عناصر الخطبة
1/الظلمات التي أخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- الناس منها 2/أبواب العلم التي فتحها النبي -صلى الله عليه وسلم- للناس 3/انغماس الناس في الشرك قبل بعثة النبي-صلى الله عليه وسلم- 4/حث الكتاب والسنة على تحقيق التوحيد وتخليصه من شوائب الشرك 5/سد الإسلام للذرائع الموصلة إلى الشرك وبعض صور ذلك 6/منة الله على بلاد الحرمين بتحقيق التوحيد ومتابعة النبي -صلى الله عليه وسلم-اقتباس
لقد بعث الله نبيه محمدا -صلى الله عليه وسلم- والناس يتخبطون في الجهالات؛ ففتح لهم أبواب العلم. أبواب العلم في معرفة الله -تعالى-، وما يستحقه من الأسماء والصفات، وما له من الأفعال والحقوق. وأبواب العلم في معرفة المخلوقات في المبدأ والمنتهى، والحساب و...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان، وسلم تسليما.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، واشكروه على ما من به عليكم؛ أن بعث فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياته ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة.
رسولا أخرجكم الله به من الظلمات إلى النور، من ظلمات الجهل إلى نور العلم، ومن ظلمات الشرك والكفر إلى نور التوحيد والإيمان، ومن ظلمات الجور والاساءة إلى نور العدل والإحسان، ومن ظلمات الفوضى الفكرية والاجتماعية إلى نور الاستقامة في الهدف والسلوك، ومن ظلمات القلق النفسي وضيق الصدر إلى نور الطمأنينة وانشراح الصدر: (أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ)[الزمر: 22].
(الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * اللّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ)[إبراهيم: 1 - 2].
لقد بعث الله نبيه محمدا -صلى الله عليه وسلم- والناس يتخبطون في الجهالات؛ ففتح لهم أبواب العلم.
أبواب العلم في معرفة الله -تعالى-، وما يستحقه من الأسماء والصفات، وما له من الأفعال والحقوق.
وأبواب العلم في معرفة المخلوقات في المبدأ والمنتهى، والحساب والجزاء، قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ)[المؤمنون: 12 - 16].
وفتح الله لعباده بما بعث به نبيه محمدا -صلى الله عليه وسلم- أبواب العلم في عبادة الله –تعالى، والسير إليه.
وأبواب العلم في السعي في مناكب الأرض، وابتغاء الرزق بوجه حلال، فما من شيء يحتاج الناس لمعرفته من أمور الدين والدنيا، إلا بين لهم ما يحتاجون إليه فيه، حتى صاروا على طريقة بيضاء نقية ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، ولا يتيه فيها إلا أعمى القلب.
لقد بعث الله -تعالى- محمدا -صلى الله عليه وسلم- والناس منغمسون في الشرك في شتى أنواعه؛ فمنهم من يعبد الأصنام، ومنهم من يعبد المسيح بن مريم، ومنهم من يعبد الأشجار، ومنهم من يعبد الأحجار، حتى كان الواحد منهم إذا سافر، ونزل أرضا، أخذ منها أربعة أحجار، فيضع ثلاثة منها تحت القدر، وينصب الرابع إلها يعبده، فأنقذهم الله برسوله من هذه الهوة الساحقة، والسفه البالغ، من عبادة الأوثان إلى عبادة الرحمن، فحقق التوحيد لرب العالمين تحقيقا بالغا، وذلك بأن تكون العبادة لله وحده، يتحقق فيها الإخلاص لله بالقصد والمحبة والتعظيم، فيكون العبد مخلصا لله في قصده، مخلصا لله في محبته، مخلصا لله -تعالى- في ظاهره وباطنه، لا يبتغي بعبادته إلا وجه الله - تعالى-، والوصول إلى دار كرامته: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)[الأنعام: 162 - 163].
(وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ)[الزمر: 54].
(وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ)[البقرة: 163].
(فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ)[الحج: 34].
هكذا جاء كتاب الله -تعالى-، وتلته سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- بتحقيق التوحيد، وإخلاصه وتخليصه من كل شائبة، وسد كل طريق يمكن أن يوصل إلى ثلم هذا التوحيد، أو إضعافه، حتى إن رجلا قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: ما شاء الله وشئت، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أجعلتني لله ندا، بل ما شاء الله وحده"[ماجة (2117) أحمد (1/214)].
فأنكر النبي -صلى الله عليه وسلم- على هذا الرجل أن يقرن مشيئته بمشيئة الله -تعالى- بحرف يقتضي التسوية بينهما، وجعل ذلك من اتخاذ الند لله -عز وجل-، واتخاذ الند لله -تعالى- إشراك به، وحرم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يحلف الرجل بغير الله، وجعل ذلك من الشرك بالله، فقال صلى الله عليه وسلم: "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك"[البخاري ومسلم].
وذلك لأن الحلف بغير الله تعظيم للمحلوف به بما لا يستحقه إلا الله -عز وجل-.
فلا يجوز للمسلم أن يقول عند الحلف: والنبي، أو وحياة النبي، أو وحياتك، أو وحياة فلان، بل يحلف بالله وحده، أو يصمت عند الحلف، ولما سئل صلى الله عليه وسلم عن الرجل يلقى أخاه فيسلم عليه أينحني له؟ فقال: "لا"[الترمذي (2728) ابن ماجة (3702)].
فمنع صلى الله عليه وسلم من الانحناء عند التسليم؛ لأن ذلك خضوع لا ينبغي إلا لله رب العالمين، فهو سبحانه وحده الذي يركع له ويسجد، وكان السجود عند التحية جائزا في بعض الشرائع السابقة، ولكن هذه الشريعة الكاملة شريعة محمد -صلى الله عليه وسلم- منعت منه، وحرمته، إلا لله -تعالى- وحده.
وفي الحديث: "أن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قدم الشام، فوجدهم يسجدون لأساقفتهم –زعمائهم-، وذلك قبل أن يسلموا، فلما رجع معاذ سجد للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما هذا يا معاذ؟" فقال: رأيتهم يسجدون لأساقفتهم، وأنت أحق أن يسجد لك يا رسول الله، يعني أحق من أساقفتهم بالسجود، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها"[ابن ماجة (1853)].
وروى النسائي بسند جيد عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: "أن ناسا جاؤوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقالوا: يا رسول الله يا خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا، فقال: "يا أيها الناس قولوا بقولكم، ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد عبد الله ورسوله، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله -عز وجل-"[أحمد (3/241)].
ولقد بلغ من سد النبي -صلى الله عليه وسلم- ذرائع الشرك ووسائله: أن لا يترك في بيته صورة شيء يعبد من دون الله -تعالى-، أو يعظم تعظيم عبادة.
ففي صحيح البخاري عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- يترك في بيته شيئا فيه تصاليب إلا نقضه، والتصاليب، هي الصلبان التي يتخذها النصارى شعارا لدينهم، أو يعبدونها.
والصليب؛ كل ما كان على شكل خطين متقاطعين، هكذا عرفه صاحب المنجد.
ومعناه: أن يكون على شكل خط مستقيم، أو فوق وسطه، يزعم النصارى أن المسيح بن مريم -عليه الصلاة والسلام- صلب عليه، بعد أن قتل، وقد قال الله -تعالى- في القرآن مكذبا من زعموا أنهم قتلوه: (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ)[النساء: 157].
وقال تعالى: (وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا)[النساء: 157 - 158].
فكان النصارى يقدسون الصليب، يضعونه فوق محاربهم، ويتقلدونه في أعناقهم.
فكان من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- إزالة كل ما فيه تصاليب، حماية لجانب التوحيد، وإبعادا عن مشابهة غير المسلمين.
ولقد كانت بلادنا هذه -والحمد لله- من أعظم البلاد الإسلامية محافظة على توحيد الله –تعالى، ومتابعة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، بما منَّ الله عليها من علماء مبينين، وولاة منفذين، وصارت عند أعداء الإسلام قلعة الإسلام، فغزوها من كل جانب، بكل شكل من أشكال الغزو، حتى كثرت الفتن فيها، وصارت صور الصلبان على بعض الألعاب للأطفال، بل وعلى الفرض، لتكون نصب أعين المسلمين، صبيانهم وكبارهم، فلا حول ولا قوة إلا بالله، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
اللهم احفظ لهذه الأمة دينها، وقها شر أعدائها، وأيقظ القلوب من الغفلة عما يراد بنا يا رب العالمين، إنك جواد كريم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ... الخ ...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم