عناصر الخطبة
1/خطر الفشل والإخفاق في الحياة الزوجية 2/بعض الحكم والعبر المستفادة من الفشل والإخفاق في المشاريع 3/أضرار الفشل والإخفاق في الحياة الزوجية 4/دور الزوج في الفشل والإخفاق في الحياة الزوجية 5/دور الزوجة في الفشل والإخفاق في الحياة الزوجية 6/دور أقارب الزوجين في الفشل والإخفاق في الحياة الزوجية 7/الوسائل المعينة على علاج الفشل والإخفاق في الحياة الزوجيةاقتباس
أيها الإخوة الكرام: إن الإخفاق في عمل ما، قد يجعل صاحبه يعيد النظر فيه، ويرسم الخطط الناجحة له؛ فالذي يخفق في تجارته مثلا يندفع نحو دراسة الأمر جيدا، ومعرفة ما يقدم عليه معرفة كاملة، وأخذ الموعظة والعبرة، والدرس البليغ من الخسارة الماضية، فيقدم على التجارة، وهو أكثر حنكة ودراية وحذرا. وإن الإخفاق في الدراسة يدفع الطالب نحو شحذ الهمة، ومضاعفة الجهد، وإعادة النظر، ومعرفة قيمة النجاح، وبضدها تتميز الأشياء. والإخفاق في أي...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد كما أنت أهله، وصل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه كما هو أهله، وافعل بنا ما أنت أهله، فإنك: (أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) [المدثر: 56].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، ولو كره المشركون.
أما بعد:
(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الروم: 21].
نلتقي اليوم مع التحذير من أمر خطير، ألا وهو: "الفشل والإخفاق في الحياة الزوجية".
تلكم الحياة التي أرادها الله أن تكون نواة المجتمع، في خلية هي أسس راسخة من أسس المجتمع، جزء عظيم لا يتجزأ من بنيان المجتمع، إذا صلحت تلك الخلية صلح المجتمع، وإذا فسدت فسد المجتمع.
"الفشل والإخفاق" عجز وضعف، وجهل وخور، وبعد عن الله -عز وجل- من طرف، أو سائر الأطراف.
أيها الإخوة الكرام: إن الإخفاق في عمل ما، قد يجعل صاحبه يعيد النظر فيه، ويرسم الخطط الناجحة له؛ فالذي يخفق في تجارته مثلا يندفع نحو دراسة الأمر جيدا، ومعرفة ما يقدم عليه معرفة كاملة، وأخذ الموعظة والعبرة، والدرس البليغ من الخسارة الماضية، فيقدم على التجارة، وهو أكثر حنكة ودراية وحذرا.
وإن الإخفاق في الدراسة يدفع الطالب نحو شحذ الهمة، ومضاعفة الجهد، وإعادة النظر، ومعرفة قيمة النجاح، وبضدها تتميز الأشياء.
والإخفاق في أي عمل دنيوي غالبا ما يدفع صاحبه، نحو خير منتظر.
أما "الإخفاق في الحياة الزوجية" فإن ضرره خطير، وأثره فظيع؛ لأنه يتعدى إلى أعضاء المجتمع، فيصاب الرجل بنكسة خطيرة، في عالم الاجتماع، ويصاب بفشل ذريع في نطاق الأسر، وتصاب الزوجة بمثل ذلك، ويتعدى الخطر والضرر إلى الأولاد، والأسرتين: أسرة الزوج والزوجة.
ومن هنا كان يجب على العاقل أن يتلافى كل عوامل الفشل، ويتحاشى كل أسباب الإخفاق.
وإذا أردنا أن نشخص الداء لمعرفة أسباب وعوامل الإخفاق، فهي تتلخص فيما يلي:
الزوج أو الزوجة، أو أهل كل منهما، أو أصدقاؤه أو صديقاتها: قد يكون أحد العوامل سببا للإخفاق، ومقدمة للفشل.
كيف يكون الزوج سببا للإخفاق في الحياة الزوجية؟
عندما يجهل الزوج حدود الله، ولا يعرف أوامره ونواهيه، فيتجرأ على الله -عز وجل-، فهو على الجرأة على زوجته أشد، فلا يصلي ولا يأتمر، ولا يتجنب المنكرات، ولا ينتهي عنها، فماذا يرتجى من زوج مثل هذا الزوج؟
هل يرتجى منه الإحسان إلى زوجته؟ أو المحافظة على عرى الزوجية؟ أو مراعاة أمور الزوجة والقيام بشؤونها، وهو لم يقم بأوامر الله، بل قد تركها؟! قد ابتعد عن القيام بأوامر الله، ومن ضيع الأمانة بينه وبين الله، فهو لما سواها أضيع.
ومن هنا حث الإسلام، وحض على الاختيار الحسن؛ لأن الزوج الصالح إذا أحبها أكرمها، وإذا لم يحبها لم يظلمها؛ لأنه يعرف عواقب الظالم، ونتائج العدوان، حتى على الزوجة والأولاد، بل من أشد أنواع الظلم: أن يظلم الإنسان أقرب الناس إليه.
وزوجته هي الصاحب بالجنب، أعز أصحابه، صاحبته بالحلال والمشروع، وأقربهم إليه، وأولى الناس بحسن عشرته: "خيركم خيركم لأهله".
وخيرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القائل: "وأنا خيركم لأهلي".
فالزوج بجهله بدينه، وبعده عن طاعة ربه، وتجرئه على محارم خالقه؛ يحفر قبره بظلفه، ويحدد نهايته بيده؛ لأن الله يعاقب العبد من جنس العمل، فإذا قطع الأواصر بينه وبين خالقه، قطع الله أواصره بينه وبين أحبائه، وإذا بنى العلاقة مع الآخرين على غير تقوى من الله؛ انقلبت الخلة والصداقة والعلاقة إلى عداوة، إلى بغضاء، إلى قطيعة؛ لأنها لم تؤسس على تقوى من الله.
الزوج يكون سببا للإخفاق أحيانا: بسلوكه، وتعامله مع ربه، ومع الآخرين، بلسانه وأخلاقه.
قد يكون الزوج بذيء اللسان، كثير السب والشتام، كثير اللعن، كثير الطلاق، فيجعل الحياة بينه وبين زوجه جحيما لا يطاق، وتتحول العرى المتصلة إلى حبال منقطعة، وتصبح الحياة الحلال حراما؛ بالطلاق.
وكم يأسف الإنسان عندما يعلم أن كثيرا من الناس يبقون على الصلة الزوجية، بعد أن قطعت شرعا، لا يسألون، ولا يعرفون للطلاق أثرا، ولا يحاولون أن يبحثوا عن الحكم الشرعي! فإذا طلق مرة ومرة ومرة! يراجعها في غير طليق شرعي، ويبقى معا بغير وجه شرعي! فتكون العلاقة آثمة! وتكون الصلة محرمة! ويكون الإنجاب فحشا وبغيا واعتداءً -والعياذ بالله-.
فيكون سببا للإخفاق، سببا للفشل، بالبعد عن الله، وسوء الكلام، وعدم تهذيب اللسان، اللسان الذي كثيرا ما يقطع العلاقة، ويهدم الأسر.
احفظ لسانك أيها الإنسان *** لا يلدغنك إنه ثعبان
كم في المقابر من قتيل لسانه *** كانت تهاب لقاءه الشجعان
ويسيء لسانه مع أقرب الناس إليه، وأولى الناس بحسن معاملته وعشرته، قد يحسن أخلاقه مع أصدقائه! لكنه يسيء الأخلاق، ويظهرها على حقيقتها مع زوجته، فهو ليس حريصا على الحياة الكريمة، وليس حريصا على المحافظة على الزوجة الشرعية بلسانه، بطلاقه، بسبه وشتمه، باعتدائه وظلمه، بسوء أخلاقه.
كم في الناس ممن يسيء الخلق والتعامل، فلا يتحمل أذاها، ولا يصبر على خطئها، ولا يكف أذاه عنها.
كم ممن يظلم الزوجة، وكم ممن يسيء إليها، حيث لا معين ولا نصير ولا مدافع عنها؟
كم من إنسان يعتدي ويظلم ويتساهل في هذا الظلم، ويظن أن ذلك من حقه، ولا يتذكر قدرة العزيز الجبار من فوقه؟.
إذا غرتك قدرتك، فتذكر قدرة الجبار من فوقك.
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا *** فالظلم يرجع عقباه إلى الندم
تنام عيناك والمظلوم منتبه *** يدعو عليك وعين الله لم تنم
فاستوصِ- أيها المسلم-: بزوجتك خيرا، فهي وصية حبيبك محمد -صلى الله عليه وسلم- عندما وصى أمته في حياته، وعند مماته، وهو في سكرات الموت: "استوصوا بالنساء خيرا، فإنهن عوان عندكم".
الزوج قد يكون سببا للإخفاق في الحياة الزوجية: "لا يبغض زوج زوجته إن كره منها خلقا رضي منها آخر".
أتريدها كاملة معصومة؟!
هذا لا يكون! لا بد من الصبر والتحمل، لا بد من كظم الغيظ، وضبط النفس، وملك أعصابك: "ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب".
النبي -عليه الصلاة والسلام- يعلمه ربه عواقب الغضب والانفعال، فيبين للأمة أن القوي والشديد ليس الذي يصرع صاحبه، ويغلبه بجسمه، إنما الشديد القوي هو الذي يغلب نفسه، يملك نفسه، يسيطر على نفسه، يوجه نفسه، حيث لا يندم بعد التصرف.
كم ممن يطرق أبواب القضاء والإفتاء والمحاكم؛ ليحل مشكلة الطلاق، بعد أن تعقدت؟.
الله جعل الطلاق آخر العلاج، فبلسان الإنسان الذي ينزلق في كل أمر، وبسبب وبغير سبب؛ ليحلف بالطلاق، بل إن من الغرابة والعجب أن يحلف الإنسان بالطلاق، وهو يتعامل مع الآخرين، وهو يعدهم، أو يستقبل منهم وعدا، وهو يصر على أن يفعل شيئا، أو يفعل غيره أمرا، فيحلف بالطلاق!.
ما علاقة الطلاق هنا؟! ما علاقة الزوجة بهذا الأمر؟! لما أقحمت شأن الزوجية وعلاقتك مع زوجتك في أمر دنيوي لا يمت لبيتك بصلة؟.
يحلف بالطلاق المعلق: أن يفعل كذا، أو أن يفعل هو كذا! ثم لا يفعل ذلك الفعل.
طلاق معلق يقع بمجرد أن يحصل ما علق عليه، لا يعتبر تهديدا، أو يمينا، إنما يعتبر طلاقا إذا تلفظ بألفاظ الطلاق، فإن ذلك يمين طلاق: "ثلاث جدهن جد، وهزلهن هزل: الطلاق والنكاح والرجعة".
ولو كنت مازحا، فزوجت أحدا مولتك: ابنة، أو أختا، أو غيرها، وقلت: زوجتك فلانة، قال: قبلت، أصبحت له زوجة بالعقد بالإيجاب والقبول، ولو كان الكلام مزاحا.
وكذلك لو طلقت مازحا، أو غير قاصد، فتلفظت بألفاظ الطلاق، فقد وقع الطلاق، لا ينظر إلى قصدك، إنما ينظر إلى الكلام الذي تلفظت به، وأنك تقصد هذا الكلام، سواء قصدت نتائجه، أو لم تقصد تلك النتائج.
الزوج قد يكون سببا للإخفاق: بسوء ألفاظه، وسوء كلامه، وسوء أخلاقه، وسوء معاملته.
ثم قد تكون الزوجة كذلك سببا للإخفاق في الحياة الزوجية، فلا تعرف حقوق زوجها، فتخرج بغير إذنه، وتتكشف على الأجانب، ولا تطيع له أمرا، ولا تحقق له قصدا، وتتخلف عن أوصاف الزوجة البارة الطائعة، التي إذا نظر إليها زوجها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا أقسم عليها أبرته، وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله.
لا تكون كذلك، هي غير حريصة على الجنة، وعلى دخولها، تجهل قوله عليه الصلاة والسلام: "أيما امرأة صلت خمسها، وصامت شهرها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبوابها شئت".
تكون زوجة جاهلة، زوجة ليست حريصة على دينها، ولا على طاعة ربها، فتعصي الله -عز وجل-، وتبتعد عن أوامره وفرائضه، فتقصر مع الله، وهي مع زوجها أكثر تقصيرا، فلا تطيعه، ولا تحفظه، ولا تحرص على رضاه، ورضا الزوج يؤدي إلى رضا الله -عز وجل-: "ومن ماتت وزوجها عليها غضبان لم تدخل الجنة".
وبخاصة إذا كان سبب غضبه تقصيرها في حقوقه، أو بسبب مخالفتها لأوامر ربها: "ومن ماتت وزوجها راض عنها دخلت الجنة".
عندما يرضى الزوج عنها، وهو على منهج الله، يرضيه ما يرضي الله، ويسخطه ما يسخط الله.
إن ارتكاب المنكر، والجرأة على المحارم، من الزوج أو الزوجة، عنوان الفشل، عنوان الإخفاق، عنوان تقطع العلاقات الزوجية، ومقدمة لا بد من أن تتبعها النتيجة.
قد يكون سبب الإخفاق في الحياة الزوجية أيضا: أهل الزوج: أمه، أو أخته، أو بعض أقربائه وقريباته، وذلك عندما يتدخلون في الحياة الزوجية لابنهم، أو أخيهم، يتدخلون في كل صغيرة وكبيرة.
إن الزوج والزوجة يجب أن يكونا قادرين على حل مشكلاتهما، وعلى القضاء على الخصومة بينهما، وعلى إزالة الكدر فيما بينهما.
إذا كانا عاجزين، فهذا يؤدي إلى خروج الحوادث فيما بينهما عن نطاقها، ومعرفة الآخرين بتفاصيلها، وبعد ذلك من الصعب أن ترجع العلاقة إلى صفائها ونقائها، وإلى الحب الذي ينبغي أن يكون بينهما.
فمن الحكمة: أن يبتعد الآخرون عن التدخل من أهل الزوج، وأهل الزوجة.
ولئلا يحصل الافتراء، وعدم الإنصاف أحيانا، فلا بد من إعطاء الفرصة الكاملة لها للجلوس، وحسن الخلق، من تبادل الحديث النافع بينهما، لبيان ما يلزم في شأن هذه الحياة، وما يحب وما يكره، حتى يعرف كل واحد منهما ما الذي يسر الآخر، وما الذي يزعجه.
فيحرص كل منهما على ما يشرح الصدر، ويسهل الأمر، ويقوي الود والحب، ويبعد الكدر، والملل عن العلاقة الزوجية.
هكذا ينبغي أن يكون، وينبغي أن لا يصغي الزوج إلى من يريد الشماتة فيه، وإلى من يشجعه على الطلاق، أو على ظلم الزوجة، فليست الرجولة في الأذى والظلم، إنما الرجولة في العقل والمنطق، وحسن التعامل والتدبير، والمعيشة، وتلافي الأخطاء، ومعاجلة الأحداث بحكمة وروية، وصبر وخشية لله -عز وجل-.
هذه من أهم أسباب الإخفاق-أيها الإخوة-: الإخفاق الذي يعايشه الناس كثيرا، والذي يؤدي إلى الطلاق، والطلاق الذي يهدم الأسر والبيوت، ويفكك العرى، ويقصم العلاقة.
هذا الطلاق الذي يستشرف المجتمع الإسلامي، فيصبح ظاهرة خطيرة، وتلكم الخلافات التي تتضخم في البيوت، فتؤدي إلى النفور والكراهية، إلى الهجر والقطيعة، إلى تشتت الأولاد، وضياع الأسرة، إلى النظر يمنة ويسرة، إلى الخيانات في كثير من الأحيان.
لماذا؟ لماذا كل هذا؟ ولماذا هذا الضياع وهذا البعد عن الصلاح والإصلاح؟
فسبب ذلك -أيها الإخوة-: هو: قلة الوعي الديني، وإذا كان من أسباب الأمراض الجسمية: قلة الوعي الصحي، فإن أسباب الأمراض الاجتماعية والأسرية، أسباب البعد عن الله -عز وجل- هو: الإعراض عن الكتاب والسنة.
أسباب هذه الأمور الخطيرة، هو: الإعراض عن الله، وعن دين الله، رجل يطلق زوجته مرة ومرة ومرة، ويزيد الطلاق عن ثلاث، وإذا قالت له: اسأل واذهب إلى المحكمة، سخر منها واستهزأ، وكأن الأمر لا يعنيه، وكأنما ما يتلفظ به من ألفاظ الطلاق، لا أثر لها، جهلا وعنادا وبعدا عن الدين، وعن الله، ثم يرجو أن تكون حياته سعيدة.
رجل يضرب زوجته لأتفه الأسباب، ضربا مبرحا، يكسر ويجرح، ويسيل الدم، فلا نصير لها، ولا معين، يجهل أن هذا ظلم، وأن هذا الظلم ظلمات يوم القيامة، يجهل أنه إذا ظلم سيسخر الله من يظلمه، والجزاء من جنس العمل، وكما تدين تدان.
يجهل أن الله حرم الظلم على نفسه، وجعله بين عباده محرما: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما، فلا تظالموا".
هكذا يحدث، لا يلزمها بالحجاب، بعض الناس يمنعون الزوجة أن تتحجب، بعض الناس يلزمونها أن تواجه الأقارب والأصدقاء، إن هذا من أسباب الإخفاق، والفشل؛ لأنه غير غيور، وغير حريص.
بعض الناس لا يسألون: أين خرجت الزوجة؟ وأين ذهبت؟
لا يهمهم هذا، أو الثقة فيها مبالغ فيها!.
فهذا من أسباب الإخفاق، إذ لا تجد من يسأل عنها، ولا تجد من يحرص عليها، ولا تجد من يغار عليها.
والغيرة مطلوبة، لا تسمح لأحد أن يطلع عليها، أو يراها، فهي زوجتك الخاصة بك، لا يمكن أن تكون عرضة لنظر الآخرين، أو كلام الآخرين، أو الاختلاط بالآخرين.
وبعض الناس على العكس تماما، تزداد الغيرة لديهم، حتى تصبح وسوسة وشكا قاتلا، فيسيء الظن، ويتهم ويطعن، ولا يراعي الله في كلامه وظنونه، وإذا ظن الإنسان فلا يجوز له أن يحقق الظن، أو يتهم: (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) [الحجرات: 12].
وإذا حصلت الشكوك في العلاقة الزوجية، فقد تهدم بنيانها، فلا يمكن أن تلتئم الحياة على الشك والريب والوسوسة والطعن والاتهام.
الخطبة الثانية:
إخوتي الكرام: إن معرفة الدين أساسا، وإتباع أوامر الله وطاعته، واجتناب نواهيه، والبعد عما يغضبه، من أسباب النجاح في الحياة الزوجية.
إن ضبط اللسان، والبعد عن سوء الألفاظ والشتائم، واختيار اللفظ الحسن، والكلمة الطيبة التي تتعبد الله بها، وترجو الله ثوابها، من أسباب النجاح في الحياة الزوجية.
وإن حسن الخلق، والتحمل والصبر، وحسن المعالجة والحكمة، والدفع بالتي هي أحسن؛ من أسباب النجاح في الحياة الزوجية.
وإن الاستقامة على الدين، والبعد عن المنكرات والآثام، والعفة والنزاهة عن المحارم، من أسباب النجاح في الحياة الزوجية.
فإذا انحرفت قيض لك من يسيء العلاقة معك، ومن يجازيك، حتى تدرك خطأك.
فلا ينبغي أن نتهاون فيما بيننا وبين الله، لا ينبغي أن نقطع العلاقة بيننا وبين الله، لا يجوز أن نضيع الفرائض التي بيننا وبين الله، ولا أن نتجرأ على المنكرات التي حرمها الله، لا أن نخترق الحدود، ولا نتجاوز الحمى، فإن ذلك من أسباب الإخفاق والفشل، والذي يجني نتائج الفشل والإخفاق: الزوج والزوجة أولا، والأولاد وأسرة الزوج والزوجة، والمجتمع بعد ذلك، يجني حصاد الهشيم، يجني أسرا متفككة، وشبابا ضائعا، ونساءً مشردات، وأزواجا لا يعرفون الهدوء، ولا الطمأنينة، ولا الحياة السعيدة، والله -عز وجل- يقول: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً)[الروم: 21].
فلماذا لا يحقق الإنسان هذا الذي جعله الله؟ لماذا لا يحرص عليه؟ لماذا لا يحافظ عليه؟ لماذا يستهين به؟ لماذا يخالف توجيهات الله في هذا الاعتداء والظلم؟ وهذه الاستهانة بما قدره الله وشرعه، وبما أمر به وحث عليه؟.
إخوتي الكرام: إن الأمر يحتاج إلى أكثر من هذا المعالجة والدواء، ولكن الوقت لا يتسع، ولكن الكلام يكفي قليله في التوجيه، عندما يدرك الإنسان أثر ذلك في حياته الأسرية، عندما يعلم كم يجني من الاختلاف؟ ومن البعد عن الدين وعن الله؟ كم يجني من العقبات ومن الآلام ومن الشدائد ومن المحن؟
فالشهوات الدنيوية سرعان ما تزول وتنقضي، وتعقبها الندامة والحسرة، ولكن الإنسان إذا عطل عقله، وابتعد عن دينه، يفعل ما يقضي على حياته، وما يسبب غضب ربه، وما يحول حياته إلى جحيم.
فلنرجع إلى الله، ولنرجع إلى دين الله، ولنتعلم أحكام ديننا، ولنحرص على استقامة حياتنا، ولننشئ أولادنا على حسن الخلق، وحسن المعاملة، ولنتحمل الأذى، ولنكن حكماء في المعالجة، ولا نستعجل في مثل هذه الأمور، حتى لا نندم بعد تسرع، وحتى لا تنحصر عنا حياتنا الطيبة التي أرادها الله بدينه أن نعيشها، وأن نحياها.
أسأل الله العظيم أن يرد المسلمين إلى دينهم ردا جميلا، وأن يصلح الأسر، وأن يصلح الأولاد والزوجات، وأن يصلح الشباب والنساء، وأن يصلحنا جميعا، وأن يجعلنا ممن يخشاه، ويعمل لمرضاته، ويسعد في الدارين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم