عناصر الخطبة
1/أسماء الله كلها حسنى 2/تأملات في معاني اسم الله الفتاح 3/نماذج من فتح الله على عباده 4/مفتاح الخير كله.اقتباس
والفتح نقيض الإغلاق، قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ)[الأعراف:40]، والمعنى أن أَبواب السماء تُغْلَق، أما أرواحهم فلا تَصْعَدُ أرواحهم ولا أَعمالهم؛ لأَن أَعمال المؤمنين وأَرواحهم تصعد إِلى السماء.
الخطبة الأولى:
أسماء الله حسنى وصفاته علا، وهي تزيد العبد إيمانًا وقربًا من مولاه، قال ابن تيمية -رحمه الله-: "وكلما ازداد الإنسان معرفة بأسماء الله وصفاته وآياته كان إيمانه به أكمل".
وقد وصف الله نفسه الكريمة بـ"الفتاح"، وهي صيغة مبالغة من الفتح، قال -سبحانه-: (وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ)[سبأ:26]. وقد سمى الله نفسه به على سبيل الإطلاق مرادًا به العلمية ودالاً على الوصفية، وقد ورد المعنى محمولاً عليه مسندًا إليه في نص واحد من النصوص القرآنية وهو قوله -تعالى-: (قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ) [سبأ:26].
والفتح نقيض الإغلاق، قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ)[الأعراف:40]، والمعنى أن أَبواب السماء تُغْلَق، أما أرواحهم فلا تَصْعَدُ أرواحهم ولا أَعمالهم؛ لأَن أَعمال المؤمنين وأَرواحهم تصعد إِلى السماء.
واسم الفتاح يدل باللزوم على الحياة والقيومية والسمع والبصر والعلم والقدرة والغنى والرحمة، والعزة والقوة، والعدل والحكمة، وغير ذلك من أوصاف الكمال، واسم الله الفتاح دل على صفة من صفات الأفعال.
ومن معاني اسم الله الفتاح:
أولاً: أنه -سبحانه- هو الحاكم الذي يفتح بين عباده؛ فيثبّت الطائعين، ويعاقب العاصين، قال -سبحانه-: (قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ) [سبأ:26].
ومنها: نصر أهل الحق وإذلال أهل الباطل قال -سبحانه-: (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ)[الأعراف:89]، قال ابن كثير -رحمه الله-: "أي افصل بيننا وبين قومنا وانصرنا عليهم، (وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ)؛ أي الحاكمين".
وقد سمى الله يوم القيامة لعِظَمِهِ وهَوْله بيوم الفتح؛ كما قال -عز وجل-: (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ)[السجدة:28-29].
ومن معاني اسم الله الفتاح: أنه -سبحانه- يَفتح لعباده ما يشاء من أبواب الخيرات والبركات، قال -تعالى-: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا)[فاطر:2]؛ أي يفتح لعباده منافع الدنيا والدين فيفتح لمن اختصهم بلطفه بالمعلوم النافعة، والمعارف والحقائق الإيمانية، ما يصلح أحوالهم وتستقيم به قلوبهم على الصراط المستقيم، ويفتح لعباده أبواب الرزق الواسعة وأسباب جلبه المختلفة.
ومن معاني هذا الاسم الكريم أنه -سبحانه- يفتح كل مغلق؛ فيكشف الكرب، ويزيل الغم ويرفع البلاء.
ومن المعاني أنه يفتح أبواب رحمته، وكذلك يفتح أبواب الهلاك والبلاء على الكافرين، قال نوح -عليه السلام-: (قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ * فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)[الشعراء:117-118].
فاستجاب الله دعاء نبيه -عليه السلام-؛ ففتح بينه وبين قومه بالحق والنصر، فأنجى الله رسوله -عليه السلام- وأهلك عدوه.
ولذا من معاني هذه الصفة أن يفتح لهم ما استعصى عليهم من القلوب والديار، قال -تعالى- ممتنًا على نبيه -عليه السلام- ومن معه من الصحابة على فتح مكة (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا)[الفتح:1]، وقال -عز وجل-: (وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا)[الفتح:18].
والله -سبحانه- من صفاته أنه الفاتح بمعنى الناصر (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ)[الأنفال:19]؛ أي: إن تستنصروا فقد جاءكم النصر، والخلق كلهم مفتقرون إليه؛ لأنه -سبحانه- هو الفتاح العليم، وليس بيد أحدهم من خلقه ذلك.
والله -سبحانه- فتح على عباده خزائن جوده وكرمه وأفضاله وإنعامه، فما يأتيهم من مطر أو رزق فلا يقدر أيّ مخلوق أن يمنع ذلك أو ينقصه. (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[فاطر:2].
وكما أن الله يفتح أبواب الرَّحْمة والرزق لعباده أجمعين، يفتح أبواب البلاء لامتحان الصادقين، قال -تعالى-: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)[الأعراف:96].
وقد يفتح الله للعاصين أبوابًا من الدنيا استدراجًا قال -تعالى-: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الأنعام:44-45].
فالفتاح إذًا: هو الذي يفتح خزائن جوده وكرمه لعباده الطائعين، ويفتح أبواب البلاء والهلاك على الكافرين المعاندين، وهو الذي يَفتَحُ على خَلقِهِ ما انغلَقَ عليهم من أمورِهِم فيُيَسّرُها لهم فَضلاً منه وكَرَمًا، فهو الذي بيده خزائن والسماوات الأرض، يفتح منها ما يشاء بحكمته، وعلى ما قضاه في خلقه بمشيئته؛ قال ابن القيم:
وكذلك الفتاح من أسمائه *** والفتح في أوصافه أمران
فتح بحكم وهو شرع إلهنا *** والفتح بالأقدار فتح ثان
والرب فتاح بذين كليهما *** عدلاً وإحسانًا من الرحمن
الخطبة الثانية:
ينبغي للعبد أن يعلم أن مفتاح الخير كله في توحيد الله -عز وجل- ومتابعة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ، أو فيسبغ الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبدُ الله ورسوله؛ إلا فُتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء"(رواه مسلم).
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما قال عبد لا إله إلا الله قط مخلصًا إلا فتحت له أبواب السماء حتى تُفضي إلى العرش ما اجتنب الكبائر"(رواه الترمذي).
فعلى العبد أن يعتمد على ربه قبل الأخذ بالأسباب، وأن يطلب منه وحده مفاتح الخير، وذلك يكون بحسن توكله عليه وركونه إليه، وأن يحذر من الدنيا إذا فُتِحَتْ عليه، قام النبي -صلى الله عليه وسلم- على المنبر فقال: "إنما أخشى عليكم من بعدي ما يُفتح عليكم من بركات الأرض"(رواه البخاري).
وفيه أيضًا: "إني مما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها"، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن هذا الخير خزائن، ولتلك الخزائن مفاتيح، فطوبى لعبد جعله الله مفتاحًا للخير مغلاقًا للشر، وويل لعبد جعله الله مفتاحًا للشر مغلاقًا للخير"(رواه ابن ماجه).
فتح الله علينا وعليكم من أبواب خيره وجوده، ورحمته.
وصلوا وسلموا...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم