عناصر الخطبة
1/فوائد وعبر من نزول المطر 2/من آداب المطر 3/حكم قول مطرنا بنوء كذا 4/أحوال الناس مع المطر 5/هل نزول المطر دليل على رضا الله؟ 6/أسباب نزول المطراقتباس
المطر في غالب حاله نعمة، وقد يكون عامل تمحيص وبلاء للمؤمنين، فكأنما هو ناقوس خطر يدعو الناس إلى أن يرجعوا إلى دينهم، ولا يكون المطر نقمة إلا لعقوبة مستحقة. والناس في حالهم مع المطر يتقلبون تجاهه بين رغبة ورهبة؛ ففي حال يقولون لقد نضب الآبار، ويبست الأشجار، وذبلت الأزهار، وقلت الثمار، ومات الزرع، وجف الضرع، وأوشكت القلوب أن...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
سبحان الواحد الأحد، سبحان الوهاب، سبحان من بيده ملكوت كل شيء، القائل: (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ)[الحجر: 21].
أيها الإخوة: إن في نزول الأمطار وتصريفها بين البلاد عبرة، عبرة لأولي الأبصار.
وفي ذلك أيضا إعادة للتوازن بين الرجاء والخوف في قلب المؤمن، وقد نص على ذلك في قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مَاء فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)[الروم: 24].
ولقد تكرر التوجيه في القرآن إلى التفكر في نعمة الله بإنزاله الغيث، وما تحتوي عليه هذه النعمة من دلائل وعبر.
ففي الغيث إحياء لحسن الظن بالله -تعالى-، فإنه لا قنوط في قلب المؤمن من رحمة الله: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ)[الشورى: 28]
وفي الغيث أيضا إحياء للنباتات من كل الأصناف، قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)[الأنعام: 99].
وفيه كذلك بيان بقدرة الله على جمع أصناف الثمار والزروع والنباتات والأشجار كلها على ماء واحد، فسهل بذلك الرزق، وسهله لعباده من تلك الثمار، فقد قال تعالى: (وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)[الرعد: 4].
وقال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاء وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَإِن كَانُوا مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ * فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[الروم: 48-50].
في هذه الآية الأخيرة: إشارة واضحة إلى تشابه المشهدين: مشهد خروج الزرع من باطن الأرض بعد نزول الغيث، ومشهد خروج الموتى من باطنها بماء ينزله الله -تعالى- من السماء.
ففي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو، وفيه: قال في الحديث الطويل: "... ويصعق الناس ثم ينزل الله مطرا كأنه الطل، فتنبت منه أجساد الناس، ثم ينفخ فيه أخرى، فإذا هم قيام ينظرون".
ولقد قال في آية أخرى تحمل هذه الإشارة أيضا: (وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاء مَاء بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ)[الزخرف: 11].
وفي آية أخرى قال: (وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ)[ق: 11].
وقال سبحانه مبينا فضله على عباده بإخراج الثمرات وبالتسخير، وبالتنزيل: (اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ)[إبراهيم: 32].
وقال سبحانه ممتنا على عباده إفادتهم من مياه الأمطار، وخزنه لهم، داخل الأرض من تلك الأمطار وشربهم منها: (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ)[الحجر: 22].
مياه الأمطار الجوفية التي يتنعم بها الناس، قال سبحانه: (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا)[الفرقان: 48-50].
ولقد صرفنا هذا المطر بينهم بتغيير مواقع نزوله ومقاديره ليذكروا، ولكن أكثر الناس يأبون إلا كفر النعمة، والإعراض عن العبرة -نسأل الله العافية-.
معاشر الإخوة: إن المطر لا ينزل إلا بإذن الله، وما العوامل الطبيعية التي تتسبب بنزوله إلا أسباب خلقها الله -تعالى- وقدرها بحكمته.
ومن نسب نزول المطر لغير الله -تعالى- فقد تعرض للكفر؛ فعن زيد بن الجهني أنه قال: "خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام الحديبية، فأصابنا مطر ذات ليلة، فصلى بنا صلى الله عليه وسلم الصبح، ثم أقبل علينا، فقال: "أتدرون ماذا قال ربكم؟" قال قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: "قال الله أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال مطرنا برحمة الله وبرزق الله وبفضل الله وهو مؤمن بي كافر بالكواكب، وأما من قال مطرنا بنجم كذا فهو مؤمن بالكوكب كافر بي".
أيها المسلمون: الماء أصل النماء، يفوق الهواء والغذاء والكساء والدواء، وهو عنصر الحياة، وسبب البقاء، يقول سبحانه: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) [الأنبياء: 30].
من الذي أنشأه وأنشأ مكوناته إلا الله؟ ومن الذي أنزله من سحائبه إلا الله؟
(أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ * لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ)[الواقعة: 68- 70].
ينبغي أن ننظر إلى المطر نظرة إيمانية شاملة؛ فنحس بفضل الله علينا وعلى الناس.
فالمطر في غالب حاله نعمة، وقد يكون عامل تمحيص وبلاء للمؤمنين، فكأنما هو ناقوس خطر يدعو الناس إلى أن يرجعوا إلى دينهم، ولا يكون المطر نقمة إلا لعقوبة مستحقة.
والناس في حالهم مع المطر يتقلبون تجاهه بين رغبة ورهبة؛ ففي حال يقولون لقد نصب الآبار، ويبست الأشجار، وذبلت الأزهار، وقلت الثمار، ومات الزرع، وجف الضرع، وأوشكت القلوب أن تيأس، وبينما هم كذلك إذ برحمة الله تنزل، فرويت الأرض، وجرت الوديان، وامتلأت الآبار، وسالت العيون، وفاضت السدود، ووالله لولا الله، ما سقينا، ولا تنعمنا بما أوتينا -فنسأل الله بدوام فضله-.
وفي حال آخر: عندما يزيد الأمر صعوبة؛ إما بسبب غزارة المطر، أو بسبب البنية التحتية، وسوء إعدادها لتحمل موسم الأمطار، فتمتلئ بسبب رداءة بنية الشوارع، ويتضرر الناس، تراهم يدعون ربهم أن يصرف المطر عنهم، إلى الأودية، ومنابت الشجر.
في صحيح البخاري من حديث أنس قال: أصابت الناس سنة على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، فبين النبي -صلى الله عليه وسلم- في يوم جمعة قام أعرابي، فقال: يا رسول الله هلك المال، وجاع العيال، فادع الله لنا، فرفع يديه، وما نرى في السماء قزعة -أي قطعة من الغيم-، وقال: "اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، اللهم اسقنا".
فو الذي نفسي بيده ما وضعها -أي يديه- حتى سار السحاب أمثال الجبال، ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر عن لحيته صلى الله عليه وسلم، فمطرنا يومنا ذلك، ومن الغد، وبعد الغد، والذي يليه، حتى الجمعة الأخرى، والمطر ينزل.
ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائم يخطب، فاستقبله قائما، فقال: "هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يمسكها، فتبسم النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم قال: "اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظِّرَاب، وبطون الأودية، ومنابت الشجر".
يقول فكشفت المدينة فجعلت تمطر حولها، ولا تمطر في المدينة قطرة، يقول أنس: "فنظرت إلى المدينة، وإنها لفي مثل الإكليل، يشع ما حولها".
فهذا هو حال الناس مع نعمة المطر، والله -سبحانه- يحب من عباده اللجوء إليه في السراء والضراء؛ إما لجلب نفع، أو لدفع ضر؛ ففي ذلك اللجوء دلالة على اجتماع الخوف والرجاء في قلب المؤمن، وفيه أيضا دلالة على قرب المؤمن من ربه، وإيمانه به، ولذلك قال تعالى في معرض ثنائه على أنبياءه: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)[الأنبياء: 90].
معاشر الإخوة: هل نزول المطر دليل على رضا الله بالضرورة؟
إن إنزال المطر ليس بالضرورة رضا الله عن خلقه، فها هي دول الكفر والفجور ينزل عليها المطر يوميا، على مدار العام، فالدنيا بكل ما فيها، وما تحتوي من لذائذ وشهوات، ليست محل تفضيل، ولا زكاة.
ففي صحيح الترغيب عن عبد الله بن مسعود قال: "إنَّ اللَّهَ قسَّمَ بينَكم أخلاقَكم كما قسَّمَ بينَكم أرزاقَكُم، وإنَّ اللَّهَ يؤتي المالَ من يحبُّ ومن لا يحبُّ، ولا يؤتي الإيمانَ إلَّا من أحبَّ، فإذا أحبَّ اللَّهُ عبدًا أعطاهُ الإيمانَ...".
ولما دخل عمر على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال واصفا وضع النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيته: "وَإِنَّهُ لَعَلَى حَصِيرٍ مَا بَيْنهُ وَبَيْنَهُ شَيْءٌ، وَتَحْتَ رَأْسِهِ وِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ، حَشْوُهَا لِيفٌ، وَإِنَّ عِنْدَ رِجْلَيْهِ قَرَظًا مَصْبُورًا، وَعِنْدَ رَأْسِهِ أَهَبٌ مُعَلَّقَةٌ، فَرَأَيْتُ أَثَرَ الْحَصِيرِ فِي جَنْبِهِ فَبَكَيْتُ، فَقَالَ: "مَا يُبْكِيكَ؟" فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ كِسْرَى وَقَيْصَرَ فِيمَا هُمَا فِيهِ وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ".
وفي لفظ قلت: "أفلا أبكي وهذا الحصير قد أثر في جسدك، وهذه خزانتك أرى فيها ما أرى، وهذه كسرى في الثمار والأنهار، وأنت رسول الله وصفوته وهذه خزانتك؟!" فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: "أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَلَنَا الآخِرَةُ؟" قلت: "بلى".
فلا يظن الواحد منا أن هذا المطر دليل على رضا الله عن العباد بالضرورة، أو أنه جزاء مستحق لما قدمناه من أعمال، نقول هذا وفينا من لا يزال مُصرا على الذنوب والعصيان، أو الظلم والعدوان، أو التقصير في حق الله -تعالى-؛ فليست القضية بالمكافأة، بل هي رحمة الله الواسعة، ووالله ثم والله لولا رحمة الله بنا وحلمه علينا، ما رأينا خيرا قط.
نعم قد ينزل المطر بسبب دعوة رجل صالح، أو صبي، أو رحمة بالبهائم؛ كما جاء في سنن ابن ماجة من حديث عبد الله بن عمر قال: "أقبل علينا رسول الله، فقال: "يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ، وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا... " [الحديث].
فنزول المطر وإن كان في أصله نعمة إلا أن له أيضا حكما ربانية، غيبية، فقد يكون بسبب استسقاء عباده الصالحين المضطرين، وقد يكون نزوله استدراجا من الله -تعالى- لخلقه، وقد يكون تنبيها للمؤمنين المقصرين، حتى يرجعوا إليه.
نسأل الله -تعالى- أن يرزقنا شكر نعمته، وأن يرزقنا الإنابة إليه تعالى.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- محمد بن عبد الله سيد المرسلين، وسيد المتقين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى من سار على نهجه، واستن بسنته إلى يوم الدين.
وبعد:
فأسأل الله -تعالى- أن يجعلنا شاكرين لنعمه، ثابتين على هدي نبيه -صلى الله عليه وسلم-، ونسأله أن يجعل الغيث مبارك علينا لا ضرر فيه.
اللهم ألهمنا الرشد في شؤوننا كلها...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم