عناصر الخطبة
1/ ابتلاء الله عباده بالغِنَى والفقر 2/ مجاعة إخواننا في النيجر 3/ تقصير الإعلام والمسلمين تجاه إخوتهم في النيجر 4/ اهتمام الإعلام بأهل الكفر وبسفساف الأمور 5/ تحجيم المنافقين لإغاثة المسلمين وتباكيهم على الكفار 6/ دعوة للتصدق ابتغاء مرضاة الله وتحجيما للتنصير 7/ الشأن العظيم لمبادرات الخير .اقتباس
فبادروا -رحمكم الله- إلى إنقاذ مُهَج مسلمة ليس لها إلا أهل الصدق والإيمان، وسارعوا إليها قبل أن تسبقكم عصابات التنصير ولصوص الأعراض، ولله دَرُّ مُسْلِمٍ شمَّر لتأسيس عمل منظم يكون له أجره، وأجر من عمل فيه من بعده.
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وتابعيهم وسلم تسليما كثيرا.
عباد الله: عليكم بالتقوى فهي سعادتكم في الدنيا، ونجاتكم في الآخرة، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر:18].
أيها المؤمنون: يقول ربكم -عز وجل-: (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ ? وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سبأ:39].
قال المفسرون: إن الله -عز وجل- يوسع هذا الرزق على من يشاء من عباده، ويقدره ويضيقه على من يشاء، وليس في بسطه دليل على رضاه سبحانه، ولا في قدْرِه دليل على سخطه، ولكنه الابتلاء بالنعم والنقم، بالخير والشر ، باليسر والعسر.
ثم إن الله -سبحانه- يبتلي عباده بالقلة ليمتحن صبرهم وعفتهم، ويبتلي آخرين بالجِدَة واليُسر لينظر كيف يعملون في مال الله الذي استخلفهم فيه، أجل أيها المؤمنون! إنه من عظيم حكمة الله -عز وجل- أن يرزق أناساً دون أناس، وأن يُشبع جاراً دون جاره، وأخاً دون أخيه، وجيلا دون الذي يليه، وشعبا دون شعب؛ ليمتحن الله هذه القلوب، ليبتلي ما فيها من الرحمة والإيمان والثقة بما عند الله -عز وجل-.
وإن مما ابتلينا به، ونخاف على أنفسنا من تبعاته يوم القيامة هذه الأموال التي بين أيدينا، هذا الرزق الذي يأتينا عفواً صفواً، ونحن أوفر ما نكون راحة وأمناً واستقراراً؛ بينما نسمع ونرى كيف يعيش المسلمون من حولنا، شعوب تمزقها الحروب، وأخرى يفتك بها الفقر والجهل والوباء.
أيها المسلمون: هل أتتكم أنباء الجوع الفاتك الذي يطوي اثني عشر مليون مسلم في النيجر؟! هل سمعتم بالأمة المسلمة هناك التي تذوب تحت وطأة الجفاف؟ إنهم -أيها المسلمون- يستغيثون منذ أربع سنوات، حينما أجهدهم الجدب، وألح عليهم القحط؛ فهزلت مواشيهم، واصفرَّت زروعهم، ثم اجتاحهم الجراد فأكل الهشيم الذي خلفه الجفاف، وعدت عليهم الكوليرا فنخرت في أجسادهم، كل ذلك وهم يستصرخون إخوانهم في مشارق الأرض ومغاربها، ويستصرخون العالم المتحضر ولا رجع ولا أثر!.
لم يكن لأنينهم صدى؛ لأن فضائيات المسلمين تترنح بالفحش والغناء، لم يبلغنا نحيبهم؛ لأن الصليبيين لم يأذنوا لإعلام المسلمين بنقل مآسي المسلمين، ولم يأذنوا لنا أن نسمع لإخواننا.
أما لـمَّا طرقهم الإعصار ملأوا الدنيا ضجيجاً لما أصابهم بعض ظلمهم وفجورهم، أوصلوا أصواتهم لكل أذن، ورأتهم كل عين! توقعوا موت عشرة آلاف، فناحوا وناحت الدنيا معهم، ويطوِّق الجوع أكثر من ثمانمائة ألف طفل مسلم في النيجر، وأكثر من ثلاثة ملايين مسلم ومسلمة، ولا يحس بهم أحد.
سؤال محزن كبير لابد أن يجيب عليه سدَنة الإعلام، وحمَلة الأقلام: لماذا يتباكى العالم على ضحايا كاترينا، و مسلمو النيجر لا بواكي لهم؟! لماذا تهمي سحائب الجود العربي لإغاثة دولة متجبِّرة متكبِّرة، بطِرة، أشِرة، ملأت الدنيا ظلماً وجوراً، وروت أرضنا بدماء أبنائنا، ثم إذا استغاث الضَّعَفَة والمساكين والأبرياء من المسلمين لا تمتد إليهم يد رحمة، ولا يلين لهم قلب، ولا تَسُحُّ عليهم عين؟!.
ولقد جاء في الحديث عن رب العزة -جل جلاله- أنه يقول يوم القيامة: "يا بن آدم! استطعمتُك فلم تطعمني! فيقول: يا رب! كيف أُطعمك وأنت رب العالمين؟! فيقول: استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه؛ أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟!".
أين مدَّعو حقوق الإنسان الذين اتخذوا حقوقه ذريعة لإفساد نسائه؟ أين هم عن اثني عشر مليون إنسان يفريهم الجوع، وتفتك بهم الأمراض؟!.
وإذا كانت النساء شغلهم الشاغل، فأين هم عن المرضِعات الجائعات، اللواتي جفَّت أثداؤهن من الجوع، وصغارهن يتضاغون في حجورهن؟! أين هم من الحوامل يمتن هزالاً؟! أين هم عن الصبايا المحصنات يساوَمْن على أعراضهن بحفنة شعير أو دخن؟.
ألا ويل لقُطَّاع الطرق، ومغاليق الخير، ومفاتيح الشر، الذين عرقلوا عمل الجمعيات الخيرية، وخنقوا أموالها، وحاصروا وفودها، فقد كانت تلك الجمعيات تكفُّ عنا بعض اللائمة، وتعفينا من بعض المسؤولية، كان بعض شبابنا يقوم بشيء من واجبنا لإخواننا في مشارق الأرض ومغاربها، واليوم، وبعد أن شنشن عليها أهل العلمنة والنفاق، مَن هم سفراؤنا إلى إخواننا؟ مَن يحمل لهم مشاعرنا وبعض ما تسخو به نفوسنا؟ مَن يحتسب على الله ويخرج ليزاحم جمعيات التنصير، ومافيا الأطفال والبغاء، وتُجَّار الأعضاء البشرية؟! مَن يحتسب على الله، ويخرج إلى الضعفة المساكين، ويقول لهم: إن إخوانكم هناك ما نسُوكم، ولم يتجاهلوا مصيبتكم؟.
هل سيخرج إليهم المنافقون الذين حاربوا جمعيات الخير ومؤسسات الإغاثة؟ أم أنهم مشغولون بالبكاء على ضحايا كاترينا؟! اتسعت إنسانيتهم لأعدائنا، ورحبت حتى شملت كلابهم وقططهم، ولكنها ضاقت عن إخوة التوحيد، وأشقاء الإسلام، ناحت أقلامهم على كل عدو ومبتدع، ولكنها خرست إزاء أمة مسلمة أخمدتها المسغبة والبأساء!.
أيها المسلمون: انفذوا إلى إخوانكم بأية وسيلة، عن طريق البعوث الفردية، أو الجمعيات التي لا زالت قائمة؛ أغيثوهم فإنهم يموتون منذ أربع سنوات، كل ما وصلهم لم يزد على ثلاثين مليون دولار، في حين وصل ضحايا كاترينا في أربعة أيام ما قد علمتم!.
هؤلاء المساكين لن يغيثهم المراؤون ولا أهل المصالح، ليس لهم إلا أهل الصدق الذين يقولون: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا) [الإنسان:9-10].
أجل أيها المسلون: أطعموهم، فكلكم جائع إلا مَن أطعمه الله، واكسوهم، فكلكم عارٍ إلا من كساه الله، قال صلى الله عليه وسلم: "أيما مسلم كسا مسلماً ثوباً على عُرْيٍ كساه الله من خضر الجنة، وأيما مسلم أطعم مسلماً على جوع أطعمه الله تعالى يوم القيامة من ثمار الجنة، وأيما مسلم سقى مسلماً على ظمأ سقاه الله تعالى يوم القيامة من الرحيق المختوم" رواه أحمد وأبو داود.
وقال صلى الله عليه وسلم: "أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله -عز وجل- سرور تُدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً".
وعن أبي مالك الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن في الجنة غرفاً يُرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، أعدها الله تعالى لمن أطعم الطعام، وأفشى السلام، وصلى بالليل والناس نيام".
أيها المسلمون: إن وراءكم يوماً عبوساً، وعقبة كؤوداً، لا ينجو منها إلا من اقتحمها، (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) [البلد:11-16].
فيوم الجوع والمسغبة، والفقر، والمرض الشديد الذي يمر بإخواننا هناك هو فرصة الخائفين من النار، والمشفقين من عذاب الله، هو باب النجاة.
أخرج صاحب الدر المنضود: أنه أصاب الناس قحط في خلافة أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، فلما اشتد بهم الأمر جاؤوا إلى الصديق، وقالوا: يا خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-! إن السماء لم تمطر، وإن الأرض لم تنبت، وقد توقع الناس الهلاك، فما تصنع؟ فقال: انصرفوا واصبروا، فإني أرجو الله ألا تمسوا حتى يفِّرج الله عنكم.
فلما أصبحوا خرجوا يتلقونها، فإذا هي ألف بعير موثوقة برًّا وزيتاً ودقيقاً، فأناخت بباب عثمان -رضي الله عنه- فجعلها في داره، فجاء إليه التجار، فقال: ما تريدون؟ قالوا: إنك تعلم ما نريد. فقال: كم تُرْبحونني؟ قالوا: الدرهم بدرهمين. قال: أُعطِيتُ زيادةً على هذا، قالوا: أربعة. قال: أعطيت أكثر. قالوا: خمسة. قال أعطيت أكثر. قالوا: ليس في المدينة تجار غيرنا، فمن الذي أعطاك؟ قال إن الله أعطاني بكل درهم عشرة دراهم، أعندكم زيادة؟ قالوا: لا، قال: فإني أشهدكم الله تعالى أني جعلت ما حملَت العير صدقة لله على الفقراء والمساكين. باعها لله، والله اشترى، جعلها في أكباد الجائعين، وأهل المسغبة المساكين.
فاستدفعوا عذاب الله بالصدقة، واستجلبوا رضاه بالإحسان، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة:267-268].
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين. أيها المؤمنون، اتقوا ربكم، واعلموا أن لمبادرات الخير في الإسلام شأناً عظيماً، فالشرع العظيم يشيد بالمبادرين الذين يفتحون أبواب الخير أمام الناس ويدلونهم عليه، وينصبون من أنفسهم قدوات ونماذج إحسان تُحتذَى.
عن المنذر بن جرير عن أبيه قال: كنا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صدر النهار، قال: فجاءه قوم حُفاة عراة مجتابي النِّمار أو العباءة، متقلدي السيوف، عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر، فتمعر وجه الرسول -صلى الله عليه وسلم- لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالاً –رضي الله عنه- فأذن وأقام، فصلى ثم خطب، فقال: "(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر:18]".
"تصدَّق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره"، حتى قال: "ولو بِشِقِّ تمرة"، فقال: فجاء رجل من الأنصار بصُرَّةٍ كادت يده تعجز عنها، بل قد عجزت، قال: ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتهلل كأنه مذهبة، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن سن في الإسلام سنة حسَنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن يُنقص من أجورهم شيئاً، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أو زارهم شيئاً".
فبادروا -رحمكم الله- إلى إنقاذ مُهَج مسلمة ليس لها إلا أهل الصدق والإيمان، وسارعوا إليها قبل أن تسبقكم عصابات التنصير ولصوص الأعراض، ولله دَرُّ مُسْلِمٍ شمَّر لتأسيس عمل منظم يكون له أجره، وأجر من عمل فيه من بعده، واعلموا أن المنظمات العالمية الكبرى إنما هي في أصلها فكرة فرد أصر عليها، وحشد لها حتى تعاظمت فصارت كياناً له أثره.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم