عناصر الخطبة
1/استغلال العمر في الأعمال الصالحة 2/انقطاع العمل بالموت 3/أعمال تستمر ثوابها بعد الموت 4/أهمية الوصية5/حكم الوصية 6/حكم الوصية في حق من له حقوق عند الناس 7/أعمال يستحب الوصية بها 8/آداب الوصية 9/تقوى الله في الوصية 10/بعض صور الإضرار بالوصية 11/حكم حرمان الإناث من الميراثاقتباس
أيها المسلم: وبموت العبد تنقطع أعماله، وتطوى صحائف أعماله؛ ولكن الله -جل وعلا- من فضله وكرمه: فتح له من أبواب الخير ما يكون سببا لاستمرار ثواب الأعمال الصالحة، فهيأ له ذلك، بأن جعل أعمالا صالحة تلحق العبد بعد موته. وأعظم ما يحقق ذلك: الوصية التي...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له.
وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له.
وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه، وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليماً كثيراً إلى يومِ الدين.
أمَّا بعد:
فيا أيُّها النَّاسَ: اتَّقوا اللهَ -تعالى- حَقَّ التقوى.
عباد الله: جعل الله هذه الدنيا دار عمل، وجعل عمر ابن آدم مقدرا بسنين معدودة، متى ما انتهت جاءه الرحيل، يقول صلى الله عليه وسلم: "أَعْمَارُ أُمَّتِى مَا بَيْنَ السِتِّينَ والسَبْعِينَ، وقليل مَنْهم من يَتجُاوزُ ذَلِكَ".
فعلى المسلم: أن يستغل أيام حياته في العمل الصالح، والاستعداد للقاء الله، والتطلع لثوابه العظيم: (وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ) [البقرة: 25].
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُواْ إِلَى رَبِّهِمْ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [هود: 23].
وإذا اشتكى الإنسان مدته في الحياة ارتحل من هذه الدنيا ولا بد: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ) [الرحمن: 26 -27].
(كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) [الأنبياء: 35].
أيها المسلم: وبموت العبد تنقطع أعماله، وتطوى صحائف أعماله؛ ولكن الله -جل وعلا- من فضله وكرمه: فتح له من أبواب الخير ما يكون سببا لاستمرار ثواب الأعمال الصالحة، فهيأ له ذلك، بأن جعل أعمالا صالحة تلحق العبد بعد موته؛ ففي الحديث: "إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ".
وأعظم ما يحقق ذلك: الوصية التي أمر الله بها، ورغب فيها رسوله -صلى الله عليه وسلم-، يقول الله -جل وعلا-: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ)[البقرة: 180].
ويقول صلى الله عليه وسلم: "مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَبِيتُ ليلة وعنده شَيء يُرِيدُ أَنْ يُوصِىَ فِيهِ إِلاَّ وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ".
قال عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: "ما بت ليلة إلا ووصيتي عندي".
أيها المسلم: وهذه الوصية تسن لمن ترك مالا، قال جل وعلا: (إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ).
والمراد بالخير هنا المال.
فمن له مال وله أولاد أغنياء استحب له أن يوصي بعد موته بشيء ينفعه، وهو في لحده، ويصل ثواب أعماله، وإنجازها في الحياة أفضل؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ الصَّدَقَةِ أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ شَحِيحٌ صَحِيحٌ، تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَى، وَلاَ تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ قُلْتَ لِفُلاَنٍ كَذَا، وَلِفُلاَنٍ كَذَا".
على كل حال، الوصية مشروعة في الجملة للمسلم؛ ولكن هذه الوصية تكون على حالين:
فحالة تكون الوصية فيها واجبة، وذلك في حق من تعلق في ذمته حقوق للغير؛ كحقوق الله -جل وعلا- من الزكاة والكفارات، فإذا كان أخر زكاة ماله، ما زكى، فليوصِ بإخراج الزكاة للأعوام الماضية.
وإن كان في ذمته كفارات، فليوص بأدائها، أو حج بيت الله فريضة، فليوص من يؤدي عنه هذه الفريضة.
وكذلك حقوق الآدميين من الديون والودائع والأمانات، فإنه يجب على المسلم أن يسدد ما في ذمته من الحقوق، وأداء الأمانات، وإن عجز عنها ودنى الموت منه، وجب عليه أن يوصي، ويكتب هذه الوصية ويسجلها، حتى لا تضيع الحقوق، ويلقى الله بتبعاتها.
فمن عنده ديون للغير، أو ودائع، يجب أن يوصي بها، وأن يسجلها، ويشهد عليها، حتى تبرأ ذمته، وتصل الحقوق لأهلها.
أما من ليس له علاقة بالغير، ليس في ذمته ديون للآخرين، ولا ودائع، ولا ارتباط، ولكن في ذمة الآخرين له حقوق؛ فيجب أن يوصي بها لأمرين:
أولا: أن يعطي الورثة حقهم.
وثانيا: أن يبرأ ذمة ذلك المدين، حتى يلقى الله وقد تخلص من حقوق الآخرين.
ومن ليس كذلك، فالوصية في حقهم مستحبة: أن يوصي بما ينفعه بعد موته، من بناء مسجد وخدماته، من قضاء ديون للمدينين، من تيسر على المعسرين، وسد حاجة الفقراء والمعوزين، لاسيما أرحامه وأقاربه، فإذا أوصى بأنواع من البر من بناء مسجد، من إعانة على قضاء دين، من تيسير أمر معسر، من قضاء حاجة المحتاج، من تعليم علم، من طبع كتب، من تعليم القرآن، من مستوصفات ومصحات، فكلها وصايا خيّرة، يلحقه ثوابها، وهو في لحده، ويتنعم بثوابها: (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء) [الجمعة: 4].
يقول صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ عِنْدَ موتكم بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ زِيَادَةً فِي حَسَنَاتِكُمْ".
ثم ليعلم المسلم: أن هذه الوصية لا بد لها من آداب، يلتزمها المسلم:
فأول ذلك: أن تكون هذه الوصية خالصة لله، بأعمال صالحة، يبتغي بها وجه الله.
وأن تكون هذه الوصية وصية جاهزة، محافظا عليها، كاتبا لها، معدا لها.
وأن تكون هذه الوصية من إنسان ذي مال وخير.
أما قليل المال كثير الورثة، فإن الأولى أن لا يوصي؛ بل يدع المال لأولاده، فإن اغتناء أولاده عن الناس أمر مطلوب، قال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ".
قال الشعبي -رحمه الله-: "خير مال يتركه العبد لأولاده ينتفعون به، حتى لا يتكففون الناس".
ومن آداب الوصية: أن تكون هذه الوصية بثلث المال فأقل، فلا يجوز لمسلم أن يوصي بوصية تزيد على ثلث المال؛ لأن في هذه الوصية إجحافا وإضرارا بالورثة!.
عاد النبي -صلى الله عليه وسلم- سعد بن أبي وقاص في مرض ألم به، فقال: يا رسول الله: إنه لا يرثني إلا ابنتي فقط، أفأوصي بثلثي مالي؟ قال: "لا" قال: وبنصف؟ قال: "لا" قال: بالثلث، قال: "بالثُّلُثُ وَالثُّلْثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ".
ومن ذلك أيضا: أن الوصية لا بد أن تكون لغير الوارث، أما الوارث فلا يوصى لهم؛ لأن الله -جل وعلا- قسم المواريث بين الورثة، وأعطى كل ذي حق حقه، فلا يجوز أن تخص وارثا بشيء زيادة على حقه الذي جعله الله له، قال الله -تعالى-: (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) [النساء: 13-14].
قالها بعد ما بين حقوق الورثة، وأعطى كل ذي حق حقه، قال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ".
ومن آداب الوصية: العدل فيها؛ بأن لا يكون جور ولا ظلم ولا ميول من أحد دون أحد؛ بل تكون وصية عادلة، يراعى فيها اجتماع الكلمة، واتحاد الصف، وأن لا يكون سببا للشقاق والنزاع.
ومنها أيضا: أنه لا يجوز للورثة أن يغيروا وصية أبيهم بما يضر به، قال الله -جل وعلا-: (فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [البقرة: 181].
ومن الآداب أيضا: إذا حضرت عند الموصي في وصيته: أن ترشده إلى الخير، وتحذره من الجور والظلم؛ يقول الله -جل وعلا-: (فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [البقرة: 182].
أيها المسلم: فالوصية عمل صالح وخير، إذا اتقى الله فيها، وكتبها طالب علم، وجنبها ما يسبب الفشل، ويسبب الاختلاف؛ بل يجب أن تنفذ كما أوصى بها الموصي، إلا أن يكون فيها مخالفة للشريعة، فما خالف الشرع فلا اعتبار له.
لكن يجب أن تكون الوصية وصية واضحة جلية، لا ظلم ولا جور فيها، لا تتجاوز الثلث، وأن تكون لغير وارث، وأن يعدل فيها، وأن تكون بأسلوب واضح.
كان المسلمون يوصون بالأوقاف الخيرية التي تنفعهم بعد موتهم، من أنواع الصدقات والبر، وأعظم من ذلك: أن يكون على أعمال البر العامة، ويذكر في وصيته أن الورثة إذا احتاجوا لشيء من ذلك قدموا؛ لأن أولى الناس بإحسانك وصدقاتك هو أولادك وورثتك، فهم أولى الناس بالإحسان والصدقة، فلا تحرمهم الخير، وتعطي غيرهم؛ بل خصهم في ذلك.
وعلى أهل الوصية أن ينفذوها، كما كتبت، وأن يتقوا الله فيها، ويعلموا أنها أمانة، والله سائل عنها.
ومن آدابها: أن يشهد عليها، فالإشهاد عليها، وكتابتها وتوثيقها أمر مطلوب؛ لأن هذا يقطع النزاع والخلاف، ويجعل الأمر واضحا جليا، ويسبب اجتماع الورثة وتآلفهم، ومحبة بعضهم بعضا.
أيها المسلم: أنواع البر عامة، فإذا أردت البر، فبين شيئا من الأنواع، إما: ببناء مسجد، تحفيظ القرآن، طباعة كتب نافعة، إسعاف الفقراء، مساعدة المدينين على ديونهم، وسد حاجة المحتاجين، ولا سيما من أرحامك، من إخوانك وأخواتك وأقاربك، أن تجعل في وصيتك ما يدل على أن المحتاج من الأقارب المضطر، فإنه مقدم على غيره؛ لأن في هذا صلة رحم، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَهِىَ عَلَى ذِي الرَّحِمِ اثِنْتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ".
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني إيَّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقولٌ قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنَّه هو الغفورٌ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آله وصحبه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.
أما بعدُ:
فيا أيُّها الناس: اتَّقوا اللهَ -تعالى- حقَّ التقوى.
عباد الله: إن الله -جل وعلا- قال في كتابه: (مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ) [النساء: 12].
فجعل الله الوصية بشرط أن لا تكون وصية إضرار وأذى، فإن كان فيها إضرار، ألغي ذلك الضرر.
فيجب على المسلم: أن يتقي الله في وصيته، وأن لا يجعلها سبباً للضرر والفساد؛ بل تكون سببا للخير، واتفاق الكلمة، واجتماع الورثة.
فيا أيها الموصي: اتق الله في وصيتك، واحذر الظلم والجور فيها، واتق الله فيها، فإنك منتقل للدار الآخرة، فاتق الله قبل رحيلك من هذه الدنيا، ولا تكن سببا لتفريق الورثة، وشجارهم ونزاعهم؛ لأن الله يقول: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنْ اللَّه)[النساء: 12].
قال العلماء: إن من الإضرار بالوصية عدة أمور:
أولا: أن يوصي لبعض الورثة، فإنه إذا أوصى لبعضهم، فقد أضر الآخرين.
وثانيا: أن يقر على نفسه بحقوق لأناس آخرين، وما أقر بها إلا لأجل أن يحرم الورثة من ذلك المال.
فيوصي في وصيته: أن هذا المال الذي عنده، أو البيت الذي يسكنه، ليس له، وإنما لفلان، أو فلان، فيقر بالأموال لغير أهلها، فرارا من أن يطمع الورثة، أو يأخذوها، فيغير الشرع ويبدل، وهذا أمر حرام.
ومن الإضرار بالوصية: أن يقر أن في ذمته ديناً لفلان، فيقول: في ذمته دين لفلان، والواقع ليس في ذمته دين، وإنما هذا الدين أتى به لأجل أن يضر بالورثة، ويحرمهم ذلك الخير.
ومن الإضرار بالوصية أيضا: أن يبيع بيعا برخص، حتى يحرم الورثة من ذلك الثمن، أو يشتري بأثمان غالية، حتى يسبب لقطع ذلك الدين من هذه التركة.
كل هذا لا يجوز؛ لأن الله يقول: (غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنْ اللَّهِ)[النساء: 12].
وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم قال: "إن الرجل ليعمل بطاعة الله ستين سنة فيحضره الموت، فيضار في وصيته؛ فيدخل النار، وإن العبد ليعمل بالمعاصي ستين سنة فيحضره الموت فيعدل في وصيته؛ فيدخل الجنة".
فاتق الله -أخي المسلم- في وصيتك، وأنت في آخر حياتك، اتق الله في ساعة يصدق فيها الكاذب، ويتوب فيها الفاجر، ويطلع المخطئ إلى رحمة الله وفضله.
فإياك أن تلقى الله بوصية جائرة، مخالفة للحق؛ لأن الله قسم المواريث بين الورثة، وأعطى كل ذي حق حقه، فمن بدل، أو غير، أو زاد، أو نقص، فإن ذلك إثم وعار.
البعض من الناس -هداهم الله- قد يحاولون أن يحرموا الأنثى من الميراث، فيحولون بين البنت وبين ميراثها، بما يضعونه من وصية جائرة ظالمة، بأن يقول: "هذا الوقف خاص بالأولاد الذكور دون الإناث" فيحرم البنات من هذا الوقف.
كل ذلك لا يجوز، لا بد أن تكون الوصية عادلة، لا إضرار فيها، ولا جور فيها، والله يقول: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) [غافر: 19].
فكل وصية تصدر منك إن اشتملت على ظلم وعدوان وطغيان، وعدم اتزان، فاعلم أنك آثم فيها.
فلا بد من وصية عادلة لا ظلم ولا جور فيها، تنتفع بثوابها، وأنت في لحدك.
فاتق الله في نفسك، وانتقل من هذه الدنيا على أحسن حال.
ختم الله لنا ولكم بخاتمة حميدة؛ إنه على كل شيء قدير.
واعلموا -رحمكم الله- أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار.
وصَلُّوا -رحمكم الله- على عبد الله ورسوله محمد؛ كما أمركم بذلك ربكم، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائه الراشدين؛ أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التَّابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك يا أرحمَ الراحمين.
اللَّهمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمَّر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، واجعل اللَّهمّ هذا البلاد آمنا مطمئنا، وسائر بلاد المسلمين، يا رب العالمين.
اللَّهمَّ آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمرنا، وفقهم لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين.
اللَّهمّ وفِّقْ إمامَنا إمامَ المسلمينَ عبد الله بن عبد العزيز لكل خير، سدده في أقواله وأعماله، وألبسه ثوب الصحة والسلامة والعافية، ووفق ولي عهده ونائبه لما تحبه وترضاه، إنك على كل شيء قدير.
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [الحشر: 10].
(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف: 23].
اللَّهمَّ أنت اللهُ لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيثَ، واجعل ما أنزلته قوة لنا على طاعتك، ومتاعا إلى حين.
اللَّهمَّ أغثنا، اللَّهمَّ أغثنا، اللَّهمَّ أغثنا، إنك على كل شيء قدير.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].
عبادَ الله: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90].
فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُرْكم، واشكُروه على عُمومِ نعمِه يزِدْكم: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت: 45].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم