عناصر الخطبة
1/رضى الله هو أغلى أماني المسلم 2/من أشد العقوبات وأقساها 3/ذنوب تحرم أصحابها من نظر الله إليهم في الآخرة 4/الحث على التوبة والاستقامة على الحق.اقتباس
كيف لو أعرض الله عنك، ولم ينظر إليك، وأنساك نفسك، ووكلك إلى عملك؛ فكيف بك؟ وخاصة يوم القيامة.. في أصعب الأوقات وفي أحرج المقامات، وفي يوم الأهوال ترى الله معرضًا عنك لا ينظر إليك ولا يكلمك.. فمن هم أولئك المحرومون؟..
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله: إن العبد العاقل يحرص على رضى الله مهما كلَّفه الأمر من المشاقّ ومن الصعاب فإنه لا يتوانى ولا يتأخر، ولا يبخل ولا يكسل؛ فإن رضى الله هو أغلى الأماني.
فَلَيْتَكَ تَحْلُو وَالحَيَاة ُ مَرِيرَة ٌ *** وَلَيْتَكَ تَرْضَى وَالأَنَامُ غِضَابُ
وَلَيْتَ الذي بَيْني وَبَيْنَكَ عَامِرٌ *** وبيني وبينَ العالمينَ خرابُ
إذا صَحَّ منك الودّ فالكُلُّ هَيِّنٌ *** وكُلُّ الذي فَوقَ التُّرابِ تُرابُ
إذا رضي الله عنك أحبك، وأرضى عنك الخلق، وجعلهم يحبونك, وإذا أبغضك الله كرهك الخلق, ومن كرهه الله وأبغضه عاقبه، والحرمان من نظر الله إلى العبد من أشد العقوبات ومن أقساها, لو كان عندك حبيب إلى قلبك، ثم تراه لا ينظر إليك ولا يعيرك اهتمامًا ولا يوليك بالاً كيف بك؟
ولله المثل الأعلى، كيف لو أعرض الله عنك، ولم ينظر إليك، وأنساك نفسك، ووكلك إلى عملك فكيف بك؟ وخاصة يوم القيامة.. في أصعب الأوقات وفي أحرج المقامات، وفي يوم الأهوال ترى الله معرضًا عنك لا ينظر إليك ولا يكلمك.
وإن ذلك سيكون لا محالة؛ سيُعرض الله عن أناس، ويصرف نظره عنهم، وذلك الحرمان وتلك العقوبة والكربة, فمن هم أولئك المحرومون؟ ومن هم أولئك الأشقياء؟ تأملوا معي واجعلوا هذا الأمر غاية اهتمامكم.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَومَ القِيامَةِ ولا يُزَكِّيهِمْ"، قالَ أبو مُعاوِيَةَ: "ولا يَنْظُرُ إليهِم، ولَهُمْ عَذابٌ ألِيمٌ؛ شيخٌ زانٍ، ومَلِكٌ كَذّابٌ، وعائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ"(صحيح مسلم)؛ "شيخ زانٍ" أي: شابت لحيته ورأسه، ويتعرّض لمحارم الناس, ما أنذره الشيب، ولا زجَره الكبر، ولا منعه عقله ومعرفته بربّه, والزنا شنيع ومحرم، لكنه من الكبير أشنع.
وكذلك في الحديث حرمة الكذب لكنه من المَلِك وذي السلطان أشنع؛ لأن السلطان ليس لديه ما يضطره إلى الكذب. وكذلك في الحديث حرمة الكِبْر، ولكنه من العائل الفقير أشنع؛ فهو فقير ومعدم ومكابر، ويتعب نفسه كي يجاري الناس ويسايرهم في كل شيء.
في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ثَلَاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَومَ القِيَامَةِ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ: رَجُلٌ حَلَفَ علَى سِلْعَةٍ لقَدْ أَعْطَى بهَا أَكْثَرَ ممَّا أَعْطَى، وَهو كَاذِبٌ، وَرَجُلٌ حَلَفَ علَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ بَعْدَ العَصْرِ؛ لِيَقْتَطِعَ بهَا مَالَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ، وَرَجُلٌ مَنَعَ فَضْلَ مَاءٍ، فيَقولُ اللَّهُ: اليومَ أَمْنَعُكَ فَضْلِي كما مَنَعْتَ فَضْلَ ما لَمْ تَعْمَلْ يَدَاكَ", فكم نسمع في أسواقنا؛ في أسواق الغنم ومعارض السيارات ومكاتب العقارات من الأَيْمان الكاذبة! أنه قد أُعْطِي كذا، وأُعْطِي كذا، وهو كاذب!, وكم سمعنا عن أناسٍ حلفوا على الكذب واقتطعوا بها حقوق المسلمين ومزارعهم وسواقيهم وأراضيهم.
وفي صحيح مسلم عن أبي ذر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَومَ القِيامَةِ، ولا يَنْظُرُ إليهِم ولا يُزَكِّيهِمْ ولَهُمْ عَذابٌ ألِيمٌ"؛ قالَ: فَقَرَأَها رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ثَلاثَ مِرار، قالَ أبو ذَرٍّ: خابُوا وخَسِرُوا، مَن هُمْ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: "المُسْبِلُ، والْمَنَّانُ، والْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بالحَلِفِ الكاذِبِ".
المنان الذي يعطي وعند الاختلاف معه يَمُنّ يقول: قد أعطيت وفعلت وأنفقت, والمنفق سلعته بالحلف الكاذب يحلف على كل شيء يبيعه لينفق سلعته وهو كاذب.
والمسبل إزاره وهو الذي يطول ثوبه أو سرواله أو بشته أو إحرامه إلى أسفل الكعبين, وهذا تهاون وتساهل وغفلة عند المسبلين؛ إن الله لا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يكلمهم ولا يزكيهم, وقال -صلى الله عليه وسلم-: "ما أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ مِنَ الإزَارِ فَفِي النَّارِ"(صحيح البخاري).
ولا فائدة من وراء الإسبال، ولا مصلحة ولا منفعة ولا زينة حتى لو كانت تلك كلها في الإسبال؛ فإنه محرم أربع عقوبات كل واحدة أشد من الأخرى.. لا يكلمهم الله يوم القيامة, ولا ينظر إليهم, ولا يزكيهم, ولهم عذاب اليم.
هذا لمن أسبل فقط؛ فكيف بمن أسبل خيلاء، يتخايل نفسه ومعجب بها وهو يجرجر ثوبه أو بشته على الأرض؛ فإن العقوبة أشد وأعظم قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَومَ القِيَامَةِ"(صحيح البخاري).
فنعوذ بالله من الخذلان, أعمال يحتقرها البعض منا, لا يلقون لها بالاً, لا يظنونها حرامًا متساهلون أو جاهلون أو معاندون, وفيها من الخطورة ما سمعتم، قال حذيفة -رضي الله عنه-: "كانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي"(صحيح البخاري ومسلم).
عباد الله: قال -تعالى-: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[سورة الحشر: 7], وقال -جل شأنه-: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا)[سورة الأحزاب: 36], فلنتفقد أنفسنا ونرجع إلى صوابنا ونتوب إلى ربنا ونترك الكبر والعناد والتجاهل.
اللهم قنا شرّ أنفسنا وشر الشيطان وشركه, واجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه برحمتك يا أرحم الراحمين.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى.
عباد الله: لا يزال الحديث عن أناس أخبرنا الله بعقوبتهم يوم القيامة, أخبرنا لنتعظ ونحذر.
قال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: "ثلاثٌ لا يدخُلونَ الجنَّةَ، ولا ينظرُ اللَّهُ إليهم يومَ القيامةِ: العاقُّ والدَيهِ، والمرأةُ المترجِّلةُ المتشبِّهةُ بالرِّجالِ، والدَّيُّوثُ"(جلباب المرأة للألباني إسناده صحيح أخرجه مطولاً النسائي، وأحمد واللفظ له).
هؤلاء الأصناف الثلاثة محرومون مِن نظر الله يوم القيامة؛ العاقّ لوالديه وما أكثر العقوق والعاقين!, عاقين لآبائهم وأمهاتهم, ومفضلين وبارّين زوجاتهم وأصدقائهم, موازين مقلوبة.
كم من أب وأمٍّ يعيشون لوحدهم وأبناؤهم وبناتهم يملؤون الأرض غدوًا أو رواحًا!, كم من أبٍ وأمٍّ في صدورهم حاجات وحاجات ومن حيائهم لا يبثونها!, والبار الصادق هو الذي يفتّش عنها وينقّب عنها حتى يستخرجها ويلبيها ويحققها.
يا مَن يدّعي البِرّ! لا تنتظر حتى يسألك الوالدان, لا تنتظر حتى يكرروا ويتصلوا وترتفع أصواتهم ويأمرون، بل عليك أن تبادر وتسأل قبل الأوامر والزواجر.
أما المرأة المترجلة المتشبهة بالرجال؛ فهي التي لا حياء فيها, تُزَاحم الرجال بقصة شعرها وبلباسها وبصفة مشيتها وحديثها.
أما الديوث فهو الذي يُقِرّ الخبث في أهله، يراهم على الخبث أو يعلمهم عليه، ثم لا يحرك ساكنًا ولا تثور غيرته, فهذا متوعَّد بعذاب الله -عز وجل- وإعراضه عنه يوم القيامة.
ومن المحرومين من نظر الله -تعالى- سارق صلاته, فهو أسوأ الناس سرقةً ذلك الذي يسرق من صلاته, قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا ينظرُ اللهُ إلى صلاةِ عبدٍ لا يُقِيمُ فيها صُلْبَه بين ركوعِها و سُجودِها"(صحيح الترغيب للألباني، وقال: حسن صحيح).
فإذا ركع يرفع ظهره قليلًا، ثم يسجد مستعجلاً غير مطمئن, فتلك صلاة ناقصة مسروقة على صاحبها أن يُعيدها فإن الله لم ينظر إليها.
فلنتق الله يا عباد الله، ونراجع أنفسنا ونراجع أعمالنا ونعرضها على كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فما وافقها أثبتناه، وما خالفها تركناه, حتى لا نُعرِّض أنفسنا لعقوبة الله.
(رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ)[سورة آل عمران: 8], (رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا)[سورة الكهف: 10].
وصلوا وسلموا…
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم