عناصر الخطبة
1/تحية إكبار واعتزاز للمرابطين والمرابطات 2/الوصية بالقدس والمسجد الأقصى 3/التنديد باعتداءات الاحتلال في حق المسجد الأقصى المبارك 4/الوصية بالتحلي بخلق الوفاء للقريب والبعيد 5/على المسلمين جميعا أن يوحدوا صفهماقتباس
عليكم أن تعملوا جاهدينَ على توحيد الصف، وجَمْع الكلمة، ولَمّ الشَّعْب والشتات، وأنتم يا أبناءَ ديار الإسراء والمعراج الأَحْرَى بهذا كله؛ فقد اشتدَّ الخَطبُ، وادلهمتِ المصائبُ، فانظروا -أيها المؤمنون- في حياتكم، وفي أرضكم، وفي مقدساتكم، وفي كل ما يحاك ضدَّكم...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، وعَد المؤمنين بنصره، وتوعَّد الكافرين والمنافقين بخزيه وقهره، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا، وشفيعنا وقدوتنا، محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، وصفيُّه مِنْ خَلقِه وخليلُه، صلى الله عليه، وعلى آله الطاهرين، وصحابته الغُرِّ الميامين، ومَنْ سار على نهجهم، واقتفى سنتهم واتبع أثرهم إلى يوم الدين.
وبعدُ، أيها المسلمون، أيها المرابطون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: وأنتم -إن شاء الله- من الذين يُوفونَ عهدَ الله ولا ينقضون الميثاقَ؛ (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)[الْأَحْزَابِ: 23].
أيها المؤمنون في المسجد الأقصى المبارك، يا أحباب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: المسجد الأقصى من العهد الذي قطعه المؤمنون على أنفسهم أن يكونوا صابرين، وأن يكونوا مرابطين، وأن يكونوا الحراس الأمناء، والسَّدَنةَ الأوفياءَ له في هذه الحياة الدنيا إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولًا، ينطلقون في ذلك من إيمانهم الراسخ، الذي هو من عهد الله؛ (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ)[الرَّعْدِ: 20].
نعم أيها الإخوة المؤمنون: القدس ومقدَّساتها هي من الأمانات ومن العهود التي لا يخل بها المؤمنون والمسلمون؛ اتباعًا لهدي المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، وإيذانا بتطبيق قول الله -تعالى- الذي أنزله في محكم التنزيل: (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)[فُصِّلَتْ: 42]، إنَّه آية في كتاب الله، وسورة من سور كتاب الله الكريم العزيز، الذي أنار الله -تعالى- بتلاوته وتدارسه وتطبيق أحكامه؛ لنكون من الفائزين بالوفاء بعهد الله -تعالى- والمتبعين لسنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم-.
أيها المؤمنون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: ومن حين لحين يخرج علينا هذا الاحتلال ببعض المسؤولين الرسميين فيه، وكثير من الجماعات المتطرفة، والجمعيَّات المجرمة التي تحاول عبثًا أن تفرض واقعًا جديدًا في المسجد الأقصى المبارك، التي تحاول جاهدةً أن تغير من مكانة ورسالة هذا المسجد العظيم، هذا المسجد الذي يُمثِّل جزءًا من عقيدة كل مسلم في هذا العالم، ويمثل حضارة لكل عربي ينتسب إلى العروبة الصادقة الأصيلة، هذا المسجد الذي لا يكون بحال من الأحوال إلا مسجدًا إسلاميا للمسلمين وحدهم، لا يشاركهم فيه أحد، ونحن من علياء هذا المنبر الشريف؛ منبر المسجد الأقصى المبارك، الذي نصب لأداء رسالة الإسلام، ولقول كلمة الحق من عليائه الشريفة: إننا نرفض رفضًا قاطعًا أي مساس بالمسجد الأقصى وقدسية المسجد الأقصى، من قبل الاحتلال وأعوانه، ومن قبل الاحتلال ومستوطنيه، وجماعاته بأي الأسماء سميت، ونقول بشكلٍ واضحٍ وقاطع: لا مكان لغير المسلمين في المسجد الأقصى المبارك، ولا حق لغير المسلمين في المسجد الأقصى المبارك، نقول هذا معتمدين ومرتكزين على نص الكتاب الكريم، وعلى سُنَّة النبي العظيم، الذي قال لنا وللمسلمين كافَّة: "لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي هَذَا، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى"، هذا نصُّ كتاب الله، وهذه سُنَّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلا يبحث المؤمن المسلم في أيِّ مكانٍ وُجِدَ في هذا العالَم عن دليل آخَرَ ليُقنع نفسَه بأن المسجد الأقصى المبارَك هو مسجد للمسلمين وحدَهم، وأي قرار أو أي عدوان، أو أية دعوى تقف أمام القرار الرباني الذي قرر إسلاميَّة ومسجدية المسجد الأقصى المبارك، في قوله -تعالى-: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[الْإِسْرَاءِ: 1]، وأيُّ دليل يقف أمامَ حديث رسول الله الذي تناقله المسلمون الأجيالَ عبرَ الأجيال، حتى وصلنا إلى يومنا الحاضر، وإلى الغد، وإلى أن يرث الله الأرض وما عليها.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج، يا أبناء بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، يا سدنة وحراس المسجد الأقصى المبارَك وكل أبناء فلسطين: وكلُّ المؤمنين في العالَم يحرسون بحدقات العيون، وسويداء القلوب المسجد الأقصى المبارك، ولا يقبلون العدوان عليه من أي كائن كان؛ لأنَّه عقيدتنا، ولأنَّه مسجدنا، ولأنَّه مكان عبادتنا، ولأنَّه يتحدث عن حضارتنا منذ أن فُتحت فتحًا معنويًّا بإسراء حبيبنا الأعظم، ورسولنا الأكرم، إلى رحابه الطاهرة؛ ومِن ثَمَّ العروج من أرضه إلى السماوات العلا، ويكفي المسلمينَ فخرًا أن تكون الصلاة قد فرضت من سماء القدس، من سماء المسجد الأقصى المبارك، من فوق سبع سماوات، (عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى)[النَّجْمِ: 14-15].
إنَّ كلَّ مسلمٍ في هذا العالَم حينما يقف مصليًّا بين يدي الله -تعالى- يطرق قلبه، ويطرق إيمانه الإسراء والمعراج بنبينا -صلى الله عليه وسلم-، يطرق إيمانه إقامة الصلوات الخمس التي فُرضت من فوق سبع سماوات، وإذا كان الله -تعالى- قد أسرى وعرج بنبيه -صلى الله عليه وسلم- تكريمًا له، ليُرِيَه من آياته الكبرى، فإن المسلم يرتقي من خلال صلاته، ويسري بإيمان قلبه، إلى ما لا حدود للكمالات، والنهايات الإيمانية، فهنيئًا لكم يا أبناء ديار الإسراء والمعراج، بأن كنتم ورثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وكنتم أتباع الصحابة الكرام، الذين جاؤوا مع الخليفة العادل؛ عمر -رضي الله عنه- لفتح هذه الديار المبارَكة، وليرتفع نداء التوحيد صادحًا عاليًا، مدويًّا مكبِّرًا، من رحاب المسجد الأقصى؛ الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر فوق كل الظالمين، واعتداء المعتدين، وتخرُّص المتخرِّصين، وخيانة الخائنين، وتواطؤ المتواطئين.
نعم أيها المسلمون، نعم يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: ولا تغرنكم تلك الحملات الظالمة والجائرة من خلال وسائل إعلام الاحتلال، ومن خلال ما يروج هنا وهناك بأن حكومة يمينية فاشية متطرفة هي في طريقها إلى التشكل، ومتى كان هذا الاحتلال بعيدًا عن العنصرية وعن التطرف وعن اليمينية في أي حكومة من حكوماته الاحتلالية، لا يرهبنكم أيها المرابطون، ولا يغرنكم ما يَدُسُّه الإعلاميون من السُّمِّ في الدَّسَم؛ فالذين يجيئون والذين ذهبوا، وكل حكومات الاحتلال، وعصابات الاحتلال، وجمعيات الاحتلال، كلها عملة واحدة، بوجه أو بوجهين لا يختلفانِ.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: من عهد الله علينا وعلى المسلمين في كل العالم وعلى كل حر ينظر إلى معنى حرية العبادة، وحرية الحفاظ على أماكنها، يرى بأي مساس في المسجد الأقصى، ويرى بأي اقتحام للمسجد الأقصى، يرى عدوانًا ظاهرًا متقصَّدًا للمسجد الأقصى، وأهله الأوفياء. نعم؛ تقصُّدًا للمرابطين في المسجد الأقصى، الذين يشدُّون رحالَهم إليه في كل آن وحين، ولا يلتفتون إلى المخذِّلين، ولا يلتفتون إلى الذين يبثون بينكم الفتنة، أو يبثون بينكم خور العزيمة؛ فاصبروا وصابِروا ورابِطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون.
سُئل رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- عن القدس وعن مسجدها الأقصى، فقال: "هي أرض المحشر والمنشر، ائتوه -أي: المسجدَ الأقصى- فصلُّوا فيه؛ فإن صلاة فيه تعدل ألف صلاة، أو خمسمائة صلاة" أو كما قال صلى الله عليه وسلم؛ فيا فوزَ المستغفرينَ استغفِروا اللهَ وادعوا اللهَ وأنتم مُوقِنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحدَه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد لا نبي بعده، وأشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ، أحبَّ لعباده أن يعملوا لدينهم ودنياهم، حتى يفوزوا بنعم الله ورضوانه، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وقدوتنا، سيدنا محمدًا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغُرِّ الميامين، ومَنْ سار على نهجهم إلى يوم الدين.
وبعدُ، أيها المسلمون: إذا كانت العبادات من أركان إيماننا وعقيدتنا، وهي من العهد بيننا وبين الله -تعالى-، وإذا كان الإسلام الدين الحنيف الذي ارتضاه الله للبشرية جمعاء، في رسالة خاتمة للرسالات، يحملها نبيٌّ هو آخِر الأنبياء، وسيد الأولين والآخِرين، إذا كان الوفاء بالعهود والمواثيق، وإذا كان الوفاء بالعهد من الأخلاق الإسلاميَّة الكريمة، وإذا كان الوفاء بين الجار وجاره، وإذا كان الوفاء في الأسرة من أب وأم وأبناء، فإن الوفاء يجب أن يكون بين جميع أبناء الأمة، الوفاء للإيمان والإسلام ولأُخُوَّة الإيمان، فعلى المسلمين جميعًا أينما كانوا أن يتوحدوا تحت عهد الله -تعالى-، واتِّباعًا لسُنَّة نبينا -صلى الله عليه وسلم-، ليكونوا كما وصفهم الله: (خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)[آلِ عِمْرَانَ: 110]، وأمَّا أنتم أيها المرابطون في المسجد الأقصى وفي القدس وأكنافها، فعليكم بالإضافة إلى ذلك كله، أن تكونوا يدًا واحدةً، وأن تكونوا جسدًا وجسمًا واحدًا في شد الرحال إلى المسجد الأقصى المبارَك وإعماره والذَّود عنه، أمامَ كل الغوائل وأمامَ كل الاعتداءات والاقتحامات الظالمة.
نعم أيها المسلمون في هذا البيت المبارك: أنتم بشارة الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ، لِعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ أَوْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ"، هذه بشارة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وسنبقى من الحريصين عليها، والمتمسِّكين بها إلى أن يَأذَنَ اللهُ بنصره؛ (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)[الْحَجِّ: 40].
أيها المسلمون هنا وفي كل مكان: عليكم أن تعملوا جاهدين على توحيد الصف، وجمع الكلمة، ولَمّ الشَّعْب والشتات، وأنتم يا أبناء ديار الإسراء والمعراج الأحرى بهذا كله؛ فقد اشتد الخطب، وادلهمت المصائب، فانظروا -أيها المؤمنون- في حياتكم، وفي أرضكم، وفي مقدساتكم، وفي كل ما يحاك ضدَّكم، انظروا في ذلك كله فاتفقوا واجتمعوا على كلمة واحدة؛ الوفاء لأهل الله، والوفاء لله لأهله؛ فالله -سبحانه وتعالى- لن يضيع العاملين، وسيجزي من يفعل خيرًا بالخير، ولنكون إن شاء الله من المقبولين عند الله -تعالى-، من الثابتين المرابطين في الدنيا، ومن الفائزين هناك في اليوم الآخر، يوم يجمع الله الرسل، ويجمع الله الأمم ويقضي بين الناس جميعًا بعدله.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: علينا بالتناصح، وعلينا بالتكافل، وعلينا بألَّا نلتفتَ إلى مَنْ يُخذِّل هنا أو هناك، وعلينا أن نكون متنبهينَ لكل وسائل الإعلام بشتى أشكالها وصورها حتى لا يصل إلى قلوبنا أيُّ خَور، أو أي ضَعْف، ولنبقَ على عهدنا مع الله؛ (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ)[الْأَحْزَابِ: 23].
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: نسأل الله -تعالى- أن يُثبِّتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة، وأن يجمع شملنا، وأن يهيئ لنا مَنْ يُوحِّدنا تحتَ راية لا إله إلا الله، محمد رسول الله؛ لنكون كما كان السلف الصالح من أصحاب رسول الله، ومن التابعين بإحسان، من التابعين والقادة العظماء، الذين عرفوا للقدس حقها، وعرفوا للمسجد الأقصى مكانته، فلا يغرنكم أيها المسلمون تقلب الذين كفروا في البلاد، فأنتم أنتم أصحاب الحق في الأرض، وأصحاب الحق في المقدسات، وما أولئك إلا خائفون إذا ما دخلوا المسجد الأقصى معتدين يستبيحون حرمته، ولكن الله -سبحانه وتعالى- للظالمين بالمرصاد.
اللهم أَغِثْنا يا خيرَ غوثٍ، اللهم إنا نَستَرْزِقُكَ يا اللهُ، ونستغيثُ بوجهِكَ الكريمِ، اللهم أغثنا يا مغيثُ، اللهم اسقنا الغيثَ ولا تجعلنا من القانطين، اللهم نسألك غيثًا سحًّا غدقًا، اللهم إن بالبلاد والعباد من الشدة ما لا يكشفه إلا أنتَ، يا كاشف الهم، ويا مزيل الغم، اكشف غمنا وهمنا، بحولك وطولك وقوتك يا ربَّ العالمينَ.
ونسألك اللهم غفران الذنوب، للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
اللهم اختم أعمالنا بالصالحات وتولنا بولايتك يا ربَّ العالمينَ.
وأنتَ يا مقيمَ الصلاة: أقِمِ الصلاةَ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم