عناصر الخطبة
1/نسائم عام هجري جديد 2/نظرة التفاؤل والأمل مع بداية العام الهجري الجديد 3/معاناة قرى ومدن فلسطين بسب التضييق والحصار 4/خطر الانقسامات العربية والفلسطينية الفلسطينية 5/في أحداث الهجرة سلوى وبشرى 6/بيان حقوق الإنسان التي أرساها رسول الإسلام 7/التحذير من الاعتداء على الدماء والأموال والأعراضاقتباس
ما أجملَ ونحن مُقبِلون على عام جديد، أن نتفاءل بالخير، ونستبشِر بأن قادم الأيام أفضل، وأن ننطلق بروح جديدة، روح التفاؤل والتحدي، فقد كانت نظرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- للمستقبل نظرة تفاؤل، نظرة تبعث الأمل في النفوس، بالرغم من المحن والنكبات...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، ثم الحمد لله، الحمد لله ذي الرضا والجلال، يعفو ويصفح، ويغفر الذنوب والآثام، يملي ويمهل لعل العاصي يؤوب ويتوب، الحمد لله وحده، صدَق وَعدَه، ونصَر عبدَه، وأعزَّ جندَه وهزَم الأحزابَ وحدَه، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، وحدَه لا شريكَ له، له الملك، وله الحمد وهو على كل شيء قدير، قال وقوله الحق: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ)[إِبْرَاهِيمَ: 42-43]، وقال أيضًا: (وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ)[الْفَجْرِ: 10-14].
وأشهد أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، بلغ الرسالة، وأدَّى الأمانةَ، ونصَح الأمةَ، وتركها على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، ولا يتنكَّبُها إلا ضالٌّ، خاطبَه ربُّ العزةِ بقوله: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)[الْأَنْفَالِ: 30]، فصلوات ربي وسلامه عليكَ يا سيدي يا رسول الله، وعلى آلِكَ وأصحابك الغر الميامين، ومن اهتدى بهديك إلى يوم الدين.
أيها المؤمنون: نحن الآن في نهاية شهر ذي الحجة، وبعد أيام قلائل نستقبل عامًا جديدًا، نستذكر فيه هجرةَ المصطفى -صلى الله عليه وسلم- من مكة المكرَّمة، إلى المدينة المنوَّرة، على ساكنها أفضل الصلاة وأتم التسليم، نعم، لقد مضى عام من أعمارنا، بأيامه ولياليه وساعاته، عام نسترجع ما عملنا فيه من طاعات وأعمال صالحة، ونسترجع ما عملنا فيه من آثام وذنوب وسيئات.
عام جديد سيأتي، ننظر إليه؛ لتجديد العهد مع الله -تعالى-، نعاهده على الطاعة، وعلى الإيمان والإحسان، وحسن العبادة والقيام.
يا مؤمنون: مع مُضِيّ عامٍ ومجيءِ عامٍ جديدٍ، لابدَّ من وقفة حازمة، وجادَّة مع ذواتنا وأنفسنا لمحاسَبتِها، في ظل ما تمر به قدسُنا، وبلادُنا، ومدنُنا، وقُرانَا، ومقدساتُنا من أحداث رهيبة، ومصائب واعتداءات واقتحامات، ولا يخفى عليكم أن مدننا وقرانا وقدسنا وغزة هاشم قد شهدت العامَ الماضيَ أحداثًا جسامًا، وجراحاتٍ داميةً، تمثَّلت بالاجتياحات المسعورة، والاعتقالات اللاإنسانية لشبابنا ونسائنا وأطفالنا، وبالإعدامات الميدانيَّة للأرواح البريئة، وبالحصار الخانق ومصادرة الأراضي وتجريفها، لإقامة المستوطنات عليها، وقلع الأشجار أو حرقها، وهدم البيوت أو الاستيلاء عليها بغير وجه حق، وإخراج أهلها منها، وتركهم بالعراء، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، دون شفقة أو رحمة، ودون مراعاة لأبسط حقوق الإنسان، وعلى مرأى ومسمع من دول العالَم دون أن يحركوا ساكنًا.
يا مؤمنون: ما حدَث في غزة هاشم، وجِنِين ومخيمها، ونابلس وأحيائها، وبقية مدننا وقرانا لهو شاهد على ما نقول، فاللهمَّ ارحم شهداءنا في كل مكان، وأسكنهم فسيح جناتك، واشف جرحانا، وفُكَّ قَيدَ أَسرَانا، وأرجعهم إلى ذويهم سالمين غانمين، وحرر بلادنا ومقدساتنا، وفي مقدمتها المسجد الأقصى المبارَك، إنَّكَ على كل شيء قديرٌ.
يا مؤمنون: مما تجدُر الإشارة إليه أن كل ذلك حدث في ظل الانقسامات العربيَّة والإسلاميَّة، والحروب المدمرة، وفي ظل هرولة البعض للتطبيع مع الاحتلال، وفي ظل انقساماتنا الداخليَّة المؤسفة، التي أغرت الأعداء بنا، فتمادوا علينا، وبطشوا بنا، فاللهمَّ لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ولْيَعلَمِ القاصي والداني أن بلادنا ستبقى عصيةً على المحتلين، فلنتجذَّر فيها، ولا نهاجر منها، ونبقى ثابتين صامدين فيها.
أيها المسلمون: تذكَّرُوا الفترة التي عاشها رسولُنا الكريمُ وصحابتُه الأجِلَّاءُ، في مكة المكرَّمة، والتي تعرَّضوا فيها إلى أشد أنواع الاضطهاد والإيذاء؛ من اعتداء وتعذيب وجوع وسخرية واستهزاء، وقابلوا كل ذلك بالعزيمة الصادقة، والإيمان الخالص، والصبر على كل ما أصابهم، فنصرهم الله نصرًا مؤزرا.
وفي هذا المقام لا بد من الإشارة إلى تلك المعاهدة التي عاهد فيها الرسول -صلى الله عليه وسلم- بين المسلمين وغيرهم، من اليهود والمشركين، فقد شرط لهم وشرط عليهم، وتعد هذه المعاهدة أول وثيقة لحقوق الإنسان عرفتها البشريَّة، قبل أن يتشدق وينادي من ينادي بحقوق الإنسان، ولم يحقق شيئًا من ذلك، بينما حققها ووثقها رسول الرحمة، قبلما يزيد على أربعة عشر قرنًا، حققها بقوله: "ألَا مَنْ ظَلَمَ معاهَدًا أو انتقَصَه، أو أخَذ منه شيئًا بغير طِيبِ نفسٍ، أو كلَّفَه ما لا طاقةَ له به فأنا حجيجه يوم القيامة"؛ أي: أنا خصمه.
أيها الناسُ، أيها العالَم: بالله عليكم هل ترون على ظهر الأرض حقوقًا للإنسان أَسْمَى من هذه الحقوق التي احترمت حق المسلم وحق غيره؟! واعلموا أن هذا العالم المكروب الممتلئ بالحروب والمفاسد على اختلاف أنواعها، لو أنَّه طبق تعاليم الإسلام لعاش في سلام وأمان، ورغد عيش، وبدون خوف ولا حروب ولا دمار، وقد سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الهجرة فقال: "لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا"(حديث صحيح)، أو كما قال: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له"، ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، ويا فوز المستغفرين استغفروا الله.
الخطبة الثانية:
الحمد لله القوي القادر، العزيز الجبار المتكبر، ناصر المؤمنين، وهازم الجبَّارين الطغاة الظالمين المفسدين، الحمد لله ولا عدوان إلا على المعتدين، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، بشر الأمة بالنصر المبين، والصلاة والسلام عليك يا نور الْهُدَى، وعلى آلك وأصحابك ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أمَّا بعدُ، أيها المؤمنون: ففي ظل حوادث القتل وسفك الدماء البريئة، وأكل أموال الناس بالباطل، ونهبها بغير حق، والسطو على البيوت، وترويع الآمنين، والاعتداء على الأعراض والممتَلَكات، نذكر بما جاء عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- في أوسط أيام التشريق، نذكر بقوله: "ألا إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم، بعضكم على بعض، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، فليبلغ أدناكم أقصاكم؛ حتى تلقوا ربكم فيسألكم عن أعمالكم"، ثم خرج إلى المدينة فلم يمكث إلا أيامًا حتى انتقل إلى الرفيق الأعلى.
يا مؤمنون، يا أهلنا في كل مكان، وخاصة داخل الخط الأخضر: هذه من آخر وصايا نبيكم وشفيعكم -عليه الصلاة والسلام- فماذا أنتم فاعلون بوصيته؟! وكيف الموقف إذا بعثتم للقاء ربكم بما تحملتم من دماء بعضكم، وأعراض بعضكم، وأموال بعضكم، فاتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
وما أجملَ ونحن مقبلون على عام جديد، أن نتفاءل بالخير، ونستبشِر بأن قادم الأيام أفضل، وأن ننطلق بروح جديدة، روح التفاؤل والتحدي، فقد كانت نظرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- للمستقبل نظرة تفاؤل، نظرة تبعث الأمل في النفوس، بالرغم من المحن والنكبات، والآلام التي مرت به، فلم يعرف أن هذه الظروف غيرته أو أصابته بالملل واليأس، بل كلما استحكمت حلقاتها ازداد تفاؤلًا، وتشوقا إلى النصر، فلنسر على نهجه، ولنعتقد أن النصر حليفنا، وأن المستقبل لقرآننا، ولديننا وعقيدتنا، ولنبدأ عامنا الجديد متحررين من الخوف والكآبة والحزن والسآمة، فأملنا ورجاؤنا بالله كبير، فإن بيده مقاليد السماوات والأرض، قال تعالى: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 139]، وليكن تخطيطنا للأعمال سليمًا وحكيمًا؛ ليكون النجاح حليفنا، وهذه دعوة موجهة لكل مسلم أن يقف مع نفسه، وقفة صادقة ثم لينظر من أي الأبواب يلج، وماذا ينبغي عليه أن يفعل، ومع من يتعاون من أجل الوصول إلى الهدف المنشود، ولنكن على قلب رجل واحد، معتصمين بحبل الله جميعًا.
فاللهمَّ ثبتنا على ديننا ولا تفتنا، وأحسن لنا الختام، اللهمَّ يا منزل الشفاء، ومجري السحاب، ورافع البلاء، ومجيب الدعاء، ارفع عَنَّا وعن شعبنا وإخواننا المسلمين في كل مكان البلاء والوباء والحصار، وانصرنا على أعدائنا، وآمنا في أوطاننا، وآمِنْ روعاتنا، واستر عوراتنا، واحفظ بلادنا وقدسنا ومقدساتنا وفي مقدمتها المسجد الأقصى المبارَك، أولى القبلتين، ثاني المسجدين، وثالث المساجد التي تشد إليها الرحال، مسجد إسلامي، بقرار رباني، بكامل ساحاته ومساحاته وأبوابه ومصاطبه وأَرْوِقته، لا يقبل التقسيم ولا الشراكة، فشدوا الرحال إليه؛ (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90]، اذكروا الله يذكركم، واستغفروه يغفر لكم، واسألوه يعطكم، واشكروه يزدكم، وأَقِمِ الصلاةَ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم