عناصر الخطبة
1/سورة الإخلاص قليلة المبنى كثيرة المعنى2/ فضائل سورة الإخلاص 3/سبب نزوله سورة الإخلاص 3/أهداف سورة الإخلاص 5/أهمية التوحيد 6/الدعوة للإكثار من قراءة سورة الإخلاصاقتباس
لقد نزلت هذه السورة لتعلن التوحيد الخالص، وأن الله واحد لا شريك له، وأنه مستغن عن أي احد، وأن الخلق محتاجون إليه في كل وقت، وقد ورد في سبب نزولها كما جاء في "سنن الترمذي" عن أُبَيِّ بن كعب...
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102] (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1] ؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب:70-71]، أما بعد:
أيها المؤمنون: من السور القليلة المبنى والكبيرة المعنى، سور الإخلاص، ورد في فضائلها الكثير من الأحاديث؛ فعن أبي سعيد الخدري: أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)[الإخلاص: 1]؛ يردِّدها؛ فلما أصبح جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر ذلك له، وكان الرجل يتقالُّها؛ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده، إنها لتعدلُ ثلثَ القرآن"(رواه البخاري)، وفي صحيح مسلم من حديث أبي الدرداء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله جزَّأ القرآنَ ثلاثةَ أجزاءٍ؛ فجعل (قل هو الله أحد) جزءًا من أجزاء القرآن، قال القرطبي: "وهذا نصٌّ، وبهذا المعنى سميت سورة الإخلاص، والله أعلم".
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "احْشِدُوا فَإِنِّي سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ"؛ فَحَشَدَ مَنْ حَشَدَ، ثُمَّ خَرَجَ نَبِيُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَرَأَ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)[الإخلاص: 1]، ثُمَّ دَخَلَ فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: "إِنِّي أُرَى هَذَا خَبَرٌ جَاءَهُ مِنَ السَّمَاءِ، فَذَاكَ الَّذِي أَدْخَلَهُ"، ثُمَّ خَرَجَ نَبِيُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: "إِنِّي قُلْتُ لَكُمْ: سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ، أَلاَ إِنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ"(رواه مسلم).
ومن فضائها، أن يُبنى لقارئها بيت في الجنة؛ فعَنْ سَهْلِ بنِ مُعَاذِ بن أَنَسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَن رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (مَنْ قَرَأَ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)[الإخلاص: 1] عَشْرَ مَرَّاتٍ، بنى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ)؛ فَقَالَ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ: إِذنْ نَسْتَكْثِرَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "اللَّهُ أَكْثَرُ وَأَطْيَبُ"(رواه الإمام أحمد).
معاشر المسلمين: لقد نزلت هذه السورة لتعلن التوحيد الخالص، وأن الله واحد لا شريك له، وأنه مستغن عن أي احد، وأن الخلق محتاجون إليه في كل وقت، وقد ورد في سبب نزولها كما جاء في سنن الترمذي عن أُبَيِّ بن كعب: "أن المشركين قالوا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: انسب لنا ربَّكَ؛ فأنزل الله: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ)[الإخلاص: 1-2] (حسنه الألباني).
وعن ابن عباس: "أن اليهود أتَوُا النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: صِفْ لنا ربك الذي تعبد؛ فأنزل الله -عز وجل-: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)[الإخلاص: 1]؛ فقال: "هذه صفةُ ربي عز وجل"(رواه البيهقي).
لقد كان من أهداف هذه السورة، تعريفَ الناس بالتوحيد وبكلمة التوحيد، تلك الكلمة التي تطيش معها أي كفّة لو وزنت لا إله إلا الله؛ فعن عبدالله بن عمرو يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يصاح برجل من أمتي يومَ القيامة على رؤوس الخلائق؛ فينشر له تسعةٌ وتسعون سجلاًّ، كل سجل مدَّ البصر، ثم يقول الله - عز وجل -: هل تنكر من هذا شيئًا؟ فيقول: لا يا ربّ، فيقول: أظلمَتْك كتَبَتي الحافظون؟ ثم يقول: ألك عن ذلك حسنة؟ فيهاب الرجل، فيقول: لا، فيقول: بلى، إن لك عندنا حسناتٍ، وإنه لا ظلم عليك اليوم، فتخرج له بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، قال: فيقول: يا ربّ، ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقول: إنك لا تُظلم، فتُوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة"(صححه الألباني).
ومن أهداف هذه السورة، بيان صفات الله الإله المعبود -سبحانه-؛ فقد وصف الله نفسَه بخمس صفاتٍ، تشتمل على استحقاقه للألوهية والتفرد وحده بالعبادة؛ تفرده بالألوهية، تفرده بالصمدية، ليس له نهاية، وليست له بداية، ليس له مثيل، وباستغنائه عن الولد والوالد؛ فهو مستغن بنفسه عن خلقه -سبحانه-.
والصمد، هو الذي يُقصد إليه ويُلجأ إليه، ذكر ابن كثير عن ابن عباس: يعني الذي يصمد إليه الخلائق في حوائجهم ومسائلهم؛ قال عز وجل: (ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ)[النحل: 53].
عباد الله: إن على المسلم أن يتحرَّى الإخلاصَ في كل أعماله، ويكون ذلك قبل البدء في العمل وأثناء العمل وبعده؛ فأما قبل العمل؛ فإنه يبحث في نيته هل يقصد من هذا العمل رضا الله فحسب، أم أنه يبتغي منه -فضلاً عن ذلك- مدحَ الناس والثناءَ عليه، فإذا وجد خللاً في نيته؛ فلا يصرفه ذلك عن الإقبال على عمله، وإنما يتعيَّن عليه أن يصححَ نيتَه ويجعلَها لله -تعالى- فحسب، ويجتهد في تحقيق ذلك؛ قال تعالى: (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ)[الأنعام: 136].
روى الإمام البخاري بسنده عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا أحد أصبر على أذىً سمعه من الله –تعالى-، يجعلون له ولداً وهو يرزقهم ويعافيهم"، وروى البخاري – أيضاً- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: قال الله -عز وجل-: "كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك؛ فأما تكذيبه إياي؛ فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون عليّ من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولداً ! وأنا الأحد، الصمد، لم ألد، ولم أولد، ولم يكن لي كفواً أحد".
فالله واحد، فرد، صمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفؤ ولا نظير، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وهذه عقيدة التوحيد التي لا نجاة إلا بها.
أنا لا أُضام وفي رحابك عصمتي *** أنا لا أخاف وفي حماك أماني
أنا إن بكيت فلن أُلام على البُكى *** فلطالما استغرقت في العصيانِ
يا واحداً في ملكه ماله ثاني *** يامن إذا قلت يا مولاي لباني
أعصاك تسترني أنساك تذكرني *** فكيف أنساك يامن لست تنساني
قلت ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه..
الخطــبة الثانـية:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
أيها المؤمنون: التوحيد هو ذلك العقد المتين الذي إذا وقر في قلب المسلم انبعث نوره في جميع الجوارح؛ فصار العبد متحرراً من عبودية النفس والهوى والشيطان والدنيا، وكان عبداً خالصاً لله تبارك وتعالى؛ فتسلم أعماله فما ينقصها أو ينقصها، وينشرح صدره بما قدر له وعليه في هذه الدنيا، وتعلوه السكينة والوقار.
وقد جعل الله التوحيد أصل الدين؛ فلا قيام للدين بدون توحيد، ولا فلاح ولا نجاح في الدنيا والآخرة مع غياب التوحيد، وبه ينجو الفرد والمجتمع من عذاب الله وأليم عقابه.
وسورة الإخلاص هي بمثابة إعلان للوحدانية في بداية بعثة الرسول برسالة الإسلام، وهي جاءت في عصر علت فيه رايات الشرك في جزيرة العرب وبلاد فارس والروم وسائر الأمم.
والمعنى من إعلان الوحدانية، هو: دعوة الناس إلى نبذ ما يعبدون ويقدّسون من دون الله من الأوثان والآباء من أصنام الحجر والبشر؛ فالله أحدٌ في كل صفاته، في قدرته وأزليته، وعلمه وحكمته، لا يمكن أن يقبل الشركة، حتى ولو كان الشريك ملكاً مقرّباً، أو نبيّاً مرسلاً، أو وليّاً صالحاً.
يا خالق الخلق ما لي من ألوذ به **** سواك عند حلول الحادث العممِ
فإن من جودك الدنيا وضرتها **** ومن علومك علم اللوح والقلمِ
إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي *** فضلاً وإلاّ فقد زليت بالقدمِ
يا من له الخلق ثم الأمر يا صمدٌ **** لولاك لم تخرج الدنيا من العدمِ
يا واحداً ليس لي رب سواه ولا **** ندٌ له يدعى كالجنِّ والصنمِ
يا من ألوذ به عمّا أحــاذره *** يا من أنادِ اسمه في السلمِ والنِّقمِ
يا من أمدّ له في كلّ معضلةٍ *** يد الضراعة في الإصباح والظُلَمِ
يا من يجير ولا يرضى بمظلمةٍ *** ويكشف الظلم عمّن بات بالألمِ
يا كاشف الكرب يا نصراً لناصره *** يا مسبغ الفضل من عفوٍ ومن نعمِ
سألتك الله قصراً لا نظير له *** في جنة الخلد أعلى عاليَ القممِ
الجار أحمد والأصحاب رفقته *** يا ربِّ يا مولاي يا واسع الكرمِ
عباد الله: اقرؤوا هذه السورة الحافظة لمن حافظ عليها، واجعلوها في كل أوقاتكم، وسائر أحوالكم، كما كان نبيكم يفعل ذلك؛ فقد كان -صلوات ربي وسلامه عليه- يقرأ بها عند نومه، وفي مساءه وفي صباحه، وفي أدبار صلواته، وكان إذا اشتكى نفث في يديه بــ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) والمعوذات، ومسح بها رأسه وسائر جسده الشريف
روى البخاري في كتاب الطب في باب النفْثِ في الرقية عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أوى إلى فراشه نَفَثَ في كفيه بقل هو الله أحد وبالمعوذتين جميعًا ثم يمسح بهما وجهه وما بلغت يداه من جسده، قالت: فلما اشتكى كان يأمرني أن أفعل ذلك به"، وفي رواية عنها ذكرها في باب الرَّقى بالقرآن والمعوذات أن النبي -صلى الله عليه وسلم- "كان ينفُثُ على نفسه في المرض الذي مات فيه بالمعوذات؛ فلما ثَقُل كنتُ أنفُثُ عليه بهن وأمسحُ بِيَدِهِ نفسِهِ لبركتها".
اقرؤوها بتدبر وتفكر، اقرؤوها بتمعن وتعبد، اقرؤوها فها أنتم قد علمتم فضلها وعرفتم أجرها.
هذا وصلوا وسلموا على أمرتم بالصلاة والسلام عليه، قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم