عناصر الخطبة
1/ واجب المسلم تجاه الفتن 2/ منزلة العِفة في الإسلام 3/ وصية لمن عجز عن الزواج ونفقاته 4/ عون العاجز عن النكاح من أفضل أعمال البِّر والإحسان 5/ أضرار ومفاسد المغالاة في المهور وطلبات الزواج 6/ أثر الصوم في العفة 7/ الآفات العظيمة المترتبة على النظر للحرام 8/ رسالة إلى من يريد العفاف ويخشى السقوط والانحراف 9/ رسالة للمرأة المسلمة 10/ رسالة إلى من اتخذ من السفر إلى الخارج طريقًا إلى الحريةاقتباس
العفّة برهان على صدق الإيمان، وطهارة النفس وحياة القلب، وهي عِزُّ الحياة وشرفها وكرامتها، بها تحصل النجاة من مَرارات الفاحشة، وآلام المعصية، وحسرات عذاب الآخرة، الخارج عنها قَذِرُ المَشْرَبِ، خبيث المَرْكَبِ، نَتِنُ المَطْلَب، ضالّ المذهب، موصوف بأقبح الأوصاف وأسْوَء النُّعُوت، الخزي يلاحقه، والهلاك يدركه، والعذاب يهلكه، فيا خَسَارَ من وقع في حَمْأَة الخَنَث وأوهاك العبث، وخاب العادون المسرفون، وشقي...
الخطبة الأولى:
أما بعد:
فيا أيها المسلمون: اتقوا الله؛ فإنّ تقواه أفضل مُكتسَب، وطاعته أعلى نَسَب: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
أيها المسلمون: إذا عَجَّ الزمن بالفتن، وكثرت دواعي الانحراف؛ لزم المسلم الاستعفاف عن مواقعة الحرام، والاستعلاء عن مقارفة الفواحش، والاستعصام عن الرغبات الجَامِحَةِ والإرادات المهلكة، ومجاهدة النفس وصونها عن الأقذار، وكَبْتها عمَّا لا يَحِلّ. ومتى استسلم المرء لنوازع الشهوة والغريزة واللذة المحرمة فقد تردَّى في مستنقع البؤس والخيبة، وخَرَّ في دركات الضياع والقلق والتوتر والحيرة، وهوي في حَضِيض الانحلال والاضطراب والشقاء: (وَمَنْ يَكُنْ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا) [النساء:38].
أيها المسلمون: العفّة برهان على صدق الإيمان، وطهارة النفس وحياة القلب، وهي عِزُّ الحياة وشرفها وكرامتها، بها تحصل النجاة من مَرارات الفاحشة، وآلام المعصية، وحسرات عذاب الآخرة، الخارج عنها قَذِرُ المَشْرَبِ، خبيث المَرْكَبِ، نَتِنُ المَطْلَب، ضالّ المذهب، موصوف بأقبح الأوصاف وأسْوَء النُّعُوت، الخزي يلاحقه، والهلاك يدركه، والعذاب يهلكه، فيا خَسَارَ من وقع في حَمْأَة الخَنَث وأوهاك العبث، وخاب العادون المسرفون، وشقي الظالمون المجرمون: (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) [الحجر:72]. سكروا بحب الفاحشة فلا يبالون ذَمًّا، ولا يخشون لومًا، ولا يخافون عَذْلاً، (فَأَخَذَتْهُمْ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ * فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ * وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) [الحجر:73-77].
فيا سعادة من عَفَّ، ويا فوز من كَفَّ، ويا هَنَاءَة من غضّ الطرف، طوبى لمن حفظ فرجه، وصان عِرضه، وأحصن نفسه، فعن سهل بن سعد –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله : "من يَضْمَنُ لي ما بين لَحْيَيْهِ وما بين رِجْلَيْهِ أَضْمَن له الجنة". أخرجه البخاري. وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "يا شباب قريش: احفظوا فروجكم، لا تزنوا، ألا من حفظ فرجه فله الجنة". أخرجه الحاكم والبيهقي، وقال الحاكم: "صحيح على شرطهما". وعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله"، فعدّهم، ومنهم: "رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله". متفق عليه.
يا من تاقت نفسه إلى النكاح، وعَجِزَ عن طَوْله، وتعَذّر عليه صداقه، وعَسُرت عليه أُهْبَتُه ونفقاته: استعفف عن الحرام، وترفّع عن الآثام، وأصغِ السمع لقول الملك العلاّم: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) [النور:33]. وقد تكفّل الله بمقتضى وعده في إعانة الناكح يريد العفاف، فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثة حقّ على الله -عزّ وجل- عونهم: المكاتَب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف، والمجاهد في سبيل الله". أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه.
أيها المسلمون: إن عون العاجز عن النكاح ممن يستضِرّ بفقده، ويصيبه العَنَت لعدم وَجْده؛ من أعظم أعمال البر والإحسان، وأجلّ طرق نشر العفّة والإحصان.
ويتوجّب القول بأنّ التمادي في المغالاة في المهور والتباهي بإظهار البذَخ في حفلات الزواج، وتجاوز الحد في الطلبات والشروط، والخروج عن الاعتدال في تكاليف النكاح، أدى إلى عجز الكثير عن إعفاف نفسه بالمباح، وإحصانها بالتزوج، وجَرَّ كثيرًا من الشباب والفتيات إلى الانحراف والفساد، وربنا يقول: (وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) [النور:32]. ويقول عمر -رضي الله عنه-: "ألا لا تغالوا صَدُقة النساء؛ فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا، أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها نبي الله -صلى الله عليه وسلم-، وما علمت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نكح شيئًا من نسائه، ولا أنكح شيئًا من بناته على أكثر من ثنتي عشرة أوقية". أخرجه الترمذي.
أيها المسلمون: الصوم مَقْطَعة للنكاح، مَدْفَرَةٌ للماء، مَسْكَنة لداعي الزنا والفجور، به يستعين المتعفّفون، وبه يتحصّن المتحصّنون، وبه ينشغل العاجزون، فعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم-: "يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغضّ للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وِجَاء". متفق عليه.
أيها المسلمون: ومن تداوى بما حرم عليه تخلّفت عنه المعونة، وإطلاق البصر وإرسال النظر وتقليب الطرف في المحرمات عدو العفّة ورائد الفجور، ورسول الشرّ وبذرة الشهوة في القلب، السعادة في غضه، والنجاة في كسره، قال -جل في علاه-: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) [النور:30، 31].
والصور المحرمة تنجس النفس، وتقوي إرادتها على التمرّد والعصيان، وهل أنتجت مشاهد الإثارة ولقطات التهييج وصور العري والتفكّك إلا خرق سياج العفّة والشرف، وشيوع الجريمة الأخلاقية، وفقدان الأمن وانتشار الاعتداءات المروّعة، وهل يحمل الإلحاح الغريزي الجامح، والسُّعَار الجنسي الهائج، إلا على السَّفَه والخفّة وركوب الشر، وما عساه يُجنَى من أفلام ومجلات وقصص وروايات، وأطباق وقنوات جعلت الإثارة إحدى ركائزها، وتأجيج الغرائز أساس قيامها، ومحاربة العفة والطهارة من أولويات أهدافها؟!
وبادر -أخي المسلم- في التخلّص من ويلها وبلائها؛ صونًا لشرفك، وحفظًا لعرضك وسلامة لنفسك وذريتك، فالدين يوجب رفعها، والأمانة تقتضي دفعها.
يا من يريد العفاف، ويخشى السقوط والانحراف: اختر الصاحب الملازم، واصطفِ القرين المجالس، وابحث عن الخليل المجانس، وإياك والتجمعات المشبوهة والرفقة الشاذة والصحبة السيئة، التي تدعو المرء إلى الوقوع في الرذيلة، والولوغ في الفاحشة، فكم جَرَّ صاحب السوء إلى صاحبه من خزي دام لا يزول، وشرٍّ قائم لا يحول، عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل". أخرجه أبو داود والترمذي.
يا عبد الله: اعرف شرف الزمان وقدر الوقت وقيمة العمر والحياة، ولا تجعل فراغك مسرحًا للهواجس الضارة والأفكار المنحرفة، والتخيّلات القاتلة، وعادات العبث المهلكة، واجْأَر إلى الله بالدعاء، واسْأَله أن يصرف عنك السوء والفحشاء، وعُذْ به والتجِئ إليه، وحافظ على الصلاة؛ فإنها منهاة عن الفحشاء والمنكر، وتزوّد لمشقة المسير وعظم البلاء بملازمة مجالس الإيمان ودروس القرآن، وعدم مفارقتها إلا من عذر؛ لأنها المرتع الخصيب والروض الأريج، الذي تصح القلوب بخوضه، وتزكو النفوس برعيه. فعن أنس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا مَرَرْتُم برياض الجنة فَارْتَعُوا"، قالوا: وما رياض الجنة؟! قال: "حِلَقُ الذِّكْرِ". أخرجه الترمذي.
وقاني الله وإياكم الشرور والآثام، وحمانا بفضله من الفتن والبلايا العظام، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون: اتقوا الله وراقبوه، وأطيعوه ولا تعصوه، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة:119].
أيتها المرأة المسلمة والعفيفة الطاهرة: إن دورك خطير وواجبك كبير في حفظ طهارة الأمة، ورعاية أسباب العفة ووقاية المجتمع؛ وذلك برعاية واجب الستر والحشمة والحجاب، ونبذ الاختلاط والتبرج والسفور، والحذر من الخلوة المحرمة، فقومي بواجبك المعظم، قومي بواجبك المعظم، قومي بواجبك المعظم، تنالي العيش الكريم والفخر العظيم والفوز في جنات النعيم.
يا عبد الله، يا من اتخذ من السفر إلى الخارج طريقًا إلى الحرية، ووسيلة للممارسات اللا أخلاقية، ومسلكًا للولوغ في الفاحشة والمحرمات، تحت جنح الاستخفاء والاستهتار، تذكّر أنه مهما غَابَ الرقيب وبَعُدَ عنك القريب فإن الله يراك، فإن الله يراك، فإن الله يراك وهو شهيد على سرك ونجواك. أحاط علمه بالأشياء كلها، سرها وجهرها، فأقصر عن طريق الهلاك، واستحِ من نظر مولاك، فقد قرعت باب البلاء، ووطئت ذَنَبَ الحية الصماء، وسرت إلى الشقاء والعناء، والعاقل اللبيب يتبصّر العواقب، ويتجنب المصاعب والمصائب، ومن غَرّته أيام السلامة حدّثته ألسنة الندامة، ومن لم تنفعه الإشارة لم يردعه كثير العبارة، يقول الحق في أعظم كتاب: (إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) [الرعد:19].
أيها المسلمون: إن ثمرة الاستماع الاتباع، فكونوا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. واعلموا أن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه، وثنّى بملائكته المسبّحة بقُدْسِه، وأيَّهَ بكم أيها المؤمنون من جنه وإنسه، فقال قولاً كريمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم