عناصر الخطبة
1/نعمة الإسلام ووجوب الدخول فيه 2/نبل الحضارة الإسلامية وسموها 3/أبرز مميزات الحضارة الإسلامية وآثارها الخالدة وبعض الشواهد والأمثلة على ذلك 4/وحشية الحضارة الغربية وسقوط شعاراتها البراقة 5/عدم الخلَط بين الإرهاب المزعوم والمقاومة المشروعة 6/حاجة المسلمين إلى مراجعة الدين في زمن النكبات والمصائب 7/ضرورة الفهم الصحيح للإسلام في شتى المجالات والتضحية في سبيل ذلكاقتباس
أيها المسلمون: لقد تعرّت حقائق الحضارة الغربية، واهتزت مصداقيتها في الاضطلاع بالمؤهلات التي تؤهلها لقيادة العالم نحو إسعاد الإنسان، وتحقيق استقراره، وضمان حقوقه، ورعاية مُثله الإنسانية الرفيعة، وقيمه الأخلاقية العليا، ليحصل له الأمن المنشود، والحياة الكريمة المبتغاة، وليس هناك من يستطيع النهوض بالمشروع الحضاري العالمي إلا أمةٌ واحدة، هي...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله ...
أما بعد:
أيها المسلمون: إن نعم الله علينا كثيرة، ومننه كبيرة غزيرة، وإن من نعمه الكبار، ومننه الغزار، أن جعلنا من خير أمة أخرجت للناس، وهدانا لمعالم هذا الدين الذي ليس به التباس، دينٌ كامل، وشرعٌ شامل، وقولٌ فصل، وقضاءٌ عدل، من تمسك به حصل على المناقب الفاخرة، وحصلت له السعادة في الدنيا والآخرة، ومن حاد عنه وتنكّب الطريق، حصل له الشقاء والاضطراب والضيق، دينُ القيّمة، آدابه سامية، تعاليمه عالية غالية، دعا إلى كل خير ورشاد، ونهى عن كل شر وفساد: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلَامِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين)[آل عمران: 85].
ليس على وجه الأرض دينٌ حق يُتعبَّد الله به سوى دين الإسلام، الذي هو خاتمٌ وناسِخٌ لما قبله من الملل والشرائع والأديان، وعلى هذا فجميع من لا يدين بالإسلام اليوم من اليهود والنصارى، فهم كفار أعداء لله ولرسوله وللمؤمنين، وإن ماتوا على ذلك، فهم من أهل النار، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرسلت به إلا كان من أصحاب النار"[أخرجه مسلم].
أيها المسلمون: إن صناعة الأمجاد وبقاء الأمم، يكمن في خلود الحضارات، وسر بقاء أمجاد الشعوب وخلود حضارات الأمم، يكمن في مجموعة عناصر رئيسة، يأتي في طليعتها عقيدةٌ إيمانية، ومُثُلٌ وقيم أخلاقية.
والمتأمل في تاريخ الحضارات الإنسانية يجد أنها تعيش تقلبات شتى، بين ازدهار وانحدار، وقيام وانهيار، بل لعل بعضها كُتب لها الاضمحلال والدمار، لفقده عناصر البقاء والاستمرار.
وأنبل حضارة عرفها التاريخ البشري، هي: الحضارة الإسلامية، فما الحضارة الغربية اليوم إلا نتاج اتصالها بحضارتنا الإسلامية في الأندلس وغيرها، بيدَ أن سبب إفلاسها اعتمادها على النظرة المادية في منأى عن الدين والأخلاق مما كان سبباً في شقاء الإنسانية، وما كثرة حوادث الانتحار، والاضطرابات النفسية، وانتشار أماكن الدعارة، والانحرافات الخلقية.
وهذا الجنون المسعور في إطلاق الشهوات لدى الغرب عبر قنوات خصصت للجنس، أو مواقع إباحية على شبكة الانترنت، إلا انحدارٌ سحيق وتردٍ عميق في هُوّة فنائية كبرى، يتنادى في قعرها العقلاء لاستدراك ما فات، وأنى لهم التناوش من مكان بعيد.
أيها المسلمون: لقد تعرّت حقائق الحضارة الغربية، واهتزت مصداقيتها في الاضطلاع بالمؤهلات التي تؤهلها لقيادة العالم نحو إسعاد الإنسان، وتحقيق استقراره، وضمان حقوقه، ورعاية مُثله الإنسانية الرفيعة، وقيمه الأخلاقية العليا، ليحصل له الأمن المنشود، والحياة الكريمة المبتغاة، وليس هناك من يستطيع النهوض بالمشروع الحضاري العالمي إلا أمةٌ واحدة، هي أمة الشهادة على الناس: (وَكَذلِكَ جَعَلْنَـكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ)[البقرة: 143].
أمة الرحمة للعالمين: (وَمَا أَرْسَلْنَـاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لّلْعَـالَمِينَ)[الأنبياء: 107].
أمة الخيرية على العالم: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ لْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)[آل عمران: 110].
أمةٌ التمكين في الأرض: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) [الحج: 41].
ولا غرو -يا رعاكم الله- فسلفنا هم بناة صرح الحضارة الإسلامية، وحملة مشعل الهداية الإيمانية، ورافعو لواء السعادة لعموم البشرية، وذلك تاج متألق وعطاء متدفق، ونور متلألئ في جبين أمتنا الإسلامية، لمميِّزات حضارية، وخصوصية دينية لم يشرف بها إلا من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبياً ورسولاً.
وأول هذه المميزات الحضارية وركيزتها: عقيدة التوحيد الخالصة، عقيدةٌ تحث على العلم، وتحترم العقل، وترعى الخُلق، وتسعى إلى تحقيق المصالح ودرء المفاسد، ورعاية حقوق الإنسان في حفظ دينه ونفسه وعقله وماله وعرضه، وتربي الضمير، وتعلي الروح الإيجابية البناءة، وتحض على التوسط والاعتدال، والرفق واليسر، والتوازن والعدل والرحمة، ومهما قال المتحذلقون عنها، فقد قال الحق -تبارك وتعالى-: (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ)[الأنعام: 33].
وإن أحداً من المنصفين لا ينكر: أنه لم يشهد العالم حضارة أكثر منها رحمة بالخَلْق، وسمواً في الخُلُق، وعدالة في الحكم على مر الدهور، وكر العصور، ويوم أن سقطت الحضارات الموهومة في مستنقعات المادية، وعانت من الأزمات الأخلاقية، حتى غرقت في أوحال التمزّق والضياع، فإن أمتنا الإسلامية هي الجديرة بإمساك زمام القيادة، وامتطاء صهوة السيادة والريادة على العالم، وحينها فلن تتخذ من التقدم الحضاري أداةً لاستغلال الشعوب، واستنـزاف خيراتها، وإهدار كرامتها، وصب القنابل فوق المدنيين بلا سبب، ولن تتخذ من الاكتشافات والاختراعات طريقاً إلى الإلحاد ودعم الإرهاب، ولن تتخذ من الآلات العسكرية والتقنيات الحربية ذريعة إلى تهديد أمن الدول والشعوب، والعمليات الهمجية والوحشية والبربرية بحجة نزع أسلحة الدمار الشامل، ولن تُسخِّر وسائل الإعلام وسائل لتضليل الرأي العام والشارع العالمي والمحيط الدولي، وتلك أعباء حمل الرسالة الإسلامية لإنقاذ البشرية، وإسعاد الإنسانية التي تتيه اليوم في أنفاق مظلمة من الظلم والشقاء.
أيها المسلمون: لقد تركت حضارتنا الإسلامية آثاراً خالدة في مختلف النواحي العلمية والخلقية وغيرها، وحققت دوراً عظيماً في تاريخ تقدم الإنسانية، وخلّفت آثاراً بعيدة المدى قوية التأثير فيما وصلت إليه الحضارات الحديثة، وليس هذا من المبالغة في شيء، ولا ضرباً من التفاخر الكاذب والادعاء المذموم، بل سِجِلّ التاريخ ناصع بأحرفٍ من ذهب، ومدادٍ من نور.
وإليك -أيها المنصف- بعض الشواهد الواقعية، والنماذج الحية، من تاريخ حضارتنا المشرق الوضاء، الذي ينضح عدلاً ورحمة وإنصافاً حتى مع المخالف، واسمع وقارن، فما أشبه الليلة بالبارحة.
ففي نزعة الحضارة الإنسانية يُعلن الإسلام المبدأ الإنساني الخالد: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)[الحجرات: 13].
لينقل الإنسانية من أجواء الحقد والكراهية، والتفرقة والعصبية، والتمييز العنصري إلى المساواة والتعاون الذي لا أثر فيه لاستعلاءٍ عرقي أو عنصري، ويتجلى ذلك في مبادئ حضارتنا وتشريعاتها وواقعها؛ وقد زخرت كتب السير والتاريخ بوقائع كثيرة، فهذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يرى مرة في السوق شيخاً كبيراً يسأل الصدقة، وكان يهودياً من سكان المدينة، فيسأله رضي الله عنه عن حاله، وإذا بعُمر المسلم الملهم يقول له: "ما أنصفناك إذ أخذنا منك الجزية في شبيبتك، ثم ضيعناك شيخاً".
وأخذ بيده إلى بيته، فقدم له من طعامه، ثم أرسل إلى خازن بيت المال أن افرض له ولأمثاله ما يغنيه ويغني عياله.
يعجزُ اللسانُ نطقاً والقلمُ تعبيراً أمام هذه الروعة الحضارية في تاريخ أمتنا المجيد.
أيها المسلمون: وثمة جانب مشرق في حضارتنا الإسلامية ألا وهو: جانب أخلاقنا الحربية، فقد أشرقت شمس الحضارة الإسلامية والعالم كلُّه تحكمه شريعة الغاب، حتى تردّى إلى عالم الوحوش الكاسرة، فوضعت حضارتنا الضوابط الحربية محرِّمة الحرب للنهب والسلب، وإذلال كرامة الشعوب، وسحق المجتمعات، وجعلت لها غايات نبيلة، منها الدفاع عن عقيدة الأمة وأمن المجتمع وردّ عدوان المعتدين: (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ)[البقرة: 190].
فالحرب لا تنسينا مبادئنا، ولذلك جاءت الوصايا الكريمة حينما يشتد الوطيس: "لا تمثلوا، ولا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تقتلوا شيخاً ولا وليداً ولا امرأة، ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكله، وسوف تمرون بأقوام قد فرّغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له".
جاء هذا في وصية أبي بكر الصديق حينما أنفذ جيش أسامة -رضي الله عنهما-.
وأبلغ من هذا رسول الإسلام -صلى الله عليه وسلم- يخرج من معركة أحد جريحاً قد كُسرت رباعيته، وشُج وجهه، فيقول له بعض الصحابة -رضي الله عنهم-: "لو دعوت عليهم يا رسول الله، فقال: "إني لم أُبعث لعاناً، ولكني بُعثت رحمة للعالمين، اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون".
وهكذا قال يوم فَتح مكة وهم الذين طردوه وآذوه وحاربوه، قال لهم: "اذهبوا فأنتم الطلقاء".
ورأى في بعض غزواته امرأة مقتولة فغضب، وقال: "ألم أنهكم عن قتل النساء؟ ما كانت هذه لتقاتَل".
ويمضي تاريخنا المجيد مسجلاً هذه الروائع، ففي حروب التتار وقع بأيدي التتار كثيرٌ من أسرى المسلمين وأهل الذمة، فتدخل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في فك الأسرى، فأجابه الوالي إلى فكّ أسرى المسلمين فقط، فأبى شيخ الإسلام ذلك، وقال: "لا بد من افتكاك الجميع من أهل ديننا وأهل ذمتنا، ولا ندع أسيراً لا من أهل الملة ولا من أهل الذمة".
ولما فتح صلاح الدين -رحمه الله- بيت المقدس كان فيها ما يزيد على مائة ألف من غير المسلمين، فبذل لهم الأمان على أنفسهم وأموالهم، وسمح لهم بالخروج منها لقاء شيء يسير يدفعه المقتدرون منهم، ومن لا يقدر من الفقراء ففداؤه عليه رحمه الله.
هذه حضارة الإسلام في روائعها، فما هي حضارتهم في شنائعها وفظائعها؟ وما يوم حليمةَ بسرّ.
حكمنا فكان العدل فينا سجيةً *** فلما حكمتم سال بالدم أبطَحُ
وما عجبٌ هذا التفاوت بيننا *** فكل إناء بالذي فيه ينضح
لقد شهد التاريخ المعاصر وحشية القوم وإرهابهم، على الرغم من الشعارات البراقة التي تُمتهن عملياً في كل لحظة، ورغم العهود الدولية والمواثيق العالمية التي تنادي بحقوق الإنسان في مواثيق موهومة وديمقراطيات مزعومة، تخرقها جرائم بشعة أمام سمع العالم وبصره، ولا يُغفل التاريخ المخازي النكراء في التعصب ضد المسلمين في الحروب الصليبية، وفي الأندلس وفي الواقع المعاصر، مما يطأطئ رؤوسَهم خجلاً وحياءً لو كان لديهم حياء.
بل إن مخازيهم في الاضطهاد والتعصب لا يطمرها التاريخ، وما أفعال النازية ومآسي محاكم التفتيش بخافية على أهل الإسلام.
بل لا نذهب بعيداً فهذه أحقادهم في الحربين العالميتين، مهما أعلنوا في المحافل الدولية، وفي مواثيق هيئة الأمم الحديثة إنسانيتهم، وهم على أرض الواقع يمارسون وحشيتهم وضراوتهم، وإن التخلّق يأتي دونه الخُلُق.
إنها شعارات تختبئ وراء شعار السلام والاستقرار، وهي تزرع الإرهاب والاستعمار.
وقد كشفت الأحداث العالمية والمجريات الدولية، وزر قسوتهم، مما يؤكّد على مر العصور أنهم سفّاكو الدماء، ووحوش التعصب، وعبيد القسوة.
فكيف تُشَنّ الحملات الإعلامية المغرضة ضدَّ الإسلام والمسلمين متهمة إياهم بالإرهاب والوحشية، وهذه شنائعهم؟
ولن ينس الغيورون على أوضاع أمتهم مذابح صبرَا وشاتيلا، ومجازر قانا وجنين، وفضائح البوسنة والهرسك، والإجرام الذي حصل على أفغانستان، والوحشية التي مُورست على أرض الشيشان، وعناقيد الغضب الصهيوني ضد إخواننا في فلسطين المجاهدة، حيث تتحدث الحجارة هناك.
سكت الرصاص فيا حجارةُ *** حدثي أن العقيدة قوة لا تُهزَم
ولقد سقطت الأقنعة عن الإعلام الغربي المعاصر، حينما تأكد للمراقبين أن أكثر وكالات الأنباء، وقنوات الفضاء العالمية تسيطر عليها المنظمات الصهيونية، بل إنها تُمثِّل دُمى في يد اللوبي الصهيوني العالمي.
وإذا بَطَلَ العجبُ في ذلك فالعجب من الإعلام المتصهين، الذي لا يمثل إلا أبواقاً ناعقة تجيد التلفيق المكشوف والاستهلاك المذموم، وإنها دعوةٌ حرّاء لرجال الإعلام في عالمنا الإسلامي للتفاعل والإيجابية، والنهوض من الركود والسلبية، والتخلص من النمطية والغثائية، وتسخير هذه الوسائل لبيان روائع حضارتنا الإسلامية، كما يجب التثبت والتبين، وعدم الركون إلى الإثارة والاستفزاز والمساس بالثوابت، في ظل تداعيات العولمة والحملة على الإرهاب.
أيها المسلمون: لا بد من ضبط المصطلحات، حتى لا يُخلَط بين الإرهاب المزعوم، والمقاومة المشروعة، وحتى لا يُتَّهم الأبرياء من حملة الشريعة، ودعاة الإصلاح في الأمة، وأهل الخير والحسبة والمؤسسات العلمية والدعوية والإغاثية والخيرية بدعوى مكافحة الإرهاب، وما الإرهاب إلا ما في جعبة القوم.
والسؤال المطروح على الرأي العام العالمي وعلى وسائل الإعلام الغربية: هل ما يجري على أرض فلسطين وما تمارسه إسرائيل الحاقدة هذه الأيام يتمشى مع الحق والعدل والإنسانية؟ وإذا لم تكن ممارسات الصهيونية في فلسطين إرهاباً فما هو الإرهاب إذاً؟
إنها الصهيونية العالمية، الأمة الخوانة، التي ليس لها عهد ولا أمانة، تمارس اليوم في فلسطين أبشعَ صور الظلم والقهر والتخويف والإرهاب، تفرض ألوان الحصار، وتقتل الرجال والنساء والصغار، وتهدف إلى إبادة المسلمين وتصفيتهم جسدياً، وإرعابهم نفسياً، بمذابح جماعية لم يشهد التاريخ لها مثيلاً.
إن إسرائيل تمارس اليوم أمام نظر العالم وسمعه الإرهاب بمختلف أشكاله وألوانه، وبجميع أنواعه وأدواته، تمارسه عقيدة وسياسة، ضاربةً بالمعاهدات والمحادثات والاتفاقات الدولية عرض الحائط، فأين من يوقف وحشية هذا الإرهاب وبشاعته، ويطارد رجاله وقادته، ويستأصل شأفتهم ويقتلع كافَّتهم؟ أين ميزان العدل والإنصاف يا من تدعونه؟ أين شعارات التقدم والتحرر والحضارة والسلام التي لا نراها إلا حين تَصب في مصلحة يهود ومن وراء يهود؟
ولكن صدق القائل:
المستجير بعمرو عند كربته *** كالمستجير من الرمضاء بالنار
وليس اليهود هم وحدهم الذين يمارسون الإرهاب اليوم، بل إن إخوانهم النصارى لا يقلون عنهم إجراماً وظلماً، فدمروا وقتلوا واعتدوا وبغوا وما زالوا، فإلى الله المشتكى.
فنسأل الله -تعالى- أن يعجل بفرج أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-.
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه كان توابا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه ...
أما بعد:
أيها المسلمون: مهما حاول أعداء الإسلام، ومهما سعوا في إنزال أنواع الفشل، وألوان الشلل بالإسلام والمسلمين، فلن يستطيعوا أن يطفئوا نور الله، يقول جل وعلا: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)[الصف: 8].
وعن ثوبان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكُها ما زُوِي لي منها"[أخرجه مسلم].
فما أحوج المسلمين اليوم في زمنٍ عظمت فيه المصيبة، وحلَّت به الرزايا العصيبة، وتخطَّفت عالَم الإسلام أيدي نصرانية، فالكرامة مسلوبة، والحقوق منهوبة، والأراضي مغصوبة.
ما أحوج المسلمين في زمن الحوادث والكوارث إلى أن يراجعوا دينهم، وينظروا في مواقع الخلل، ومواطن الزلل، ويصلحوا ما فسد، ويكونوا كالجسد، ليغسلوا عنهم أوزار الذل والهوان، ويزيلوا غُصص القهر والخذلان، ويتخلّصوا من التبعية المقيتة، والمجاراة المميتة؛ فعن ابن عمر - رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينـزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم"[أخرجه أبو داود].
أيها المسلمون: يلاقي المسلمون في هذه الأعصار في عدد من الأمصار أعتى المآسي، وأدمى المجازر، فظائع دامية، وجرائم عاتية، ونوازل عاثرة، وجراحاً غائرة، غصصاً تثير كوامن الأشجان، وتبعث على الأسى والأحزان.
في كل أفق على الإسلام دائرةٌ *** ينهدُّ من هولها رضوى وسهلانُ
ذبحٌ وسلبٌ وتقتيلٌ بإخوتنا *** كما أُعدِّت لتشفِّي الحقد نيرانُ
يستصرخون ذوي الإيمان عاطفةٌ *** فلم يُغثهم بيوم الروع أعوانُ
فاليوم لا شاعرٌ يبكي ولا صحف *** تحكي ولا مرسلات لها شانُ
هل هذه غيرة أم هذه ضعةٌ *** للكفر ذكر وللإسلام نسيانُ
أيها المسلمون: إن الشأن كل الشأن في وجود فئة مؤمنة تفهم الإسلام فهماً صحيحاً، تعيش معه في كل مجالات الحياة، وتقيم في ظله شعباً صادقاً يعرف الحق من الباطل والإسلام من الكفر، لا يتنازل عن عقيدته ومراميه، ولا يقبل المساومات والإغراءات للتنازل عن ذلك مهما أُوذي وعذب وسجن، فالفتن والمحن لا تزيد المؤمنين إلا إيماناً بالله وتسليماً، قال الله -تعالى-: (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً)[الأحزاب: 22].
وقد قيل: "كم من محنة انقلبت منحة".
وإنه لشيء عظيم، وأمر كبير، أن يذهب رجال من البشر فداءً لدوافع معقولة، وغايات مطلوبة، فبقاء الحق مقدم على بقاء الجسد، فأهل الحق يذهبون بأبدانهم، ويعيش الحق الذي معهم.
والباطل في أي صورة وجد سواءً تمثل في يهودية أو نصرانية، أو غيرها من أشكال الباطل، وإن هيمن على الأرض، واستحوذ على البشر، وإن استطاعت أن تهيمن على جوانب كثيرة في أيام مريرة، فالأيام دول، والعزة لله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم- وللمؤمنين، والوعد من الله بأن ينصر دينه ورسوله وحزبه المؤمنين، ويخزي الكافرين، وعد محقق لا محالة.
والأوضاع القائمة على الشرك والكفر، والتشريع الجاهلي، واغتصاب الديار، وانتهاك الأعراض، والحَجر على الأفكار الشريفة لن تدوم مهما تمهدت سبلها، وقويت شوكتها، وطال مكثها في الأرض، وهذه حقيقة يجب الإيمان بها، وبذل الطاقات وراءَ تحقيقها، والشرط في ذلك أن نقوم بالإسلام، ونحرك به الأجساد والقلوب، وأن نعمل لله صادقين موقنين، قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمْ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمْ الْغَالِبُونَ)[الصافات: 171 - 173].
فمهما فَشَت الضلالةُ، واستحكمت الغواية، واستشرى الفسادُ، وانْتُهِكَت الأعراض، فسيبقى الإسلامُ، وتَمْتدُّ رُقْعَتُه، ويبلغُ ما بلغَ الليلُ والنهارُ بصدقِ العلماء، وجهود الدعاة، ودماءِ الشهداء؛ فلا مجال للتخاذل والبَطَالة والقعود مع المخالفين، فالإسلام يتحقق بالجد لا بالهزل، وبالأعمال لا بالآمال، وبالقلوب الصادقة لا النفوس الخائنة، وعلى هذا الأساس نهض الإسلام، وقويت شوكته، وعزّ أهله، ولن تذهب الليالي والأيام، حتى يكون الدين كله لله، فلا يهودية في الأرض، ولا نصرانية، ولا شيوعية، ولا علمانية، فإن الأرض ما خلقت إلا للإسلام والإسلام وحده.
وقد آن للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أن يعودوا لرشدهم، ويُجْمِعوا أمرهم، ويجاهدوا عدو الله وعدوّهم، فأبناء المسلمين مثخنون في الدماء والجراح فوق أراضيهم، وقد تحملوا الكثير من غدر اليهود ومكر النصارى، وخبث سياساتهم في الديار والأعراض.
ونحن المسلمين على امتداد تاريخنا لم نلق من اليهود والنصارى مآسي ومجازر أعظم، ولا أنكى، من مجازر حاضرنا المعاصر، حتى أقاموا سعادتهم على شقاوتنا، ودولتهم على أراضينا.
فنسأل الله -تعالى- بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، أن يرينا فيهم يوماً أسودا.
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحين.
اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، وأذل الشرك والمشركين والكفرة الملحدين، واحم حوزة الدين.
اللهم منـزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اللهم إن اليهود والنصارى قد طغوا وبغوا، وأسرفوا وأفسدوا واعتدوا، اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم، وألق الرعب في قلوبهم، واجعلهم غنيمة للمسلمين، وعبرة للمعتبرين.
اللهم عليك بهم وبمن شايعهم وعاونهم وحماهم يا أكرم الأكرمين.
اللهم احقن دماء المسلمين، وصن أعراضهم، واحفظ أموالهم وديارهم من كل معتد ظلوم يا رب العالمين.
اللهم ارحم إخواننا المستضعفين في فلسطين والشيشان وأفغانستان والفلبين وكشمير والعراق.
اللهم أقم علم الجهاد، واقمع أهل الشرك والزيغ والشر والفساد والعناد، وانشر رحمتك على العباد والبلاد يا من له الدنيا والآخرة وإليه المعاد.
اللهم ولِّ على المسلمين خيارهم، واكفهم شر الأشرار وكيد الفجار.
اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء، فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واحبسه في بدنه، يا قوي يا عزيز.
اللهم نصرك الذي وعدتنا يا من لا يُخلَفُ وعدك، ولا يُهزم جندك.
سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت.
لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا اله إلا الله رب العرش الكريم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم