عناصر الخطبة
1/كفاية الله لرسوله من شرّ الناس وأذاهم 2/والله يعصمك من الناس 3/دفاع الله تعالى عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم 4/إنا كفيناك المستهزئين.اقتباس
إنّها حربٌ محسومةُ النتائج، معلومةُ العواقب، ولَيُغْلَبَنَّ مُغَالِبُ الغَلّابِ، فمنْ تولّاه اللهُ فإنّه حسبُه وسيكفيه، ومن كفاه اللهُ فما ظنُّك بمصيرِ مَن يعاديه ويؤذيه؟، فمِنْ كفايةِ اللهِ -تعالى- لنبيِّه، انتقامُه مِمّنْ يسخرُ منه ويستهزأُ به، فما تظاهرَ أحدٌ بالاستهزاءِ برسولِ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلم-، وبما جاءَ به إلا أهلكَه اللهُ وقتلَه شرَّ قِتْلَة...
الخطبة الأولى:
الحمدُ اللهِ الذي أرسلَ رسولَه بالهدى ودينِ الحقِّ ليُظهرَه على الدّينِ كلِّه وكفى باللهِ شهيدًا، وأشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له إقرارًا به وتوحيدًا، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِه وسلمَ تسليمًا مزيدًا.
أمّا بعدُ: عبادَ الله: لقد أكرمَ اللهُ أمّةَ محمّدٍ -صلى اللهُ عليه وسلم-، وجعلَها خيرَ أمّةٍ أُخرجتْ للنّاس، وأرسلَ إليها خيرَ رسلِه، وشرعَ لها أكملَ شرائعِ دينِه، فانتشرَ الإسلامُ في الأرضِ ودخلَ النّاسُ في دينِ اللهِ أفواجًا، فأغاظَ ذلك المشركينَ والمنافقين، فأخذوا يسخرونَ من الرسولِ الكريم -عليه أفضلُ الصلاةِ وأزكى التسليم-.
فتولّى اللهُ كفايةَ رسولِه من شرِّهم وأذاهم: (أَلَيْسَ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ)[الزمر:36-37] بلى واللهِ إنّه لعزيزٌ ذو انتقام، فإنّه -تعالى- يغارُ على أوليائِه، ويَكيدُ لهم ويَعصمُهم ويَنصرُهم ويُدافعُ عنهم، قالَ -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا)[الحج:38]، فكيفَ بسيّدِ أوليائِه، وأفضلِ رسلِه وأنبيائِه؟ قالَ الله -جلَّ وعلا- في الحديثِ القدسيّ: "مَنْ عادَى لي وَلِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ".
إنّها حربٌ محسومةُ النتائج، معلومةُ العواقب، ولَيُغْلَبَنَّ مُغَالِبُ الغَلّابِ، فمنْ تولّاه اللهُ فإنّه حسبُه وسيكفيه، ومن كفاه اللهُ فما ظنُّك بمصيرِ مَن يعاديه ويؤذيه؟، فمِنْ كفايةِ اللهِ -تعالى- لنبيِّه، انتقامُه مِمّنْ يسخرُ منه ويستهزأُ به، فما تظاهرَ أحدٌ بالاستهزاءِ برسولِ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلم-، وبما جاءَ به إلا أهلكَه اللهُ وقتلَه شرَّ قِتْلَة.
يقولُ شيخُ الإسلامِ -رحمَه الله-: "وقد ذكَرْنا ما جرّبَه المسلمونَ من تعجيلِ الانتقامِ من الكفّار، إذا تعرّضوا لسبِّ رسولِ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلم-. ومِنْ صورِ انتقامِ اللهِ لنبيِّه، انتقامُه من كسرى، عندما مزّقَ كتابَ رسولِ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلم- واستهزأَ به، فقتلَه اللهُ بعدَ وقتٍ يسير، ومزّقَ مُلكَه شرَّ مُمَزّق.
وعندما سبَّ عتبةُ بنُ أبي لهبٍ رسولَ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلم- وآذاه، دعا عليه -صلى اللهُ عليه وسلم- بقولِه: "اللهمّ سلّطْ عليه كلبًا من كلابِك". فخرجَ هو وأبوه إلى الشّام، ونزلوا أرضًا كثيرةَ السّباعِ فخافَ على نفسِه، وأمرَ أبوه بحراستِه وبأنْ يَضعوا متاعَهم حولَهُ ففعلوا، فجاءَ الأسدُ فشمَّهم وتركَهم ثمّ وثبَ عليه من بينِهم، ففسخَ رأسَه عن جسدِه ثمّ مضى، فقالَ أبو لهب: "قد عرفتُ أنّه لا يُفْلِتُ من دعوةِ محمّد".
ولمّا تمادَى خمسةٌ من أشرافِ المشركين، بالسّخريةِ برسولِ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلم-، أنزلَ اللهُ -تعالى-: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ * الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)[الحجر:94-96]؛ فبينما رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلم- يطوفُ بالبيت؛ إذْ غمَزَه أولئك القوم، فجاءَ جبريلُ -عليه السلامُ- فغَمَزَهم في أجسادِهم، كهيئةِ الطعنةِ حتّى ماتوا جميعًا (فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ)[إبراهيم:47].
وها قدْ انتقمَ اللهُ لرسولِه -عليه الصلاةُ والسلام-، فأهلكَ مَنْ سخروا منه مِن الكفرةِ الأقزام، وحاقَ بهم حُمقُهم وسفهُهم وما جَنَتْه أيديهم من فسادٍ وعناد (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ)[الفجر:14].
واستجابَ اللهُ للمؤمنينَ ما رفَعُوا من الدّعوات، وما تضرّعوا وسكبُوا من العَبَرات، فلا تُقلّلوا من شأنِ الدّعاء، فإنّه أمْضى سلاحٍ تواجهونَ به الأعداء:
أَتَهزَأُ بِالدُّعاءِ وَتَزْدَريهِ *** وَما تَدري بِما صَنَعَ الدُّعاءُ؟!
سِهامُ اللَّيلِ لا تُخطِي وَلَكِنْ *** لَها أَمَدٌ وَلِلأَمَدِ اِنْقِضاءُ
إنّها دعواتُ المظلومينَ والمضطرّين، يَرْفَعُهَا اللهُ فَوْقَ الْغَمَامِ، وَتُفَتَّحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَيَقُولُ الرَّبُّ -عَزَّ وَجَلَّ-: "وَعِزَّتِي لأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ".
فاتقوا اللهَ رحمكم الله، وأحسنوا الظنَّ بربِّكم، فإنّه ناصرٌ دينَه ومنتقمٌ لأوليائِه، وسَيُخْزِي كلَّ من عاداهم وآذاهم، ويستدرجُهم من حيثُ لا يعلمون (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ)[الأعراف:34].
باركَ اللهُ لي ولكم بالقرآنِ العظيم، وبهديِ سيّدِ المرسلين، أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفورُ الرّحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِه وامتنانِه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشأنِه، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه الداعي إلى رضوانِه، صلى اللهُ وسلمَ وباركَ عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه وإخوانِه، أبدًا إلى يومِ الدّين.
أمّا بعد: عبادَ الله: اتقوا اللهَ حقَّ التقوى، واستمسكوا من الإسلامِ بالعُروةِ الوثقى، واحذروا المعاصي فإنّ أجسادَكم على النّار لا تَقوى، واعلموا أنّ مَلَكَ الموتِ قد تخطّاكم إلى غيرِكم، وسيتخطّى غيرَكم إليكم فخذوا حذرَكم، فالكيّسُ من دانَ نفسَه، وعملَ لمَا بعدَ الموت، والعاجزُ من أتبعَ نفسَه هواها وتمنّى على اللهِ الأمانيّ.
إنّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ رسولِ الله، وشرَّ الأمورِ مُحدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعةِ المسلمينَ فإنّ يدَ اللهِ مع الجماعة، ومن شذَّ عنهم شذَّ في النّار.
اللهمّ أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمشركين، ودمّرْ أعداءَ الدّين، وانصرْ عبادَك المجاهدين، وجنودَنا المرابطين، وأنجِ إخوانَنا المستضعفينَ، في كلِّ مكانٍ يا ربَّ العالمين.
اللهمّ آمنّا في أوطانِنا ودورِنا، وأصلحْ أئمّتَنا وولاةَ أمورِنا، وهيّءْ لهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ يا ربَّ العالمين، اللهمّ من أرادَنا والمسلمينَ بسوءٍ وفتنةٍ فأشغله بنفسِه، وردَّ كيدَه في نَحْرِه، واجعلْ تدبيرَه تدميرَه يا قويُّ يا عزيز.
اللهمّ أبرمْ لأمّةِ الإسلامِ أمرًا رشدًا، يُعزُّ فيه أهلُ طاعتِك، ويُذَلُّ فيه أهلُ معصيتِك، ويؤمرُ فيه بالمعروفِ ويُنهى فيه عن المنكرِ يا سميعَ الدّعاء.
اللهمّ ادفعْ عنّا الغلا والوبا، والرّبا والزّنا، والزلازلَ والمحنَ، وسوءَ الفتنِ ما ظهرَ منها وما بطن.
اللهمّ فرّجْ همَّ المهمومينَ، ونفّسْ كرْبَ المكروبينَ، واقضِ الدَّينَ عن المدينينَ، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهمّ اغفرْ لنا ولوالدِينا وأزواجِنا وذريّاتِنا ولجميعِ المسلمين، برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين.
عبادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56]، ويقولُ -عليه الصلاةُ والسلامُ-: "من صلّى عليَّ صلاةً واحدةً صلّى اللهُ عليه بها عشرًا".
اللهمّ صلِّ وسلمْ وباركْ على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه أبدًا إلى يوم الدّين. وأقمِ الصلاةَ إنّ الصلاةَ تَنهى عن الفحشاءِ والمنكرِ، ولذكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم