عناصر الخطبة
1/قصة عجيبة مؤثرة 2/دروس مستفادة من حديث حنظلة رضي الله عنه 3/الحرص على سلامة القلوب 4/الخوف من النفاق 5/ أهمية المواعظ والتذكير بالجنة والنار 6/ فضل مجالس الإيمان والذكر.اقتباس
نشكو إلى الله حالنا؛ قست القلوب وغفلت النفوس، وانشغلت بملاذ الدنيا فلا القلب يخشع ولا العين تدمع من خشية الله -عز وجل-، من منا بكى يوماً من خشية الله، ألا ما أحوجنا إلى مجالس الذكر في مساجدنا وفي بيوتنا، ما أحوجنا إلى أن نفتش عن مواعظ العلماء، ونستمع إليها، ما...
الخطبةُ الأولَى:
إنّ الحمدَ لله؛ نَحْمَدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُه ونعوذ بالله من شرور أنفسينا وسيئات أعمالنا، من يهدِ اللهُ فلا مضل له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُهُ ورسُولُهُ؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسَلَّمَ تسليمًا كثيرًا.
أما بعدُ: فاتقوا الله -عبادَ الله- حق التقوى؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
إخوة الإيمان: نقف اليوم مع قصة عجيبة مؤثرة فعَن حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ قَالَ: "لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ. قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! مَا تَقُولُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْي عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، فَنَسِينَا كَثِيرًا.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "وَمَا ذَاكَ؟"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ نَسِينَا كَثِيرًا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي، وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ، وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً ثَلَاثَ مَرَّاتٍ"(رواه مسلم). وفي رواية الترمذي: "أنه مر بأبي بكر وهو يبكي، فقال: ما لك يا حنظلة؟ قال: نافق حنظلة يا أبا بكر".
وفي هذه القصة دروس وهدايات منها:
أولاً: عناية الصحابة -رضي الله عنهم- بقلوبهم وشعورهم بالتَغَيُّرِ الذي يطرأ عليها، ولذلك ظن حنظلة -رضي الله عنه- أن ذلك التَغَيُّرِ نوع من النفاق فدفعه ذلك إلى البكاء والشكاية إلى أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، وكذلك الصديق مع علو منزلته إلا أنه وافق حنظلة في شعوره ذلك؛ فقال -رضي الله عنه-: "فَواللهِ، إنَّا لَنَلقَى مثلَ هذا".
فالعناية بالقلوب -عباد الله- سر طمأنينة النفس وسعادتها، ومدار صلاح جوار العبد موقف على صلاح قلبه وسلامته؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ"(متفق عليه)، وسلامة القلب هي التي تنفع العبد يوم القيامة (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)[الشعراء: 88، 89].
ولذا -إخوة الإيمان- علينا أن نعتني بقلوبنا، ونجتهد في تخليصها من الأمراض التي تُهلكها؛ كالرياء والكبر والعجب والغرور والحسد والشحناء والبغضاء وسائر أدواء القلب.
ثانياً: خوف الصحابة -رضي الله عنهم وأرضاهم- من النفاق؛ فهذا حنظلة والصِّدِّيق -رضي الله عنهما- يخافان النفاق، وهذا الفاروق عمر -رضي الله عنه- يقول لحذيفة بن اليمان الذي أعلمه النبي -صلى الله عليه وسلم- بأسماء المنافقين: "نَشَدْتُكَ اللَّهَ أَنَا مِنْهُمْ"، قَالَ حذيفة: "لَا، وَلَا أُبَرِّئُ أَحَدًا بَعْدَك"(رواه البزار بسند حسن).
واسمع إلى ابن أبي مليكة ماذا يقول! يقول: "أدركت ثلاثين من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول: إنه على إيمان جبريل وميكائيل".
قال الحسن البصري: "ما خافه إلا مؤمن ولا أمنه إلا منافق"(رواه البخاري). قال ابن القيم -رحمه الله-: "تالله لقد مُلئت قلوب القوم إيمانًا ويقينًا، وخوفهم من النفاق شديد وهمهم لذلك ثقيل، وسواهم كثير منهم لا يجاوز إيمانهم حناجرهم. وهم يدّعون أن إيمانهم كإيمان جبريل وميكائيل"(مدارج السالكين: 1/ 365).
ثالثاً: رجوع الصحابة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في كل أمرٍ يُشكل عليهم، وكم نحن اليوم في أمسّ الحاجة إلى الرجوع إلى سُنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإلى ورثته من العلماء والمصلحين حتى لا نقع في الزيغ ونسلم من الانحراف في الأفهام ونهتدي للصرط المستقيم؛ قال -تعالى-: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ)[الشورى: 52، 53].
رابعاً: أهمية الموعظة والتذكير بالجنة والنار؛ فقد كان رسول الله يحرص في مجلسه على تذكير أصحابه -رضي الله عنهم- بالجنة والنار؛ فالقصة تدل على أن ذلك كان بشكل مستمر، وما أحوجنا اليوم إلى مثل هذه المواعظ! ما أحوجنا إلى أن تتعلق قلوبنا بالآخرة، حتى تتنبه من غفلتها وتُقبل على ما ينفعها، وتعلم علم اليقين أن الدار الآخرة هي الحياة الحقيقية؛ قال -تعالى-: (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)[العنكبوت: 64].
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشأنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أما بعد: عباد الله ومن درس القصة السابقة:
خامساً: فضل مجالس الإيمان والذكر، وأن المداومة عليها تَرفع العبد في الدنيا والآخرة، تأمل قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نَفسي بِيَده لَو تَدومون على ما تكونون عندي وفي الذِّكْر، لَصافَحتكم المَلائكةُ عَلى فُرُشُكم وفي طُرُقِكُم".
إننا -عباد الله- نشكو إلى الله حالنا؛ قست القلوب وغفلت النفوس، وانشغلت بملاذ الدنيا فلا القلب يخشع ولا العين تدمع من خشية الله -عز وجل-، من منا بكى يوماً من خشية الله، ألا ما أحوجنا إلى مجالس الذكر في مساجدنا وفي بيوتنا، ما أحوجنا إلى أن نفتش عن مواعظ العلماء، ونستمع إليها، ما أحوجنا إلى قراءة القرآن بتدبُّر وتخشع، ما أحوجنا إلى أن نقرأ ونسمع عن وصف الجنة والنار حتى تخشع قلوبنا وترق.
سادساً: أن الملائكة تحب الذاكرين وتأنس بهم، وتنزل عليهم عند ذِكْرهم لله -عز وجل-؛ فإن "لله ملائكة طوافة يلتمسون حِلَق الذكر، فإذا وجدوها نادى بعضهم على بعض: هلموا إلى حاجتكم".
سابعاً: على المسلم أن يتوازن في حياته؛ فساعة يذكر ربه فيخشع قلبه، وتدمع عينه، ويتعلق بالآخرة، وساعة يؤنس نفسه بما أباح الله من مخالطة أهل ومؤانستهم، ويشتغل بحاجات نفسه، ولذا قال -صلى الله عليه وسلم-: "ولكن يا حنظلةُ ساعةً وساعةً، ساعةً وساعةً. ساعةً وساعةً".
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "يعني ساعةً للربِّ -عزَّ وجلَّ-، وساعةً مع الأهلِ والأولادِ، وساعةً للنفسِ حتَّى يعطي الإنسان لنفسِه راحتَها، ويعطِي ذوي الحقوقِ حقوقَهم. وهذا من عدلِ الشريعةِ الإسلامية وكمالها، أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- له حقٌ، وكذلك للنفس حقٌّ فتُعطَى حقَّها، وللأهل حقٌّ فيعطون حقوقهم، وللزوار والضيوف حق، فيُعْطَون حقوقهم، حتى يقوم الإنسان بجميع الحقوق التي عليه على وجه الراحة، ويتعبد لله -عز وجل- براحة؛ لأن الإنسان إذا أثقل على نفسه وشدَّد عليها ملَّ وتَعِب، وأضاع حقوقًا كثيرة".
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم