عناصر الخطبة
1/أسماء يوم القيامة 2/وصية نبوية مهمة 3/أهمية تحسين العبادة وإتمامها 3/من صور إحسان العمل وإتمامه 4/ الإحسان أعلى مراتب الدين 5/من وسائل تحسين العمل الصالح.اقتباس
إنّ الرجلين لينصرِفان من صلاتهِما خلفَ إمامٍ واحدٍ، وبَينهما كما بين السماءِ والأرض. نعم يا عباد الله: قد يتساوَى العابدان في العمل الظاهر، لكنهما يختلِفان كثيرًا في الثوابِ والقبول، وهذا الاختلافُ الكبير مردُّهُ إلى حِرصِ أحدِهما على تحسِين عبادتهِ وإتمامها، وتقصيرِ الآخرِ فيها وعدمِ الاهتمام بها...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلوات الله وسلامه عليه.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
معاشر المؤمنين الكرام: مع زحمةِ الأعمال، وكثرة الأشغال قد يغفَلُ الإنسانُ أو يضعفُ عما خُلِقَ من أجله، ألا وهي عبادةُ الله -جلَّ وعلا- وطاعته، (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)[الأحزاب: 56].
فما أرسلَ الله الرسلَ، ولا أنزل الكتبَ، ولا سخَّر للإنسانِ ما في السّموات والأرض، إلا لأجلِ عبادة الله -تعالى-، ولأجل ذلك أيضًا وعَدَ من أطاعه بالجنّة، وتوعَّد من عصاه بالنار، وأخبرَ -جلّ جلاله- عباده أنه سيبعثهم جميعًا بعد موتهم في يومٍ لا ريب فيه، وسيجمعُهم في مكانٍ واحد، لا يغادر منهم أحدًا.. فتُنشَرُ الصحف، وتُعرَض السجلات، وتُوزَنُ الأعمال، وتكشف السرائر، (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ)[الحاقة:18]؛ فينظرُ كلٌّ لميزانه بإشفاقٍ ووجَل، (يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي)[الفجر:24]، يتمنَّى أنه أحسنَ فيما قدَّم.
نعم أيها الكرام: سيأتي ذلك اليوم الرهيب العصيب، اليومٌ مهولٌ طويل (مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ)[المعارج:4].
يومٌ عسير: (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ)[القارعة: 4-5].
يومُ الفصل: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ)[المرسلات: 14]، (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)[المطففين: 6].
يومُ الدِّين: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ)[الانفطار:17]، (يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ)[الانفطار: 19].
يومُ الحسرةِ والندامة: (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ)[التغابن:9].
يومُ الصَّاخَّةِ والحاقَّةِ والقارعةِ والزَّلزلة، (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ * قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ)[النازعات:6-8].
يوم الآزفة: (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآَزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ)[غافر:18]، (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ)[عبس: 34-35]. (يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا)[النبأ: 40]، (يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى)[النازعات:35-36].
(يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ)[آل عمران:106]، (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)[الشعراء:88- 89]، (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)[غافر:52].
(يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ * وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ)[المرسللات:35-36]، (يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا)[النساء: 42]. (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)[الزلزلة: 6-8].
فما مِن أحدٍ إلاَّ وسَيعضُّ أصابع الندم، المقصِّرُ يتحسَّرُ على تقصِيره، (يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ)[الزمر:56]. ويتمنى الرجوع لعله يعملُ صالحًا، فيقال له: كلَّا. والمحسن يندَمُ أن لو كان قد ازدادَ إحسانًا.
ولأن الرسول الكريم -صلوات الله وسلامهُ عليه- كان حريصًا كلَّ الحرصِ على مصلحة أُمَّتهِ، فقد أكثرَ من وصاياهُ العظيمةِ لهم، ومن أعظم تلك الوصايا وأجلِّها، ما جاء في حديث مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ -رضي الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ -صلى الله عليه وسلم- أَخَذَ بِيَدِهِ، وَقَالَ: "يَا مُعَاذُ، وَاللهِ إِنِّي لَأُحِبّكَ، وَاللهِ إِنِّي لَأُحِبّكَ، أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ"(صححه الألباني).
وهذا الدعاء العظيم هو طلبٌ لتحقيق مُرادِ اللهِ -جلَّ وعلا- في قوله: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)[الملك:2]، وقوله -تعالى-: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)[الكهف:7]. فحُسنُ العبادةِ مرتَبَةٌ زائدةٌ على مجرَّد الأداء، وهي التي تبلُغُ بالعبدِ منازلَ عظيمةً من القَبولِ والمغفرةِ وحُسنِ الجزاءِ.
وايمُ الله يا عباد الله: إنّ الرجلين لينصرِفان من صلاتهِما خلفَ إمامٍ واحدٍ، وبَينهما كما بين السماءِ والأرض. نعم يا عباد الله: قد يتساوَى العابدان في العمل الظاهر، لكنهما يختلِفان كثيرًا في الثوابِ والقبول، وهذا الاختلافُ الكبير مردُّهُ إلى حِرصِ أحدِهما على تحسِين عبادتهِ وإتمامها، وتقصيرِ الآخرِ فيها وعدمِ الاهتمام بها.
واسمَعوا لحديث عمّار بنِ ياسر -رضي الله عنه- قال: سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إنَّ الرَّجلَ لينصرِفُ وما كُتِب له إلاَّ عُشر صلاته، تُسعها، ثُمنها، سُبعُها، سُدسُها، خُمسها، ربعُها، ثُلثُها، نِصفُها"(والحديث إسناده حسن).
وفي صحيح مسلِم أنّ عثمانَ بن عفان -رضي الله عنه- قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما مِن امرئٍ مسلم تحضرُه صلاةٌ مكتوبة فيُحسِن وضوءَها وخشوعَها وركوعَها إلاَّ كانت كفّارةً لما قبلَها من الذنوبِ ما لم تُؤتَ كبيرةٌ، وذلك الدهرَ كلَّه".
وقد أوصى -صلى الله عليه وسلم- رجلاً أن يُصلِّيَ صلاة مودع؛ يَعني: أن يستشعرَ أنه يُصلي آخرَ صلاةٍ له، وأنهُ لن يُصلي بعدها صلاةً أخرى، مما يَحملهُ على إتقانها، وتكميلها، وتحسينها.
والمؤسفُ المؤلم يا عباد الله: أن هناك كثيرًا ممن إذا أدى العبادةَ أخلَّ ببعض سُننِها ومستحباتها، وربما خلطها ببعض المكروهات أو المحرَّمات. فهذه العبادةُ وإن أجزأت, إلاّ أنّه ينقُصُ من ثوابها بمقدارِ ما نقَصَ من حُسنِها وتمامها.
ووالله إنه لغَبْنٌ كبيرٌ أن يؤدّي المسلم عبادةً ما كما يؤديها غيرُه تقريبًا، لكنه يأخذُ عليها أجرًا أقل منهم بكثير، بل ربما كان جزاؤه الردّ وعدم القبول، كما قال -تعالى-: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا)[الفرقان:23].
ولذلك شُرعَ للمسلم أن يُحسِّنَ ويُكَمِّل عباداته المفروضة والواجبة، بالنوافل التي هي من جِنسِها، كالسنن الرواتب ونحوها بالنسبة للصلاة المفروضة، وكصيام الاثنينِ والخميسِ والأيام البيض وست من شوال بالنسبة لصوم رمضان، والصدقة بالنسبة للزكاة المفروضة، ونافلة العُمرة بالنسبة لفريضة الحج. فكلُّ ذلك جبرٌ وتحسينٌ وإتمامٌ لما نقَصَ من الفرائض والواجباتِ، كما جاء في الحديث القدسيّ الصحيح: "أنّ الله -عزّ وجلّ- يقول يومَ القيامة: انظروا هل لعبدي من تطوّع، فيُكمَّل بها ما انتقَصَ من الفريضة".
كما أن مِن إحسان العمل: المحافظة عليه بعد أدائه، وذلك بتجنُّب ما قد يُبطِلُ ثوابَه، أو يُنقصُ جزاءه، تأمل قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ)[محمد:33]، والمعنى أنّ المعصيّةَ قد تُبطلُ العمل، وفي صحيحِ مسلمٍ عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "أَتَدْرُونَ من المُفْلِسُ؟" قالوا: المُفْلِسُ فِينا مَن لا دِرْهَمَ له ولا مَتاعَ، فقالَ: "المُفْلِسَ مِن أُمَّتي من يَأْتي يَومَ القِيامَةِ بصَلاةٍ، وصِيامٍ، وزَكاةٍ، ويَأْتي قدْ شَتَمَ هذا، وقَذَفَ هذا، وأَكَلَ مالَ هذا، وسَفَكَ دَمَ هذا، وضَرَبَ هذا، فيُعْطَى هذا مِن حَسَناتِهِ، وهذا مِن حَسَناتِهِ، فإنْ فَنِيَتْ حَسَناتُهُ قَبْلَ أنْ يُقْضَى ما عليه أُخِذَ مِن خَطاياهُمْ فَطُرِحَتْ عليه، ثُمَّ طُرِحَ في النَّارِ".
وفي الصحيحين أنّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنَّ الرجلَ ليتكلَّم بالكلِمةِ ما يتبيَّن فيها يزلّ بها في النّارِ أبعدَ مما بينَ المشرقِ والمغرِب".
فهل يتنبَّهُ لهذا مَن أطلقَ لسانه يَفْرِي في أعراض المسلمين، وينقلُ الإشاعات بينهم، ويتقوَّلُ في دينِ الله بلا عِلْمٍ ولا بصيرة؟، وهل يتنبَّهُ لذلك مَن أطلقَ بصرهُ في مشاهدة الحرام وسماع الحرام؟ وهل يعي ذلك من استمرأ الاختلاس والرِّشوة والمالَ الحرام؟، وهل يحذرُ مِن ذلك مَن يستخدمُ برامج التواصل في الترويج للخنا والمجون, ونشر المقاطع الفاحشة؟، وهل يعي ذلك من يتعدى على المسلمين بالظلم والأذى بغير حق؟
ألا فاتَّقوا الله عبادَ الله، وأحسِنوا عباداتكم، وأيقنوا أن الله -تعالى- مُطَّلعٌ عليكم، يعلم سرَّكم ونجواكم، فأدّوا عباداتكم على الوجه الأفضل، والطريقة الأكمل.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الحشر:18].
بارَك الله لي ولكُم ...
الحمد لله كما ينبغي.. أمّا بعد: فاتقوا الله عباد الله وكونوا مع الصادقين. وكونوا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه.
معاشر المؤمنين الكرام: إذا استشعَر المسلم أن عبادته إنما هي استجابةٌ لأمر الله -تعالى-، وطلبًا لرِضاهُ -جلَّ وعلا-، وأن الله بفضله قد أذنَ أن يتقربَ الإنسان بها إليه، وأنه -سبحانه- هو الذي يتكرَّم بالقبول والثواب، فيرفع بها من درجاتِه، ويمحو بها من سيئاتِه، إذا استشعر المسلم ذلك كله، كان أدعَى لأن يهتمَّ بعبادتِه، ويعظِّمها ويحسّنَها، وأن يحذرَ من إهمالها وعدم الاهتمام بها؛ قال -تعالى-: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)[الحج:32].
ولذا كان الإحسانُ هو أعلى مراتبِ الدين، وهو أن تعبدَ الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك. قال الإمام النوويّ -رحمه الله تعالى-: "هذا من جوامع كلِمه -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنّا لو قدّرنا أنّ أحدَنا قام في عبادةٍ وهو يُعايِن ربَّه -سبحانه وتعالى- لم يترُك شيئًا ممّا يقدِر عليه من الخضوعِ والخشوع وحُسْنِ السَّمت واجتماعِه بظاهره وباطنه على الاعتناءِ بتتميمها على أحسنِ وجوهها إلاَّ أتى به".
وما أمرنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- أن ندعو الله بهذا الدعاء، عقِب كلِّ صلاة، إلا لأنهُ أمرٌ مهمٌ وعظيم، يحبُّهُ اللهُ ويريدهُ من عباده. وإذا كان الناسُ في أمسِّ الحاجة إلى عون الله وتوفيقه في كل أمورهم، فكيف بما يقرّبهم لمولاهم ويُكسبهم رضاه ومحبته، ويكفِّرُ سيئاتهم ويرفع درجاتهم. فحقٌّ على كلِّ مسلِمٍ يرجو لقاءَ الله ويطمَعُ في جنّتِه، ويخشى عذابه، أن يسعَى في تحسينِ عبادته تحسينًا يُرضي الله -تعالى- عنه، ويبيضُ وجههُ، ويرفعُ منزلته، ويُنجِيه من سخط اللهِ وعذابه، ولذلك أسبابٌ ووسائل تساهم في تحقيق ذلك.
أوَّلُها وأهمها الإخلاصُ؛ بل هو رأسُ الأمر وشرطٌ من شروط القبول، وهو أن يبتغي بعبادته وجه الله -تعالى- وحده؛ قال -تعالى-: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)[البينة:5]. وفي الحديث القدسيّ: "قال الله -تبارك وتعالى-: أنا أغنى الشّركاء عن الشركِ، مَن عمِل عملاً أشرك فيه معِيَ غيري تركتُه وشركه"(رواه مسلم).
وأمّا الشرط الثاني من شروطِ صحّة العبادةِ فهو دقّة المتابعة للرسول -صلى الله عليه وسلم-، "صلوا كما رأيتموني أصلي"، "خذوا عني مناسككم"، "من عمِل عملاً ليس عليه أمرُنا فهو رد"، والأحاديث كلها صحيحة
ومن الأمور المعينة كذلك: الاستعانة بالله -جل وعلا- وكثرة دعائه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "تأمَّلت أنفع الدعاء: فإذا هو سؤال الله العون على مرضاته". وجاء في حديث صحيح: "أتُحبُّون أن تجتهدوا في الدعاء؟ قولوا: اللهمَّ أعنا على شكرك وذكرك وحسن عبادتك".
ومن الأمور المعينة كذلك قراءة سِيَرِ وتراجم السلف، لا سيما المجتهدين في العبادة منهم. ومن الأمور المعينة كذلك: حثُّ النفس وترغيبها على تحسين العمل، وأن يسأل الإنسان نفسه برغبةٍ وصدق: كيف أجعل هذه العبادة أفضلَ وأحسنَ ما يمكن..
جعلني الله وإياكم من المحسنين الذين قال عنهم: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ)[يونس:26]، وقال أيضًا: (فَأَثَابَهُمْ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ)[المائدة:85]، وقال أيضًا: (إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)[الذاريات:17-19].
وصلوا عباد الله وسلموا على...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم