم ولأهليهم ولأمتهم...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم