عناصر الخطبة
1/العقل ميزة الله للإنسان 2/كثرة مفسدات العقل في زماننا 3/ضرر الملهيات على عقول الشباب 4/تضييع كثير من الآباء لأبناهم 5/الإنترنت بوابة إلى الفساداقتباس
إن ما نشهده من التفكك الأسري, والانحلال الأخلاقي, والانحراف الفكري, كله وصل لنا عن طريق الشبكة العنكبوتية الإنترنت, فمن أراد العافية, فليجتهد في ضبط هذه الشبكة في بيته ومع أولاده, فوالله إن العافية والسعادة التي يبحث عنها الكثير...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
أما بعد:
فيا أيها الناس: لقد رزق الله الإنسان العقل, وميزه به عن البهائم, وذلك أن الله كلفه فوهبه عقلا يفهم؛ به ليقوم بالتكاليف, وأمره بالمحافظة على هذا العقل, وحرم عليه كل ما يضره أو يفسده, فحرم المسكرات والمخدرات, ونهى عن الخوض في الشبهات, كل ذلك حراسة للعقل أن يصيبه ما يضره, أو يفسده.
أيها المؤمنون: في هذه الأزمنة كثرت مفسدات العقل, فظهر أثرها على المجتمعات, وخصوصا على الشباب, الذي يكثر جلوسهم مع الأجهزة الإلكترونية؛ سواء للعب, أو المحادثات, أو الاطلاع على ثقافات الآخرين, وكيف يعيشون؟.
ولا يخفى عليكم ما تمتاز به مرحلة الشباب عن غيرها من المراحل العمرية التي يمر بها الإنسان بالطاقة والعنفوان، وهذا ما يولد الدافع لدى هذه الفئة المهمة في المجتمع إلى البحث عما يهدرون به طاقاتهم, ويفرغون به إبداعاتهم، وإذا لم يجد الشباب ما يشغلهم من العمل والفكر الصحيح؛ فإنهم يضيعون طاقاتهم وأثمن أوقات حياتهم فيما لا ينفع, بل وربما صرفوا هذه الفترة المهمة من حياتهم فيما يجلب لهم الضرر الجسمي أو الفكري.
ونرى في وقتنا الحاضر العديد من الملهيات التي تستهدف فئة الشباب التي يخصصون لها الكثير من أوقاتهم بشكل يومي، بداية من مواقع التواصل الاجتماعي, ووصولاً إلى منصات الأفلام والفيديوهات التي تحظى اليوم باهتمام الغالبية من فئة الشباب, وغيرها من الألعاب والتوافه التي تدمر العقل, وتضل الفكر, وتسلخ الشاب من دينه وهو لا يشعر؛ فلقد جندت لهذه القنوات المليارات لغزو الشباب والمجتمعات والقيم, وسلخهم من هويتهم وقيمهم.
وإن الناظر إلى أولياء الأمور قل أن يجد من يعتني بأولاده ويتابعهم, ويشغل وقتهم بالمفيد, بل على العكس, يحضر لهم كل ما يريدون, ويضع عندهم النت المفتوح, ثم يتركهم بين هذه الأمواج المتلاطمة من الفتن, فلا تعجب إن خرج من بينهم من يقتل أمه وأباه, أو يقتل نفسه, أو ينسلخ من الدين فيلحد, أو ينضم إلى جماعات وجمعيات مشبوهة, أو يفر من أهله وبلده ويهاجر إلى بلاد الكفر!.
عباد الله: إن الأمر خطير جدا, ومع الوقت يتفاقم خطره, وكل يوم نسمع بضحايا تلك الوسائل, وإن شئت قل ضحايا إهمال الآباء في متابعة أولادهم, ووالله إن الإهمال كبير, كل ذلك من باب الترفيه على الأولاد, وكذلك هروب الوالدين من ضجيج الأطفال, فلا يريدون الإزعاج, فيشغلونهم بتلك الأجهزة التي تجذبهم فلا تسمع لهم همسا!.
إن الله سائل كل راع عن رعيته, أحفظ أم ضيع؟ فليست المسألة فساد العقول فقط, بل المسألة أمانة ضيعت, أخرج البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث معقل بن يسار قال: سمعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ؛ إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ", وفي رواية لمسلم: "ثُمَّ لاَ يَجْهَدُ لَهُمْ وَيَنْصَحُ".
قال شيخنا ابن عثيمين -رحمه الله-:"مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللّهُ رَعِيَّةً"؛ وهذا يشمل الرعاية العامة، والرعاية الخاصة، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها", وإذا قلنا بهذا صار الإنسان مسؤولاً في أهله, في حياته وبعد مماته، وأنه يجب أن يحذر، وأن ينصح لرعيته التي استرعاه الله عليها."
أيها المسلمون: نحن في الحقيقة بحاجة إلى آباء يرون أولادهم أهم مشروع في حياتهم, بل أعظم وقف لهمم بعد مماتهم, فيجتهد في النصح لهم, ويفرغ وقته لهم؛ فهم استثمار ناجح في الحياة وبعد الممات, وفي الآخرة .
اللهم اهد شباب المسلمين, وردهم إليك ردا جميلا, أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ, فَاسْتَغْفِرُوهُ وتُوبُوا إليهِ؛ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
أما بعد: فيا أيها الناس: إن الأمر خطير فلا تستهينوا به, واجتهدوا في معالجته, ولا يغرنكم كثرة الهالكين, فثقافة الغرب انتقلت إلينا بحلوها ومرها, وهذا ما حدى بكثير من المنحرفين فكريا, أن ينسلخ من دينه؛ لأنه طبق نظام الغرب الكافر الذي لا يوجد فيه صلات اجتماعية, ولا عرقية, ولا ضوابط دينية, وهذا ما أنتج عندنا النسويات, وفتح باب الطلاق والخلع على مصراعيه, هل تعلمون أن المحاكم السعودية شهدت في عام 1441هـ تقدم قرابة ثلاثا وأربعين ألف امرأة يطالبن بالخلع من أزواجهن, وكشفت الإحصائية أن أكثر المتقدمات للخلع موظفات ومستقرات في أعمالهن!.
إن ما نشهده من التفكك الأسري, والانحلال الأخلاقي, والانحراف الفكري, كله وصل لنا عن طريق الشبكة العنكبوتية, الإنترنت, فمن أراد العافية, فليجتهد في ضبط هذه الشبكة في بيته ومع أولاده, فوالله إن العافية والسعادة التي يبحث عنها الكثير -وقد ضيع أولاده من أجل البحث عنها- هي في تربية الأولاد على وفق ما يمليه شرعنا الرباني؛ فإنك إذا أعطيت ابنك أو بنتك جوالا وإنترنت, وتركته يرتع حيثما شاء, فقد أهلكت ولدك من حيث لا تشعر, وقذفته إلى الهاوية, فكلنا ندخل إلى عالم الانترنت ونرى ما يعرض فيه, بل يعرض عليك فرضا ولو لم تبحث عنه و تحاشيته, ألا فلنتنبه, ولنجعل لهذا الأمر ضوابط قبل فوات الأوان.
أيها الناس: ومن صور تقليد الغرب الذي انتشر في وسط المجتمع اقتناء الكلاب, والسير بها في الطرقات, ومضايقة المارة, وتقذير الأرصفة المعدة للمشي بقاذورات الكلاب, وترويع الناس, فهذا تشبه بالكفار, ومن تشبه بقوم فهو منهم, ثم اقتناء الكلاب محرم إلا ما رخص فيه الشرع, أخرج الشيخان في صحيحهما من حديث عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: "من اقتنى كلبًا, إلا كلب ماشية أو ضاريًا؛ نقص من عمله كل يوم قيراطان"؛ ضاريًا: أي كلب صيد.
ولكن للأسف شبابنا لا يعبؤون بحلال ولا حرام إلا من رحم الله, المهم عندهم التقليد واتباع الموضات والتقليعات الأخيرة, وهذا كله من وراء إهمال ولى الأمر, ألا فارعوا رعايتكم بخير؛ فإنكم مسؤولون.
اللهم وفقنا لهداك, واجعل عملنا في رضاك يا رب العالمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم